إبطال السحر في الشرائع السالفة ولا يلزم منه جوازه في هذا الشرع أيضاً لكفاية الاستصحاب في إثبات بقائه إلى هذا الشرع لعدم ثبوت نسخه ، ولكن قصور أسانيدها مانع من الوثوق بصدقها والتعويل عليها في قبول الحكم المخالف للعمومات ، ولم يثبت لها جابر من عمل الأصحاب أو أكثرهم أو جمع من أساطينهم ، ولذا صار الجماعة المتقدّم ذكرهم إلى المنع ، وبالجملة لم يعلم جابر لها أوجب الوثوق بصدقها والاطمئنان بصدورها كما هو مناط حجّيّة أخبار الآحاد. فالأقوى هو المنع من حلّ السحر بالسحر ما لم يبلغ ضرر السحر حدّ تلف النفس أو زوال العقل.
وممّا استثني أيضاً التوقّي ودفع المتنبّئ بالسحر كما اختاره الشهيدان في المسالك (١) والدروس (٢) والفاضل الميسي (٣) والكاشاني (٤) على ما حكي ، خلافاً للعلّامة في أكثر كتبه (٥) فمنع عنهما ، وعليه صاحب الوسائل في دفع المتنبّئ حتّى أنّه قال : في حاشية منه : «إنّ أصل الحكم بالجواز من العامّة لأنّه موجود في كتبهم بناءً منهم على أصلهم الفاسد من عدم وجوب وجود الإمام في كلّ زمان فأوجبوا دفع المتنبّئ على الرعيّة ، وأمّا على اصول الشيعة فدفعه من وظائف الإمام لا الرعيّة ، مع أنّه ورد النصّ بأنّ من ادّعى النبوّة بعد محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وجب قتله فالشارع تعالى أمر الرعيّة بقتل المتنبّئ ولم يأمرهم بتعلّم السحر» (٦) وإلّا ورد فيه أيضاً نصّ.
ولقائل أن يقول : إنّ كلام المجوّزين ليس على عنوان التوقّي ودفع المتنبّئ بل على عنوان تعلّم السحر ، فإنّه عندهم مخرج عن عموم ما دلّ على حرمة التعلّم كما هو ظاهر عبائرهم الّتي منها عبارة المسالك القائلة بأنّه لو تعلّمه ليتوقّى به أو يدفع المتنبّئ بالسحر فالظاهر جوازه وتعلّمه لإحدى الغايتين لا يستلزم عمله :
أمّا الأوّل : فلجواز أن يراد بالتوقّي تحفّظ نفسه عن الوقوع في عمل السحر في محلّ الاشتباه بين السحر وغيره ، فإنّه إذا عرف السحر وميّز بينه وبين غيره لا يرتكب السحر فيما ابتلي به ممّا احتمل كونه سحراً.
__________________
(١) المسالك ٣ : ١٢٨.
(٢) الدروس ٣ : ١٦٤.
(٣) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١٢ : ٢٣٧.
(٤) المفاتيح ٢ : ٢٤.
(٥) القواعد ٢ : ٩ ، المنتهى ٢ : ١٠١٤ ، التحرير ٢ : ٢٦١.
(٦) الوسائل ١٧ : ١٤٥.