وعلى مذهب الحجازيين يكون الصبر مفعولا ، كأنّه قال : مهما تذكر الشيء للصبر عنها فلا صبرا وحذفت اللام ونصبت.
وأمّا احتجاج سيبويه لمذهب بني تميم في إضمار العائد وحذفه في قولك : أما العلم فعالم على تقدير : " عالم به" ، وقوله تعالى : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(١) في موضع النعت ليوم ، فلا بدّ في هذه الجملة من عائد إلى اليوم.
فمذهب سيبويه والفراء أن العائد هو فيه.
وكان الكسائي يجعل العائد هاء ، كأنه قال : لا تجزيه ، وقال الهاء تحذف من صلة الذي ، فإذا اتصلت بحرف جرّ لم تحذف من الصلة ، تقول : زيدا الذي ضربت ، تريد :
الذي ضربته ، ولا تقول : زيدا الذي تكلمت اليوم ، ولا تقول : الذي نزلت ، تريد عليه ، وتكلّمت فيه ، والفصل بين الظرف وغيره أنهم قد أجازوا : تكلمت اليوم ، تريد : تكلمت فيه.
ولم يجيزوا : تكلمت زيدا ، تريد في زيد ، فعلمنا أنّ حذف حرف الجرّ مع ظروف الزمان والمكان جائز وإن لم يجز في غيرها.
وأنشد سيبويه قول عبد الرحمن بن حسان :
ألا ياليل ويحك نبّئينا |
|
فأمّا الجود منك فليس جود (٢) |
فهذا تقوية للغة بني تميم ، أي : ليس لنا منك جود ؛ فالجود : مبتدأ ولا بدّ من عائد إليه مما بعده ، وتقديره : فأما الجود فليس لنا جود به ، أو من أجله أو غيره من التقدير.
وقوله : (وممّا ينتصب من الصفات حالا كما انتصب المصدر الذي يوضع موضعه ، ولا يكون إلا حالا).
وقوله : (أمّا صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف ، وأمّا ظاهرا فليس بظاهر ، وأمّا عالما فليس بعالم فهذا نصب ؛ لأنه جعله كائنا في حال علم وخارجا من حال الظهور ومصاف ، والرفع لا يجوز هاهنا ؛ لأنك قد أضمرت صاحب الصفة).
فإنه يريد أنّ صديقا مصافيا حال وقد أضمرت الذي منه الحال ، وكأن التقدير : أمّا
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٤٨.
(٢) البيت لعبد الرحمن بن حسان : ديوانه : ٢١ ؛ وبلا نسبة في الدرر ٢ : ٦٤ ؛ همع الهوامع ١ : ١١٦.