السامعون مصيرها وشاهدوا ديارها.
الثالث : تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه ما لقي من قومه إلا مثل ما لقي الرسل السابقون من أقوامهم.
ولذلك فرع على جملة التشبيه خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) أي عاقبة الأمم التي ظلمت بتكذيب الرسل كما كذب هؤلاء.
والأمر بالنظر في عاقبة الظالمين مقصود منه قياس أمثالهم في التكذيب عليهم في ترقب أن يحل بهم من المصائب مثل ما حل بأولئك لتعلم عظمة ما يلاقونك به من التكذيب فلا تحسبن أنهم مفلتون من العذاب. والنظر هنا بصري.
و (كَيْفَ) يجوز أن تكون مجردة عن الاستفهام ، فهي اسم مصدر للحالة والكيفية ، كقولهم : كن كيف شئت. ومنه قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) في سورة آل عمران [٦]. ف (كَيْفَ) مفعول به لفعل (فَانْظُرْ) ، وجملة : كانَعاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) صفة (كَيْفَ). والمعنى انظر بعينك حالة صفتها كان عاقبة الظالمين ، وهي حالة خراب منازلهم خرابا نشأ من اضمحلال أهلها.
ويجوز أن تكون (كَيْفَ) اسم استفهام ، والمعنى فانظر هذا السؤال ، أي جواب السؤال ، أي تدبره وتفكّر فيه. و (كَيْفَ) خبر (كانَ). وفعل النظر معلق عن العمل في مفعوليه بما في (كَيْفَ) من معنى الاستفهام.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠))
عطف على جملة : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) [يونس : ٣٩] لأن الإخبار عن تكذيبهم بأنه دون الإحاطة بعلم ما كذبوا به يقتضي أن تكذيبهم به ليس عن بصيرة وتأمل. وما كان بهاته المثابة كان حال المكذبين فيه متفاوتا حتى يبلغ إلى أن يكون تكذيبا مع اعتقاد نفي الكذب عنه ، ولذلك جاء موقع هذه الآية عقب الأخرى موقع التخصيص للعام في الظاهر أو البيان للمجمل من عدم الإحاطة بعلمه ، كما تقدم بيانه في قوله : (بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) [يونس : ٣٩]. فكان حالهم في الإيمان بالقرآن كحالهم في اتباع الأصنام إذ قال فيهم : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) [يونس : ٣٦] ، فأشعر لفظ أَكْثَرُهُمْ) بأن منهم من يعلم بطلان عبادة الأصنام ولكنهم يتبعونها مشايعة لقومهم ومكابرة للحق ، وكذلك حالهم في التكذيب بنسبة القرآن إلى الله ، فمنهم من يؤمن به ويكتم إيمانه مكابرة وعداء ، ومنهم