[يونس : ٥٣] إعلاما لهم بهول ذلك العذاب عساهم أن يحذروه ، ولذلك حذف المتعلّق الثاني لفعل (افتدت) لأنه يقتضي مفديا به ومفديا منه ، أي لافتدت به من العذاب.
والمعنى أن هذا العذاب لا تتحمله أية نفس على تفاوت الأنفس في احتمال الآلام ، ولذلك ذكر (لِكُلِّ نَفْسٍ) دون أن يقال ولو أن لكم ما في الأرض لافتديتم به.
وجملة (أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ) واقعة موقع شرط (لو).
و (ما فِي الْأَرْضِ) اسم (أن). و (لِكُلِّ نَفْسٍ) خبر (أن) وقدم على الاسم للاهتمام بما فيه من العموم بحيث ينص على أنه لا تسلم نفس من ذلك. وجملة (ظَلَمَتْ) صفة ل (لِكُلِّ نَفْسٍ). وجملة : (لَافْتَدَتْ بِهِ) جواب (لو).
فعموم (لِكُلِّ نَفْسٍ) يشمل نفوس المخاطبين مع غيرهم.
ومعنى (ظَلَمَتْ) أشركت ، وهو ظلم النفس (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣].
و (ما فِي الْأَرْضِ) يعم كل شيء في ظاهر الأرض وباطنها لأن الظرفية ظرفية جمع واحتواء.
و (افتدى) مرادف فدى. وفيه زيادة تاء الافتعال لتدل على زيادة المعنى ، أي لتكلفت فداءها به.
(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)
جملة مستأنفة معطوفة عطف كلام على كلام. وضمير (أَسَرُّوا) عائد إلى (لِكُلِّ نَفْسٍ) باعتبار المعنى مع تغليب المذكر على المؤنث ، وعبر عن الإسرار المستقبلي بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه حتى كأنّه قد مضى ، والمعنى : وسيسرّون الندامة قطعا. وكذلك قوله : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ).
والندامة : الندم ، وهو أسف يحصل في النفس على تفويت شيء ممكن عمله في الماضي ، والندم من هواجس النفس ، فهو أمر غير ظاهر ولكنه كثير ، أي يصدر عن صاحبه قول أو فعل يدل عليه ، فإذا تجلد صاحب الندم فلم يظهر قولا ولا فعلا فقد أسر الندامة ، أي قصرها على سره فلم يظهرها بإظهار بعض آثارها ، وإنما يكون ذلك من شدة الهول ؛ فإنما أسروا الندامة لأنهم دهشوا لرؤية ما لم يكونوا يحتسبون فلم يطيقوا صراخا ولا عويلا.