وعن الثاني «التصرّف في الميتة ولحم الخنزير وشحمه والدم والعذرة والأبوال ببيع وغيره حرام إلّا بول الإبل خاصّة» (١).
وليس في العبارتين إلّا لفظ «العذرة» وهي حقيقة في عذرة الآدميّين ولا تشمل غيرها من أنواع السرجين النجس فضلاً عن الأرواث الطاهرة ، ويؤيّده إفراد العذرة وجمع الأبوال ، ولو سلّم عموم فيها ولو في إرادة القائل فغايته العموم بالنسبة إلى أنواع النجس ، فليس في عبارتيهما دلالة صريحة ولا ظاهرة على النسبة المذكورة. ولذا ناقش فيها في المصابيح بقوله : «وهو غير واضح» وقال في موضع آخر : «بل الظاهر أنّ جواز بيع الأرواث محلّ وفاق بين الأصحاب ، ونسبة المنع منه إلى الشيخين وسلّار غير ثابتة» (٢) انتهى.
وكيف كان لنا على المختار ـ بعد ما أشرنا إليه من نفي الخلاف ومنقول الإجماع إن صحّ ـ السيرة القطعيّة المستمرّة بين المسلمين في جميع الأعصار والأمصار على بيعها وشرائها وأخذ الأعواض والأثمان في مقابلتها من غير نكير ولا منع من أحد ، مضافاً إلى عمومات عقود المعاوضة من البيع والصلح والهبة المعوّضة وغيرها أجناساً وأنواعاً وأصنافاً كقوله تعالى : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٣) و «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (٤) و «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (٥) «والصلح جائز بين المسلمين» (٦) وما أشبه ذلك ، ويؤيّدها الأخبار النافية للبأس عن بيع العذرة بناءً على حملها على إرادة الأرواث الطاهرة كما صنعوه.
وليس للقول بالمنع إن ثبت إلّا ما قد يحتمل من الاستناد إلى وجهين :
أحدهما : عموم تحريم الخبائث في الآية (٧) بناءً على تناول إطلاقه للبيع والشراء ، والأرواث من الخبائث جزماً فيحرم بيعها وشراؤها.
وثانيهما : عموم النبويّ «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» وهذه منه.
ويضعّفهما أنّ المراد بالأوّل بقرينة المقابلة تحريم خصوص الأكل والشرب لأنّهما متعلّق التحليل في آية تحليل الطيّبات ، وظاهر الثاني إمّا تحريم جميع المنافع أو تحريم
__________________
(١) المراسم : ١٧٠.
(٢) مصابيح الأحكام : ١٨.
(٣) المائدة : ١.
(٤) البقرة : ١٨٨.
(٥) البقرة : ٢٧٩.
(٦) الوسائل ١٨ : ٤٤٣ / ٢ ، ب ٣ كتاب الصلح ، الفقيه ٣ : ٢٠ / ٥٢.
(٧) الأعراف : ١٥٧.