وربّما يمكن الجواب عن الثاني بأنّ المراد من عدم الافتراق أنّهم عليهمالسلام ملازمون للعمل بما فيه وعدم التجاوز عنه ، أو أنّ كلّاً منهما يعرض على الآخر ، كما في حديث أحمد بن الحسن الميثمي عن الرضا عليهالسلام ، قال عليهالسلام فيه بعد كلام طويل تركناه خوف الاطناب ـ : « فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهُما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله مَوْجوداً حَلالاً أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضُوه على سنن رَسُول الله ، فما كان في السنّة موجوداً منهيّاً عنه نهيَ حرامٍ أو مأموراً به عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أمرَ إلزامٍ ، فاتّبعُوا ما وافق نهي رَسول الله صلىاللهعليهوآله وأمره ، وما كان في السنّة نهيَ إعافةٍ أو كراهة ثمّ كان الخبر [ الآخر (١) ] خلافه فذلك رخصةٌ فيما عافَهُ رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢) .. »إلى آخره.
وفي قوله عليهالسلام : « فما كان في كتاب الله موجوداً » ، وقوله : « وما لم يكن في الكتاب » ، دلالةٌ واضحةٌ على ما ندّعيه كما يأتي ؛ إذ المرادُ من عدم الوجدان فيه عدم استفادة الحكم منه ، وإلّا ففيه تبيان كلّ شيء حتى أرش الخدش ، وردت به أخبارهم عليهمالسلام ، ومن الوجدان الاستفادة. وإنّما أتينا بهذا الخبر مع الاستغناء عن ذكره بما تقدم ؛ لأنّه أصرح ، ولما فيه من النكت : فمنها : ما مرَّ آنفاً. ومنها : استعمال الأمر والنهي في الوجوب والندب والتحريم والكراهة ، واشتراكهما في المعنيين. ومنها : الجمع بين الخبرين المختلفين أمراً ونهياً بحملهما على الندب والكراهة إذا لم تقم قرينةٌ على إرادة الوجوب أو التحريم.
إذا عرفت هذا عرفتَ أنَّ الأقرب إلى الصواب هُوَ قَوْلُ المُبَعِّضِينَ جمعاً بين ما تقدّم بوجهين :
أحدهما : بتقييد المطلق من الأخبار بما رواهُ حجّة الإسلام أبو منصور الطبرسي في ( الاحتجاج ) في حديث الزنديق الذي جاءَ محتجّاً بآي متشابهة تقتضي التناقض ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال عليهالسلام بعد كلام طويل ـ : « ثمّ إنّ الله جلّ ذكرهُ لسعة رحمته
__________________
(١) من المصدر.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢١.