المقدّمات ، فتعيّن عليه فعلها مجّاناً ، فيحرم أخذ الاجرة لكونه أكلاً للمال بالباطل.
الثانية : يجوز أخذ الاجرة على إرضاع اللباء ، وهو أوّل ما تحلب الامّ ولدها مطلقاً أو إلى ثلاثة ، كما هو المصرّح به في كلام جماعة ، ولعلّه المشهور إن لم نقل بكونه إجماعاً ، ويؤيّد الجواز بل يدلّ عليه إطلاق قوله تعالى : «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (١).
وقد يستشكل : بكونه أخذاً للُاجرة على الواجب ، لوجوب إرضاع اللباء على الامّ ، لتوقّف حياة المولود عليه لأنّه لا يعيش بدونه.
ودفع أوّلاً : بمنع أصل الوجوب ، إذ لا دليل على أنّ الامّ يجب عليها إرضاع اللباء.
ودعوى أنّه ما يتوقّف عليه الحياة مردودة على مدّعيها ، لشهادة الوجدان بل الحسّ بخلافها.
وثانياً : منع تعيّنه على الامّ ، لأنّه قد يتأتّى من امرأة اخرى غير الامّ ، إذا اتّفق ولادة اخرى مقارنة لولادة هذا المولود.
وثالثاً : منع كونه اجرة على فعل الواجب بل هو أخذ عوض عن العين ، نظير أخذ العوض عن المال المبذول فيمن وجب عليه بذله للمضطرّ ، وقد تقدّم أنّه عوض عن المبذول لا عن أصل البذل هو الواجب عليه ، والواجب على الامّ أيضاً أصل الإرضاع وهو بذل اللباء الّذي هو عين له قيمة لا التبرّع بالمبذول. ويمكن أن يقال إنّه : ليس على وجه المعاوضة بل هو حقّ شرعي قرّره للُامّ في مطلق إرضاعها الولد في مال الوليّ أو في ذمّته بحكم قوله تعالى : «فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (٢) فلا يكون عوضاً ولا اجرة وإن عبّر عنه بالاجرة.
الثالثة : لا يجوز أخذ الاجرة على تحمّل الشهادة ولا على أدائها على القول بوجوب التحمّل لمن دعاه إليه كما هو المشهور استناداً إلى قوله تعالى : «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» (٣) بضميمة الأخبار المستفيضة المفسّرة له بتحمّل الشهادة والدعاء إليه ، فتكون قرينة على التجوّز في المشتقّ بعلاقة ما يؤول ، خلافاً للحلّي القائل باستحبابه استضعافاً للروايات لكونها من أخبار الآحاد ، فتحمل الآية على الأداء عملاً بحقيقة المشتقّ.
__________________
(١ و ٢) الطلاق : ٦.
(٣) البقرة : ٢٨٢.