ومن أحياهم أي استنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو مما يميت لا محالة أو استنقذها من ضلال ( فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) لأنه في إبداء المعروف إليهم بإحيائه المؤمن بمنزلة من أحيا كل واحد منهم.
وهذا المعنى أحد الأقوال في الآية وهو مروي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ : « وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ ضَلَالٍ إِلَى الْهُدَى ».
الثاني أن من قَتَلَ نبيا أو إمام عدل ( فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) ثم يعذب عليه كما لو قتل الناس كلهم ومن شد على عضد النبي أو إمام عدل ( فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) في استحقاق الثواب.
الثالث من قَتَلَ نفسا بغير حق فعليه مأثم كل قاتل من الناس لأنه سن القتل وسهله للغير فكان بمنزلة المشارك فيه ومن زجر عن قتلها بما فيه حياتها على وجه يعتدى به بأن يعظم تحريم قتلها كما حرمه الله تعالى ولم يقدر على قتلها لذلك فقد ( أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) بسلامتهم منه.
الرابع ( فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) عند المقتول ، ( فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) عندك المستنقذ به.
الخامس أن معناه يجب عليه بِقَتْلِهِ القصاص مثل ما يجب عليه لو قتل الناس جميعا ومن عفى عن قتلها وقد وجب القود عليها كان كمن عفى عن الناس جميعا.
قوله ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) [ ٤ / ٢٩ ] لأنه إذا قتل غيره قتل به فصار هو القاتل نفسه.
أو المضاف محذوف أي نفس غيركم فحذف لعدم الاشتباه.
وقيل الكلام على ظاهره ، لأن الله تعالى كلف بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ليكون القتل توبة لهم عن ذنوبهم فرفع ذلك عن أمة محمد صلى الله عليه واله رحمة لهم ولذلك قال ( إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) [ ٤ / ٢٨ ].
نُقِلَ أَنَّهُمْ قَالُوا كَيْفَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا؟ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى عليه السلام : اغْدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ حَدِيدَةٌ أَوْ سَيْفٌ فَإِذَا صَعِدْتُ مِنْبَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكُونُوا أَنْتُمْ مُتَلَثِّمِينَ لَا يَعْرِفُ