عمدة الأصول - ج ٢

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٧

بل الأمر يكون كذلك بناء على السببيّة بالمعنى الثالث إذ بعد قيام المصلحة السلوكيّة بوجود الأمارات امتنع للشارع الحكيم تخصيص الوجوب الواقعيّ بخصوص ما في الواقع لقبح الترجيح من دون مرجّح بل الواجب حينئذ هو الجامع بين الواقع وما قامت الأمارة المعتبرة عليه فينقلب الواقع عن التعيين إلى التخيير ومقتضى صيرورة الواجب واجبا تخييريّا هو عدم تأثير العلم الإجماليّ الحادث بعد الإتيان بالأمارة الأولى وبعد عدم التاثير لا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة.

ولا يخفى أنّ ما ذكر جيّد بالنسبة إلى السببيّة بالمعنى الأوّل والمعنى الثاني وأمّا بالنسبة إلى السببيّة بالمعنى الثالث أي المصلحة السلوكيّة منظور فيه لأنّ الأمارة بناء على السببية بالمعنى المذكور في طول الواقع لا في عرضها إذ مفاد أدلّة اعتبار الأمارات بناء على المصلحة السلوكيّة هو اعتبار التعبّد بها بعنوان أنّها وصول الواقع وعليه فلا وجه لدعوى انقلاب الواقع عن التعيينيّ إلى التخييريّ إذ مجرّد كون المصلحة السلوكيّة للتدارك لا ينقلب الواقع عمّا هو عليه بعد كون ما يوجب التدارك ليس في عرض المتدارك وعليه فالواقع باق على ما هو عليه.

فعند كشف الخلاف والعلم بالواقع والإتيان بما أدّت إليه الأمارة والشكّ في الطريقيّة والسببيّة بمعنى المصلحة السلوكيّة يكون مقتضى القاعدة هو لزوم الإعادة في الوقت لأنّ مقتضى العلم بالواجب الواقعيّ واشتغال الذمّة به هو الفراغ اليقينيّ والمفروض أنّ الشكّ في السقوط بعد الثبوت لاحتمال السببيّة والتدارك فلا وجه لرفع اليد عن الواقع بمجرّد احتمال السقوط والتدارك.

المقام الثاني : في مقتضى الأصل بالنسبة إلى وجوب القضاء وعدمه :

وحكمه ظاهر ممّا تقدّم في المقام الأوّل لأنّ مقتضى الأصل هو وجوب القضاء عند الشكّ في أنّ اعتبار الأمارة من باب الطريقيّة أو السببيّة بالمعنى الثالث أي

٣٦١

المصلحة السلوكيّة بناء على وحدة حقيقة القضاء مع حقيقة الأداء كما هو المختار فأنّ قاعدة الاشتغال حينئذ تكفي لوجوبه إذ المفروض هو حصول العلم بمطلوبيّة الواقع مطلقا سواء كان في الوقت أو في خارجه سواء قلنا بالطريقة أو السببيّة بالمعنى المذكور وإنّما الشكّ في السقوط بسبب الإتيان بمؤدّى الأمارة لاحتمال التدارك ومقتضى القاعدة هو وجوب القضاء.

نعم لو كانت السببيّة بالمعنى الأوّل والثاني ودار أمر اعتبار الأمارة بين الطريقيّة والسببيّة ليس من موارد قاعدة الاشتغال بل من موارد أصالة البراءة حيث لا واقع بناء على السببيّة بالمعنى الأوّل إذ الواقع يدور مدار الأمارة ولا بالمعنى الثاني لأنّ الواقع ينقلب طبقا لمؤدّى الأمارة وأيضا تكون مقتضى القاعدة هو البراءة عن وجوب القضاء لو لم نقل بوحدة حقيقة القضاء مع الأداء وقلنا بأنّ القضاء فرض جديد ويحتاج إلى صدق عنوان الفوت فإنّ هذا العنوان غير محرز بعد احتمال اعتبار الأمارة التي أتى بها من باب السببيّة بالمعنى الأوّل أو الثاني دون المعنى الثالث إذ على السببيّة المذكورة أتى بالعمل ولم يصدق عنوان الفوت.

ولا طريق آخر لإحراز عنوان الفوت وأصالة عدم الإتيان بالعمل لا يثبت عنوان الفوت لأنّه ليس عنوان للترك ولعدم الفعل مطلقا بل فيما إذا كان للشيء استعداد الوجود من حيث كونه ذا مصلحة فعليّة أو مأمور به واقعا أو مبعوثا إليه فعلا. والظاهر أنّ الفوت ليس مجرّد عدم ما كان له الإمكان الاستعداديّ للوجود من إحدى الجهات المزبورة بل هو عنوان ثبوتيّ ملازم لترك ما كان كذلك في تمام الوقت المضروب له وإثبات الملازم بالأصل التعبّديّ لا دليل له.

٣٦٢

الأمر السادس : إنّ مقتضى ما مرّ من المتبادر من أدلّة اعتبار الأمارات والاصول الظاهريّة

هو الإجزاء وترتيب آثار الواقع على كلّ عمل أتى به بالظنّ الاجتهاديّ تقليدا أو اجتهادا هو عدم اختصاص ذلك بالشخص العامل بل يعمّ غيره فيجوز له أن يترتّب آثار الواقع على ما أتى به الغير باجتهاد أو تقليد ولو مع العلم أو الظنّ المعتبر بمخالفته للواقع.

إذ بعد تماميّة أدلّة الإجزاء علم بحكم الشارع تعبّدا وحكومة بصحّة ما أتى به بأمارة أو أصل من الاصول الظاهريّة.

فكما أنّ الآثار مترتّبة على الصحّة الواقعيّة فكذلك تترتّب على الصحّة التعبّديّة بعد كون لسان أدلّة اعتبار الأمارات والاصول هو لسان الحكومة وادراجها في الواقعيّات ولكن لا يخلو ذلك عن التأمّل فلا يترك الاحتياط فيما لم يرد فيه نصّ بالخصوص على الاكتفاء والاجتراء.

٣٦٣
٣٦٤

الفصل الرابع : مقدّمة الواجب والحرام :

وقبل الخوض في المقصود يقع الكلام في مقامات :

المقام الأوّل : في أنّ المقدّمة لا تختصّ بالواجب بل تعمّ الحرام أيضا :

وذلك لعموميّة ملاك البحث إذ الملازمة إن كانت تكون بين مطلق الطلب ومقدّماته ولا وجه لتخصيصها بطلب الفعل ولعلّ وجه التخصيص هو أهمّيّة المقدّمات الواجبة من جهة كثرتها دون المقدّمات المحرّمة ليتحقّق ترك الحرام بترك واحد منها.

ولذلك قال في الوقاية تخصيص العنوان بالواجب لأنّه أهمّ قسمي طلب الفعل لا لاختصاص البحث به ضرورة إنّ الملازمة إن ثبتت تكون بين مطلق الطلب ومقدّماته وذلك ظاهر بل نقول تثبت بين النهي عن الشيء وبين النهي عن مقدّماته فتكون مقدّمة الحرام محرّمة ولكنّها تخالف مقدّمة الواجب في أمر وهو أنّ الواجب يجب جميع مقدّماته من المعدّة والمقتضية والشرط وغيرها فتكون هناك عدّة واجبات بعدد المقدّمات أو وجوب واحد تنحلّ اليها كما يمرّ عليك تفصيله إن شاء الله بخلاف طلب الترك فإنّه لا يجب إلّا ترك إحدى المقدّمات لا بعينها والسرّ فيه أنّ الفعل في طرف الوجود يحتاج إلى جميع المقدّمات إذ لا يوجد إلّا بوجودها اجمع بخلافه في طلب الترك فإنّه يتحقّق بترك أحدها ولا يحتاج الى ترك جميعها.

٣٦٥

المقام الثاني : في أنّ المراد من المقدّمة هو ما يتقدّم على ذي المقدّمة :

وله مدخليّة في وجوده في مقدّمات الواجب أدلّة مدخلية في تركه في مقدّمات الحرام ومقتضى ذلك توقّف ذي المقدّمة عليه في الوجود أو الترك وعليه فلا تشمل المقارنات وربما يقال ويقتضي أيضا أن يكون وجود المقدّمة مستقلّا عن وجود ذي المقدّمة.

ولذلك قال في بدائع الافكار ملاك البحث في وجود المقدّمة هو توقّف أحد الوجودين المستقلّين على الآخر.

فيعتبر في محلّ النزاع امران : التوقّف واستقلال كلّ من المقدّمة وذيها في الوجود.

وعليه يخرج عن محلّ النزاع موادّ عديدة :

منها المتلازمان في الوجود لعدم توقّف احدهما على الآخر.

ومنها الطبيعيّ ومصداقه لعدم استقلال كلّ منهما في الوجود.

ومنها إجزاء الماهيّة المركّبة فإنّها وإن كانت متقدّمة عليها بالتجويز إلّا أنّه لا امتياز بينهما في الوجود.

ومنها تقدّم الواحد على الاثنين لعدم الامتياز في الوجود أيضا وان كان بينهما تقدّم وتأخّر طبعيّ.

ومنها الحدوث والبقاء فإنّه وإن صحّ التعبير بأنّ البقاء متوقّف على الحدوث إلّا أنّ الباقي عين الحادث وجودا والبقاء والحدوث عنوانان منتزعان من كون الوجود مسبوقا بالعدم ومن استمرار الوجود (١).

__________________

(١) ج ٢ / ٣١٣١.

٣٦٦

وفيه كما أفاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره لا دليل على اعتبار الاستقلال مع أنّ بعض المقدّمات ليس له وجود منحاز كان يحال في مثل أعتق رقبة مؤمنة فإنّه متّحد مع الرقبة ولا يكون له وجود منحاز فلو لم يكن العبد مؤمنا يجب إيجاد الإيمان فيه ليحصل القبض الرقبة بالإيمان.

نعم يخرج بالتوقّف والتقدّم عدم الأضداد عن البحث وذلك لأنّها من المقارنات إذ عدم كلّ ضدّ مقارن مع الضدّ الآخر فلا يتوقّف وجود الضدّ على تقدّمه حتّى يكون مقدّمة بالنسبة اليه هذا بخلاف عدم المانع فانّه مقدّم على كلّ معلول كما لا يخفى.

المقام الثالث : محلّ النزاع

في بيان أنّ محلّ النزاع هو ثبوت الوجوب الشرعيّ أو الحرمة الشرعيّة عند ثبوت الوجوب الشرعيّ أو الحرمة الشرعيّة لذي المقدّمة وعدمه إذ ليس المراد من وجوب المقدّمة أو حرمتها هو اللابدّيّة العقليّة لأنّه ممّا لا سبيل إلى إنكارها بداهة.

أنّ العقل إذا أدرك توقّف الواجب أو الحرام على مقدّماته ورأى أنّ تركها في مقدّمة الواجب يوجب ترك الواجب الذي فيه استحقاق العقوبة استقلّ بلزوم إتيانها امتثالا لأمره تعالى وتحصيلا للأمن من العقوبة أو رأى أنّ فعلها في مقدّمات الحرام يوجب ارتكاب الحرام استقلّ العقل بترك المقدّمة امتثالا لنهيه تعالى.

ثمّ إنّ المراد من الوجوب أو الحرام الشرعيّ ليس نفسيّا إذ ليست في جميع المقدّمات مصالح أو مفاسد نفسيّة تقتضي هذا النحو من الحرمة أو الوجوب بل المزاد منه هو الوجوب أو الحرام الشرعيّ الغيريّ التبعيّ الذي تحقّق بتبع وجوب ذي المقدّمة أو حرمتها.

٣٦٧

المقام الرابع : في تبعيّة وجوب المقدّمة عن وجوب ذيها

ولا ريب في أنّ وجوب المقدّمة بناء على الملازمة تابع في الخصوصيّات من الإطلاق والاشتراط لوجوب ذيها فلو كان وجوب ذي المقدّمة مطلقا لكان وجوب مقدّمته كذلك وإن كان مشروطا لكان وجوب المقدّمة كذلك وهذا في غاية الوضوح.

لأنّ الحاكم في الملازمة هو العقل وهو يرى وجوب المقدّمة من رشحات وجوب ذيها فمع كون وجوبها من رشحات ذيها لا مجال للاختلاف بين وجوبها ووجوب ذيها.

وربما نسب الخلاف إلى صاحب المعالم بأنّه ذهب إلى أنّ وجوب المقدّمة مشروط بإرادة ذيها بحيث لا وجوب لها عند عدم إرادة ذيها وعليه فوجوب المقدّمة عنده مشروط بإرادة ذي المقدّمة مع أنّ وجوب ذي المقدّمة يكون مطلقا وهو مناف لتبعيّة وجوب المقدّمة عن وجوب ذيها في الخصوصيّات.

ولكنّ التأمل التام في كلماته يشهد على أنّه ليس مخالفا للتبعيّة المذكورة وإنّما اعتبر إرادة ذي المقدّمة في تحقّق الملازمة ومع تحقّق الملازمة فالتبعيّة ثابتة كما أنّ صاحب الفصول اعتبر الإيصال في تحقّق الملازمة.

وعليه فكلام صاحب المعالم ككلام صاحب الفصول وإن كان محل تامل ونظر عند بعض العلماء ولكنهما لا يكونان مخالفين لمسألة التبعيّة بعد ثبوت الملازمة كما لا يخفى.

٣٦٨

المقام الخامس : في أنّ المسألة من المسائل الاصوليّة لا الكلاميّة ولا الفقهيّة ولا من المبادئ الأحكاميّة الفقهيّة ولا من المبادئ التصديقيّة الاصوليّة

أمّا الأوّل : فلأنّ البحث في المقام عن ثبوت الملازمة عقلا بين إرادة ذي المقدّمة والأمر بها وإرادة مقدّماتها والأمر بها وعدم ثبوتها أو عن ثبوت دلالة وجوب ذي المقدّمة على وجوب مقدّماتها أو عدم دلالتها ومن المعلوم أنّه أجنبيّ عن البحث الكلامي موضوعا لأنّ البحث فيه عن أحوال المبدأ والمعاد وعليه فالمناسب للكلام أن تقع البحث في أنّ المقدّمة هل تكون مستتبعة فعلا وتركا للثواب والعقاب أم لا والمفروض أنّه لا يقع البحث في المقام عن الاستتباع المذكور بل لا مورد له لأنّ وجوب المقدّمة على القول به كما أفاد في بدائع الأفكار لا يستلزم امتثاله بنفسه ثوابا ولا عصيانه عقابا غير ما يترتّب على امتثال وجوب ذيها وعصيانه لأنّ وجوب الغيريّ لا ينشأ عن المصلحة النفسيّة في متعلّقه وإلّا كان وجوب المقدّمة نفسيّا لا غيريّا (١).

وأمّا الثاني : فلأنّ المسألة الاصوليّة هي ما يمكن أن تقع نتيجتها في طريق الاستنباط أو تصير نتيجتها مرجعا للمجتهد عند اليأس عن الدليل الاجتهاديّ والمسألة الفقهيّة ليست كذلك وإن كانت من القواعد الكلّيّة كقاعدة الطهارة وبعبارة اخرى أنّ المسألة الاصوليّة ما به ينظر والمسألة الفقهيّة ما فيه ينظر ومع ملاحظة خصوصيّات المسألتين يظهر أنّ البحث عن وجود الملازمة بين إيجاب ذي المقدّمة وإيجاب المقدّمة وعدمها ممّا يقع في طريق الاستنباط والحكم بالوجوب الشرعيّ

__________________

(١) ١ / ٣١١.

٣٦٩

للمقدّمات أو بعدم وجوبها ولا صلة للبحث عن وجود الملازمة وعدمها بالبحث عن أحوال المكلّف وعوارضه حتّى يكون المسألة مسألة فقهيّة هذا مضافا إلى أنّ البحث الفقهيّ لا يناسب الاصوليّ والاستطراد لا وجه له بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون من المسائل الاصوليّة كما افاد صاحب الكفاية.

نعم لو كان البحث من ابتداء الأمر في وجوب المقدّمات شرعا كانت من المسائل الفقهيّة اللهمّ إلّا أن يقال كما في بدائع الأفكار أنّ مبحث مقدّمة الواجب حتّى إذا كانت نتيجة البحث هو وجوب المقدّمة لا تحقّق الملازمة يخرج عن المباحث الفقهيّة والسرّ في ذلك هو أنّ وجوب المقدّمة ليس حكما وحدانيّا ناشئا من ملاك واحد بل هو واحد عنوانا ومتعدّد بتعدّد الملاكات الواجبات النفسيّة.

والقاعدة الفقهيّة تحكي عن ملاك واحد كقاعدة ما يضمن وما لا يضمن الناشئة عن قاعدة اليد وهكذا (١).

ولكنّ لقائل أن يقول : إنّ وحدة الملاك وتعدّدها أجنبيّ عن معيار الدخول في المسائل الاصوليّة والفقهيّة والمعيار في المسائل الاصوليّة هو إمكان أن تقع المسألة في طريق الاستنباط بخلاف المسائل الفقهيّة فإنّها نفس الحكم ولا تقع في طريق الاستنباط فتدبّر جيّدا.

وأمّا الثالث : فهو كما في نهاية الاصول معاندات الأحكام وملازماتها التي بحثوا عنها قدماء الأصحاب وكانوا يسمّونها بالمبادئ الأحكاميّة ومنها هذه المسألة (٢).

قال في بدائع الأفكار والمبادئ الأحكاميّة على ما هو المعروف عند الاصوليين هي المسائل الّتي تكون محمولاتها من عوارض الاحكام التكليفيّة أو الوضعيّة كتضادّ

__________________

(١) ج ١ / ٣١٢.

(٢) ١ / ١٤٢.

٣٧٠

الأحكام وملازمة بعضها لبعض ونحوها والبحث عن الملازمة في باب المقدّمة من هذا القبيل (١).

إلّا أنّه كما أفاد المحقّق العراقيّ لا يضرّ بكونها من المسائل الاصوليّة أيضا بعد كونها معنونة بجهتين اللتين توجب كلّ واحد منهما تعنونها بعنوان مستقلّ فجهة كون الملازمة من عوارض وجوب ذي المقدّمة توجب صحّة إدراجها في مبادئ الأحكام كما أنّ جهة كون نتيجة البحث عنها يمكن أن تقع في طريق الاستنباط يصلح لأن يبحث عنها في المسائل الاصوليّة (٢).

وأمّا الرابع : فهو كما قيل إنّ موضوع علم الاصول هو الأدلّة الأربعة ومنها حكم العقل والمراد به كلّ حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ فلا محالة يجب أن يبحث في الاصول عن لواحق القضايا العقليّة المثبتة للأحكام الشرعيّة لا عن ثبوت نفسها ونفيها والبحث في مسألة المقدّمة إذا كان عن تحقّق الملازمة بين الوجوبين كان بحثا عن نفس الحكم العقليّ لا عن عوارضه وعليه يصير البحث من المبادئ التصديقيّة لوجود موضوع علم الاصول.

ويقرب منه ما في نهاية الاصول حيث قال : إن قلت :

إذا كان موضوع علم الاصول عبارة عن عنوان الحجّة في الفقه وكان البحث في العلم عن تعيّناتها وتشخّصاتها كما مرّ شرح ذلك في مبحث الموضوع فلم لا يكون المسألة اصوليّة مع أنّ البحث فيها عن تعيّن من تعيّناتها إذ يبحث فيها عن أنّ وجوب الشّيء حجّة على وجوب مقدّماته أم لا.

قلت : ليس البحث في المسألة عن الحجّيّة بل عن الملازمة بين الوجوبين إذ مع عدم الملازمة لا معنى لحجّيّة وجوب شيء على وجوب شيء آخر وبعد ثبوت

__________________

(١) ١ / ٣١١.

(٢) راجع بدائع الافكار : ١ / ٣١١.

٣٧١

الملازمة لا مورد للبحث عن الحجّيّة فإنّ وجود أحد المتلازمين حجّة على الآخر بالضرورة ولا مجال للبحث عنها وبالجملة محطّ النظر في المسألة هو إثبات الملازمة لا الحجّيّة (١).

وفيه أنّ موضوع علم الاصول ليس الأدلّة الأربعة بما هي أدلّة بل ذواتها بل لا يختصّ بالأدلّة الأربعة وذواتها لأنّ موضوع علم الاصول كما مرّ في البحث عن الموضوع أعمّ منها وهو ما يصلح للحجّيّة على الحكم الكلّيّ الفقهيّ وهو يشمل غير الأدلّة الأربعة فوجوب ذي المقدّمة ممّا يصلح ويمكن أن يكون حجّة على وجوب المقدّمة بدعوى الملازمة العقليّة بينهما أو بدعوى الدلالة اللفظيّة عليه.

وعليه فكلّ قاعدة يمكن على فرض ثبوتها أن تقع كبرى لاستنتاج الحكم الفرعيّ الإلهيّ فهي داخلة في موضوع علم الاصول ولو كان ثبوتها بالبحث عنها كسائر العلوم مثل المسائل المنطقيّة فإنّها ربما تكون مكتشفة بالبحث عنها ومع ذلك لم تكن من المبادئ ولعلّه لذا كان البحث عن المفاهيم من المسائل الاصوليّة ولو كان ثبوتها موقوفا بالبحث عنها في الاصول فالمعيار هو صدق الموضوع عليه ولو بعد البحث عنه بنحو القضيّة الحقيقيّة ومن المعلوم صدق قاعدة يمكن أن تقع كبرى للاستنباط على مثل الملازمة بين إيجاب ذي المقدّمة وإيجاب المقدّمات والقول بأنّ البحث عن حجّيّة المفاهيم ليس في أصل ثبوت المفاهيم بل في حجّيّتها حيث أنّ لذكر القيد الزائد مثل الشرط والوصف وأمثالهما ظهورا ما في الدخالة بلا إشكال وإنّما يقع البحث عن حجّيّتها كما في نهاية الاصول مندفع بأنّ ظهورا ما ليس هو المفهوم فإن كان مثله كاف في إدراج مباحث المفاهيم في المسائل الاصوليّة فإرادة ذي المقدّمة ووجوبها أيضا لهما ظهور ما في إرادة المقدّمات فالبحث عن وجود الملازمة بينهما

__________________

(١) ١ / ١٤٢.

٣٧٢

وحجّيّتها يكون داخلا بهذا الاعتبار في المسائل الاصوليّة ولعلّ إليه يؤول ما في بدائع الأفكار حيث قال إنّ موضوع علم الاصول ليس هو الأدلّة الأربعة بل هو ما يمكن أن يكون نتيجة البحث عن عوارضه واقعة في طريق الاستنباط وبما أنّ نتيجة بحث المقدّمة يمكن أن تقع في طريق الاستنباط يكون البحث المزبور من مسائل العلم (١).

هذا مضافا إلى ما في تهذيب الاصول من أنّه لو سلّمنا لزوم وجود الموضوع في العلوم وأنّ موضوع علم الاصول هو الحجّة في الفقه يمكن أن يقال أنّ البحث عن وجوب المقدّمة بحث عن عوارض ذلك الموضوع لا بما أنّه عرض خارجيّ بل بما أنّه عرض تحليليّ وبذلك ينسلك أكثر ما يبحث عنه في هذا العلم في عداد مسائله وأوضحناه بما لا مزيد عليه في مبحث حجّيّة الأخبار.

وأوضحه في التعليقة بأنّ موضوع علم الاصول هو الحجّة في الفقه فإنّ الفقيه لمّا رأى احتياجه في الفقه إلى الحجّة توجّه إليها وجعلها وجهة نفسه وتفحّص عن تعيّناتها الّتي هي الأعراض الذاتيّة التحليليّة ... فالحجّة بما هي حجّة موضوع بحثه وعلمه وتعيّناتها التي هي الخبر الواحد والظواهر والاستصحاب وسائر المسائل الاصوليّة من العوارض الذاتيّة لها بالمعنى الذي ذكرنا إلى أن قال :

إنّ المسائل الاصوليّة إمّا أن تكون من القواعد الشرعيّة التي تقع في طريق الاستنباط كمسألة حجّيّة الاستصحاب ...

وإمّا من القواعد العقلائيّة لحجّيّة الظواهر والخبر الواحد ... وإمّا من القواعد العقليّة التي تثبت بها الأحكام الشرعيّة كمسائل اجتماع الأمر والنهي ومقدّمة الواجب وحرمة الضدّ من العقليّات.

وإمّا من القواعد العقليّة لإثبات العذر وقطعه كمسائل البراءة والاشتغال وكلّ

__________________

(١) ج ١ / ٣١١.

٣٧٣

ذلك ما يحتجّ به الفقيه.

أمّا لإثبات الحكم ونفيه عقلا أو تعبّدا أو لفهم التكليف الظاهريّ وليس مسألة من المسائل الاصوليّة إلّا ويحتجّ بها في الفقه بنحو من الاحتجاج فيصدق عليها أنّها هي الحجّة في الفقه (١).

اللهمّ إلّا أن يقال بأنّه لا يكفي للجواب بعد ما صرّح به في نهاية الاصول من أنّ البحث عن الملازمة لا الحجّيّة وتعيّناتها بل لا معنى لها لو لم يكن ملازمة ولا مورد لها أن ثبتت الملازمة فإنّ وجود أحد المتلازمين حجّة على الآخر بالضرورة ولا حاجة إلى البحث عنها.

هذا بخلاف ما أشرنا إليه من أنّ الموضوع هو ما يصلح للحجّيّة إذ هو صادق على المقام فإنّ وجوب ذي المقدّمة ممّا يصلح للحجّيّة بدعوى الملازمة بينه وبين وجوب المقدّمات أو بدعوى الدلالة اللفظيّة ولا ملزم لجعل الموضوع هو الحجّة الفعليّة وحصر البحث في تعيّناتها كما عرفت في مبحث الموضوع.

إن أبيت إلّا عن قصور الموضوع لا يضرّ ذلك بعد وضوح كون المسألة ممّا تقع في طريق الاستنباط ولذلك قال المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره أنّ إدراج هذه المباحث التي تنفع نتائجها في إثبات الحكم الشرعيّ كسائر المسائل الاصوليّة في المبادئ وإخراجها عن المقاصد بلا وجه ومجرّد كون الشيء من المبادئ التصديقيّة لمسألة لا يقتضي أن يكون منها بقول مطلق مع كون نتيجتها في نفسها كنتيجة تلك المسألة وعدم شمول ما عدّ موضوعا للعلم لموضوع هذه المسألة من مفاسد ما جعل موضوعا للعلم وقصوره عن شمول ما هو كسائر المسائل في الفرض المهمّ لا من قصور المسألة عن كونها من مقاصد الفنّ ومطالبه (٢).

__________________

(١) تهذيب الاصول : ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٢.

(٢) التعليقة : ١ / ٣٥٨.

٣٧٤

المقام السادس :

في أنّ المسألة عقليّة لا لفظيّة : نسب إلى صاحب المعالم أنّه ذهب إلى أنّ المسألة لفظيّة حيث استدلّ على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث مضافا إلى أنّه ذكرها في مباحث الألفاظ وأورد عليه في الكفاية بأنّه لا مجال لتحرير النزاع في مقام الإثبات والدلالة عليها بإحدى الدلالات الثلاث بعد كون نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ثبوتا محلّ إشكال.

وفيه أوّلا : إنّ النسبة المذكورة غير ثابتة لأنّه قدس‌سره لم يكتف بها بل استدلّ على نفي الملازمة العقليّة بعدم المنع العقليّ من تصريح الأمر بذي المقدّمة بعدم وجوب المقدّمة ولذلك قال في الوقاية يظهر من ذلك أنّ مختاره ملفّق من أمرين هما نفي الدلالة والملازمة فاستدلّ على كلّ منهم بدليل (١) وعليه فصاحب المعالم اختار نفي الملازمة مطلقا عقليّة كانت أو لفظيّة واستدلّ على نفي كلّ واحد منهما بدليل.

وثانيا : إنّ الدلالة اللفظيّة لا تتوقّف على ثبوت الملازمة العقليّة لامكان أن يكون الكلام في ثبوت الدلالة اللفظيّة مثل الكلام في دلالة الأمر على الفور دون التراخيّ والمرّة دون التكرار فكما أنّ الدلالة اللفظيّة فيهما لا تتوقّف على الملازمة العقليّة كذلك في وجوب المقدّمة وعدمه ولذلك قال في الوقاية ويمكن أن يكون الكلام في ثبوت الدلالة اللفظيّة للهيئة على وجوب المقدّمة وعدمه فيدّعي القائل بالوجوب دلالة اللفظ عليه كما ادّعى غيره دلالته على الفور والتكرار فالبحث إذن يناسب مباحث الألفاظ إلى أن قال وقد عرفت إنّ الدلالة اللفظيّة لا تتوقّف على الملازمة العقليّة فلا موقع هنا للفظي الثبوت والإثبات (٢).

__________________

(١) / ٢٠٦.

(٢) / ٢٠٦ ـ ٢٠٥.

٣٧٥

ولكنّ البحث عن ظهور الأمر في كذا وكذا بحث صغرويّ بالنسبة إلى حجّيّة الظهورات ويكون من مبادئها ولا يناسب المسائل الاصوليّة وكيف كان فالأولى أن يقال أنّ المسألة عقليّة لا لفظيّة لما أفاده سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره من أنّه يشترط في الدلالة الالتزاميّة أن يكون اللازم لازما للمعنى المطابقيّ أوله وللتضمنيّ فإذا دلّ اللّفظ على المعنى ويكون له لازم ذهنيّ يدلّ عليه ولو بوسط تكون الدلالة التزاميّة وما نحن فيه ليس كذلك لأنّ دلالة الأمر على كون متعلّقه مرادا للأمر ليس من قبيل دلالة اللفظ بل من قبيل كشف الفعل الاختياريّ عن كون فاعله مريدا له فالبعث المتعلّق بشيء إنّما هو كاشف عن كون فاعله مريدا له لأجل كونه فعلا اختياريّا له لا لأجل كونه دالّا عليه مطابقة حتّى يكون لازمه لازم المعنى المطابقيّ وتكون الدلالة من الدلالات اللفظيّة إلى أن قال :

مع أنّ محلّ الكلام أعمّ من المدلول عليه بالآلة اللفظيّة (١).

فالمتّجه أنّ البحث عقليّة لا لفظيّة لأنّ البحث يقع في أنّ البعث القوليّ نحو شيء كما يكون كالبعث الخارجيّ في كشفه عن إرادة فاعله لأنّه فعل اختياريّ صادر عن ذي شعور حكيم هل يكون كذلك بالنسبة إلى إرادة مقدّماته أم لا.

وبعبارة اخرى هل تلازم إرادة المتعلّق لإرادة مقدّماته من ناحية كشف الفعل الاختياريّ أم لا ومن المعلوم أنّه لا دخالة للّفظ في تلك الملازمة.

ولكن مع ذلك لا مانع من ذكرها في مباحث الألفاظ لكفاية توهّم لفظيّة الملازمة عند بعض وإن قوّينا كون الملازمة عقليّة لا لفظيّة فلا تغفل.

__________________

(١) منهاج الوصول : ١ / ٣٢٧.

٣٧٦

الخلاصة

في مقدّمة الواجب والحرام

ويقع الكلام في مقامات

المقام الأوّل

إنّه لا تختصّ المقدّمة المبحوث عنها بمقدّمة الواجب بل تعمّ مقدّمة الحرام أيضا لعموميّة ملاك البحث ضرورة أنّ الملازمة إن كان ثابتة تكون بين مطلق الطلب ومقدّماته سواء كان الطلب طلبا للفعل أو للترك.

المقام الثاني

إنّ المراد من المقدّمة هو ما يتوقّف ذو المقدّمة عليه في الوجود أو الترك وعليه فلا تشمل المقارنات والمتلازمات لعدم توقّف المقارن والمتلازم على المقارن والمتلازم الآخر.

وأمّا اعتبار الاستقلال في الوجود في المقدّمة كما يظهر من بعض الأعلام فهو منظور فيه إذ لا دليل على ذلك مع ما نراه بالوجدان من دخول القيود كالإيمان في مثل أعتق رقبة في البحث مع عدم استقلال وجودها كما لا يخفى.

المقام الثالث

إنّ محلّ النزاع والاختلاف هو الوجوب أو الحرمة الشرعيّة لا العقليّ إذ اللابدّيّة العقليّة لا مجال لانكارها بداهة.

أنّ العقل إذ أدرك توقّف الواجب أو الحرام على مقدّماته استقلّ من دون تأمّل بوجوبها كما لا يخفى ولا مجال للنزاع فيها.

٣٧٧

المقام الرابع

إنّ المقصود من تبعيّة إرادة المقدّمة لإرادة ذيها إنّ إرادة ذيها صارت منشأ لإرادة المقدّمة بمادتها بعد الالتفات إلى أنّ ذا المقدّمة لا يحصل بدون المقدّمات الواقعيّة وحيث إنّ الالتفات المذكور حاصل في جميع الموارد إجمالا تحصل إرادة المقدّمة بالفعل بتبع إرادة ذيها وأنّ توقّف تفصيل الإرادة بالنسبة إلى آحاد المقدّمات على التشخيص أنّ كلّ واحد منها ممّا توقّف عليه ذوها.

المقام الخامس

إنّ المسألة من المسائل الاصوليّة الكلاميّة لأنّ البحث فيها عن ثبوت الملازمة بين إرادة ذي المقدّمة وإرادة المقدّمة أو عن ثبوت دلالة وجوب ذي المقدّمة على وجوب المقدّمة وهذا أجنبيّ عن البحث الكلاميّ إذ البحث فيه عن أحوال المبدأ والمعاد وأنّ المقدّمة هل تكون مستتبعة فعلا وتركا للثواب والعقاب أم لا.

ومن المعلوم أنّ البحث في المقام ليس من هذه الناحية بل لا مورد له لأنّ وجوب المقدّمة على القول به لا يستلزم امتثاله بنفسه ثوابا ولا عصيانه عقابا غير ما يترتّب على امتثال ذيها وعصيانه.

وهكذا لا تكون المسألة فقهيّة فإنّ الاصوليّة ما به ينظر والمسألة الفقهيّة ما فيه ينظر وهذه المسألة ما تقع نتيجتها في طريق الاستنباط وتكون ممّا به ينظر والمسألة الفقهيّة لا تقع كذلك بل هي ممّا فيه ينظر فإنّها هي نفس الحكم ولا تقع في طريق الاستنباط.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ المسألة الاصوليّة هي ما يصلح للحجّيّة على الحكم الكلّيّ الفقهيّ وهو عنوان ينطبق على وجوب ذي المقدّمة فإنّه ممّا يصلح لأن يكون حجّة على وجوب المقدّمة بدعوى الملازمة العقليّة بين وجوبهما أو بدعوى الدلالة اللفظيّة

٣٧٨

عليه ولا يضرّ بذلك تعنون المسألة بعناوين أخرى من قبيل أنّ الملازمة من عوارض وجوب ذي المقدّمة وبهذا الاعتبار يمكن إدراجها في مبادئ الأحكام الفقهيّة لأنّ ملازمات الأحكام ومعانداتها تسمّى بالمبادئ الأحكاميّة.

إذ لا منافاة بين كون المسألة باعتبار من المبادئ وباعتبار كون نتيجة المسألة ممّا يصلح لأن تقع في طريق الاستنباط يكون من المسائل الاصوليّة.

وممّا ذكر يظهر أنّه لا وقع لما يقال من أنّ موضوع علم الاصول هو الأدلّة الأربعة ومنها حكم العقل والمراد به كلّ حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ فلا محالة يجب أن يبحث في الاصول عن لواحق القضايا العقليّة المثبتة للأحكام الشرعيّة لا عن ثبوت نفسها ونفيها والبحث في مسألة المقدّمة إذا كان عن تحقّق الملازمة بين الوجوبين كان بحثا عن نفس الحكم العقليّ الحكم العقليّ لا عن عوارضه وعليه يصير البحث من المبادئ التصديقيّة لوجود موضوع علم الاصول.

وذلك لأنّ إدراج أمثال هذه المسألة التي تنفع نتائجها في إثبات الحكم الشرعيّ كسائر المسائل الاصوليّة في المبادئ التصديقيّة كما ترى لأنّ هذه المسائل كنفس المسائل الاصوليّة في النتيجة فإنّ نتيجتها تقع في طريق الاستنباط وعنوان ما يصلح لأن يقع في طريق الاستنباط يشمله وإن لم يشمله ما عدّه بعض موضوعا لعلم الاصول فلا تغفل.

المقام السادس :

إنّ الظاهر أنّ المسألة عقليّة لا لفظيّة إذ اللازم في الدلالة الالتزامية هو أن يكون اللازم لازما للمعنى المطابقيّ وما نحن فيه ليس كذلك لأنّ دلالة الأمر على كون متعلّقه مرادا للأمر ليس من قبيل دلالة اللفظ بل من قبيل كشف الفعل الاختياريّ عن كون فاعله مريدا له هذا مضافا إلى أنّ محلّ الكلام أعمّ من المدلول عليه بالدلالة اللفظيّة.

٣٧٩

المقام السابع : في تقسيمات المقدّمة

منها : تقسيمات إلى الداخليّة والخارجيّة :

يقع الكلام في أمور :

أحدها : إنّ المراد من المقدّمة الداخليّة هي ما كانت متّحدة مع المركّبات كالأجزاء ومقوّمات المركّبات الاعتباريّة كالصلاة والفوج والقوم أو المركّبات الصناعيّة كالبيت والدار ونحوهما ممّا يتوقّف حصول المركّبات على وجودها والمراد من المقدّمة الخارجيّة ما كانت مغايرة وجودا وماهية للمأمور به أو المركّبات الاعتباريّة ممّا يتوقّف حصول المركّبات أو المأمور به عليها كطيّ الطريق بالنّسبة إلى الحجّ.

ثمّ إنّ حقيقة ما ينتزع منه عنوان الكلّ أو المجموع أو الفوج أو القوم وهو مجموع الأجزاء والأفراد لا تتحقّق في الواقع ونفس الأمر إلّا بتحقّق كلّ واحد من الأجزاء والأفراد في الواقع ونفس الأمر.

فالمجموع وهو ما يترتّب عليه الغرض كفتح المصر وغيره هو منشأ انتزاع عنوان المركّب كالفوج أو القوم وكلّ واحد من الأفراد والأجزاء منشأ انتزاع المقدّمة

٣٨٠