والمعنى : ليت لي قوة أدفعكم بها ، ويريد بذلك قوة أنصار لأنّه كان غريبا بينهم.
ومعنى (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) أو أعتصم بما فيه منعة ، أي بمكان أو ذي سلطان يمنعني منكم.
والركن : الشق من الجبل المتّصل بالأرض.
(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١))
هذا كلام الملائكة للوط ـ عليهالسلام ـ كاشفوه بأنّهم ملائكة مرسلون من الله تعالى. وإذ قد كانوا في صورة البشر وكانوا حاضري المجادلة حكى كلامهم بمثل ما تحكى به المحاورات فجاء قولهم بدون حرف العطف على نحو ما حكي قول : لوط ـ عليهالسلام ـ وقول قومه. وهذا الكلام الذي كلّموا به لوطا ـ عليهالسلام ـ وحي أوحاه الله إلى لوط ـ عليهالسلام ـ بواسطة الملائكة ، فإنّه لمّا بلغ بلوط توقع أذى ضيفه مبلغ الجزع ونفاد الحيلة جاءه نصر الله على سنّة الله تعالى مع رسله (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) [يوسف : ١١٠].
وابتدأ الملائكة خطابهم لوطا ـ عليهالسلام ـ بالتعريف بأنفسهم لتعجيل الطمأنينة إلى نفسه لأنّه إذا علم أنهم ملائكة علم أنهم ما نزلوا إلّا لإظهار الحق. قال تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [الحجر : ٨]. ثم ألحقوا هذا التعريف بالبشارة بقولهم : (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ). وجيء بحرف تأكيد النفي للدّلالة على أنهم خاطبوه بما يزيل الشك من نفسه. وقد صرف الله الكفّار عن لوط ـ عليهالسلام ـ فرجعوا من حيث أتوا ، ولو أزال عن الملائكة التشكّل بالأجساد البشرية فأخفاهم عن عيون الكفّار لحسبوا أنّ لوطا ـ عليهالسلام ـ أخفاهم فكانوا يؤذون لوطا ـ عليهالسلام ـ. ولذلك قال له الملائكة (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) ولم يقولوا لن ينالوا ، لأنّ ذلك معلوم فإنهم لمّا أعلموا لوطا ـ عليهالسلام ـ بأنهم ملائكة ما كان يشك في أن الكفّار لا ينالونهم ، ولكنّه يخشى سورتهم أن يتّهموه بأنه أخفاهم.
ووقع في التوراة أن الله أعمى أبصار المراودين لوطا ـ عليهالسلام ـ عن ضيفه حتى قالوا : إنّ ضيف لوط سحرة فانصرفوا. وذلك ظاهر قوله تعالى : في سورة القمر [٣٧]