والكمالات النفسانية والعطايا اللدنية التي الله أعلم بها.
واسم التفضيل هنا مسلوب المفاضلة مقصود منه شدة العلم.
وجملة (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) تعليل ثان لنفي أن يقول : (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً). و (إِذاً) حرف جواب وجزاء مجازاة للقول ، أي لو قلت ذلك لكنت من الظالمين ، وذلك أنه يظلمهم بالقضاء عليهم بما لا يعلم من حقيقتهم ، ويظلم نفسه باقتحام القول بما لا يصدق.
وقوله : (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أبلغ في إثبات الظلم من : إني ظالم ، كما تقدم في قوله تعالى : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) في سورة البقرة [٦٧].
وأكده بثلاث مؤكدات : إنّ ولام الابتداء وحرف الجزاء ، تحقيقا لظلم الذين رموا المؤمنين بالرذالة وسلبوا الفضل عنهم ، لأنه أراد التعريض بقومه في ذلك. وسيجيء في سورة الشعراء ذكر موقف آخر لنوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه في شأن هؤلاء المؤمنين.
[٣٢ ، ٣٣] (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣))
فصلت هذه الجملة فصلا على طريقة حكاية الأقوال في المحاورات كما تقدم في قصة آدم ـ عليهالسلام ـ من سورة البقرة.
والمجادلة : المخاصمة بالقول وإيراد الحجّة عليه ، فتكون في الخير كقوله : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٤] ، ويكون في الشر كقوله : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧]. وإنما أرادوا أنه جادلهم فيما هو شر فعبّر عن مرادهم بلفظ الجدال الموجّه ، وقد مضى عند قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) في سورة النساء [١٠٧].
وهذا قول وقع عقب مجادلته المحكية في الآية قبل هذه ، فتعين أن تلك المجادلة كانت آخر مجادلة جادلها قومه ، وأن ضجرهم وسآمتهم من تكرار مجادلته حصل ساعتئذ فقالوا قولهم هذا ، كانت كلها مجادلات مضت. وكانت المجادلة الأخيرة هي الّتي استفزّت امتعاضهم من قوارع جدله حتى سئموا من تزييف معارضتهم وآرائهم شأن المبطل إذا دمغته الحجة ، ولذلك أرادوا طي بساط الجدال ، وأرادوا إفحامه بأن طلبوا تعجيل ما توعدهم من عذاب ينزل بهم كقوله آنفا : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [هود : ٢٦].