والفلاح تقدم في قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في سورة البقرة [٥].
وتأكيد الجملة بحرف التأكيد ناظر إلى شمول عموم المجرمين للمخاطبين لأنهم ينكرون أن يكونوا من المجرمين.
وافتتاح الجملة بضمير الشأن لقصد الاهتمام بمضمونها.
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨))
عطف على جملة : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) [يونس : ١٥] عطف القصة على القصة. فهذه قصة أخرى من قصص أحوال كفرهم أن قالوا : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) [يونس : ١٥] حين تتلى عليهم آيات القرآن ، ومن كفرهم أنهم يعبدون الأصنام ويقولون : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ).
والمناسبة بين القصتين أن في كلتيهما كفرا أظهروه في صورة السخرية والاستهزاء وإيهام أن العذر لهم في الاسترسال على الكفر ، فلعلهم (كما أوهموا أنه إن أتاهم قرآن غير المتلو عليهم أو بدل ما يرومون تبديله آمنوا) كانوا إذا أنذرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بعذاب الله قالوا : تشفع لنا آلهتنا عند الله. وقد روى أنه قاله النضر بن الحارث (على معنى فرض ما لا يقع واقعا) «إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزّى». وهذا كقول العاص بن وائل ، وكان مشركا ، لخبّاب بن الأرت ، وهو مسلم ، وقد تقاضاه أجرا له على سيف صنعه «إذا كان يوم القيامة الذي يخبر به صاحبك (يعني النبي صلىاللهعليهوسلم) فسيكون لي مال فأقضيك منه».
(وفيه نزل قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً)[مريم : ٧٧] الآية).
ويجوز أن تكون جملة : (وَيَعْبُدُونَ) إلخ عطفا على جملة : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [يونس : ١٧] فإن عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الافتراء.
وإيثار اسم الموصول في قوله : (ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) لما تؤذن به صلة الموصول من التنبيه على أنهم مخطئون في عبادة ما لا يضر ولا ينفع ، وفيه تمهيد لعطف