تقول : رأيت زيدا لا عمرا ، وإذا قلت : هذا زيد حقّا لا باطلا ، وإن شئت : هذا زيد أقول غير ما تقول ، إذ قد عرف أن قول المخاطب باطل فكأنه قال : أقول الحقّ ، وإذا قال : هذا القول لا قولك فكأنه قال : هذا القول لا أقول قولك إذ كان باطلا.
(ومثله في الاستفهام : أجدّك لا تفعل كذا وكذا؟ وأصله من الجدّ ، كأنه قال : أجدّا ، غير أنه لا يستعمل إلا مضافا).
حتى يعلم من صاحب الجد ، ولا يجوز أن تترك الإضافة في قولك : هذا القول لا قولك ، أو غير قولك لم يكن ما نفيته بلفظ على البطلان ، ولو نعتّه بشيء يدلّ على أنه باطل لجاز لو قلت : هذا القول غير قولك باطلا ، أو قيل : كذب ضعيف أو نحو ذلك ممّا يدلّ على قوّة ضده وصحته لجاز وكان فيه توكيد ، والمبتغى من ذلك أن تحصل الفائدة للتوكيد.
(ومن ذلك أيضا : قولك : قد قعد البتّة ، ولا يستعمل إلا معرفة بالألف واللام ، كما أن جهدك وأجدّك لا يستعملان إلا معرفة بالإضافة) كما لزم بعض ما مضى من المصادر التعريف ، كقولك : سبحان الله ، ولبيك وسعديك ، وعمرك الله وقعدك.
(وأمّا الحقّ والباطل فيكونان معرفة بالألف واللام ونكرة ؛ لأنهما لم ينزلا منزلة ما لم يتمكّن من المصادر).
وفي نسخة الزجّاج : منزلة ما لم يتمكن من المضاف كسبحان وسعديك.
فقال الزجاج : إذا قلت : " هذا زيد حقّا" ، " وهذا زيد غير" قيل : باطل ، لم يجز تقديم حقّا ، لا تقول حقّا هذا زيد ؛ فإن ذكرت بعض هذا الكلام فوسّطته وقلت : زيد حقّا أخوك ، وزيد قائما أخوك ، وطولت بالفرق بين" زيد حقا أخوك وزيد قائما أخوك" على الحال ، فقيل له أنت لا تجيز : زيد قائما أخوك إذا أردت به الصّداقة لا غير ؛ لأنه غير متمكّن فلم أجزت : زيد حقا أخوك؟ فقال : إنما امتنعت تقديم الحال لأنّ العامل فيه أخوك وليس بعامل قويّ ، فإذا قلت : " حقّا" فالعامل فيه أحقّ وهو فعل مضمر ، فإذا ذكرت بعض الكلام فعلم أنّي فيه : إما متيقّن وإما شاك جاز أن أضمر اللّفظ الذي يدلّ على أحد المتوهمين منّي.
قال أبو سعيد : لم يذكر سيبويه بطلان تقديم حقّا ، بل قد قال في الاستفهام : أجدّك لا تفعل كذا وكذا؟ كأنه قال : أحقّا لا تفعل كذا ، فقد تقدّم" أحقّا" و" أجدّك" على الجملة