لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حلّ بهم على الوعيد به. وليس في قصة عاد وقصة مدين تعيين لموعد العذاب ولكنّ الوعيد فيهما مجمل من قوله : وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) [هود : ٥٧] ، وقوله : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) [هود : ٩٣].
وتقدم القول في معنى (جاءَ أَمْرُنا) إلى قوله : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ) في قصة ثمود. وتقدم الكلام على (بُعْداً) في قصة نوح في قوله : (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود : ٤٤].
وأما قوله : (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) فهو تشبيه البعد الذي هو انقراض مدين بانقراض ثمود. ووجه الشبه التّماثل في سبب عقابهم بالاستئصال ، وهو عذاب الصيحة ، ويجوز أن يكون المقصود من التّشبيه الاستطراد بذمّ ثمود لأنهم كانوا أشدّ جرأة في مناواة رسل الله ، فلمّا تهيأ المقام لاختتام الكلام في قصص الأمم البائدة ناسب أن يعاد ذكر أشدّها كفرا وعنادا فشبّه هلك مدين بهلكهم.
والاستطراد فنّ من البديع. ومنه قول حسّان في الاستطراد بالهجاء بالحارث أخي أبي جهل :
إن كنت كاذبة الذي حدثتني |
|
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم |
|
ونجا برأس طمرّة ولجام |
[٩٦ ، ٩٧] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧))
عطف قصة على قصة. وعقّبت قصة مدين بذكر بعثة موسى ـ عليهالسلام ـ لقرب ما بين زمنيهما ، ولشدة الصلة بين النبيئين فإن موسى بعث في حياة شعيب ـ عليهماالسلام ـ وقد تزوّج ابنة شعيب.
وتأكيد الخبر ب (قد) مثل تأكيد خبر نوح ـ عليهالسلام ـ في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [هود : ٢٥].
والباء في (بِآياتِنا) للمصاحبة فإن ظهور الآيات كان مصاحبا لزمن الإرسال إلى فرعون وهو مدّة دعوة موسى ـ عليهالسلام ـ فرعون وملأه.
والسلطان : البرهان المبين ، أي المظهر صدق الجائي به وهو الحجّة العقليّة أو