عمدة الأصول - ج ٢

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٧

حكم مماثل وحيث أنّه وأصل فيصير فعليّا وتنسب الفعليّة بالعرض إلى الحكم الواقعيّ كما هو كذلك عند قيام الأمارة عليه أيضا فإنّ الواصل الحكم المماثل المجعول على طبق المؤدّى.

وثانيهما : إنّ حال العلم هنا حال الحجّة الشرعيّة بمعنى المنجّز فكما أنّ قيامها يوجب تنجّزه على تقدير ثبوته فكذلك العلم هنا تعلّق بتكليف لو كان باقيا لكان فعليّا منجّزا.

وبعبارة أوضح أنّ المنجّز العقليّ كالمنجّز الشرعيّ فكما أنّ الخبر منجّز شرعا مع تعلّقه بما لم يعلم ثبوته فعلا لا عقلا ولا شرعا ومع ذلك ينجّزه على تقدير ثبوته وهو الحامل للعبد على امتثاله لأنّه يقطع بوقوعه في تبعة مخالفته على تقدير موافقته كذلك العلم هنا تعلّق بتكليف سابقا بحيث لو كان باقيا لكان فعليّا منجّزا لأنّه المعلوم بعينه دون غيره فتقدير البقاء كتقدير أصل الثبوت هناك (١).

اورد على قاعدة الاشتغال في المحاضرات بأنّ المقام ليس من موارد قاعدة الاشتغال بل من موارد أصالة البراءة لأنّ مقتضى القاعدة على القول بالسببيّة مطلقا هو الإجزاء حيث لا واقع بناء على السببيّة بالمعنى الأوّل لأنّ عليه لم يجعل الله تعالى حكما من الأحكام في الشريعة المقدّسة قبل قيام الأمارة أو تأدية نظر المجتهد إلى شيء وإنّما يدور جعل الواقع مدار قيام الأمارة أو رأي المجتهد ولا بالمعنى الثاني لأنّ عليه ينقلب الحكم الواقعيّ إلى مؤدّى الأمارة أو نظر المجتهد فلا واقع على ضوء هذين القولين ما عدى مؤدّى الأمارة أو نظر المجتهد.

وعلى هذا الضوء فإذا شككنا في أنّ حجّيّة الأمارة على نحو السببيّة أو على نحو الطريقيّة فبطبيعة الحال إذا عملنا بها وأتينا بما أدّت إليه ثمّ انكشف لنا بطلانها

__________________

(١) ١ / ٢٤٩ ـ ٢٤٧.

٣٢١

وعدم مطابقتها للواقع وإن كنّا نشكّ في الإجزاء وعدمه إلّا أنّ المورد ليس من موارد التمسّك بقاعدة الاشتغال بل هو من موارد التمسّك بقاعدة البراءة.

والوجه فيه هو أنّ حجّيّة الأمارة إن كانت من باب السببيّة والموضوعيّة لم تكن ذمّة المكلّف مشغولة بالواقع أصلا وإنّما تكون مشغولة بمؤدّاها فحسب حيث إنّه الواقع فعلا وحقيقة فلا واقع غيره وإن كانت من باب الطريقيّة والكاشفيّة اشتغلت ذمّته به.

وبما أنّه لا يدري أنّ حجّيّتها كانت على الشكل الأوّل أو كانت على الشكل الثاني فبطبيعة الحال لا يعلم باشتغال ذمّته بالواقع ليكون المقام من موارد قاعدة الاشتغال فإذن لا مناص من الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الإعادة حيث إنّه شكّ في التكليف من دون العلم بالاشتغال به وبكلمة أخرى أنّ الشكّ فيما نحن فيه وإن أوجب حدوث العلم الإجمالي بوجود تكليف مردّد بين تعلّقه بالفعل الذي جيء به على طبق الأمارة السابقة وبين تعلّقه بالواقع الذي لم يؤت به على طبق الأمارة الثانية إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالي ولا يوجب الاحتياط والإتيان بالواقع على طبق الأمارة الثانية وذلك لأنّ هذا العلم حيث قد حدث بعد الإتيان بالعمل على طبق الأمارة الأولى كما هو المفروض فلا أثر له بالإضافة إلى هذا الطرف وعليه فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة من الطرف الآخر.

ومن هنا ذكرنا في محلّه أنّ أحد طرفي العلم الإجمالي أو أطرافه إذا كان فاقدا للأثر فلا مانع من الرجوع إلى الأصل في الطرف الآخر كما إذا افترضنا أنّ المكلّف علم بوجوب الصوم عليه في يوم الخميس مثلا من ناحية النذر أو نحوه فأتى به ذلك اليوم ثمّ في يوم الجمعة تردّد بين كون الصوم المزبور واجبا عليه في يوم الخميس أو في هذا اليوم وحيث لا أثر لأحد طرفي هذا العلم الإجمالي وهو كونه واجبا عليه في يوم الخميس لفرض أنّه أتى به فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوبه في

٣٢٢

هذا اليوم.

وما نحن فيه من هذا القبيل بعينه فإنّ المكلّف إذا أتى بصلاة القصر مثلا على طبق الأمارة الأولى ثمّ انكشف الخلاف في الوقت وعلم بأنّ الواجب في الواقع هو الصلاة تماما فعندئذ وإن حدث للمكلّف العلم الإجماليّ بوجوب صلاة مردّدة بين القصر والتمام فإنّ الأمارة وإن كانت حجّيّتها من باب السببيّة فالواجب هو الصلاة قصرا وإن كانت من باب الطريقيّة فالواجب هو الصلاة تماما ولكن حيث لا أثر لهذا العلم الإجماليّ بالإضافة إلى أحد طرفيه وهو وجوب الصلاة قصرا فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الصلاة تماما.

نعم لو حدث هذا العلم الإجماليّ قبل الإتيان بالقصر لكان المقام من موارد قاعدة الاشتغال ووجوب الاحتياط بالجمع بين الصلاتين إلّا أنّ هذا الفرض خارج عن مورد الكلام (١).

هذا كله بناء على السببيّة بالمعنى الأوّل والثاني.

وأمّا السببيّة بالمعنى الثالث الذي ذهب إليه بعض الإماميّة فقد ألحقها بهما حيث قال : وكذا الحال على القول بالسببيّة بالمعنى الثالث (٢).

ولعلّ الوجه فيه كما صرّح به نفسه في ص ٢٧٢ هو أننا إذا افترضنا قيام مصلحة في سلوك الأمارة التي توجب تدارك مصلحة الواقع فالإيجاب الواقعيّ عندئذ تعيينا غير معقول كما إذا افترضنا أنّ القائم بمصلحة إيقاع صلاة الظهر مثلا في وقتها أمران :

أحدهما الإتيان في الوقت.

الثاني : سلوك الأمارة الدالّة على وجوب صلاة الجمعة في تمام الوقت من دون

__________________

(١) ج ٢ / ٢٧٩ ـ ٢٧٨.

(٢) ج ٢ / ٢٧٨.

٣٢٣

كشف الخلاف فيه.

فعندئذ امتنع للشارع الحكيم تخصيص الوجوب الواقعيّ بخصوص صلاة الظهر لقبح الترجيح من دون مرجّح من ناحية وعدم الموجب له من ناحية أخرى بعد ما كان كلّ من الأمرين وافيا بغرض المولى فعندئذ لا مناص من الالتزام بكون الواجب الواقعيّ في حقّ من قامت عنده أمارة معتبرة على وجوب صلاة الجمعة مثلا هو الجامع بينهما على نحو التخيير إمّا الإتيان بصلاة الظهر في وقتها أو سلوك الأمارة المذكورة إلى أنّ قال :

فالنتيجة أنّ مردّ هذه السببيّة إلى السببيّة بالمعنى الثاني في انقلاب الواقع وتبدّله فلا فرق بينهما من هذه الناحية (١).

مقصوده من ان السببيّة بالمعنى الثالث من المصلحة السلوكيّة ترجع إلى السببيّة بالمعنى الثاني في انقلاب الواقع وتبدّله.

إنّ السببيّة بالمعنى الثالث ترجع إلى انقلاب التعيين إلى التخيير ومقتضى كون الواجب واجبا تخييريّا هو عدم تاثير العلم الإجماليّ الحادث بعد الإتيان بالأمارة الأولى لأنّ المكلّف إذا أتى مثلا بصلاة القصر على طبق الأمارة الاولى ثمّ انكشف الخلاف في الوقت وعلم بأنّ الواجب في الواقع هو الصلاة تماما فعندئذ وإن حدث للمكلف العلم الإجماليّ بوجوب صلاة مردّدة بين القصر والتمام ولكن لا أثر له بالنسبة إلى طرف أتى به لأنّ مقتضى الأمارة الأولى هو التخيير بين القصر والإتمام والمفروض أنّه أتى به وعليه فبعد عدم تأثير العلم الإجماليّ في الطرف المذكور.

فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة من وجوب التمام في الطرف الآخر عند الشكّ في أنّ اعتبار الأمارة بنحو السببيّة بالمعنى الثالث أو بنحو الطريقيّة فإنّه على

__________________

(١) / ٢٧٣.

٣٢٤

تقدير السببيّة لا يكن مكلّفا إلّا بالتخيير والمفروض أنّه أتى به وحينئذ لا يعلم بثبوت تكليف في الطرف الآخر هذا غاية تقريب مختاره.

ولا يخفى ما فيه فإنّ الأمارة ولو بناء على السببيّة في طول الواقع لا في عرضها لأنّ مفاد أدلّة اعتبار الأمارات بناء على المصلحة السلوكيّة هو اعتبارها والتعبّد بها بعنوان أنّها وصول الواقع وعليه فلا وجه لدعوى انقلاب الواقع من التعيين إلى التخيير بين الأمارات وبين الواقعيّات ومجرّد كون المصلحة السلوكيّة موجبة للتدارك لا ينقلب الواقع من التعيين إلى التخيير بين الواقع ومؤدّى الأمارة إذ المصلحة السلوكيّة موجبة للتدارك وما يوجب التدارك ليس في عرض المتدارك.

وعليه فبعد كشف الخلاف والعلم بأنّ الواجب عليه من أوّل الأمر هو التمام دون القصر يشكّ في كفاية القصر عن التمام وعدمه من جهة الشكّ في مفاد أدلّة الاعتبار أنّه هل هو الطريقيّة أو السببيّة بمعنى المصلحة السلوكيّة فمقتضى القاعدة هو لزوم الإعادة في الوقت لأنّ بعد العلم بأنّ الواجب الواقعيّ من أوّل الأمر هو التمام اشتغل ذمّته بالتمام ولم يعلم الفراغ عنه بإتيان للقصر قبلا ومقتضى قاعدة الاشتغال هو لزوم الاحتياط لأنّ الشكّ في السقوط بعد الثبوت وقياس المقام بموارد العلم الإجماليّ الذي لا أثر لها كالحدوث العلم الإجماليّ بوجود تكليف مردّد بين يوم الخميس الذي وجب عليه صومه بالنذر وأتى به ويوم الجمعة في غير محلّه بعد ما عرفت من أنّ التكليف بالواقع معلوم سواء كان مفاد أدلّة الاعتبار هو الطريقيّة أو السببيّة بمعنى المصلحة السلوكيّة وإنّما الشكّ في السقوط هذا بخلاف الموارد المذكورة فإنّه لا علم بالتكليف مع الإتيان بأحد الأطراف.

كما أنّ على السببيّة بالمعنى الأوّل والثاني لا واقع غيرهما على تقدير السببيّة فلا يكون العلم الإجمالي مؤثّرا إذا شكّ في كون الأمارة على السببيّة بمعنى الأوّلين أو الطريقيّة فإنّ حجّيّة الأمارة إن كانت من باب السببيّة والموضوعيّة لم تكن ذمّة

٣٢٥

المكلّف مشغولة بالواقع أصلا وإنّما تكون مشغولة بمؤدّى الأمارات فحسب حيث أنّه الواقع حقيقة وفعلا فلا واقع غيره وإن كانت الحجيّة من باب الطريقيّة اشتغلت ذمّته بالواقع ولكنّه حيث لا يدري أنّ حجّتها كانت على السببيّة أو على الطريقيّة لا يعلم باشتغال الذمّة بالواقع ولذا يرجع إلى البراءة.

وبالجملة لا يقاس المقام بناء على السببيّة بالمعنى الثالث لا بموارد العلم الإجماليّ ولا بالسببيّة بالمعنى الأوّل الذي نسب إلى الأشاعرة ولا بالمعنى الثاني الذي نسب إلى المعتزلة للفرق فإنّ في المقام حصل بعد كشف الخلاف العلم بالتكليف الواقعيّ وشكّ في كفاية ما أتى به دون سائر الموارد فإنّه لا يحصل له علم بأمر واقعيّ غير مؤدّى الأمارات وغير ما أتى به.

ولو سلّمنا إمكان انقلاب التعيين إلى التخيير كان الشكّ في المقام أيضا شكّا في السقوط لا الثبوت لأنّ الانقلاب عارض على الحكم الأوّليّ فبعد كشف الخلاف وحصول العلم بالحكم الأوّليّ يرجع الشكّ في كون أدلّة اعتبار الأمارات مفيدة للسببيّة بالمعنى الثالث أو الطريقيّة إلى الشكّ في انقلاب الحكم الأوّليّ التعيّني إلى الحكم التخييري إذ حجّيّة الأمارة إن كانت من باب السببيّة انقلب الحكم التعيّني إلى الحكم التخييري وإن كانت حجّتها من باب الطريقيّة فبقى الحكم التعيّني على ما هو عليه من التعيّن وحيث لم يعلم أنّها من باب السببيّة أو الطريقيّة فالشكّ ينتهي إلى الشكّ في السقوط ومقتضى القاعدة فيه أيضا هو وجوب الاحتياط آخذا بقاعدة الاشتغال فإنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

هذا مضافا إلى أنّ لازم انقلاب التعيّن إلى التخيير هو أنّ الأمر في المقام يدور بين التعيّن والتخيير فمن ذهب إلى لزوم الاحتياط في الدوران بينهما لزم عليه أن يحتاط في المقام أيضا.

وذلك كما أفاد أستاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره لأجل أنّ الأمارة لو كانت على وجه

٣٢٦

السببيّة كان المكلّف مخيّرا بين الإتيان بمفاد الأمارة وبين الإتيان بالواقع ولذا لو لم يعمل بمفاد الأمارة وأتى بالواقع رجاء ثمّ كشف الخلاف صحّ عمله ولو كانت الأمارة على وجه الطريقيّة كان الواقع متعيّنا عليه فالأمر فيما إذا شكّ في أنّ الأمارة حجّة من باب السببيّة أو الطريقيّة يدور بين التعيين والتخيير ومقتضى القاعدة لمن ذهب إلى لزوم الاحتياط في الدوران بين التعيين والتخيير هو الإتيان بالواقع لكفايته على التقديرين لكونه قدرا متيقّنا ، فلا تغفل.

المقام الثاني : في مقتضى الأصل بالنسبة إلى وجوب القضاء وعدمه

ولا يذهب عليك أنّ مقتضى القاعدة عند الشكّ في أنّ اعتبار الأمارة من باب الطريقيّة أو السببيّة بالمعنى الثالث أي المصلحة السلوكيّة هو وجوب القضاء إن قلنا بوحدة حقيقة القضاء مع حقيقة الأداء فإنّ مع الوحدة تكفي قاعدة الاشتغال لوجوبه لأنّ المفروض بعد كشف الخطأ هو العلم بمطلوبيّة الواقع مطلقا سواء كان في الوقت أو في خارجه وإنّما الشكّ في كون ما أتى به طبقا للأمارة كافيا عن الواقع أم لا.

نعم لو شكّ في أنّ اعتبار الأمارة من باب الطريقيّة أو السببيّة بالمعنى الأوّل أو الثاني كان مقتضى القاعدة هو البراءة لعدم العلم بغير مؤدّى الأمارة والمفروض أنّه أتى بما أدّت إليه الأمارة.

كما أنّ مقتضى القاعدة هو البراءة عن وجوب القضاء.

ان قلنا : بأنّ القضاء فرض جديد ويحتاج إلى صدق الفوت المعلّق عليه وجوب القضاء بأمر جديد فإنّ عنوان الفوت غير محرز بعد احتمال اعتبار الأمارة التي عمل بها من باب السببيّة بالمعنى الأوّل أو الثاني دون المعنى الثالث ولا طريق لإحراز عنوان الفوت إذ أصالة عدم الإتيان بالواقع لا تكفي بنفسها لأنّ عنوان الفوت كما أفاد المحقّق الأصفهاني قدس‌سره ليس عنوانا للترك ولعدم الفعل مطلقا بل فيما إذا كان للشيء

٣٢٧

استعداد الوجود من حيث كونه ذا مصلحة فعليّة أو مأمورا به واقعا أو مبعوثا إليه فعلا فإنّ هذه الجهات مقرّبة له إلى الوجود والظاهر أنّ الفوت ليس مجرّد عدم ما كان له الإمكان الاستعدادي للوجود من إحدى الجهات المزبورة بل هو عنوان ثبوتيّ ملازم لترك ما كان كذلك في تمام الوقت المضروب له وهو مساوق لذهاب شيء من يده تقريبا كما يساعده الوجدان.

وعليه فعدمه المستصحب في تمام الوقت ليس مصداقا للفوت كي يترتّب عليه وجوب القضاء بل ملازم له بداهة أنّ العناوين الثبوتيّة لا تكون منتزعة عن العدم والعدميّ كما هو واضح وإثبات الملازم بالأصل التعبّديّ لا دليل له كما لا يخفى.

فاختلاف المباني في حقيقة القضاء يوجب الاختلاف في مقتضى القاعدة فإنّ مع اتّحاد حقيقة القضاء فقاعدة الاشتغال فيما إذا كان الشكّ في اعتبار الأمارة من باب الطريقيّة أو السببيّة بالمعنى الثالث تدلّ على وجوب القضاء ومع اختلاف حقيقته مع الأداء فقاعدة البراءة تدلّ على عدم وجوبه.

وتنقيح المباني لا يرتبط بالمقام بل هو موكول إلى الفقه ولكن لا بأس بالإشارة إلى المختار كما أفاد سيّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره من أنّ الارتكاز يشهد على أنّ كون القضاء هو الإتيان بنفس العمل في خارج الوقت لا الإتيان بحقيقة أخرى للتدارك عن العمل في الوقت وعليه فيمكن الاستكشاف من أدلّة تشريع القضاء في مثل الصلوات اليوميّة أنّ مطلوب المولى في مثل قوله صلّ في الوقت متعدّد :

أحدهما : هو الإتيان بالعمل ولو في خارج الوقت.

وثانيهما : هو وقوعه في الوقت وعليه فإذا لم يأت به أو لم يتمكّن من الإتيان به في الوقت كان مقتضى العلم بمطلوبيّة الإتيان بالعمل مطلقا سواء كان في الوقت وعدمه هو وجوب القضاء في خارج الوقت من دون حاجة إلى أمر جديد فالإتيان بالأمر الظاهريّ مع عدم العلم بكونه على وجه السببيّة بالمعنى الأوّل أو الثاني لا يكفي

٣٢٨

في رفع التكليف بعد العلم بالمطلوبيّة المطلقة المستكشفة بالارتكاز المذكور.

ثمّ لا يخفى عليك كما أفاد في نهاية النهاية أنّ لازم كون القضاء محتاجا إلى الأمر الجديد هو عدم وجوب القضاء إذا تبيّن خطأ الأمارة في الوقت ثمّ تجرّى ولم يعد حتّى خرج الوقت لأنّ لزوم الإتيان بالعمل في الوقت كان لمجرّد حكم العقل بالاشتغال ولا يثبت الفوت بمجرّد ذلك.

نعم لو كان ذلك للتعبّد الشرعيّ ولو بحكم استصحاب بقاء التكليف الواقعيّ أمكن أن يقال أنّ المكلّف به بهذا التكليف الظاهريّ قد فات وجدانا فيجب قضائه وحيث أنّه لا أمر كذلك في الوقت إذا كان انكشاف خطأ الأمارة بعد خروج الوقت فلا يجب القضاء في ذلك الفرض إلّا أن يدّعي الإجماع على عدم الفصل (١).

فتحصّل أنّ مقتضى القاعدة هو وجوب القضاء بناء على وحدة حقيقة القضاء مع الأداء.

ودوران اعتبار الأمارة بين الطريقيّة أو السببيّة بالمعنى الثالث أو عدم وجوب القضاء فيما إذا دار أمر اعتبار الأمارة بين الطريقيّة أو السببيّة بالمعنى الأوّل أو الثاني ولو مع وحدة حقيقة القضاء مع الأداء أو عدم وجوب القضاء بناء على عدم وحدة حقيقة القضاء مع الأداء والحاجة إلى صدق عنوان الفوت.

لا يقال : أنّ استصحاب بقاء التكليف الواقعيّ الإنشائيّ يكفي في تنقيح موضوع دليل الجديد وهو الفوت. لأنّا نقول إنّ مع كشف الخطأ بعد الوقت لا مجال لجريانه بعد مضيّ وقته إذ بناء على عدم وحدة حقيقة القضاء انتهى أمل التكليف الواقعيّ الإنشائيّ فلا يجري الاستصحاب مع العلم بارتفاع الحكم هذا بخلاف ما إذا كشف الخطأ في الوقت وتجرّى ولم يعدّ فإنّه حين كشف الخطأ كان متيقّنا بالتكليف وشاكّا في

__________________

(١) راجع نهاية النهاية : ج ١ / ١٢٩.

٣٢٩

البقاء فاستصحاب التكليف الواقعيّ في مثله جار. فإن لم يأت بالفريضة كما يقضيها الاستصحاب حتّى مضى الوقت فالفوت وجدانيّ ويترتّب عليه حكم الفوت بعد الوقت من وجوب القضاء.

الأمر السادس :

في أنّ ثبوت الحكم الظاهريّ عند شخص بواسطة قيام الأمارات أو الاصول الظاهريّة واقتضائه الإجزاء عند ظهور الخلاف هل يختصّ بذلك الشخص أو يعمّ غيره فيجوز له أن يترتّب آثار الواقع على ما أتى به باجتهاد أو تقليد مع العلم أو الظنّ المعتبر بمخالفته للواقع كجواز الأكل من الدبس المشترى بالبيع معاطاة لمن لا يجوز المعاطاة وكجواز الاقتداء بمن لا يعتقد وجوب السّورة ولم يأت بها لمن يعتقد بوجوبها وكعدم جواز العقد على المعقودة بالفارسيّة لمن لم يجوّز العقد الفارسيّ وكجواز الأكل من ذبيحة التي ذبحت بغير الحديد لمن لم يجوّز الذبح إلّا بالحديد وكجواز الأكل من ذبيحات اكتفى بتسمية واحدة عليها لمن اعتقد بلزوم التسمية لكلّ واحدة على حدة وغير ذلك.

قال الشيخ قدس‌سره في مطارح الأنظار أنّ قضيّة ما قرّرناه في الهداية السابقة من أنّ الطرق الشرعيّة إنّما هي طرق إلى الواقع من دون تصرف لها فيه هو عدم ترتيب آثار الواقع على فعل الغير المخالف في الاعتقاد له إلى أن قال :

بل يظهر ممّا في تمهيد القواعد كونها مفروغا عنها بعد القول بالتخطئة حيث ذكر في ثمرات التخطئة لزوم إعادة الصلاة إلى القبلة الاجتهاديّة إذا انكشف كونها خطأ وعدم جواز الاقتداء عند مخالفة الإمام والمأموم في الأجزاء والشّرائط بل المحكىّ عن العلّامة في التذكرة والتحرير ونهاية الأحكام وعن الشهيد في الدروس والذكرى والبيان وعن الصيمريّ وأبي العبّاس أنّ المخالف في الفروع لا يجوز الاقتداء إذا فعل ما

٣٣٠

يقتضي فساد الصلاة عند المأموم كترك السورة والصلاة في المغسول مرّة ولبس السنجاب ونحوها (١).

يمكن أن يقال : إنّ مقتضى ـ ما مرّ من أنّ المتبادر من أدلّة اعتبار الأمارات والاصول الظاهريّة هو الإجزاء ـ هو جواز ترتيب آثار الواقع على عمل من أتى بظن اجتهاديّ أو تقليد لغير العامل وإن علم بخطائه فإنّه بعد تماميّة أدلّة الإجزاء علم أيضا بصحّة ما أتى به بأمارة أو أصل تعبّدا وحكومة وعليه فأعمال من أتى بظنّ اجتهاديّ أو تقليد محكومة بالصحّة تعبّدا وحكومة فكما يترتّب على الصحّة الواقعيّة آثارها كذلك يترتّب على الصحّة التعبّديّة تلك الآثار بعد كون لسان الدليل هو الحكومة وإدراجها في المصاديق الواقعيّة.

فإذا كان لسان الدليل هو تقبّل ما أتى به مكان الواقع وحصول الامتثال به فما أتى به هو كالواقع حكومة وتعبّدا.

لا يقال أنّ نفوذ الحكم الظاهريّ الثابت لشخص في حقّ غيره الذي يرى خلافه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه إلّا في مثل النكاح والطلاق لوجوب ترتيب آثار النكاح الصّحيح على نكاح كلّ قوم وإن كان فاسدا في مذهبه وهكذا في الطلاق لقيام السيرة القطعيّة الجارية بين المسلمين من لدن زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زماننا هذا حيث إنّ كلّ طائفة منهم يرتّبون آثار النكاح الصحيح على نكاح طائفة أخرى منهم وكذا الحال بالإضافة إلى الطلاق (٢).

لانّا نقول : أنّ أدلّة الإجزاء كافية في إثبات المراد ولا حاجة إلى أدلّة أخرى.

لا يقال إنّ من يقول بكون قيام الأمارة على أمر سببا لحدوث مصلحة فيه على فرض خطأها للواقع لا نحسب أنّه يقول بكونها سببا لحدوث مصلحة في مؤدّاها حتّى

__________________

(١) مطارح الانظار : / ٣٤ ـ ٣٣.

(٢) المحاضرات : ٢ / ٢٨٨.

٣٣١

بالنسبة إلى من لم تقم عنده بل الظاهر أنّه يقول بكونها سببا لحدوث المصلحة في مؤدّاها في حقّ من فوّت عليه مصلحة الواقع جبرا لما فات (١).

لأنّا نقول إنّ أدلّة اعتبار الأمارات والاصول لمن كان في صدد الامتثال للتكاليف المعلومة بالإجمال ظاهرة في الاكتفاء بها في مقام الامتثال مكان الواقع حكومة وتعبّدا من دون فرق بين أن نقول بحدوث المصلحة في المؤدّى أو لا نقول.

وعليه فإذا كان ما أتى به قائما مقام الواقع فلا وجه لاختصاصه بمن فوّت عليه مصلحة الواقع كما أنّ الواقع لا يختصّ به ولعلّ ذلك هو وجه التقاء صاحب العروة وبعض المحشّين كالسيّد المحقّق البروجرديّ (قدس الله أرواحهم) في صحّة الاقتداء بصحّة الصلاة عند الإمام في أحكام الجماعة فافهم.

لا يقال إنّ مفاد أدلّة الإجزاء هو سقوط الإعادة والقضاء لا الوفاء بالمصلحة وعليه فلا يجوز للعالم بالخلاف أن يرتّب آثار الصحّة.

لأنّا نقول : الظاهر من أدلّة اعتبار الأمارات والاصول هو تقبّل مؤدّيهما لمكان الواقع لا رفع اليد عن أمره حتّى لا يحتاج إلى الإعادة أو القضاء ومقتضى التقبّل المصداقيّ ووفاء ما يتعلّق به الأمر الظاهريّ عن الواقع تعبّدا وحكومة هو جواز ترتيب آثار الصحّة الواقعيّة عليه.

لا يقال كيف اجتمع العلم بالخلاف مع التعبّد بالصحّة لأنّا نقول لا منافاة بين علم الغير بخلاف ظنّ العامل ولكنّ مع ذلك تعبّد الشارع بتقبّل ما أتى به بالظنّ المعتبر مكان الواقع وجعله مصداقا تعبّديّا للواقع كموارد تخلّف الاصول الظاهريّة فإنّه بعد كشف الخلاف علم بفقدان العمل المشروط بالطهارة لشرطه ومع ذلك كان مقتضى أدلّة الإجزاء هو إدراج الطهارة الظاهريّة في الطهارة الواقعيّة تعبّدا وحكومة.

__________________

(١) بدائع الأفكار : ١ / ٣٠٩.

٣٣٢

وأمّا مفروغيّة عدم النفوذ المحكيّة عن تمهيد القواعد فهي مختصّة بباب الجماعة ولعلّ منشأ الشبهة فيها عدم وجود دليل مطلق في باب الجماعة يدلّ على ترتّب صحّة الاقتداء على صحّة صلاة الإمام عند الإمام ولذا بنوا عند الشكّ في اعتبار شيء في صحّة الجماعة كاتّفاق الإمام والمأموم في العمل على أصالة الفساد وعدم تحقّق الجماعة كما صرّح به في المستمسك (١).

وقد يظهر من صلاة شيخنا الأنصاريّ قدس‌سره التفصيل بين ما إذا كانت الآثار مترتّبة على شيء مضاف إلى شخص خاصّ كملك زيد وزوجة عمرو فمجرّد تحقّق السبب في اعتقاد زيد وعمرو يتحقّق إضافة الملك والزوجة إليهما ويترتّب عليهما آثارهما ولو لغيرهما وبين ما إذا كانت الآثار مترتّبة على أمر واقعيّ لم يلاحظ فيه إضافته إلى خصوص شخص كالطاهر والمذكّى فلا بدّ من أن يرتّب كلّ أحد الآثار على طبق ما يعتقده من تحقّق ذي الأثر واقعا وعدم تحقّقه.

ثمّ اورد على نفسه بقوله فإن قلت إنّ تحقّق سبب الملكيّة والزوجيّة في اعتقاد زيد وعمرو إنّما يوجب صيرورة الملك والزوجيّة ملكا وزوجة لزيد وعمرو في حقّهما لا ملكا وزوجة لهما في الواقع ومن البيّن أنّ الشارع أباح النظر للأب إلى زوجة ابنه الواقعيّة لا زوجة ابنه في اعتقاد ابنه وكذا الكلام في الملكيّة فلم يحصل الفرق وبعبارة تحقّق سبب المضاف بالنسبة إلى المضاف إليه إنّما يوجب تحقّق الإضافة بالنسبة لا الإضافة الواقعيّة التي تترتّب الآثار عليها دون غيرها فهنا أمران :

أحدهما زوجة زيد في الواقع والثاني زوجة زيد بالنسبة إلى زيد والذي يترتّب عليه الآثار هو الأوّل ولم يتحقّق بالنسبة إلى أب الزوج.

ثمّ أجاب عنه بنفسه قلت نعم ولكنّ الظاهر من ترتيب الآثار على هذه

__________________

(١) المستمسك : ٧ / ٢٤٥.

٣٣٣

المضافات الاكتفاء بتحقّق الإضافة ولو في اعتقاد المضاف إليه وهو في العرف كثير ألا ترى أنّه لو قيل نهبوا أموال فلان لا يستفاد منه إلّا ما هو مال له في اعتقاده وبنى على تملّكه وكذا الأحكام التي رتّب الشارع على أملاك الكفّار والمخالفين وأزواجهم فإنّ المتبادر من ذلك ما هو ملك أو زوجة لهم في مذهبهم وإن لم يتحقّق سبب الزوجيّة والملكيّة في اعتقادنا والحاصل أنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام النّاس مسلّطون على أموالهم تسلّطهم على ما هو مال لهم في اعتقادهم ولهذا يحكم بعموم هذا الخبر للمؤمن والكافر والمخالف وكذا الظاهر من قوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ).

وإن شئت فقل إنّ الشارع اكتفى في تحقّق هذه الإضافات وترتّب الآثار عليها عند كلّ أحد بتحقّق الإضافة في مذهب الشخص المضاف.

ألا ترى أنّه أمضى نكاح الكافر بعد إسلام الزوجين فإنّ إقرار المجتهد على مذهبه في عمله بالنسبة إلى جميع المكلّفين ليس بأدون من إقرار المخالف والكافر على دينه.

وأمّا مسالة جواز الايتمام فهو ليس من هذا القبيل لعدم الدليل على ترتيب صحّة الاقتداء على صحّة صلاة الإمام عند الإمام إلى أن قال :

اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ هذا أيضا من قبيل المضافات إلى الأشخاص الخاصّة فإنّ الشارع أمر بالاقتداء بالإمام العادل في صلاته فيكفي كونها صلاة ولو في طريقته فتأمّل (١).

ولا يخفى عليك أنّ التفصيل المذكور جار بناء على عدم إفادة أدلّة اعتبار الأمارات والاصول للإجزاء عند كشف الخلاف وإلّا فلا مجال له. ثمّ إنّ هذا كلّه فيما إذا كان الاختلاف ناشئ عن الاستنباط من الأدلّة والحجج الشرعيّة التي تكون

__________________

(١) كتاب الصلاة للشيخ الانصاري : / ٢٧٠ ـ ٢٦٨.

٣٣٤

مشمولة لأدلّة الاعتبار وعليه فلا يشمل أدلّة الإجزاء لما إذا كان مذهب الغير باطلا كالفرق الباطلة من المسلمين أو الكفار فإنّ اعتقادهم لشيء ليس مبنيّا على الحجج حتّى يشمله أدلّة اعتبارها وتفيد الإجزاء نعم يمكن الأخذ بقاعدة ألزموهم بما التزموا في مثل النكاح والطلاق بالنسبة إلى أقوام أخر من طوائف المسلمين والكافرين كما لا يبعد دعوى قيام السيرة عليه في الجملة ولا وقع لدعوى الندرة في أمثاله والتشكيك في ثبوت السيرة كما لا يخفى بل يلحق بهما المعاملات وأمّا موارد اختلاف الشيعة اجتهادا وتقليدا فيجري فيه أدلّة الإجزاء ودعوى السيرة غير ثابتة في موارد اختلافهم والمسألة محتاجة إلى تأمّل زائد والاحتياط طريق النجاة.

٣٣٥

الخلاصة :

هنا ملاحظات قبل الخوض في تفصيله.

أحدها : إنّ هذه المسألة هل تكون من المسائل العقليّة أو من المباحث اللفظيّة.

والتحقيق هو جواز كليهما لأنّ المسألة ذو حيثيّتين :

الحيثيّة الأولى : أنّ أدلّة اعتبار الأوامر الظاهريّة أو الاضطراريّة هل تدلّ على توسعة موضوع الأوامر الاختياريّة والواقعيّة بنحو الحكومة أو لا تدلّ وعليه فاللازم هو ملاحظة لسان أدلّة الاعتبار فالنزاع حينئذ يكون لفظيّا ومن هذه الجهة تكون المسألة من مباحث الألفاظ.

والحيثيّة الثانية : إنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراريّ أو الظاهريّ هل يقتضي سقوط الأوامر الواقعيّة لاشتمال المأتيّ به على المصلحة المقتضية للأمر أو لا يقتضي فاللازم حينئذ هو ملاحظة تأثير الإتيان في سقوط الأوامر الواقعيّة وعدمه ومن المعلوم أنّ هذا البحث حينئذ يكون عقليّا ويناسب المباحث العقليّة وعليه فذكر المسألة في مقامنا هذا ليس استطراديّا فلا تغفل.

ثانيها : نتيجة المسألة الاصوليّة كلّيّة وهل يلزم أن يكون مبانيها أيضا كلّيّة أم لا. والحقّ هو عدم لزوم ذلك إذ يكفي كلّيّة نفس المسألة في إدراجها في المسائل الاصوليّة التي لا بدّ أن تكون كلّيّة وإن استفيدت المسألة من الدليل الخاصّ الجزئيّ وعليه فلا وقع للإشكال في الأوامر الاضطراريّة بأنّ مبناها جزئيّ لابتنائها على قوله التراب أحد الطهورين من حيث الإطلاق الملازم للإجزاء وعدمه بخلاف الأوامر الظاهريّة فإنّ إجزائها وعدمه مبنيّان على السببيّة والطريقيّة.

هذا مضافا إلى عدم اختصاص مبنى الأوامر الاضطراريّة بقوله التراب أحد الطهورين بل قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور أو أنّ التقيّة ديني ودين آبائي

٣٣٦

ونحوهما من مباني الأوامر الاضطراريّة كلّيّة.

ثالثها : إنّ صاحب الكفاية ذهب إلى أنّ المراد من وجهه في عنوان البحث هو النهج الذي ينبغي أن يؤتى به على ذلك النهج شرعا وعقلا لا خصوص الكيفيّة المعتبرة شرعا وإلّا لزم أن يكون القيد توضيحيّا هذا مع لزوم خروج التعبّديّات عن حريم النزاع لأنّ قصد القربة يكون من كيفيّات الإطاعة عقلا.

وفيه منع لزوم خروج التعبّديّات بناء على المختار من إمكان اعتبار قصد القربة في المأمور به شرعا.

هذا مضافا إلى ما قيل من أنّ القيد ليس توضيحيّا بل مذكور لردّ عبد الجبار من السابقين فافهم.

رابعها : إنّ معنى الاقتضاء في عنوان البحث «هل الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء أو لا» هو الاقتضاء الإثباتيّ إن كان النزاع في دلالة الأوامر الاضطراريّة والظاهريّة أو الاقتضاء الثبوتيّ بمعنى العلّيّة والتأثير إن كان النزاع في أنّ الإتيان بالمأمور به في الخارج هل يقتضي الإجزاء أو لا لأنّ المأمور به خارجا هو الذي يتحقّق به الغرض ومع تحقّقه حصلت علّة سقوط الأمر الواقعيّ فالإتيان بالمأمور به الظاهريّ أو الاضطراريّ مؤثّر في رفع الأمر الواقعيّ.

وممّا ذكر يظهر أنّه لا مجال لما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ المعلوم أنّ المعلول ينعدم بانعدام علّته لا أنّ القائم به الغرض علّة لسقوط الأمر لأنّ الأمر علّة لوجود الفعل في الخارج فلو كان الفعل علّة لسقوط الأمر لزم علّية الشيء لعدم نفسه فسقوط الأمر لتماميّة اقتضائه وانتهاء أمده.

وذلك لأنّ حديث انتهاء الأمد وانعدام المعلول بانعدام علّته صحيح بالنسبة إلى إتيان المأمور به وأمر نفسه لا إتيان المأمور به بالأمر الظاهريّ أو الاضطراريّ بالنسبة إلى الأمر الواقعيّ إذ لا ينعدم أمد الأمر في الثاني بإتيان الظاهريّ أو

٣٣٧

الاضطراريّ.

بل يحتاج رفعه إلى تأثير الإتيان بالمأمور به الظاهريّ أو الاضطراريّ فيه فالحقّ مع صاحب الكفاية حيث ذهب إلى أنّ معنى الاقتضاء هو العلّية والتأثير بناء على النزاع في أنّ الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء أو لا يقتضي وعليه فلا حاجة إلى تغيير عنوان البحث بأنّ الإتيان بالمأمور به هل هو مجز أو لا كما في تهذيب الاصول.

خامسها : إنّ الإجزاء بحسب اللغة يكون بمعنى الكفاية وبحسب الاصطلاح يكون بمعنى إسقاط التعبّد بالإتيان إعادة كان أو قضاء والمعنى الثاني لازم الكفاية ولا وجه لرفع اليد عن معناه اللغويّ ما لم تقم قرينة وعليه فالإجزاء في عنوان البحث محمول على معناه اللغويّ.

سادسها : إنّ الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرّة والتكرار واضح فأنّ البحث في المقام بعد معلوميّة مقدار المأمور به في الواقع وعدم الإتيان به في أنّ الإتيان بالأمر الظاهريّ أو الاضطراريّ مع كشف الخلاف يكفي عن الواقعيّ الذي لم يأت به أو لا يكفي والبحث في مسألة المرّة والتكرار في تعيين مقدار المأمور به وكمّيّته وأنّ بعد الإتيان بالمأمور به الواقعيّ هل يلزم التكرار أو لا يلزم.

كما أنّ الفرق بين هذه المسألة ومسألة تبعيّة القضاء للأداء واضح فإنّ البحث في المقام في كفاية المأتيّ به عن الواقع بعد الإتيان بالمأمور به الظاهريّ أو الاضطراريّ والبحث في مسألة القضاء والأداء بعد فوت المأمور به وعدم الإتيان به في الوقت في ثبوت القضاء وعدمه فلا تشابه بين المسألتين.

تحقيق المقام في الأجزاء وعدمه.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ بعد ما عرفت من المقدّمات فتحقيق المقام في الإجزاء وعدمه يستدعي البحث في الموضعين :

٣٣٨

الموضع الأوّل

إنّه لا كلام في إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره إذ الغرض من الأمر ليس إلّا هو إتيان المأمور به بما له من القيود والشروط ومع الإتيان حصل الغرض ومع حصول الغرض ينتهى أمد البعث والإرادة ولا موجب لبقائهما وإلّا لزم الخلف أو بقاء المعلول بدون علّته.

وأنت خبير بأنّ المقصود من الإجزاء في هذا الموضع أنّ الإتيان بالمأمور به الواقعيّ يجزي عن أمره الواقعي وهكذا الإتيان بالمأمور به الاضطراريّ يجزي عن أمره الاضطراريّ أو الإتيان بالمأمور به الظاهريّ يجزي عن أمره الظاهريّ لا أنّ الإتيان بكلّ واحد منها يجزي عن الآخر فأنّه سيأتي الكلام فيه في الموضع الثاني إن شاء الله تعالى.

وممّا ذكر ينقدح أنّ مع سقوط الأمر لحصول الغرض لا مجال لتبديل الامتثال بامتثال آخر إذ الامتثال فرع بقاء الأمر والمفروض أنّ مع حصول الغرض يسقط الأمر ولا مجال للامتثال الثاني بالنسبة إلى الأمر الساقط.

ولذلك يحمل ما ورد في المقام ممّا يتوهّم أنّ المراد منه هو الامتثال عقيب الامتثال ومطلوبيّة الإعادة على أمر لا ينافي ما يقتضيه حكم العقل فإنّ مطلوبيّة الإعادة أعمّ من بقاء الأمر السابق لاحتمال أن يكون ذلك من جهة الأمر الجديد الاستحبابيّ ولا أقلّ من احتمال ذلك فلا يكون منافيا لما استقلّ العقل به من سقوط الأمر بالامتثال الأوّل وعدم معقوليّة الامتثال عقيب الامتثال فلا تغفل.

٣٣٩

الموضع الثاني

وفيه مقامان :

المقام الأوّل : في إجزاء الأوامر الاضطراريّة

ولا يخفى عليك أنّه إن قلنا بأنّ الأمر الأوّليّ عامّ يشمل المضطرّ وغيره في عرض واحد والأوامر الاضطراريّة تدلّ على تنويع العامّ المذكور في حال الاضطرار وإخراج الاضطرار عن تحت العام فالإجزاء في غاية الوضوح إذ ليس في حال الاضطرار إلّا أمر واحد ولا إشكال في أنّ الإتيان بالمأمور به بهذا الأمر يوجب سقوط الأمر المذكور والمفروض أنّه لا أمر آخر حتّى يبحث عن إجزائه عنه وعدمه.

وإن لم نقل بذلك فالأمر في حال الاضطرار غير الأمر الواقعيّ.

فيمكن البحث حينئذ عن إجزاء الاضطراريّ عن الواقعيّ وعدمه.

وقد أوضحنا قوّة الثاني بناء على المختار من أنّ المتبادر من الصلاة هي الهيئة التركيبيّة الجامعة للأجزاء والشرائط الدخيلة في باعثيّة المولى نحو الأمر بها لأنّ الأمر الأوّليّ تعلّق بها لا الهيئة التركيبيّة المجملة أو المهملة لأنّ البحث نحو المهمل والمجمل لا يصدر عن الحكيم المتعال.

وممّا ذكر يظهر أنّ المبعوث إليه في الأمر الأوّليّ هي الصلاة الكاملة وهي صلاة المختار وحينئذ تدلّ الأدلّة الاضطراريّة على ما يقوم مقام الصلاة الكاملة في حال الاضطرار ومقتضى ذلك هو تعدّد الأمر من الأمر الواقعيّ والأمر الاضطراريّ هذا مضافا إلى أنّ ذلك هو مقتضى لسان أدلّة الاضطرار كنفي الحرج والضرر ورفع الاضطرار والتقيّة لأنّ لسانها هو لسان الحكومة ومعنى الحكومة هو النظارة إلى الأدلّة الأوّليّة ومقتضاها هو وجود الأحكام الأوّليّة وإلّا لزم الخلف في كون أدلّة

٣٤٠