لم يكن غيبة وإن كرهه صاحبه لغرض من الأغراض الصحيحة ، مثل أن لا يعتريه عجب أو رياء أو سمعة أو سرور أو شهرة أو غير ذلك. والظاهر عدم حرمته أيضاً ، لعدم مدخليّة رضاه في إباحته إلّا إذا بلغ حدّ الإيذاء فيحرم لذلك.
الأمر الرابع : يعتبر فيها كون العيب ثابتاً للمغتاب ، فلو ذكره بما ليس فيه فهو بهتان لا أنّه غيبة لصحّة سلب الاسم ، وهو ظاهر عبارة الدروس (١) وصريح عبارات النهاية (٢) والصحاح (٣) والمصباح (٤) والمجمع (٥) وعبارتي المحقّق (٦) والشهيد (٧) الثانيين ، كصريح جملة من الروايات المتقدّمة ، ويحمل عليها مطلقاتها أيضاً. واحتمال أن يراد بالبهتان غيبة غيبة بهتان أي غيبة عرضها البهتانيّة فالغيبة غيبتان غيبة محضة وغيبة بهتان ـ كما سبق إلى بعض الأوهام ـ خلاف ظاهر لا يصار إليه. والاستشهاد له بما في كلام المصباح المنير بعد ما ذكر التعريف المتقدّم من قوله : «إن لم يكن حقّاً فهو غيبة في بهت» (٨) مدفوع بعدم حجّيّة الشاهد لتفرّده ومخالفته الأكثر من أهل اللغة والنصوص المستفيضة وظهور إجماع الطائفة.
الأمر الخامس : هل يعتبر فيها مستوريّة العيب الثابت في المغتاب ، فذكر من شاع وظهر عيبه بحيث يعرفه الناس بذلك العيب وهو كاره له ليس بغيبة أو لا؟ بل الغيبة ذكر الرجل بعيب يكرهه سواء كان مستوراً فيه أو ظاهراً بيّناً ، ويظهر الفائدة في المتجاهر بالفسق الّذي يأتي كونه مخرجاً من الحرمة إذا ذكر بما تجاهر فيه وهو يكره ذكره ، فعلى الأوّل يكون خروجه موضوعيّاً ، وعلى الثاني حكميّاً وجهان :
من التقييد في عبارتي الصحاح والمجمع وجملة من النصوص المتقدّمة بل التفصيل الموجود في بعضها.
ومن إطلاق ما عداهما من تفاسير أهل اللغة وتفاسير الروايات المطلقة المعتضدتين بتفاسير الفقهاء ، وإطلاق فتاويهم الّتي هي معاقد الإجماعات كما يكشف عنه عدّهم غيبة المتجاهر من المستثنيات. وهو الأقوى ، لصدق الاسم عرفاً على ذكر
__________________
(١) الدروس ٢ : ٢٩٢ ـ ١٧٩.
(٢) النهاية لابن الأثير ٣ : ٣٩٩.
(٣) الصحاح ١ : ١٩٦.
(٤) المصباح المنير ١ : ٤٥٨ (غيب).
(٥) مجمع البحرين ٢ : ١٣٥.
(٦) جامع المقاصد ٤ : ٢٧. (٧) كشف الريبة : ٥١.
(٨) الصحاح ١ : ١٩٦.