جئنا بمبتدإ وخبر بعد اسم إنّ وخبره وجعلنا جملة معطوفة على جملة لكان كلاما جيدا.
لا ضعف فيه كقولنا : إن زيدا مقيم ، وعمرو خارج ، كأننا قلنا زيد خارج وعمرو مقيم ، فإذا كان خبر أحدهما مثل خبر الآخر اكتفي بأحد الخبرين ، كقولنا زيد مقيم وعمرو ، وإن زيدا مقيم وعمرو ، فيعلم أن خبر الثاني مثل خبر الأول ويطرح اكتفاء بالأول ، وأما استشهاده بالقرآن : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) فهو في الظاهر وهم منه ومن كل من استشهد به من النحويين ؛ لأنهم يردون الاسم على موضع (إنّ) على أنها مكسورة ، والذي في القرآن (أن) مفتوحة لأنه قال تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(١) ورفع رسوله على وجهين جيدين ؛ أحدهما : أنّ أذان إعلام. يقول : ولو قيل وأذان من الله ورسوله إلى الناس : الله بريء من المشركين ورسوله ، أو إن الله بريء من المشركين ورسوله لكان جيدا ؛ لأن معناه : وقول من الله ورسوله : الله بريء أو إن الله بريء من المشركين ، والوجه الآخر أن تعطف ورسوله على الضمير الذي في بريء ، ويكون ذلك حسنا لفصل (من المشركين) بينهما ، كما حسن العطف في قوله : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(٢) للفصل ب (لا) وقد ذكر هذا في غير هذا الموضع.
قال : " و (لكنّ) المثقلة في جميع الكلام بمنزلة (إنّ) وإذا قلت إن فيها زيدا وعمرو ، جرى عمرو بعد (فيها) مجراه بعد الظرف ؛ لأن (فيها) في موضع الظرف ، وفيها إضمار ، ألا ترى أنك تقول إن قومك أجمعون وإن قومك فيها كلهم ، كما تقول إن قومك عرب أجمعون ، وفيها اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل إذا قلت : إن قومك ينطلقون أجمعون. قال جرير :
إنّ الخلافة والنبوة فيهم |
|
والمكرمات وسادة أطهار (٣) |
فإذا قلت إنّ زيدا فيها وإن زيدا يقول ذاك ، ثم قلت نفسه فالنصب أحسن ، وإن أردت حمله على المضمر فعلى هو نفسه ، وإذا قلت إنّ زيدا منطلق لا عمرو فتفسيره كتفسيره مع الواو ، وإذا نصبت فتفسيره كتفسيره مع الواو ؛ وذلك قولك : إنّ زيدا منطلق لا عمرا".
__________________
(١) سورة التوبة ، من الآية : ٣.
(٢) سورة الأنعام ، من الآية ١٤٨.
(٣) البيت غير موجود في ديوان جرير ، وهو من شواهد العيني ٢ / ٢٦٣ ، وابن يعيش ٨ / ٦٦.