المقابل للجواز اللذين هما من الأحكام الوضعيّة فلا مانع من شموله للصبيّ فيصحّ الاستدلال به حينئذٍ.
يدفعه : بأنّ الحكم الوضعي تابع ، ومن المستحيل انفكاكه عن متبوعه ، فثبوت أحدهما يستلزم ثبوت الآخر ونفيه يستلزم نفيه ، فالتفكيك بينهما غير صحيح. وكما أنّ توجيه التكليف إلى الصبيّ غير صحيح فكذلك توجيه الخطاب إليه ولو كان إرشاديّاً غير صحيح ، مع أنّ قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» قبل قوله : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» قرينة واضحة على أنّ الخطاب مع البالغين الكاملين الموصوفين بالإيمان فلا يدخل فيه الأطفال.
وفيه : مع أنّ آية «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» أيضاً خطاب تكليفي سيّما مع ملاحظة عطف «وَحَرَّمَ الرِّبا» يجب الخروج عن الإطلاق أو العموم بالروايات الخاصّة المعتضدة بالإجماعات المنقولة والشهرة العظيمة.
ومنها : قوله تعالى : «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (١) فإنّه تعالى أمر بدفع أموال اليتامى إليهم عند استيناس الرشد وهو يعمّ ما قبل البلوغ لأنّ الرشد كثيراً يحصل قبله.
وفيه : ابتناء الدلالة على الوجه المذكور على جعل «حتّى» عاطفة مع تقدير ما يكون معطوفاً عليه قبلها بحيث يكون ما بعدها جزءاً ممّا قبلها المقدّر ليكون التقدير « ابْتَلُوا الْيَتامى في جميع أوقاتهم حتّى وقت بلوغهم النكاح فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً في أيّ وقت من هذه الأوقات فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ » وهذا غير واضح ، حيث لم نقف من أهل العربيّة ولا من أهل التفسير أنّه التفت إلى هذا الاعتبار مع استلزامه للحذف والتقدير الّذي ينفيه الأصل ويأباه ظهور الهيئة الكلاميّة في عدم حذف شيء من أجزائه ، بل الوجه أنّها إمّا جارّة للغاية ويكون «إذا» بعدها في محلّ الجرّ بها كما عن ابن مالك في هذه الكلمة إذا دخلت على «إذا» الشرطيّة ، ومنه قوله تعالى : «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها» (٢) فيكون تقدير الآية « وَابْتَلُوا الْيَتامى إلى وقت بلوغهم النكاح فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ » ويكون
__________________
(١) النساء : ٦.
(٢) الزمر : ٧١.