عمدة الأصول - ج ٢

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٧

للجمعة والجنابة أو ما شاكل ذلك على الأوّل ليس إلّا الطلب والوجوب كما أنّ المستفاد منها على الثاني ليس إلّا ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها فإذن كيف يمكن القول بأنّها تستعمل في كلا المقامين في معنى واحد. (١)

وممّا ذكر يظهر ما في نهاية الأفكار حيث ادّعى الوجدان على أنّه لا عناية في استعمال الجمل الخبريّة حين دلالتها على الطلب وأنّه لا فرق بين نحو استعمالها حين الإخبار بها ونحو استعمالها حين إفادة الطلب. (٢)

لما عرفت من أنّ المتفاهم العرفيّ هو كونها مستعملة للإيجاد والإنشاء ودعوى الوجدان على عدم العناية لا يصدقها الوجدان فالجمل الخبريّة المستعملة في مقام الطلب محتاجة إلى عناية وتكون مجازا.

وعلى ما ذكرنا من إنشاء الترخيص والتجويز بالجملة الخبريّة لا حاجة إلى تكلّف ومئونة زائدة. فقوله عليه‌السلام «يتكلّم» في مقام توهّم الحذر لإنشاء تجويز التكلّم لا للإخبار عن التكلّم.

ثمّ إنّ نفس البعث بالجملة الخبريّة كالبعث بالصيغة حجّة عقلائيّة على لزوم الإتيان بالعمل فينتزع عنه الوجوب من دون فرق بينهما فالوجوب في الجملة الخبريّة كالوجوب في صيغة «افعل» أمر انتزاعيّ بعد تحقّق البعث وحكم العقلاء بكونه حجّة على لزوم الإتيان فلا تصل النوبة بكونه مدلولا للجملة كما لا حاجة أيضا إلى مقدّمات الحكمة ولا إلى دعوى الانصراف كما مرّ في صيغة «افعل» حرفا بحرف.

ثمّ ينقدح ممّا مرّ ـ سابقا من أنّه لا دليل على لزوم استعمال كلّ مجاز في ما وضع له وجعله عبرة إلى المقصود المجازيّ بل ربما لا يمكن كما في استعمال اللفظ في اللفظ ـ ما

__________________

(١) المحاضرات ٢ / ١٣٦.

(٢) نهاية الأفكار ١ / ٢١٥.

٨١

في تهذيب الأصول من أنّ ما ذكرنا سابقا في تحقيق معنى المجاز وأنّه استعمال فيما وضع له بجعله عبرة إلى المقصود يوضّح كيفيّة دلالتها على البعث فالجمل الخبريّة مستعملة في معانيها الإخباريّة بدعوى تحقّقها من المخاطب وأنّه يقوم به من غير احتياج إلى الأمر بل فطرته السليمة ورشده في حيازة المصالح تبعثه إليه بلا دعوة داع. انتهى

وذلك لما عرفت من أنّ استعمالها في معانيها الإخباريّة لا ملزم له مع ما فيه من التكلّف بل الجمل الخبريّة مستعملة للإيجاد لا للحكاية.

فتحصّل أنّ الجمل الخبريّة المستعملة في مقام الطلب كصيغة الأمر في إفادة إنشاء البعث والوجوب من دون فرق بينهما ودعوى الآكديّة غير ثابتة إلّا في بعض المقامات الأدبيّة الخاصّة دون المحاورات العرفيّة فلا تغفل.

٨٢

الخلاصة :

أنّ جماعة ذهبوا إلى أنّ الجمل الخبريّة المستعملة في مقام الطلب مستعملة في معناها من الإخبار وإنّما التفاوت بينها وبين الجمل الخبريّة المستعملة في مقام الإخبار بالدواعي إذ الداعي في الخبريّة هو الإخبار والإعلام بوقوع الشيء لشيء بخلاف المستعملة في مقام الطلب فإنّ الداعي فيها هو البعث الحقيقيّ.

واستشكل فيه بأنّ لازم استعمال الجمل الخبريّة المستعملة في مقام الطلب في معناها من ثبوت الشيء لشيء هو الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع المطلوب كثيرا ما في الخارج.

واجيب عنه بأنّه إنّما يلزم ذلك إذا أتى بها بداعي الإخبار لا بداعي البعث فإذا جيء بالنسب الخبريّة توطئة لإفادة أمر آخر لا يكون المقصود الأصليّ هو الإخبار فلا يرد على ذلك باستلزام الكذب لو اريد من قوله عليه‌السلام «يعيد» ونحوه الجمل المستعملة في معناها لأنّ النسبة في قولهم يعيد جيء بها توطئة لإفادة إرادة البعث ، والصدق والكذب يلاحظان بالنسبة إلى النسبة الحكميّة المقصودة بالأصالة دون النسب التي جيء بها توطئة لإفادة أمر آخر ولذا لا يسند الكذب إلى القائل بأنّ زيدا كثير الرماد توطئة لإفادة جوده وإن لم يكن له رماد أو كان ولم يكن كثيرا وإنّما يسند إليه الكذب لو لم يكن زيد جوادا.

والإنصاف أنّ هذا القول لا يخلو عن تكلّف والأولى أن يقال إنّ الظاهر من الجمل الخبريّة المستعملة في مقام الطلب عرفا في مثل قولنا بعت وانكحت ويعيد هو الإنشاء لا الإخبار بداعي الإنشاء والبعث فهذه الجمل من الموجدات لا الحاكيات وحملها على الإخبارات بعيد عن أذهان العرف وإن كان ممكنا كما عرفت.

ثمّ إنّ كيفيّة استفادة الوجوب منها كاستفادة الوجوب من صيغ الأمر وعليه

٨٣

فنفس البعث بالجملة الخبريّة كالبعث بالصيغة موضوع لحكم العقلاء بكونه حجّة على لزوم الإتيان فينتزع منه الوجوب فلا تكون الجمل الخبريّة مستعملة في الوجوب كما لا يكون الوجوب مستفادا منها بمقدّمات الحكمة أو بالانصراف كما مرّ تفصيل ذلك في صيغ الأمر.

٨٤

المبحث الرابع : في التعبّديّ والتوصّليّ :

والبحث فيه يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في مفهوم التعبّديّ والتوصّليّ :

ذكر لهما تعريفات مختلفة منها ما حكي عن الشيخ الأعظم قدس‌سره في تقريراته من أنّ التعبّديّ هو ما يشترط فيه القربة والتوصّليّ ما لا يشترط فيه القربة سواء في ذلك في كون الواجب من الماهيات المخترعة كالصلاة والحجّ ونحوهما أو لا كالذبح والنحر والحلق والتقصير. انتهى

ومن المعلوم أنّ لازم اشتراط القربة في التعبّديّ هو أنّ أمر الواجب فيه لا يسقط ولا يحصل الامتثال به في حاقّ الواقع إلّا بإتيانه بقصد القربة بخلاف التوصّليّ فإنّه يسقط أمره بنفس الإتيان كيفما اتّفق من دون حاجة إلى قصد القربة ويصحّ لذلك تعريف التعبّديّ بما لا يسقط أمره ولا يحصل الامتثال به في حاقّ الواقع إلّا بإتيانه بقصد القربة والتوصّليّ بما يسقط أمره بنفس الإتيان كيفما اتّفق.

لا يقال : إنّ تعريف التعبّديّ ليس بجامع لأنّ العبادات الذاتيّة كالسجود لله تعالى لم يشترط فيها قصد القربة لفرض ذاتيّة العبادة لها من دون حاجة إلى قصد القربة فيها فلا يشمل تعريف التعبّديّ لأمثالها مع أنّها من العبادات فالتعريف ليس بجامع كما أنّ تعريف التوصّليّ ليس بمانع فإنّه يشمل العبادات الذاتيّة مع أنّها ليست

٨٥

بالتوصّليّ إذ العبادات الذاتيّة يسقط أمرها بنفس الإتيان من دون حاجة إلى قصد القربة.

لأنّا نقول أنّ العبادات الذاتيّة خارجة عن محلّ كلامنا إذ لا يمكن احتمال التوصّليّة فيها قال في منتهى الاصول وأمّا ما يكون عبادة ذاتا وإن لم يكن لها أمر بل كان منهيّا عنها فأجنبيّ عن محلّ كلامنا وما نحن بصدده من التمسّك بالإطلاق لإثبات التوصّليّة في مورد الشكّ. (١)

ولعلّ ذلك من جهة أنّ فرض التوصّليّ في العبادة الذاتيّة مستحيل ومع كون ثبوت التوصّليّ فيها محالا كيف يمكن إثباته بالإطلاق.

ومنها : ما في الكفاية من أنّ الوجوب التوصّليّ هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرّد حصول الواجب ويسقط بمجرّد وجوده بخلاف التعبّديّ فإنّ الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بدّ في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقرّبا به منه تعالى.

أورد عليه في منتهى الاصول بأنّ وظيفة العبد هو إتيان المأمور به وأمّا تحصيل الغرض فليس من وظيفته ولا طريق إلى تحصيله إلّا إتيان المأمور به والكيفيّة التي يعتبرها العقل في مقام الإطاعة لأنّه هو الحاكم في باب الإطاعة والعصيان. (٢)

وفيه أنّ المفاد من التعريف المذكور ليس هو وجوب تحصيل الغرض حتّى يرد عليه بأنّ تحصيل الغرض ليس من وظائف المكلّفين بل المراد منه أنّ كلّ واجب يكون بحسب الواقع ونفس الأمر ممّا يكون الغرض منه حاصلا بمجرّد وجوده هو التوصّليّ بخلاف التعبّديّ فإنّ الغرض منه لا يحصل بدون الإتيان به متقرّبا ولا إشكال

__________________

(١) منتهى الاصول ١ / ١٢٨.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٢٧.

٨٦

في التعريف المذكور عدى ما مرّ من الإشكال السابق والجواب الجواب.

ومنها : أنّ التعبّديّ ما يعتبر فيه المباشرة والتوصّليّ ما لا يعتبر فيه المباشرة لسقوط الذمّة بفعل الغير تبرّعا أو استنابة.

وفيه أنّه منقوض بوجوب ردّ السلام والمضاجعة وغيرها من التوصّليّات التي لا يجوز فيها الاستنابة والتبرّع.

ومنها : أنّ التعبّديّ هو ما لا يدرك العقل ملاكه بخلاف التوصّليّ أو ما لا يكون الغرض منه معلوما للمكلّف بخلاف التوصّليّ.

وفيه منع واضح لأنّ الملاك والغرض في كثير من التوصّليّات ليسا بمعلومين كما أنّهما في كثير من العبادات كانا معلومين فالتعريف ليس بجامع ولا بمانع.

المقام الثاني : في إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق التكليف شرعا :

ولا يخفى عليك أنّ القدماء من علمائنا إلى زمان الشيخ الأنصاريّ (قدّس الله أسرارهم) على ما في نهاية الاصول كانوا يعدّون قصد القربة في العبادات في عداد سائر شرائط المأمور به وأجزائه من غير تعرّض لورود إشكال في المقام.

ثمّ استشكل الشيخ الأعظم قدس‌سره في إمكان أخذ قصد القربة وقد أرسل تلامذة الشيخ ومن بعدهم عدم جواز أخذ القربة في المأمور به إرسال المسلّمات وتصدّى كلّ واحد منهم للاستدلال على هذا الأمر بوجوه عديدة ونحن نرجّح ما ذهب إليه القدماء من إمكان أخذ قصد القربة في العبادات كسائر الشرائط والأجزاء ولا بدّ لنا من ذكر الوجوه التي استدلّ بها على عدم الإمكان حتّى يتبيّن أنّه لا مانع من الأخذ بقصد القربة كسائر شرائط المأمور به والوجوه ترجع إمّا إلى الامتناع في مقام الأمر والتكليف وإمّا إلى الامتناع في مقام الامتثال.

٨٧

وجوه الامتناع في مقام الأمر والتكليف :

منها : أنّ الأمر يتوقّف على تحقّق موضوعه بتمام أجزائه توقّف العرض على معروضه فلو كان قصد الأمر مأخوذا في الموضوع لزم الدور لعدم تحقّق الموضوع بتمام أجزائه التي منها قصد الأمر إلّا بعد ثبوت الأمر فالأمر يتوقّف على الموضوع والموضوع على الامر.

قال الشيخ الأعظم قدس‌سره على ما في تقريراته : إنّ القربة عبارة عن الإتيان بالفعل المأمور به على وجه يكون الداعي إليه هو الأمر فهذه من الاعتبارات اللاحقة للفعل بعد ملاحظة كونه مأمورا به وأمّا قبل أن يجعل الفعل مأمورا به لا وجه لأن يلاحظ مقيّدا بالقربة أو مطلقا كما يصحّ أن يلاحظ مقيّدا بوقوعه في زمان كذا أو مكان كذا أو عن آلة كذا ونحوها وأن يلاحظ مطلقا.

وإذا كان القيد من القيود التي لا يتحقّق إلّا بعد اعتبار الأمر في المطلق فلا يصحّ الاستناد إلى إطلاق اللفظ في رفع الشكّ في مثل التقييد المذكور لأنّ المفروض أنّه ليس من قيوده مع قطع النظر عن الأمر.

لا يقال : إنّ التمسّك بإطلاق المادّة في محلّه إذ يصحّ أن يقيّد الفعل بعدم الدواعي المنتقشة في النفس باعتبار قواها الشهوانيّة وغيرها ممّا لا يرجع إلى الأمر وحيث انّ المفروض استحالة صدور الفعل الاختياريّ من الفاعل من دون ما يدعوه إلى الفعل فلا مناص للمكلّف إلّا إتيانه بداعي الأمر ففيما إذا شكّ في التعبّديّة والتوصّليّة يمكن الأخذ بإطلاق الفعل المحتمل تقييده بعدم الدواعي النفسانيّة.

لأنّا نقول : ذلك وهم فاسد إذ لا فرق فيما يمتنع تقييده بشيء بين أن يكون القيد هو ذلك الشيء أو عدم أضداده على وجه يفضي بالأخرة إليه وعلى تقدير عدم الإفضاء لا يجدي شيئا إذ لعلّه يكتفى بغيره كما هو ظاهر وبالجملة فالفعل الملحوظ فيه لحوق الأمر موضوع للامتثال ولا يعقل اعتبار شيء في نفس الفعل فيما إذا كان

٨٨

عروضه عليه بواسطة الأمر المتأخّر عنه رتبة.

ومن ذلك يعرف أنّ التفصيل بين ما إذا كان الكاشف عن الطلب هو اللفظ وما إذا كان الطلب مدلولا عليه بوجه من الوجوه اللبّيّة ممّا لا وجه له إذ الدالّ على التقييد المذكور على تقدير وجوده ممّا لا يفرق فيه الأدلّة اللفظيّة واللبّيّة على نحو اختلاف فيهما وعلى تقدير عدمه فلا فرق فيهما أيضا.

وتبعه في الكفاية حيث قال : إنّ التقرّب المعتبر في التعبّديّ إن كان بمعنى قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره كان ممّا يعتبر في الطاعة عقلا لا ممّا اخذ في نفس العبادة شرعا وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتّى إلّا من قبل الأمر بشيء في متعلّق ذلك الأمر مطلقا شرطا أو شطرا.

ويمكن الجواب عنه بما حكي عن سيّد الأساتيذ السيّد محمّد الفشاركيّ قدس‌سره في الوقاية : وأمّا توقّف الأمر على الموضوع فإن اريد توقّفه عليه في الخارج فهو باطل ضرورة أنّ الأمر لا يتعلّق بالموضوع إلّا قبل وجوده وأمّا بعده فهو مستحيل لامتناع طلب الحاصل وإن اريد توقّفه تصوّرا فمسلّم ولكن لا يلزم منه الدور لأنّ قصارى ما فيه توقّف الموضوع على الأمر بحسب وجوده الخارجيّ وتوقّف الأمر على الوجود الذهنيّ للموضوع فلا دور. (١)

وإليه يؤول ما في نهاية الاصول من أنّ الموضوع أعني المتعلّق بوجوده الذهنيّ متقدّم على الأمر ولا ينافي ذلك كونه بوجوده الخارجيّ متأخّرا عن الأمر ومتوقّفا عليه ولا يعقل أن يكون المتعلّق بوجوده الخارجيّ متقدّما عليه وإلّا لكان الأمر به طلبا للحاصل وبالجملة المتوقّف على الأمر غير ما يتوقّف الأمر عليه. انتهى

وزاد على ذلك في تعليقة الأصفهانيّ بمنع لزوم تقدّم الموضوع والمتعلّق

__________________

(١) الوقاية / ٢٢١.

٨٩

بالوجود الذهنيّ أيضا حيث قال : إنّ الحكم بالإضافة إلى موضوعه من قبيل عوارض الماهيّة لا من قبيل عوارض الوجود كي يتوقّف عروضه على وجود المعروض وعارض الماهيّة لا يتوقّف ثبوته على ثبوتها بل ثبوتها بثبوته كثبوت الجنس بفصله والنوع بالتشخّص إذ من الواضح أنّ الحكم لا يتوقّف على وجود موضوعه خارجا كيف ووجوده خارجا يسقط الحكم فكيف يعرضه كما لا يتوقّف على وجوده ذهنا بداهة أنّ الفعل بذاته مطلوب لا بوجوده الذهنيّ بل الفعل يكون معروضا للشوق النفسانيّ في مرتبة ثبوت الشوق حيث انّه لا يتشخّص إلّا بمتعلّقه كما في المعلوم بالذات بالنسبة إلى العلم فما هو لازم توقّف العارض على معروضه هذا النحو من الثبوت. (١)

ويمكن أن يقال إنّ قياس الأحكام بعوارض الماهيّة كما ترى لأنّ متعلّق الأحكام وإن كان من جهة كونه معروضا للشوق النفسانيّ في مرتبة ثبوت الشوق ويكون مثل عوارض الماهيّة ولكنّه غير الحكم ذاتا إذ إرادة الصلاة غير الصلاة المتصوّرة والمتعلّق بما هو هو مقدّم على الحكم تصوّرا ولا يقاس أيضا بباب العلم والمعلوم بالذات لأنّهما متّحدان بالذات بخلاف الحكم والمتعلّق فإنّهما ليسا بمتّحدين وإن كانا من حيث الإرادة والمراديّة متّحدين إلّا أنّ اتّحادهما من هذه الحيثيّة لا يستلزم اتّحادهما من حيث ذاتهما لوضوح اختلاف الحكم مع متعلّقه إذ ليس الإرادة والشوق عين الصلاة كما أنّ الصلاة ليست عين الإرادة وعليه فموضوع الحكم محقّق بالتصوّر لا بالإرادة ومقدّم على الحكم وإن كان مراديّة الموضوع محقّقه بالإرادة ومجرّد عدم دخالة الوجود الذهنيّ كالخارجيّ لا يوجب أن ننكر تقدّم المتعلّق بوجوده الفرضيّ اللافراغيّ التصوّريّ.

وممّا ذكر يظهر أيضا ما في تهذيب الاصول حيث قال : إنّ المراد من الحكم إن

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ١٩٤.

٩٠

كان هو الإرادة باعتبار كونها مبدأ للبعث ففيه أنّها قائمة بالنفس قيام المعلول بعلّته ولها إضافتان إضافة إلى علّته أي النفس وإضافة إلى المتصوّر أعني الصورة العلميّة للمراد فهي كإضافة العلم إلى المعلوم بالذات في كلتا الإضافتين. وإن كان المراد هو الوجوب والندب وغيرهما فهي امور اعتباريّة لا خارج لها وراء الاعتبار حتّى تكون قائمة بالموضوعات أو المتعلّقات. (١)

لمّا عرفت من أنّ قياس الحكم بالعلم ليس في محلّه فإنّ العلم عين المعلوم والمعلوم عين العلم هذا بخلاف الحكم والموضوع فإنّهما متغايران ذاتا لأنّ الموضوع أمر ذهنيّ وراء الإرادة المتعلّقة به وتعلّق الإرادة بالموضوع متأخّر عن تصوّر الموضوع.

هذا مضافا إلى أنّ الوجوب والندب وغيرهما من الامور الانتزاعيّة التي تفترق عن الاعتباريّة بلزوم وجود منشأ الانتزاع في الخارج ولو كان هو الوجود الذهنيّ.

وعليه فاللازم في تعلّق الحكم هو تقدّم الموضوع ذهنا بناء على أنّ المراد من الحكم هو الإرادة والشوق كما أنّ انتزاع الوجوب أو الندب متوقّف على تقدّم البعث من المولى مع عدم اقترانه بالقرينة الدالّة على الندب في الوجوب واقترانه بالقرينة المذكورة في الندب. نعم يكفي فيه التقدّم الذهنيّ كما لا يخفى.

فالاولى في الجواب هو ما ذهب إليه السيّد الاستاذ من أنّ تقدّم الموضوع ذهنا لا يوجب الدور لأنّ المتوقّف عليه الأمر هو الموضوع الذهنيّ والمتوقّف على الأمر هو الموضوع الخارجيّ فالمتوقّف عليه الأمر والمتوقّف على الأمر متغايران فلا يلزم الدور.

ومنها : ما ذهب إليه صاحب الوقاية من استحالة أخذ الأمر وكلّ ما ينشأ من

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ١٤٨.

٩١

قبله أو يضاف إليه في موضوع المأمور به ، وقال : استحالة ذلك أوضح من أن يحتاج إلى البرهان وقال : وجه الاستحالة هو تأخّر الحكم من الموضوع رتبة مع أنّ اللازم في القيد والمقيّد هو أن يكونا في مرتبة واحدة بحيث يتمكّن الآمر من النظر إليهما معا بلحاظ واحد وطلب أحدهما مقيّدا بالآخر والحكم لتأخّره الرتبيّ لا يتصوّره الذهن إلّا بعد تصوّر موضوعه ولهذا امتنع تعليق الأمر على كلّ من الإطاعة والعصيان وامتنع الحكم بقيد الشكّ في ذلك الحكم بعينه أو بقيد الظنّ به كما يأتي بيانه في الترتّب وبالجملة لا بدّ للحكم من موضوع مستقلّ بنفسه متصوّر قبل الحكم لكي يعرضه الحكم وأمّا صياغة الموضوع من الحكم فإن لم يكن دورا اصطلاحيّا فهو (أخوه غذته أمّه بلبانها) بل هو أوضح فسادا من الدور ولا يمكن إصلاحه بما ذكره في الجواب عن الدور. (١)

وأنت خبير بأنّ تأخّر الحكم رتبة من الموضوع لا يمنع عن إمكان لحاظهما معا. ألا ترى أنّ السبب والمسبّب يمكن ملاحظتهما معا والتقدّم والتأخّر الوجوديّ بينهما لا يمنع عن ملاحظتهما معا وعليه فيمكن تصوّر الحكم بشخصه قبل وجوده وتصوّر الموضوع كالصلاة ثمّ يتقيّد الموضوع كالصلاة بتصوّر الحكم إذ تصوّرهما في مرتبة واحدة ولا تقدّم وتأخّر في تصوّرهما وإن كانا بحسب الوجود متقدّما ومتأخّرا فلا تغفل.

ومنها : أنّ التكليف بذلك المقيّد يوجب الجمع بين اللحاظين (اللحاظ الآليّ واللحاظ الاستقلاليّ) لأنّ الموضوع بقيوده لا بدّ وأن يكون ملحوظا استقلالا والأمر بما أنّه طرف لإضافة القيد المأخوذ في الموضوع لا بدّ من لحاظه أيضا استقلالا والأمر بما أنّه آلة البعث إلى المطلوب لا يلحظ إلّا آلة إليه فيجمع فيه بين اللحاظين المتنافيين.

__________________

(١) الوقاية / ٢٢٢.

٩٢

وفيه كما في تهذيب الاصول أنّ اللحاظين المتنافيين لم يجتمعا في وقت واحد إذ اللحاظ الاستقلاليّ مقدّم على الآليّ منهما لما عرفت من أنّ الموضوع بتمام قيوده ومنها قصد الأمر على المفروض مقدّم تصوّرا على الأمر والبعث فاللحاظ الاستقلاليّ المتعلّق بالموضوع في ظرف التصوّر وقيوده متقدّم على الإنشاء وعلى الاستعمال الآليّ. (١)

ومنها : أنّ فعليّة الحكم متوقّفة على فعليّة موضوعه فإذا كان الحكم نفس موضوعه أو جزء منه لزم توقّف فعليّة الشيء على فعليّة نفسه.

وفيه كما في بدائع الأفكار أنّا لا نسلّم أنّ فعليّة الحكم متوقّفة على فعليّة وجود موضوعه خارجا بل فعليّة متوقّفة على فعليّة فرض وجود موضوعه وتقديره في الذهن فالحكم يكون فعليّا بنفس إنشائه وجعله لموضوعه المفروض في مقام التشريع وإن لم يكن وجوده خارجا فعليّا. (٢)

هذا مضافا إلى ما في تهذيب الاصول من أنّ فعليّة التكليف لا تتوقّف على فعليّة الموضوع توقّف المعلول على علّته بل لا بدّ في حال فعليّة الحكم من فعليّة الموضوع ولو صار فعليّا بنفس فعليّة الحكم لأنّ الممتنع هو التكليف الفعليّ بشيء لم يكن متحقّقا بالفعل وأمّا التكليف الفعليّ بشيء يصير فعليّا بنفس فعليّة الحكم لم يقم دليل على امتناعه بل الضرورة قاضية بجوازه. (٣)

وحاصله : أنّ مع عدم كون التوقّف توقّفا علّيّا ومعلوليّا لا يلزم الدور وإن لم يتحقّق فعليّة الحكم بدون فعليّة الموضوع بل لا بدّ من المقارنة بينهما ولا محذور في

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ١٥٠.

(٢) بدائع الأفكار ١ / ٢٢٤.

(٣) تهذيب الاصول ١ / ١٥٢.

٩٣

ذلك.

ويمكن أن يقال : إنّ عدم كون التوقّف علّيّا ومعلوليّا فيما إذا لم يكن الحكم مأخوذا في ناحية الموضوع وإلّا فإن كان اللازم هو فعليّة وجود الموضوع خارجا لزم محذور الدور لأنّ فعليّة الحكم متوقّفة على فعليّة الموضوع خارجا وفعليّة الموضوع خارجا متوقّفة على فعليّة أجزائه والمفروض أنّ من أجزائه نفس الحكم فيتوقّف فعليّة الحكم على فعليّة الحكم وعليه فالمحذور لا يرفع إلّا بما في بدائع الأفكار من أنّ المتوقّف عليه فعليّة الحكم هو فرض وجود الموضوع وتقديره في الذهن.

ومنها : أنّ الإنشاء حيث أنّه بداعي جعل الداعي فجعل الأمر داعيا إلى جعل الأمر داعيا يوجب علّيّة الشيء لعلّيّة نفسه وكون الأمر محرّكا إلى محرّكيّة نفسه وهو كعلّيّة الشيء لنفسه محال لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه.

توضيح ذلك أنّ الأمر لا يدعو إلّا إلى متعلّقه والمتعلّق هنا على المفروض هو الشيء المقيّد بقصد الأمر وعليه فنفس الصلاة ليست مأمورا بها حتّى يقصد المكلّف امتثال أمرها والدعوة إلى امتثال المقيّد بقصد الامتثال محال لاستلزامه كون الأمر داعيا إلى داعويّة نفسه ومحرّكا لمحرّكيّة نفسه وهو عين علّيّته لعلّيّة نفسه ولا فرق بين علّيّة الشيء لنفسه وعلّيّته لعلّته في الاستحالة للزوم تقدّم الشيء على نفسه في كلتا الصورتين.

وفيه أوّلا كما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره أنّ المحذور إنّما يرد إذا أخذ الإتيان بداعي الأمر بنحو الشرطيّة أو بنحو الجزئيّة وأمّا إذا لوحظ ذات المأتيّ وبداعي الأمر أي هذا الصنف من نوع الصلاة وأمر به فلا يرد هذا المحذور. (١)

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الجواب المذكور التزام بالإشكال في صورة أخذ القربة في

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ١٩٥.

٩٤

المتعلّق شطرا أو شرطا وهو كما ترى.

وثانيا كما في المحاضرات : أنّ الإشكال المذكور يقوم على أساس أن يكون ما اخذ داعويّته في متعلّق الأمر كالصلاة مثلا عين ما يدعو إليه فعندئذ بطبيعة الحال يلزم داعويّة الأمر لداعويّة نفسه ولكنّ الأمر ليس كذلك فإنّ المأخوذ في المتعلّق إنّما هو داعويّة الأمر الضمنيّ وما يدعو إلى داعويّته إنّما هو أمر ضمنيّ آخر. ومن الطبيعيّ أنّه لا مانع من أن يكون أحد الأمرين متعلّقا لأمر آخر ويدعو إلى داعويّته بداهة أنّه لا يلزم من ذلك داعويّة الأمر لداعويّة نفسه.

بيان ذلك أنّ الأمر المتعلّق بالصلاة مثلا مع داعويّة أمرها الضمنيّ بطبيعة الحال ينحلّ ذلك الأمر إلى أمرين ضمنيّين : أحدهما متعلّق بذات الصلاة والآخر متعلّق بداعويّة هذا الأمر يعني الأمر المتعلّق بذات الصلاة ولا محذور في أن يكون الأمر الضمنيّ يدعو إلى داعويّة الأمر الضمنيّ الآخر كما أنّه لا مانع من أن يكون الأمر النفسيّ الاستقلاليّ يدعو إلى داعويّة الأمر النفسيّ الآخر كذلك. نعم لو كان المأخوذ فيه الأمر النفسيّ الاستقلاليّ لزم داعويّة الأمر لداعويّة نفسه. (١)

ولا يخفى أنّ الجواب المذكور يكون مبتنيا على تصوّر قصد الأمر في المتعلّق بنحو الأمر الكلّيّ المتعلّق بالصلاة لا تصوّر قصد شخص الأمر الموجود بعده وإلّا لزم المحذور المذكور وتوضيح المقصود أنّ الأمر تعلّق بالصلاة مثلا مع قصد الأمر الكلّيّ المتعلّق بالصلاة وهذا الأمر المتعلّق بالصلاة مع قصد الأمر الكلّيّ المتعلّق بالصلاة ينحلّ إلى أمرين ضمنيّين لأنّ الأمر بالمركّب أمر بأجزائه والأجزاء في المقام هي الصلاة وقصد الأمر الكلّيّ المتعلّق بالصلاة فهنا أمر ضمنيّ متعلّق بنفس الصلاة وأمر ضمنيّ متعلّق بالأمر الكلّيّ المتعلّق بالصلاة وحيث أنّ الأمر الكلّيّ المتعلّق بالصلاة

__________________

(١) المحاضرات ٢ / ١٧٠.

٩٥

ليس مصداقه إلّا الأمر الضمنيّ المتعلّق بها الناشئ عن الأمر بالمركّب فيرجع الأمر الضمنيّ المتعلّق بالأمر الكلّيّ المتعلّق بالصلاة إلى الأمر الضمنيّ المتعلّق بالصلاة ولا إشكال في مغايرتهما ومع المغايرة لا يرد المحذور من داعويّة الأمر لداعويّة نفسه.

اورد عليه بأنّ دعوة الأمر إلى إيجاد القيود والأجزاء بعين الدعوة إلى إيجاد المركّب والمقيّد ولذا يكون إيجاد القيد أو الجزء امتثالا للأمر المتعلّق بالمقيّد والمركّب لا امتثالا لأمرهما الضمنيّ أو الانحلاليّ كما اشتهر بين القوم لأنّ العقل حاكم على أنّ كيفيّة امتثال الأمر المتعلّق بالمركّب والمقيّد إنّما هو بالإتيان بالأجزاء وإيجاد القيود فحينئذ فالجزء أو القيد ليس غير مدعوّ إليهما رأسا ولا مدعوّ إليهما بدعوة خاصّة منحلّة بل مدعوّ إليهما بعين دعوته إلى المركّب أو المقيّد إذ الأمر واحد والمتعلّق فارد وعليه فلا مجال للأمر الضمنيّ حتّى يجاب عن الإشكال بأنّ تعلّق الأمر الضمنيّ بالأمر الضمنيّ لا يلزم المحذور. (١)

يمكن أن يقال كما افاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره : إنّ حكم العقل بأنّ كيفيّة امتثال الأمر المتعلّق بالمركّب والمقيّد إنّما هو بالإتيان بالأجزاء وإيجاد القيود لا يستلزم عدم وجود الأوامر الضمنيّة بل يدلّ على وجودها وجود الثواب والأجر إذا أتى بأحد أجزاء المركّب التوصّليّ بقصد الأمر بالمركّب مع وجود سائر الأجزاء بنفسها من دون قصد إذ بقاء الأمر المتعلّق بالمركّب مع وجود سائر الأجزاء بنفسه لا معنى له فوجود الثواب مع قصد الأمر في بعض أجزائه ليس إلّا من جهة انحلال الأمر المتعلّق بالمركّب إلى أوامر ضمنيّة بحسب تعدّد الأجزاء ومن المعلوم أنّ كلّ واحد منها يصلح للتقرّب كما أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب يصلح لذلك.

وهكذا لو اجلس شخص تجاه القبلة بحيث لم يتمكّن من الاستدبار أو

__________________

(١) راجع تهذيب الاصول ١ / ١٥٤.

٩٦

الانحراف عن القبلة ثمّ حضر وقت الصلاة فلا إشكال في كونه مكلّفا بإتيان سائر أجزاء وشرائط الصلاة مع قصد القربة مع أنّ بقاء الأمر المتعلّق بالمركّب مع وجود بعضها كالاستقبال المذكور لا معنى له فالتكليف بالأجزاء والشرائط الباقية ليس إلّا من جهة وجود الأوامر الضمنيّة وكفايتها لقصد القربة فافهم.

وثالثا كما في تهذيب الاصول أنّ الجواب عنه يظهر بتوضيح أمرين :

الأوّل : أنّ متعلّقات الأوامر ليست إلّا الماهيات المعقولة لا أقول إنّ المأمور به إنّما هي الصلاة في الذهن حتّى يصير امتثاله محالا بل طبيعة الصلاة بما أنّها ماهيّة كلّيّة قابلة للانطباق على كثيرين والوجود الذهنيّ آلة تصوّرها فالبعث إليها في الحقيقة أمر بإيجادها وتحصيلها فهي بما أنّها مفهوم مأمور به ومعروض للوجوب ومتعلّق للحكم على تسامح في إطلاق العرض عليه والوجود الخارجيّ مصداق للمأمور به لا نفس الواجب ولذلك يكون الخارج ظرف السقوط دون الثبوت وعليه فالموضوع في المقام ليس إلّا الصلاة المتصوّرة مع قصد أمرها والإنشاء والأمر إنشاء على ذلك المقيّد.

الثاني : أنّ الأمر ليس إلّا المحرّك والباعث الإيقاعيّ لا المحرّك الحقيقيّ والباعث التكوينيّ ولهذا ليس شأنه إلّا تعيين موضوع الطاعة من غير أن يكون له تأثير في بعث المكلّف تكوينا وإلّا لوجب اتّفاق الأفراد في الإطاعة بل المحرّك والداعي حقيقة ليست إلّا بعض المبادئ الموجودة في نفس المكلّف كمعرفته لمقام ربّه ودرك عظمته وجلاله وكبريائه أو الخوف من سلاسله وناره أو الطمع في رضوانه وجنّته فحينئذ نقول :

إن أراد القائل من كون الأمر محرّكا إلى محرّكيّة نفسه أنّ الأمر الإنشائيّ المتعلّق بالعنوان المقيّد موجب لذلك المحال فقد عرفت أنّ الإنشاء والإيقاع لا يحتاج إلى مئونة أزيد من تصوّر الطرفين مع أنّه قد أقرّ بصحّة ذلك الإيقاع وإن أراد أنّ الأمر المحرّك للمكلّف تكوينا محرّك إلى محرّكيّة نفسه فهو باطل بحكم الأمر الثاني وإنّ نسبة

٩٧

التحريك إليه بضرب من التشبيه إذ العبد إذا أدرك استحقاق المولى للإطاعة أو خاف من ناره وغضبه ورأى أنّ الإطاعة لا يحقّق إلّا بالإتيان بالصلاة المقيّدة فلا محالة يقوم بامتثاله كيف ما أمر. (١)

وجه الامتناع في مقام الامتثال :

وهو أنّ صاحب الكفاية بعد اعترافه بإمكان تعلّق التكليف على الصلاة مع تصوّر الأمر بها استشكل فيه من جهة عدم التمكّن من الإتيان بالصلاة بداعي الأمر المتوجّه إليها لأنّ المفروض أنّ متعلّق التكليف هو المقيّد وهو الصلاة بداعي الأمر إليها وليست الصلاة بنفسها متعلّقة للأمر حتّى يمكن الإتيان بها بداعي أمرها وحيث إنّ ذات المقيّد لا تكون مأمورا بها لأنّ الجزء التحليليّ لا يتّصف بالوجوب أصلا إذ المأمور به ليس إلّا وجودا واحدا وهو المقيّد وهو يكون واجبا بالوجوب النفسيّ فلا مجال لدعوى أنّ نفس الصلاة تكون مأمورا بها بالأمر بالصلاة مقيّدة بداعي الأمر بها ..

ثمّ قال : إن قلت : نعم لكنّه إذا اخذ قصد الامتثال شرطا وأمّا إذا اخذ شطرا فلا محالة نفس الفعل الذي تعلّق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلّقا للوجوب إذ المركّب ليس إلّا نفس الأجزاء بالأسر ويكون تعلّقه بكلّ بعين تعلّقه بالكلّ ويصحّ أن يؤتى به بداعي ذلك الوجوب ضرورة صحّة الإتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.

قلت : مع امتناع اعتباره كذلك فإنّه يوجب تعلّق الوجوب بأمر غير اختياريّ فإنّ الفعل وإن كان بالإرادة اختياريّا إلّا أنّ إرادته حيث لا تكون بإرادة اخرى وإلّا لتسلسلت ، ليست اختياريّة كما لا يخفى ، إنّما يصحّ الإتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ١٥٣ ـ ١٥٤.

٩٨

في ضمن إتيانه بهذا الداعي ولا يكاد يمكن الإتيان بالمركّب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره. انتهى

وفيه أوّلا : كما في نهاية الاصول إنّا لا نحتاج في إيجاد الصلاة بداعي الأمر إلى تعلّق الأمر بذات الصلاة بل نفس الأمر بالمقيّد أو المركّب يدعو إليها أيضا ويكفي أيضا في مقرّبيّتها وعباديّتها إتيانها بداعي هذا الأمر وذلك لما عرفت من أنّه يكفي في عباديّة الأجزاء التحليليّة والخارجيّة والمقدّمات الوجوديّة والعلميّة إتيانها بداعي الأمر المتعلّق بالكلّ وبذي المقدّمة.

إلى أن قال : فإنّ الأمر كما يكون داعيا إلى نفس متعلّقه كذلك يكون داعيا إلى كلّ ما له دخل في تحقّقه من غير احتياج في مدعوّيتها للأمر إلى تعلّق أمر بها على حدة. (١)

وتبعه في تهذيب الاصول حيث قال : ولكن دعوة الأمر إلى إيجاد القيود والأجزاء بعين الدعوة إلى إيجاد المركّب والمقيّد وإيجاد القيد أو الجزء امتثال للأمر المتعلّق بالمقيّد والمركّب لا امتثال لأمرهما الضمنيّ أو الانحلاليّ كما اشتهر بين القوم لأنّ العقل حاكم على أنّ كيفيّة امتثال الأمر المتعلّق بالمركّب والمقيّد إنّما هو بالإتيان بالأجزاء وإيجاد القيود فحينئذ فالجزء أو القيد ليس غير مدعو إليهما رأسا ولا مدعوّ إليهما بدعوة خاصّة منحلّة بل مدعوّ إليها بعين دعوته إلى المركّب أو المقيّد إذ الأمر واحد والمتعلّق فارد.

إذا عرفت ذلك تقدر على حلّ العويصة إذ المأمور به وإن كان هو المقيّد بقصد الأمر وهو قد تعلّق بنعت التقيّد إلّا أنّ نفس الصلاة المأتيّ بها تكون مدعوّة بنفس

__________________

(١) نهاية الاصول ١ / ١٠٧.

٩٩

دعوة الأمر المتعلّق بالمقيّد لا بأمرها الخاصّ وهذا يكفي في مقام الاطاعة. (١)

هذا كلّه مع عدم القول بوجود الأمر الضمنيّ وإلّا فهو كاف أيضا لقصد الامتثال كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وثانيا : أنّه لا وجه للتفرقة بين التقييد والتركيب فإن كانت الإرادة غير اختياريّة وكان هذا مانعا من جعلها جزءا وشطرا كان ذلك أيضا مانعا من شرطيّتها فلم خصّ الإشكال بصورة جزئيّتها؟ هذا مع ما عرفت من أنّ الملاك في اختياريّة الإرادة هو الذي أفاده سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره من التمكّن من الخلاف وهو موجود في الإرادة فلا حاجة في اختيارية الإرادة إلى كون الإرادة بالإرادة حتّى يستلزم اختياريّة الإرادة التسلسل في الإرادة وتكون محالا.

وممّا ذكر يظهر ما في نهاية الاصول حيث ذهب إلى أنّ اختياريّة الإرادة بنفسها مع أنّه خلف في إمكانها.

وثالثا : أنّه قد مضى إمكان داعويّة الأمر إلى المتعلّق المقيّد بداعي الأمر أو المركّب منه فإنّ داعويّة الأمر وتحريكه ليس كالتحريكات التكوينيّة التي تكون من العلل وقياس الأمر بالتحريك الخارجيّ ضرب من التشبيه فشأن الأمر ليس إلّا تعيين موضوع الطاعة من غير أن يكون له تأثير في بعث المكلّف تكوينا وإلّا لوجب اتّفاق الأفراد في الإطاعة وعليه فلا يلزم من تعلّق الأمر بداعي الأمر داعويّة الشيء وتحريكه إلى نفسه من دون فرق في ذلك بين أن يكون قصد الامتثال مأخوذا بنحو الشرطيّة او الشطريّة.

هذا مضافا إلى أنّ الممتنع هو داعويّة الأمر إلى داعويّة نفسه وقد مرّ أنّ في المقام لا يلزم ذلك بل اللازم هو داعويّة أمر ضمنيّ إلى أمر ضمنيّ آخر بناء على القول

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ / ١٥٤.

١٠٠