بنيت دارك ، وكحلت عينك ، وأشباه ذلك ، ويجوز إسقاط علامة التأنيث كقولك : بنى دارك وكحل عينك ، وما أشبهه ذلك ، وكل تأنيث حصل في مؤنث بعلامة أو بغير علامة في جمع أو واحد من غير خلقة التأنيث التي تكون لإناث الحيوان بفرج يكون لهن ، فهو تأنيث غير حقيقي ، وإذا تقدم المؤنث الذي تأنيثه غير حقيقي ثم أتي بفعله وأضمر لم يحسن إسقاط علامة التأنيث كحسن إسقاطها إذا تقدم الفعل ، وذلك قولك : دار بنيت ، وعينك كحلت ، ولو قلت : دارك بني ، وعينك كحلت ، لم يحسن كحسن بني دارك ، وكحل عينك لأنك إذا قدمت الفعل فصلت الفاعل من الفعل وظهر لفظه الموضوع للتأنيث ، فاكتفي به وأغنى عن العلامة ، وإذا تقدم الاسم صار الفعل لضميره ، وهو مختلط بالفعل وليس في لفظه دلالة على التأنيث ، لأن ضمير الواحد والاثنين الفاعلين في الفعل الماضي في المذكر والمؤنث سواء ، فكرهوا إسقاط العلامة مع ذهاب اللفظ الموضوع للتأنيث ، وقد يجيء في الضرورة إسقاط علامة التأنيث في فعل الحيوان.
وحكى بعض الرواة عن بعض العرب : حضر القاضي اليوم امرأة ، ولم يكن قصدنا في هذا الموضع ذكر أحكام التأنيث والتذكير فنستقصيه بأكثر من هذا ، وإذا عرض منه بعد هذا شيء ذكرته في موضعه إن شاء الله تعالى ، واعلم أن بعض العرب يجعل في الفعل المقدم علامة التثنية والجمع كما جعل فيه علامة التأنيث ، فتقول : ضربوني قومك ، وضرباني أخواك ، وضربتني أخواتك ، كما قالوا : قالت فلانة ، فكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجميع علامة ، كما جعلوا للمؤنث وهي قليلة ، قال الفرزدق :
ولكن ديافيّ أبوه وأمّه |
|
بحوران يعصرن السليط قرائبه (١) |
وقال آخر :
يلومونني في اشتراء النخيل |
|
أهلي فكلهم يعذل |
وأهل الذي باع يلحونه |
|
كما ألحى البائع الأوّل (٢) |
وأنشد الفراء البيت الأول من هذين بالميم ، فقال :
يلوم ، وهي أبيات لأمية ، لو لا كراهة الإطالة لأنشدتها كلها.
__________________
(١) ديوان الفرزدق / ٥٠ ، الخزانة ٢ / ٣٨٦ ، ٣ / ٢٩٣ ، ٤ / ٥٥٤.
(٢) البيتان لأمية بن أبي الصلت ديوانه ٤٨ ، الدرر اللوامع ١ / ٢.