وغيرهما من أئمة التفسير.
فأما قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(١) ففيه قولان : أحدهما ، أن الأرض خلقت قبل السماء غير مدحوّة ، ثم دحيت بعد ما ذكره الله تعالى من أمر السماء.
والقول الآخر ، أن تكون (بعد) بمعنى (مع) ، ومع تكون بمعنى بعد ، فأما (بعد) بمعنى (مع) فقوله تعالى : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ)(٢) أي : مع ذلك.
وقال الشاعر :
فقلت لها فيئي إليك فإنني |
|
حرام وإني بعد ذاك لبيب (٣) |
فمعنى بعد ذاك ، أي : مع ذاك ، واللبيب هاهنا : الملبي ، والتلبية مع الإحرام فأما (مع) بمعنى (بعد) فقوله تعالى : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(٤) ، معناه : أن بعد العسر يسرا ، وقوله تعالى : (وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٥) فمعنى ذلك : ثم داموا على التوبة ، ومعنى ثم اهتدى : ثم دام وثبت على ذلك.
وقد ظهر من كلام سيبويه العامل في الاسم الأول والثاني واحد ، وهو الجار الذي جر الأول بقوله : (في كل واحد من الواو ، والفاء ، وثم ، وأو ، فلا أشركت بين الاسم الأول والثاني في الباء ، والباء عاملة في الاسمين) ، والدليل على ذلك أن الاسمين إذا أمكن تثنيتهما ، والأسماء إذا أمكن جمعها لم يحتج إلى الواو ، وفي قولك : مررت برجلين ، ومررت برجال ، وقام الزيدان والزيدون ، وإنما يحتاج إلى حرف العطف لمعارض يحوج إلى تفريق الاسمين أو الأسماء لاختلافهما أو لاختلاف أحوالهما ، وذكر سيبويه في هذا الباب كيف نفي الموجب ، ومما ذكر أنك إذا قلت : مررت بزيد وعمرو وجاز أن يكون مرور واحد وقع عليهما في حال واحدة ، ويجوز أن يكون مرّ بهما مرورين في حالين.
وإذا كان المرور بهما واحدا ، فنفيه أن يقول : ما مررت بهما ، وإذا كان في مرورين قلت : ما مررت بزيد ، وما مررت بعمرو.
__________________
(١) سورة النازعات ، الآية : ٣٠.
(٢) سورة القلم ، الآية : ١٣.
(٣) البيت في الخزانة ١ / ٢٧٠ ، شروح سقط الزند / ١١٤٣.
(٤) سورة الشرح ، الآية : ٦.
(٥) سورة طه ، الآية : ٨٢.