وكذلك يتّصل الإتعاب بالمسير ، فلذلك أدخل الفاء.
قال سيبويه : (وإن شئت رفعت هذا كلّه فجعلت الآخر هو الأوّل ، فجاز على سعة الكلام. كقول الخنساء :
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت |
|
فإنّما هي إقبال وإدبار (١) |
على معنى : فإنما هي صاحب إقبال وإدبار ؛ فجعل إقبال وإدبار في موضع مقبلة ومدبرة على سعة الكلام ، كقولك : نهارك صائم وليلك قائم).
قال أبو سعيد : فجعل النّهار صائما ، والنحويّون يقدّرون مثل هذا على تقديرين : أحدهما : أن يقدّروا مضافا إلى المصدر وهو الاسم الأوّل ، ويحذفون كما يحذفون في (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢). كأنه قال : صاحب إقبال وصاحب إدبار ، وصاحب نهارك صائم ، وصاحب ليلك قائم فيحذفون المضاف.
والوجه الثاني : أن يكون المصدر في موضع اسم الفاعل من غير إضافة فيكون إقبال في موضع مقبلة ، والنهار صائم مجازا كما قال عزوجل (وَالنَّهارَ مُبْصِراً)(٣). وكما قال :
" أمّا النّهار ففي قيد وسلسلة" (٤)
وكما قال تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(٥).
ومثله قولهم : رجل عدل ، وماء غور ، ودرهم ضرب ، على معنى : رجل عادل ، ودرهم مضروب ، وماء غائر.
وكان الزجّاج يأبى إلا الوجه الأول.
ومما يقوّي الوجه الثاني أن نقول : رجل ضخم وعبل ، وليسا بمصدرين لضخم وعبل ، وقد جعلا في موضع اسم الفاعل ، ومصدرهما : عبل عبالة ، وضخم ضخما.
__________________
(١) البيت للخنساء : ديوانها : ٧٢ ؛ الخصائص ٢ : ٢٠٥ ؛ شواهد القرطبي ٢ : ٩٨.
(٢) سورة يوسف ، الآية : ٨٢.
(٣) سورة يونس ، الآية : ٦٧.
(٤) هذا صدر بيت منسوب للجرنفش بن زيد الطائي في شرح أبيات سيبويه ١ : ٢٣٧. وعجزه :
والليل في قعر منحوت من الساج
(٥) سورة النبأ ، الآية : ٣٣.