قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ١١ ]

19/365
*

وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥))

هذا استئناف ابتدائي أيضا ، فضمير (هو) عائد إلى اسم الجلالة في قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) [يونس : ٣]. وهذا استدلال آخر على انفراده تعالى بالتصرف في المخلوقات ، وهذا لون آخر من الاستدلال على الإلهية ممزوج بالامتنان على المحجوجين به لأن الدليل السابق كان متضمنا لعظيم أمر الخلق وسعة العلم والقدرة بذكر أشياء ليس للمخاطبين حظ في التمتع بها. وهذا الدليل قد تضمن أشياء يأخذ المخاطبون بحظ عظيم من التمتع بها وهو خلق الشمس والقمر على صورتهما وتقدير تنقلاتهما تقديرا مضبوطا ألهم الله البشر للانتفاع به في شئون كثيرة من شئون حياتهم.

فجعل الشمس ضياء لانتفاع الناس بضيائها في مشاهدة ما تهمهم مشاهدته بما به قوام أعمال حياتهم في أوقات أشغالهم. وجعل القمر نورا للانتفاع بنوره انتفاعا مناسبا للحاجة التي قد تعرض إلى طلب رؤية الأشياء في وقت الظلمة وهو الليل. ولذلك جعل نوره أضعف لينتفع به بقدر ضرورة المنتفع ، فمن لم يضطرّ إلى الانتفاع به لا يشعر بنوره ولا يصرفه ذلك عن سكونه الذي جعل ظلام الليل لحصوله ، ولو جعلت الشمس دائمة الظهور للناس لاستووا في استدامة الانتفاع بضيائها فيشغلهم ذلك عن السكون الذي يستجدون به ما فتر من قواهم العصبية التي بها نشاطهم وكمال حياتهم.

والضياء : النور الساطع القوي ، لأنه يضيء للرائي. وهو اسم مشتق من الضوء ، وهو النور الذي يوضح الأشياء ، فالضياء أقوى من الضوء ، وياء (ضياء) منقلبة عن الواو لوقوع الواو إثر كسرة الضاد فقلبت ياء للتخفيف.

والنور : الشعاع ، وهو مشتق من اسم النار ، وهو أعم من الضياء ، يصدق على الشعاع الضعيف والشعاع القوي ، فضياء الشمس نور ، ونور القمر ليس بضياء. هذا هو الأصل في إطلاق هذه الأسماء ، ولكن يكثر في كلام العرب إطلاق بعض هذه الكلمات في موضع بعض آخر بحيث يعسر انضباطه. ولما جعل النور في مقابلة الضياء تعين أن المراد به نور ما.

وقوله : (ضِياءً) و (نُوراً) حالان مشيران إلى الحكمة والنعمة في خلقهما. والتقدير : جعل الأشياء على مقدار عند صنعها.

والضمير المنصوب في (قدّره) : إما عائد إلى النور فتكون المنازل بمعنى المراتب ،