من لا يؤمنون به ويكذبون عن تقليد لكبرائهم.
والفريقان مشتركان في التكذيب في الظاهر كما أنبأت عنه (من) التبعيضية ، وضمير الجمع عائد إلى ما عادت إليه ضمائر (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [يونس : ٣٨] فمعنى يؤمن به يصدق بحقيقته في نفسه ولكنه يظهر تكذيبه جمعا بين إسناد الإيمان إليهم وبين جعلهم بعضا من الذين يقولون (افْتَراهُ).
واختيار المضارع للدلالة على استمرار الإيمان به من بعضهم مع المعاندة ، واستمرار عدم الإيمان به من بعضهم أيضا.
وجملة : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) معترضة في آخر الكلام على رأي المحققين من علماء المعاني ، وهي تعريض بالوعيد والإنذار ، وبأنهم من المفسدين ، للعلم بأنه ما ذكر بِالْمُفْسِدِينَ) هنا إلّا لأن هؤلاء منهم وإلا لم يكن لذكر (بِالْمُفْسِدِينَ) مناسبة ، فالمعنى : وربك أعلم بهم لأنه أعلم بالمفسدين الذين هم من زمرتهم.
(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١))
لما كان العلم بتكذيبهم حاصلا مما تقدم من الآيات تعين أن التكذيب المفروض هنا بواسطة أداة الشرط هو التكذيب في المستقبل ، أي الاستمرار على التكذيب. وذلك أن كل ما تبين به صدق القرآن هو مثبت لصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي أتى به ، أي إن أصروا على التكذيب بعد ما قارعتهم به من الحجة فاعلم أنهم لا تنجع فيهم الحجج وأعلن لهم بالبراءة منهم كما تبرءوا منك.
ومعنى : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) المتاركة. وهو مما أجري مجرى المثل ، ولذلك بني على الاختصار ووفرة المعنى ، فأفيد فيه معنى الحصر بتقديم المعمول وبالتعبير بالإضافة ب عَمَلِي) و (عَمَلُكُمْ) ، ولم يعبر بنحو لي ما أعمل ولكم ما تعملون ، كما عبر به بعد.
والبريء : الخلي عن التلبس بشيء وعن مخالطته. وهو فعيل من برّأ المضاعف على غير قياس. وفعل برّأ مشتق من برىء ـ بكسر الراء ـ من كذا ، إذا خلت عنه تبعته والمؤاخذة به.