والسرّ في كون التعقّل معتبراً في الصحّة أنّ العقد بمعنى الربط المعنوي بين المتعاقدين لا يتحقّق إلّا بتعقّل كلّ منهما وإدراكه لمدلول الإيجاب والقبول ، والدليل على الشرطيّة مضافاً إلى ذلك الإجماع بقسميه ، بل المنقول منه على ما في كلامهم مستفيض ، وقد اعترف بعضهم بأنّ الدليل منحصر في الإجماع.
نعم قد يستدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع بالخبر النبويّ المتقدّم في شرط البلوغ «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبيّ حتّى يبلغ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ» (١) بناءً على أنّ المراد رفع جميع الأحكام الّتي منها صحّة العقود.
وفيه : منع الدلالة عليه بسند متقدّم في البلوغ ، وملخّصه : أنّ ظاهر الخبر بملاحظة إضافة الرفع إلى القلم رفع قلم الكتابة ، ومعناه أنّه لا يكتب عليه في صحيفة الأعمال من الأفعال والتروك الصادرتين عنه ما لو صدر من البالغ العاقل كان من السيّئات كالقتل والجناية والضرب والشتم ، وأكل المال المحرّم وترك الصلاة والصوم وما أشبه ذلك ، واللازم منه أن لا يؤاخذ بتلك الأفعال والتروك ، وهذا لا يلازم عدم صحّة عقوده.
ومن طريق هذا المنع يعلم منع الدلالة أيضاً فيما لو استدلّ بالخبر المرويّ عن قرب الإسناد بسنده عن أبي البختري عن أبي جعفر عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : «المجنون والمعتوه الّذي لا يفيق ، والصبيّ الّذي لم يبلغ عمدهما خطأ يحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم» (٢).
فإنّ رفع القلم هنا أيضاً ظاهر في رفع قلم الكتابة لسيّئاتهما في صحائف الأعمال ، وهذا لا يلازم عدم صحّة عقودهما ، إلّا أن يستظهر الدلالة من ذلك باعتبار كونه لتعليل الحكم المستفاد من قوله : «عمدهما خطأ» نظراً إلى أنّ العمد هنا عبارة عن القتل العمدي الصادر منهما عن قصد ورويّة ، ومعنى كون قصدهما خطأ» أنّه بمنزلة العدم في نظر الشارع ، على معنى أنّه لم يعتبر قصدهما ولم يرتّب عليه الآثار الشرعيّة المترتّبة على القصد ، ولذا رفع عنه القصاص وجعل الدية على العاقلة ، وقضيّة ذلك من جهة
__________________
(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٠٩ / ٤٨.
(٢) الوسائل ٢٩ : ٩٠ / ٢ ، ب ٣٦ أبواب القصاص في النفس ، قرب الإسناد : ١٥٥ / ٥٦٩.