وكان الخليل يقول : إن شئت رفعته من وجهين ، فقلت : مررت به البائس ، كأنه لمّا قال : مررت به ، قال المسكين : هو كما يقال مبتدئا : المسكين هو والبائس أنت).
فهذا أحد وجهي الرفع جعل المسكين مبتدأ وخبره هو المضمرة ، وجعلهما على كلامين ، كأنّ قائلا قال :
من هو؟ فقال : المسكين هو الوجه الآخر من وجهي الرفع أن تجعل المسكين ابتداء وخبره : مررت به ، وقد أتى به فيما بعد.
قال : (وإن شاء ، مررت به المسكين فنصب كما قال :
بنا تميما يكشف الضّباب (١)
وفيه معنى الترحم كما كان في قوله رحمة الله عليه ، معنى رحمهالله) يريد أنّ نصب المسكين بإضمار شيء من ألفاظ الرحمة له ، كأنه قال : ارحم المسكين أو ما أشبهه ، كما أنّ قوله : (بنا تميما تنصب تميما بإضمار شيء يوجب الاختصاص والفخر).
وقوله : (رحمهالله) ، يريد قول القائل : رحمة الله على زيد ، وهو مبتدأ وخبر فيه معنى رحمهالله الذي يراد به الدعاء ، وكذلك إذا نصبت المسكين ففيه معنى المبتدإ والخبر إذا رفعت المسكين ، والنصب والرفع واحد.
وذكر عن يونس : مررت به المسكين ، على : مررت به مسكينا ، ورد عليه : بأنّ الحال لا تدخلها الألف واللام ، ولو جاز هذا لجاز : مررت بعبد الله الظريف ، تريد :
ظريفا. وقد ذكرنا من مذهب يونس وغيره قبل هذا ، أنّه قد تذكر الألف واللام ويراد طرحهما. وربما أرادوا الألف واللام فيما ليستا فيه. وبينا فساد ذلك.
ويجوز نصب المسكين على أحسن من الحال ، كأنه قال :
لقيت المسكين ، لأنه إذا قال : مررت بعبد الله ، فهو عمل كأنه أظهر عملا ، وكأن الذين حملوه على هذا إنما حملوه فرارا من أن يصفوا المضمر ، فكان حملهم إياه على الفعل أحسن.
(وزعم الخليل أنه يقول : إنه المسكين أحمق على الإضمار الذي جاز في :
__________________
(١) رجز لرؤبة بن العجاج ديوانه / ١٦٩ ، الخزانة ١ : ٤١٢ ، ابن يعيش ٢ : ١٨.