وبني فعل (أُمِرْتُ) للمجهول في اللفظ للعلم به ، إذ من المعلوم من سياق الكلام أنّ الذي أمره هو الله تعالى.
وقوله : (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي من الفئة التي يصدق عليها هذا الوصف وهو الإسلام ، أي توحيد الله دون عبادة شريك ، لأنه مشتق من إسلام العبادة وتخليصها لله تعالى دون غيره. كما في قوله تعالى : (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران : ٢٠].
وقد سمي التوحيد ودين الحق الخالص إسلاما في مختلف العصور وسمّى الله به سنن الرسل فحكاه عن نوح ـ عليهالسلام ـ هنا وعن إبراهيم بقوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [البقرة : ١٣١] ، وعن إسماعيل (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) [البقرة : ١٢٨] ، ويعقوب وبنيه إذ حكى عنهم (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٣] ، وعن يوسف (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) [يوسف : ١٠١] ، وعن موسى (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس : ٨] ، وعن سليمان أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل : ٣١] ، وعن عيسى والحواريين (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) [المائدة : ١١١]. وقد تقدم بيان ذلك مفصلا عند قوله تعالى : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) في سورة البقرة [١٢٨].
وقوله : (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أقوى في الدلالة على الاتصاف بالإسلام من : أن أكون مسلما ، كما تقدم عند قوله تعالى : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) في سورة البقرة [٤٣] ، وعند قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) في سورة براءة [١١٩].
(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣))
الفاء للتفريع الذكري ، أي تفريع ذكر هذه الجمل على ذكر الجمل السابقة لأن الشأن أن تكون لما بعد الفاء مناسبة لما قبلها تقتضي أن يذكر بعدها فيؤتى بالفاء للإشارة إلى تلك المناسبة ، كقوله تعالى : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر : ٧٢] ، وإلا فإن تكذيب قوم نوح حصل قبل أن يقول لهم : (إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي) [يونس : ٧١] إلخ ، لأنه ما قال لهم ذلك إلا وقد رأى منهم تجهم دعوته.
ولك أن تجعل معنى فعل (فَكَذَّبُوهُ) الاستمرار على تكذيبه مثل فعل (آمَنُوا) في