يشق الجيب يدعو الويل جهلا |
|
كأن الموت بالشيء العجاب |
وساوى الله فيه الخلق حتى |
|
نبي الله منه لم يحاب |
له ملك ينادي كل يوم |
|
لدوا للموت وابنوا للخراب (١) |
الغرض منه نهي المصاب عن جزعه في مصيبة الاهل والاولاد ، وشقه الجيب في موت الاقارب والاحفاد وقوله « وا ويلا » وقت فنائهم وزوالهم ، فان عاقبتهم الموت والفناء.
فينبغي للعاقل أن لا يجزع على فنائهم ، فانه أمر ضروري لا بد من وقوعه ، ومع هذا أمر لا يختص بشخص دون شخص ، بل كل نفس ذائقة الموت ، حتى الانبياء ولا سيما من لاجله خلق الانسان والسماء ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٢) وقد تقرر أن البلية إذا عمت طابت ، فاذن لا وجه للجزع والبكاء والكآبة وقوله وا ويلا.
فان قلت : هذا النداء من الملك المنادي انما يتصور فائدته على تقدير سماعهم منه ، وأكثرهم لا يسمعونه منه.
قلت : ليس السماع الا الاطلاع الحضوري ، وهذا كما يحصل بغير واسطة وهو الاكثر ، فقد يحصل بها ، ولذلك يقال : سمعت منه بواسطة ، فالانبياء والاوصياء وغيرهم من الكاملين والاولياء لتعلقهم بعالم المثال ، وتصرفهم في أبدانهم المثالية حال تعلقهم بعالم الملك ، وتصرفهم في هذه الابدان الجسمية أيضاً يسمعونه من الملك المنادي بغير واسطة ، وغيرهم يسمعونه بواسطتهم.
وذلك أن تلك الابدان المثالية كالابدان الجسمية لها جميع الحواس والمشاعر الظاهرة والباطنة ، والمدرك فيهما النفس ، الا أنها تدرك في هذا العالم بآلات جسمانية ، وفي عالم المثال بآلات سبحانية ، فسماعهم عليهمالسلام له كان باعتبار وجود
__________________
(١) ديوان الامام على عليهالسلام ص ١٦.
(٢) سورة الزمر : ٣٠.