وقد يستدلّ بعدّة من الآيات :
منها : قوله تعالى و «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ» (١) بتقريب أنّ التحريم المتعلّق بالأعيان يعمّ جميع أنواع التصرّف والانتفاع ومنها التجارة والتكسّب بها.
وفيه : أنّه في كلّ عين ـ على ما حقّق في الاصول ـ ينصرف إلى الجهة المقصودة منها في الغالب ، كالأكل في المأكول كما في الأمثلة المذكورة ، والشرب في المشروب كالخمر ، والوطء في الموطوء كما في «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» (٢) الآية.
ومنها : قوله تعالى أيضاً في الخمر : «رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ» (٣) بتقريب أنّه تعالى أوجب الاجتناب عن الخمر لكونه رجساً ، وهو لا يتحقّق مع التصرّف فيه بالتجارة فيجب اجتنابها.
وفيه : أنّه لا يتمّ إلّا على تقدير حمل الرجس على إرادة النجاسة الشرعيّة ، وهو موضع منع.
ودعوى : أنّ الرجس لغة القذر والمراد به النجاسة الشرعيّة ، ويؤيّده ما عن الشيخ في التهذيب من «أنّ الرجس هو النجس بلا خلاف» (٤) وكلامه يحتمل وجهين : أحدهما : دعوى عدم الخلاف بين علماء اللغة في كون القذر في معنى الرجس هو النجس لغةً. والآخر : دعوى عدم الخلاف بين علماء التفسير أو الفقهاء في أنّ المراد من الرجس في الآية هو النجس وإن لم يكن القذر في معناه هو النجس لغةً ، وأيّاً ما كان فالاستدلال ناهض على المطلوب ، ثمّ يتمّ في غير الخمر بالإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.
يدفعها أوّلاً : أنّ القذر في معنى الرجس بحسب اللغة أعمّ من النجاسة الشرعيّة والخباثة المعنويّة الّتي ملاكها استنفار الطبع السليم واستقباحه ، فالخبيث ما يستنفره الطبع السليم ويستقبحه فلِمَ لا يجوز أن يكون المراد به الخباثة المعنويّة ، ويصدق على الخمر باعتبار كونه ممّا يستقبحه الشرع أو يستقبح شربه ، وأيّ طبع سليم يكون أسلم
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) النساء : ٢٣.
(٣) المائدة : ٩٠.
(٤) التهذيب ١ : ٢٧٨.