ومن ذلك : ما مررت برجل ، ولكن حمار ، وأبدلت الآخر من الأول وجعلته مكانه).
وقال في الباب : (ومن المبدل ـ أيضا ـ قولك : قد مررت برجل أو امرأة ، إنما ابتدأ بيقين ، ثم جعل مكانه شكا أبدله منه ، فصار الادعاء فيهما سواء) ، واعتمد على أن ابتداء الكلام إذا كان يوجب أمرا ثم جاء بما يبطله ، ويوجب الثاني نحو : بل ، ولا بل ، فهو بدل شبيه بدل الغلط الذي بدأ به ، وهو في معناه ، وجعل لكن كذلك لأنه أوجب وحقق إبطال الأول.
و (بل) و (لكن) إذا كان قبلهما جحد فهما في المعنى سواء كقولك : ما مررت برجل بل عمرو ، وما مررت بزيد لكن عمرو ، وجعل أو من الباب ، لأنك بدأت بالأول على لفظ اليقين ثم شككت فيه ، والتشكيك فيه كالإبطال له ، ولهذا شبه (أو) ب (لكن) حين قال في (أو) (ابتداء بيقين ثم جعل مكانه شكا) ، فهو شبيه بقوله : ما مررت بزيد ولكن عمرو ، ابتدأ بنفي ثم جعل مكانه يقينا.
فإن قال قائل : فهلا جعل قولك : مررت بزيد لا عمرو من هذا ؛ لأنه نفي بعد الإيجاب بمنزلة التوكيد للإيجاب المتقدم ، كما أن قولك : هذا زيد لا شك فيه ، كقولك : هذا زيد حقا ، فقولك : مررت بزيد لا عمرو ، كقولك : مررت بزيد حقا.
فأما قول سيبويه : (وقد يكون فيه الرفع على أن يذكر الرجل) ، وذكر الفصل.
قال المفسر : وجعل سيبويه رفعه بإضمار اسم مكنيّ يكون الظاهر خبره ، ويكون ذلك المكني على ضربين :
أحدهما : أن يكون قد جرى ذكره فيضمر الاسم الذي ذكره.
والآخر : أن تعرف المعنى فيضمر ذلك المعنى وإن لم يجر ذكره.
فأما ما جرى ذكره فأضمر : فهو الكلام المعروف وهو تمثيله برجل يذكر فيقول : أنت قد مررت به ، وقد مررت برجل بل هو حمار ، ويكون هو الرجل المذكور.
وأما الذي أضمر ولم يذكر ، فقولك : ما مررت ببغل ولكن حمار ، تريد : ولكن هو حمار ، معناه : لكن الذي مررت به حمار لأن قولك : ما مررت ببغل قد دلّ عليه فكني لدلالة الكلام عليه ، وجعل الأقوى في الكناية ما جرى ذكره لقرب المكني بالذكر وإضمار الذي لم يجز ذكره عربي جلي. لأن معناه ما مررت بشيء هو بغل فجاز هذا ، وإن لم يجز ذكره كما جاز في المنعوت الذي جرى ذكره نحو : ما مررت برجل صالح بل طالح ،