وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) [آل عمران : ١٨٣] وقوله : (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) [النساء : ٨١].
ولما نفى موسى عن آيات الله أن تكون سحرا ارتقى فأبان لهم فساد السحر وسوء عاقبة معالجيه تحقيرا لهم ، لأنهم كانوا ينوّهون بشأن السحر. فجملة : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) معطوفة على جملة : (أَسِحْرٌ هذا).
فالمعنى : هذا ليس بسحر وإنما أعلم أن الساحر لا يفلح ، أي لو كان ساحرا لما شنع حال الساحرين ، إذ صاحب الصناعة لا يحقر صناعته لأنه لو رآها محقرة لما التزمها.
(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨))
الكلام على جملة : (قالُوا أَجِئْتَنا) مثل الكلام على جملة : (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ) [يونس : ٧٧].
والاستفهام في (أَجِئْتَنا) إنكاري ، بنوا إنكارهم على تخطئة موسى فيما جاء به ، وعلى سوء ظنهم به وبهارون في الغاية التي يتطلبانها مما جاء به موسى. وإنما واجهوا موسى بالخطاب لما تقدم من أنه الذي باشر الدعوة وأظهر المعجزة ، ثم أشركاه مع أخيه هارون في سوء ظنهم بهما في الغاية من عملهما.
و (لِتَلْفِتَنا) مضارع لفت من باب ضرب متعديا : إذا صرف وجهه عن النظر إلى شيء مقابل لوجهه. والفعل القاصر منه ليس إلا لا لمطاوعة. يقال : التفت. وهو هنا مستعمل مجازا في التحويل عن العمل أو الاعتقاد إلى غيره تحويلا لا يبقى بعده نظر إلى ما كان ينظره ، فأصله استعارة تمثيلية ثم غلبت حتى صارت مساوية الحقيقة.
وقد جمعت صلة (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) كل الأحوال التي كان آباؤهم متلبسين بها. واختير التعبير ب (وَجَدْنا) لما فيه من الإشارة إلى أنهم نشئوا عليها وعقلوها ، وذلك مما يكسبهم تعلقا بها ، وأنها كانت أحوال آبائهم وذلك مما يزيدهم تعلقا بها تبعا لمحبة آبائهم لأن محبة الشيء تقتضي محبة أحواله وملابساته.
وفي ذلك إشارة إلى أنها عندهم صواب وحق لأنهم قد اقتدوا بآبائهم كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣]. وقال عن قوم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ :