مُبِينٌ) فاسم الإشارة راجع إلى ما تضمنته جملة (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا).
وقرأه الجمهور «لسحر» ـ بكسر السين وسكون الحاء على أن المراد به الحاصل بالمصدر ، أي أن هذا الكلام كلام السحر ، أي أنه كلام يسحر به. فقد كان من طرق السحر في أوهامهم أن يقول الساحر كلاما غير مفهوم للناس يوهمهم أن فيه خصائص وأسماء غير معروفة لغير السحرة ، فالإشارة إلى الوحي.
وقرأه ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي (لَساحِرٌ) فالإشارة إلى رجل من قوله : إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) وهو النبي صلىاللهعليهوسلم وإن وصفهم إياه بالسحر ينبئ بأنهم كذبوا بكونه من عند الله ولم يستطيعوا أن يدعوه هذيانا وباطلا فهرعوا إلى ادعائه سحرا ، وقد كان من عقائدهم الضالة أن من طرائق السحر أن يقول الساحر أقوالا تستنزل عقول المسحورين. وهذا من عجزهم من الطعن في القرآن بمطاعن في لفظه ومعانيه.
والسحر : تخييل ما ليس بكائن كائنا. وقد تقدم عند قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) في سورة البقرة [١٠٢].
والمبين : اسم فاعل من أبان الذي هو بمعنى بأن ، أي ظهر ، أي سحر واضح ظاهر. وهذا الوصف تلفيق منهم وبهتان لأنه ليس بواضح في ذلك بل هو الحق المبين.
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣))
استئناف ابتدائي للاستدلال على تفرد الله تعالى بالإلهية. وإنما أوقع هنا لأن أقوى شيء بعث المشركين على ادعاء أن ما جاء به النبي سحر هو أنه أبطل الشركاء لله في الإلهية ونفاها عن آلهتهم التي أشركوا بها فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا) (لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥] فلا جرم أن أعقب إنكار إحالتهم ذلك بإقامة الدليل على ثبوته.
والخطاب للمشركين ، ولذلك أكد الخبر بحروف التوكيد ، وأوقع عقبه (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [يونس : ٢] ، فهو التفات من الغيبة في قوله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) وقوله (قالَ الْكافِرُونَ). وقد مضى القول في نظير صدر هذه الآية في سورة الأعراف إلى قوله: (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).
وقوله : (اللهُ) خبر (إِنَ) ، كما دل عليه قوله بعده : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ).