وهو حكم عقلي ، وأخبار الحلّ ليست متعرّضة بمضمونها لمضمون حكم العقل ببيان مقدار موضوعه ، بأن يكون مضمونها أنّ العلم الإجمالي إنّما يكفي في تنجّز التكليف فيما عدا جوائز السلطان أو عامله ، لكونها في متفاهم العرف مسوقة لبيان أنّ جهة كون المال الواقع في يد الإنسان من السلطان أو عامله جائزة من حيث هي هذه الجهة ليست مؤثّرة في الحرمة وعدم الجواز ، وهذا لا ينافي اجتماع هذه الجهة لجهة اخرى مانعة من أخذها ، كالعلم الإجمالي فيما نحن فيه المقتضي لوجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي المعلوم بالإجمال ، ومرجعه إلى أنّ الأخبار الدالّة على الحلّ وإن كانت مطلقة إلّا أنّها واردة مورد بيان حكم آخر فلا تعارض الدليل العقلي المقتضي لوجوب الاجتناب عنها باعتبار كونها من الشبهة المحصورة.
وذلك يظهر ما لو كان المال الواقع في يد الإنسان بعنوان الجائزة من السلطان أو عامله خمراً أو لحم خنزير أو شيء ممّا لا يؤكل لحمه كالأرنب وما أشبه ذلك. ولا يمكن التمسّك لإثبات الجواز هنا بعموم قوله عليهالسلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه» (١) ولا بقوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك حلال» (٢) الخ ، لما ذكرناه في محلّه من اختصاصهما بالشبهات الموضوعيّة من الشكّ في التكليف.
النوع الثالث : ما علم إجمالاً وجود الحرام في الجائزة على وجه تعذّر التمييز بسبب الاشتباه ، وهذا إذا كان الاشتباه موجباً للإشاعة الموجبة للشركة ملحق موضوعاً وحكماً بالمال الحلال المختلط بالحرام المعنون في كتاب الخمس ، فإن كان القدر والمالك مجهولين وجب إخراج خمسه فيطهر الباقي مطلقاً ، وإن كانا معلومين وجب التخلّص بالقسمة معه ، وإن كان القدر معلوماً دون المالك لحقه حكم مجهول المالك وستعرفه ، وإن كان المالك معلوماً دون القدر وجب ترضيته للتخلّص بصلح ونحوه. وإن لم يكن الاشتباه موجباً للإشاعة والشركة بل أوجب الانتشار والبدليّة فقيل : يتعيّن بالقرعة ، أو يباع ليحصل الاشتراك في الثمن ثمّ يقسّم مع المالك إن تعيّن ، وإلّا يلحقه
__________________
(١ و ٢) الوسائل ١٧ : ٨٧ / ١ و ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٨ و ٩٨٩.