والمراد بالوحي هنا الوحي الذي به وصف كيفية صنع الفلك كما دل عليه عطفه على المجرور بباء الملابسة المتعلقة بالأمر بالصنع.
ودل النهي في قوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، على أن كفار قومه سينزل بهم عقاب عظيم لأن المراد بالمخاطبة المنهي عنها المخاطبة التي ترفع عقابهم فتكون لنفعهم كالشفاعة ، وطلب تخفيف العقاب لا مطلق المخاطبة. ولعل هذا توطئة لنهيه عن مخاطبته في شأن ابنه الكافر قبل أن يخطر ببال نوح ـ عليهالسلام ـ سؤال نجاته حتى يكون الرد عليه حين السؤال ألطف.
وجملة (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) إخبار بما سيقع وبيان لسبب الأمر بصنع الفلك. وتأكيد الخبر بحرف التوكيد في هذه الآية مثال لتخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل غير السائل المتردد منزلة السائل إذا قدم إليه من الكلام ما يلوّح إلى جنس الخبر فيستشرفه لتعيينه استشرافا يشبه استشراف السائل عن عين الخبر.
[٣٨ ، ٣٩] (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))
عطف على جملة (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) [هود : ٣٧] ، أي أوحي إليه (اصْنَعِ الْفُلْكَ) ، وصنع الفلك. وإنما عبر عن صنعه بصيغة المضارع لاستحضار الحالة لتخييل السامع أن نوحا ـ عليهالسلام ـ بصدد العمل ، كقوله : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : ٩] وقوله : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٤].
وجملة (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ) في موضع الحال من ضمير (يَصْنَعُ).
و (كُلَّما) كلمة مركبة من (كل) و (ما) الظرفية المصدرية ، وانتصبت (كل) على الظرفية لأنها اكتسبت الظرفية بالإضافة إلى الظرف ، وهو متعلّق (سَخِرُوا) ، وهو جوابه من جهة أخرى. والمعنى : وسخر منه ملأ من قومه في كل زمن مرورهم عليه.
و (لما) في (كلما) من العموم مع الظرفية أشربت معنى الشرط مثل (إذا) فاحتاجت إلى جواب وهو (سَخِرُوا مِنْهُ).
وجملة (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا) حكاية لما يجيب به سخريتهم ، أجريت على طريقة