وريحانه ، يريد : واسترزاقه.
وأمّا لبيك وسعديك فانتصب كانتصاب سبحان الله ، وهو أيضا بمنزلة قولك : أمرت سمعا وطاعة ، إلا أنّ لبيّك لا يتصرّف كما أنّ سبحان الله ، وعمرك الله ، وقعدك الله لا يتصرف).
قال أبو سعيد : اعلم أنّ التثنية في هذا الباب الغرض فيها التكثير ، وأنّه شيء يعود مرة بعد أخرى ولا يراد بها اثنان فقط من المعنى الذي يذكر.
فالدليل على التكثير بلفظ التثنية أنك تقول : ادخلوا الأوّل فالأول ؛ فإنما غرضك أن يدخل كلّ وجئت بالأوّل فالأوّل حتّى تعلم أنه شيء بعد شيء.
وتقول : جاءني رجلا رجلا على هذا المعنى ولا تحتاج إلى تكريره أكثر من مرّة واحدة فتعلم به أنه شيء لا يقتصر به على الأول ، وأنّ ذلك المعنى يعود بعد الأوّل ويكثر فتكتفي بذلك اللّفظ ، وهذا المثنى كله غير متصرّف ، ومعنى قولنا غير متصرّف أن لا يكون إلا مصدرا منصوبا أو اسما في موضع الحال كما يكون المصدر في موضع الحال ، وإنّما لم يتمكّن إذا ثنّيت لأنه دخله بالتثنية لفظا معنى التكثير لا معنى التثنية ، ودخل هذا اللفظ لهذا المعنى في موضع المصدر فقط ، قال : فلم يتصرّفوا فيه ، وبعضه يوحّد فيتصرّف كما قال الله تعالى في توحيده (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا)(١) وقال الشاعر :
فقالت حنان ما أتى بك ههنا |
|
أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف (٢) |
فرفع لمّا أفرد لأنّه لم يدخله معنى غير الذي يوجبه اللّفظ وهو أصل الاسم الموضوع.
ولبيك وسعديك تثنية ولا يفرد واحد منهما لما ذكرته لك من معنى التكثير ، ولبيك مأخوذ من قولنا ألبّ بالمكان إذا أقام به ، وألبّ على كذا وكذا إذا أقام عليه ولم يفارقه.
قال سيبويه : (حدّثنا أبو الخطّاب أنّه يقال للرجل المداوم على الشيء لا يقلع عنه ولا يفارقه قد ألبّ على كذا وكذا).
__________________
(١) سورة مريم ، الآية : ١٣.
(٢) سبق تخريجه.