قال أبو سعيد : قد ذكر سيبويه عن العرب حذف علامة التأنيث من الحيوان مع قلته ، وكان أبو العباس محمد بن يزيد ينكر ذلك أشد الإنكار ، ويقول :
لم يوجد ذلك في قرآن ، ولا في كلام فصيح وشعر ، والذي قاله سيبويه أصحّ لأنه حكاه عن العرب ، وهو غير متهم في حكايته ، واحتج له بما لا مدفع له وقد قال جرير فيه في قوله ما يوافق حكاية سيبويه ، وهو :
لقد ولد الأخيطل أمّ سوء |
|
على باب استها صلب وشام (١) |
وليس كل لغة توجد في كتاب الله عزوجل ولا كل ما يجوز في العربية يأتي به القرآن أو الشعر ، ولأبي العباس مذاهب يجوزها لم توجد في قرآن ولا غيره ، من ذلك إجازته :
إن زيد قائما ، قياسا على : ما زيد قائما ، ولا أظن الاستشهاد عليه ممكنا في شيء من الكلام.
قال : (وهو في الموات كثير) ، يعني : حذف التاء من فعل الموات الماضي ، (ففرقوا بين الموات والحيوان كما فرقوا بين الآدميين وغيرهم) في الجمع ، (تقول : هم ذاهبون ، وهم في الدار ، ولا تقول : جمالك ذاهبون ، ولا تقول : هم في الدار ، وأنت تعني الجمال ، ولكنك تقول : هنّ ، وهي ذاهبة ، وذاهبات).
قال أبو سعيد : جعلت العرب لما يعقل في مواضع اختصاصا في اللفظ ، وفصلت بينه وبين ما لا يعقل فيه لما اختص به ما يعقل بأنه يخاطب ويخاطب ، ويأمر ، ويؤمر ، وتخبر وتخبر عنه. وما لا يعقل ليس له من ذلك إلا أنه يخبر عنه ، فجعل لما يعقل تفضيل واختصاص ، وجعل ذلك التفضيل في اللفظ للمذكر مما يعقل دون المؤنث لفصل المذكر على المؤنث ، وذلك جمعه السالم بالواو والنون ، الياء والنون ، وذلك قولك : الرجال ذاهبون ومنطلقون ، ورأيتهم ذاهبين ومنطلقين ، وجمع ضميره بالهاء والميم ، كقولك : الرجال هم في الدار ، وأخوتك هم عندنا ، وتقول للنساء في الجمع السالم : الهندات ذاهبات ومنطلقات ، وضميرهن بالهاء والنون تقول : النساء رأيتهنّ ، والنوق رأيتها ، ثم ألحق ما لا يعقل بلفظ المؤنث لنقص رتبته عن ما يعقل ، كنقص رتبة المؤنث
__________________
(١) البيت لجرير ديوانه / ٥١٥ ، ابن يعيش ٥ / ٩٢.