المصدر المنسبك من (أني نذير) ، أي متلبسا بالنذارة البيّنة.
وتقدم الكلام على نوح ـ عليهالسلام ـ وقومه عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) في آل عمران [٣٣]. وعند قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) في سورة الأعراف [٥٩].
وجملة (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) مفسرة لجملة (أَرْسَلْنا) لأن الإرسال فيه معنى القول دون حروفه ، ويجوز كونها تفسيرا ل (نَذِيرٌ) لما في (نَذِيرٌ) من معنى القول ، كقوله في سورة نوح [٢ ، ٣] (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ). وهذا الوجه متعين على قراءة فتح همزة (أني) إذا اعتبرت (أنّ) تفسيرية. ويجوز جعل (أن) مخففة من الثقيلة فيكون بدلا من (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) على قراءة ـ فتح الهمزة ـ واسمها ضمير شأن محذوفا ، أي أنّه لا تعبدوا إلّا الله.
وجملة (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) تعليل ل (نَذِيرٌ) لأن شأن النذارة أن تثقل على النفوس وتخزهم فكانت جديرة بالتعليل لدفع حرج ما يلاقونه.
ووصف اليوم بالأليم مجاز عقلي ، وهو أبلغ من أن يوصف العذاب بالأليم ، لأن شدة العذاب لما بلغت الغاية جعل زمانه أليما ، أي مؤلما.
وجملة (أَخافُ عَلَيْكُمْ) ونحوها مثل أخشى عليك ، تستعمل للتوقّع في الأمر المظنون أو المقطوع به باعتبار إمكان الانفلات من المقطوع به ، كقول لبيد :
أخشى على أربد الحتوف ولا |
|
أخشى عليه الرياح والمطرا |
فيتعدّى الفعل بنفسه إلى الخوف منه ويتعدى إلى المخوف عليه بحرف (على) كما في الآية وبيت لبيد.
و (العذاب) هنا نكرة في المعنى ، لأنه أضيف إلى نكرة فكان محتملا لعذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فأما عذاب الدنيا فليس مقطوعا بنزوله بهم ولكنه مظنون من نوح ـ عليهالسلام ـ بناء على ما علمه من عناية الله بإيمان قومه وما أوحي إليه من الحرص في التبليغ ، فعلم أن شأن ذلك أن لا يترك من عصوه دون عقوبة. ولذلك قال في كلامه الآتي (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) [هود : ٣٣] على ما يأتي هنالك. وكان العذاب شاملا لعذاب الآخرة أيضا إن بقوا على الكفر ، وهو مقطوع به لأنّ الله يقرن الوعيد بالدعوة ، فلذلك قال نوح ـ عليهالسلام ـ في كلامه الآتي (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) [هود : ٣٣] ، وقد تبادر إلى أذهان