تمثيل ولا يتكلم به ، وكذلك لا يتكلم بالفعل من جوسا وجودا في معنى : جوعا.
قال سيبويه : (ومما يدلّك أيضا أنه على الفعل نصب أنك لم تذكر شيئا من هذه المصادر لتبني عليه كلامك ، كما تبني على عبد الله إذا ابتدأته ، وأنك لم تجعله مبنيا على اسم مضمر في نيتك ، ولكنه في دعائك له أو عليه).
يعني : أن هذه المصادر لم يذكرها الذاكر ليخبر عنها بشيء كما يخبر عن زيد إذا قال : زيد قائم ، أو عبد الله قائم ، وهذا معنى قوله : لتبني عليه كلامك كما تبني على عبد الله ، يعني : تبني عليه خبرا ، ولم تجعل هذه المصادر أيضا خبرا لابتداء محذوف فترفعها ، وهذا معنى قوله : إنك لم تجعله مبنيا على اسم مضمر يعني : خبرا لاسم مضمر وإنما هو دعاء منك لإنسان كقولك : سقيا ورعيا ، أو دعاء عليه كقولك : تعسا وتبّا وجدعا ، وتركوا الفعل استغناء بعلم المخاطب ، وربما جاءوا به توكيدا فقالوا : سقاك الله سقيا كما أكدوا قولك : مرحبا بقولهم : بك ، ولو قالوا : مرحبا لكان المعنى مفهوما ، وربما رفعوا ذلك والمعنى واحد ، كما يقول : سلام عليكم وإنما تريد معنى سلّم الله عليك ، ولكنه يخرجه فخرج ما قد ثبت.
وقال أبو زبيد يصف أسدا :
أقام وأقوى ذات يوم وخيبة |
|
لأوّل من يلقى وشرّ ميسّر (١) |
أراد : أقام الأسد وأقوى : لم يأكل شيئا ، الإقواء : فناء الزاد وعدم الأكل ، وخيبة لأول من يلقاه الأسد الذي قد أقوى وجاع ، وهذا ليس بدعاء ، ولكن أجراه سيبويه مجرى الدعاء عليه ؛ لأنه لم يكن بعد وإنما يتوقع ، كما أنّ المدعوّ به لم يوجد في حال الدعاء.
(ومثله في الرفع بيت سمعناه ممن يوثق بعربيته يرويه لقومه :
عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم |
|
يقول الخنا أو تعتريك زنابره (٢) |
فرفع عذيرك والأكثر نصبه وقد ذكرناه ، والذي يرفعه يجعله مبتدأ ويضمر خبرا ، كأنه قال : إنما عذرك إياي من مولى هذا أمره).
وزنابره يعني : ذكره إياه بالسوء وغيبته.
__________________
(١) البيت لأبي زبيد الطائي : البيت سبق تخريجه.
(٢) بلا نسبة في هارون ١ : ٣١٣.