مقتضى إطلاق الآية ، والتقييد الموجب لاشتراط الوجوب يحتاج إلى دليل ولا دليل.
الثالث : ما تقدّم من منع أخذ الاجرة على التحمّل أو الأداء إنّما هو إذا أخذها من المشهود له ، وأمّا لو أخذها ممّن يشاركه في الفرض في صورة الوجوب كفاية لفائدة إسقاط الفرض عنه فقيل بعدم جوازه أيضاً ، ولعلّ وجهه أنّ فائدة الإسقاط في الكفائي ليست منفعة تقابل بالعوض في نظر الشارع ، لأنّها على تقدير القيام بفعل الكفائي ضروري الحصول ، وعلى تقدير عدمه ممتنع الحصول ، فلا تكون من المنافع المقدور على تسليمها ، فلا تصلح مورداً لعقد الإجارة ولا مطلق المعاوضة ، مع أنّ هذه الفائدة مشتركة بين فاعل الكفائي ومن يشاركه في الفرض ، فيصير أخذ الاجرة عليها مع عودها إلى نفسها كالجمع بين العوض والمعوّض.
مع إمكان أن يقال : كما أنّ تحمّل الشهادة وأدائها حقّ للمشهود له فلا يقابل بشيء من ماله ، كذلك فائدة إسقاط الفرض عن الباقين بفعل البعض كالحقّ لهم فلا يقابل بشيء من مالهم ، مع أنّ فاعل الكفائي على تقدير قيامه بالفعل مقهور على بذلها يمتنع عليه الإمساك عنها ، فتكون نظير مقدّمة الواجب على القول بعدم وجوبها ، فالمنع جيّد.
الرابعة : الاجرة على القضاء الواجب على الحاكم الشرعي عيناً أو كفاية بالمعنى المتناول للجعل ، والمشهور ظاهراً المنع من أخذها مطلقاً ولو من بيت المال ، وعن جامع المقاصد (١) دعوى النصّ والإجماع عليه ، وعن الخلاف (٢) صريحاً والمبسوط (٣) ظاهراً دعوى الإجماع على تحريم الجعل الّذي هو أعمّ من الاجرة. خلافاً للمقنعة (٤) والنهاية (٥) والقاضي (٦) على ما حكي عنهم فجوّزوا أخذه من بيت المال ، ولمختلف (٧) العلّامة على ما تقدّم منه من جواز أخذها عليه مع عدم التعيين ، ويظهر الميل إليه من عبارة المحقّق في الشرائع (٨) مع الحاجة إلّا أنّه جعل المنع أولى.
والأصحّ المنع مطلقاً ، لأنّ القضاء الّذي يؤخذ الاجرة أو الجعل عليه ، إن اريد به
__________________
(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٦.
(٢) الخلاف ٦ : ٢٣٣ المسألة ٣١.
(٣) المبسوط ٨ : ٨٥.
(٤) المقنعة : ٥٨٨.
(٥) النهاية : ٣٦٧.
(٦) المهذّب ١ : ٣٤٦. (٧) المختلف ٥ : ١٨.
(٨) الشرائع ٤ : ٦٩.