عمدة الأصول - ج ٢

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٧

المذكورة إمّا غير معقولة وإمّا خلاف ظواهر اشتراط الأشياء والقواعد فلا يصار إليها بدون قيام قرينة عليها نعم فيما إذا كان اللحاظ والتشخيص شرطا كمدخليّة الأغراض والغايات فلا كلام فيه لأنّه أجنبيّ عن الشرط المتأخّر لتقارن الشرط فيها إذ الأغراض والغايات بوجودها الذهنيّ وبماهيّتها لها شرطيّة ومدخليّة وهي مقارنة مع فاعليّة الفاعل وبوجودها الخارجيّ مترتّبة ومتأخّرة كما لا يخفى.

وهكذا لا كلام فيما إذا استفيد من الأدلّة أنّ لتقدّم زمانيّ شيء على شيء التابع لتقدّم نفس الزمان مدخليّة لأنّ الشرط حينئذ مقارن ولا مدخليّة للمتأخّر بالنسبة إلى التقدّم الحقيقيّ التابع لتقدّم نفس الزمان ولكنّ ذلك التوجيه غير موجّه في جميع موارد الشروط المتأخّرة ولذلك نقول بامتناع الكشف الحقيقيّ في الإجازة المتأخّرة عن العقد الفضوليّ لأنّ الظاهر من أدلّة اشتراط طيب المالك وإجازته في صحّة النقل والانتقال هو وجوده الخارجيّ لا وجوده الذهنيّ ولا تقدّم العقد على الإجازة ولا تعقّب العقد بها وقد مرّ أيضا أنّ القدرة شرط لاتّصاف التكليف بالصحّة والحسن بوجودها الخارجيّ لا بوجودها الذهنيّ والعلم طريق إليه.

وأمّا قياس الأحكام التشريعيّة بالأوامر والأفعال العرفيّة والقول بإمكان الشرط المتأخّر كما نرى لأنّ تلك الموارد كقولهم زر من زارك أو أعط من اعطاك ليس من باب الشرط المتأخّر بل يؤول إلى زر من قصد زيارتك أو أعط من قصد إعطائك وهو مقارن وبالجملة فالشرط المتقدّم بنحو الإعداد والتقريب ممكن ولكنّ الشرط المتأخّر ولو بنحو الإعداد فليس بممكن فلا تغفل.

٤٢١

الخلاصة :

تقسيمات المقدمة :

منها : تقسيمها إلى الداخليّة والخارجيّة

يقع الكلام في أمور :

أحدها : إنّ المقدّمة الداخليّة هي التي تكون أجزاء ومقوّمات للمركّبات كأجزاء الصلاة في المركّبات الاعتباريّة وأجزاء البيت والدار في المركّبات الصناعيّة.

وأنّ المقدّمة الخارجيّة هي التي تكون مغايرة مع المركّبات في الوجود والماهيّة كطيّ الطريق بالنسبة إلى الحجّ مثلا.

ولا إشكال في كون المقدّمة الخارجيّة محلّا للنزاع وإنّما الكلام في المقدّمة الداخليّة فإنّه ربما يتوهّم خروجها عن حريم النزاع بتقريب أنّ الأجزاء بالأسر أي مجموعها عين المركّب في الخارج ومعه فلا معنى للتوقّف حتّى يترشّح الوجوب منه إليه والمغايرة الاعتباريّة لا توجب مغايرة وجود أحدهما لوجود الآخر.

ويمكن أن يقال بمنع خروج المقدّمة الداخليّة عن محلّ النزاع فإنّ المقدّمة هي كلّ واحد واحد من الأجزاء والأفراد والمركّب هو مجموع الأجزاء والأفراد والمركّب ممّا لا يتحقّق في الواقع ونفس الأمر إلّا بتحقّق كلّ واحد واحد من الأجزاء والأفراد في الواقع ونفس الأمر إذ المراد من المركّب هو ما يترتّب عليه الغرض كفتح المصر وغيره وهو يتقوّم بوجود المجموع.

وهو منشأ انتزاع عناوين للمجموع كعنوان الفوج أو القوم.

وكلّ واحد واحد من الأفراد والأجزاء منشأ انتزاع المقدّمة ولا يتوقّف وجودها على شيء آخر بل يكون وجود كلّ واحد ممّا يتوقّف عليه وجود ذي المقدّمة إذ لا يمكن وجود المجموع بدون وجوده وعليه فالكلّ والجزء لهما ملاكان في نفس الأمر ومعه فإذا كانت حقيقة ذي المقدّمة والمقدّمة وملاكهما متحقّقة في الواقع ونفس الأمر

٤٢٢

فلا مجال لأن تكون المقدّمة الداخليّة خارجة عن محلّ النزاع.

ثانيها : إنّ محطّ الإرادة والطلب هو الوجود الذهنيّ بما هو حاك عن الخارج لا الوجود الخارجيّ لأنّ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت.

وعليه فالمطلوب والمراد هو الوجود العنوانيّ الذهنيّ سواء كان بسيطا أو مركّبا.

فإذا لاحظ الآمر عنوانا مركّبا يترتّب الغرض عليه كالفوج المترتّب عليه فتح البلد كان كلّ واحد واحد من أفراد الفوج مندكّا وفانيا في هذا العنوان ولذلك لم يتعلّق الإرادة عند تصوّر العنوان المركّب إلّا بنفس العنوان المركّب ودعوة الناس إلى العنوان المذكور دعوة إلى مجموع الأجزاء والآحاد لعينيّة مجموع الأجزاء مع العنوان المذكور.

ولكن عرفت أنّ مجموع الأجزاء ليس مقدّمة للعنوان المذكور بل هو عين المركّب والمقدّمة هو كلّ جزء جزء وكلّ فرد فرد والوجدان شاهد على أنّ الآمر بعد ما رأى أنّ المركّب والمجموع لا يتأتّى الّا بكلّ واحد واحد من الأجزاء والأفراد أراد كلّ مقدّمة لأجل إرادة المركّب ويكفي في تعلّق الإرادة الغيريّة لحاظ كلّ واحد واحد إجمالا بعنوان كونه ممّا يتوقّف عليه العنوان المركّب الواجب فتعلّق الإرادة بها تبعا لإرادة ذيها.

ثالثها : إنّ مركّب الإرادة في الإرادة النفسيّة هو العنوان الذهني الذي يكون مطابقه عين مجموع الأجزاء الذي يترتّب عليه الغرض ومركّب الإرادة في الإرادة الغيريّة هو أيضا عنوان ذهنيّ وهو المقدّمة الحاكية عن حقيقة خارجيّة وهو ما لو لاه لما كان المركّب المقصود فاختلف المركّبان والمعتبر في الإرادة الغيريّة هو عنوان المقدميّة ولا حاجة إلى عنوان آخر من العناوين الذاتيّة.

رابعها : إنّه لا يلزم من وجوب المقدّمة الداخليّة اجتماع الوجوب النفسيّ والغيريّ في شيء واحد لأنّ الوجوب النفسيّ متعلّق بالعنوان المطابق على مجموع الأجزاء الذي يكون منشأ لانتزاع العنوان المترتّب عليه الغرض كالبيت والدار

٤٢٣

والصلاة والحجّ ومن المعلوم أنّ المعنون المذكور ليس كلّ واحد واحد من الأجزاء ومع مغايرة العنوانين والمعنونين فلا مجال لتوهّم اجتماع المثلين في شيء واحد بسبب وجوب المقدّمة الداخليّة وبعبارة أخرى معنون عنوان المركّب الاعتباريّ كالصناعيّ هو مجموع الأجزاء الذي يترتّب عليه الغرض ومعنون عنوان المقدّمة هو كلّ جزء جزء ممّا يتوقّف حصول المركّب عليه فارادة المجموع بما هو المجموع غير إرادة كلّ جزء جزء بما هو جزء.

ولا ينافي ذلك كون كلّ جزء باعتبار اندكاكه في المجموع موردا للإرادة النفسيّة لأنّه باعتبار وجوده في العنوان الإجماليّ والإرادة الغيريّة باعتبار وجوده التفصيليّ فيكفي الاختلاف بالإجمال والتفصيل في رفع التنافي كما يشهد بذلك الوجدان في اجتماع الإرادتين في المركّبات الصناعيّة فإنّ الباني للبيت والدار له إرادة نفسيّة بالنسبة إلى بناء البيت والبيت عنوان إجماليّ لمجموع ما له دخل في تحقّق البيت في الخارج ومع ذلك يكون له إرادة بالنسبة إلى كلّ جزء جزء بتبع إرادته لمجموع الأجزاء الموسوم بالبيت فلا تغفل.

خامسها : في ثمرة البحث ولا يخفى عليك أنّ مع اتّحاد المركّب مع أجزائه نوع اتّحاد المجمل مع المفصّل ترجع إرادة العنوان ووجوبه إلى إرادة مجموع الأجزاء المعلومة ووجوبها قضاء للاتّحاد والعينيّة وحيث إنّ الأجزاء المشكوكة لا دليل على دخالتها في العنوان كما لا دليل على إرادته ووجوبها أمكن جريان البراءة فيها لعدم تماميّة البيان بالنسبة إليها من دون فرق في ذلك بين القول بوجوب كلّ جزء جزء بنحو الوجوب الغيريّ وبين القول بعدم الوجوب.

إذ العبد محجوج بمقدار ما قامت الحجّة عليه لا أزيد ولا أنقص والحجّة قامت على عنوان المركّب وهكذا قامت على الأجزاء المعلومة لانحلال العنوان بالنسبة إليها وأمّا غيرها من الأجزاء المشكوكة فلم يعلم انحلال العنوان بالنسبة إليها ولم يتمّ الحجّة

٤٢٤

عليها للشكّ في دخولها في العنوان فتجري البراءة بالنسبة إليها وبعد فرض الاتّحاد لا تكون النسبة بين العنوان والأجزاء نسبة المحقّق إلى المحقّق (بالفتح) حتّى لا يكون مجال للبراءة لأنّ الشكّ حينئذ في المحصّل مع العلم بالتكليف بالمحصل (بالفتح) وهو مقتض للاحتياط. نعم إذا كان بيان المحصّل (بالكسر) وظيفة الشارع فتجري البراءة فيه أيضا.

بل عنوان المركّب في المقام عين الأجزاء ومتّحد معها لا متحصّلا منها.

وعليه فلا وقع لما قيل من أنّ ثمرة القول بالوجوب الغيريّ للأجزاء هو الاشتغال في مسألة الشكّ في الأقل والأكثر الارتباطيّين وذلك لوجود العلم الإجماليّ بالتكليف وعدم صلاحيّة العلم التفصيليّ بمطلق وجوب الأقلّ من الغيريّ والنفسيّ للانحلال لتولّده من العلم الإجماليّ السابق عليه وتحقّق التنجّز في الرتبة السابقة.

وذلك لما عرفت أنّ مع الاتّحاد لا مغايرة إلّا بالإجمال والتفصيل وعدم المغايرة يقتضي الانحلال كما لا يخفى.

تبصرة

ولا يذهب عليك أنّ أجزاء المركّب مطلقا سواء كان اعتباريّا أو خارجيّا من المقدّمات الداخليّة فإنّها داخلة في حقيقة المركّب.

ثمّ إنّ التقيّد بطهارة البدن أو باستقبال القبلة أو بالطهارة عن الحدث كالأجزاء من المقدّمات الداخليّة وهذه التقيّدات تكشف عن كون الصلاة هي الصلاة المتقيّدة بتلك الشرائط وليست مطلقة.

نعم نفس الشرائط والقيود ليست من المقدّمات الداخليّة بل هي خارجة عن حقيقة المأمور به المركّب كما لا يخفى.

لوجود الملاك في المقدّمات الخارجيّة في الشرائط والقيود وهو المغايرة في الوجود

٤٢٥

لتغاير وجود الطهارة مع التقيّد بها كتغاير الحجّ مع طيّ المسافة.

ثمّ إنّ المقدّمات الخارجيّة هي التي يتوقّف عليها وجود المأمور به في الخارج كتوقّف الحجّ على طيّ المسافة ولا فرق فيها بين أن تكون من العلل أو الأسباب أو نفس الشروط أو المعدّات فإنّ كلّها ممّا يتوقّف وجود المأمور به عليها ودعوى أنّ الأمر والطلب بالنسبة إلى المسببات التوليديّة لا مجال له لعدم كونها مقدورة.

فاللازم هو رجوع الأمر إلى الأسباب التي تكون مقدورة مندفعة بأنّ ملاك صحّة تعلّق الأمر والطلب هو المقدوريّة ولا إشكال في كون المسبّب مقدور بالقدرة على سببه وملاك صحّة الأمر عند العقلاء هو كون الشيء مقدورا ولو مع الواسطة فتدبّر جيّدا.

ومنها : تقسيمها إلى : العقليّة والشرعيّة والعاديّة.

والتوقّف بالفعل في جميع الأنحاء المذكورة عقليّ وإن كانت علّة التوقّف فيها مختلفة لأنّ العلّة في الأولى هو التكوين كتوقّف المعلول على وجود العلّة إذ لا يمكن المعلول بدون العلّة والعلّة في الثانية هو الحكم الشرعيّ بدخالة شيء في مطلوبه ومراده ولذلك سمّيت بالشرعيّة ولكنّ بعد الجعل والحكم الشرعيّ يكون المطلوب مقيّدا ومشروطا به ومع كون المطلوب مشروطا يكون التوقّف عقليّا بالفعل أيضا لعدم النيل إلى المطلوب الشرعيّ بدون المقدّمة.

والعلّة في الثالثة عادية من جهة إمكان النيل إلى ذيها من طريق آخر ولكن مع عدم وجود طريق آخر وتوقّف النيل إلى ذي المقدّمة إلى الطريق الموجود يتوقّف المطلوب على الموجود من الطريق كالصعود على السطح فإنّه متوقّف على نصب السلّم ونحوه ولكنّه من جهة عدم التمكّن عادة من الطيران الممكن عقلا وإلّا فلا يتوقّف على خصوصه وبهذا الاعتبار سمّيت بالعادية ولكنّ التوقّف على نصب السلّم ونحوه عقليّ أيضا ما لم يتمكّن من طريق آخر ضرورة استحالة الصعود بدون مثل نصب السلّم

٤٢٦

عقلا لمن لم يتمكّن من الطيران فعلا وإن كان الطيران ممكنا ذاتا.

وحيث إنّ البحث في جميع الأنحاء المذكورة يكون في التوقّف الفعليّ فالبحث عقليّ لعدم إمكان النيل إلى ذي المقدّمة بدونها عقلا بالفعل من دون فرق بين أن يكون التوقّف المذكور من جهة التكوين أو من جهة التشريع أو من جهة العادة.

ومنها تقسيمها إلى : مقدّمة الوجود ومقدّمة الصحّة ومقدّمة الوجوب ومقدّمة العلم.

ولا يخفى عليك إمكان إرجاع مقدّمة الصحّة إلى مقدّمة الوجود بناء على إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق التكليف كما هو المختار لأنّ قصد القربة حينئذ يكون من مقدّمات وجود الواجب إذ فقد شرط الصحيح أو وجود المانع يمنع عن وجود الواجب الصحيح المطلوب وعليه فما يوجب فقد الصحّة يوجب فقد الوجود أيضا.

وأمّا إذا قلنا بعدم إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق التكليف لا بأمر واحد ولا بأمر متعدد بل هو ممّا يعتبر عقلا فقصد القربة لا يكون مقدّمة لوجود الواجب بل هو مقدّمة لتحقّق المسقط للإعادة والقضاء ومعه يصحّ التقابل بين مقدّمة الوجود وبين مقدّمة الصحّة.

ثمّ اعلم أنّ مقدّمة الوجوب خارجة عن محطّة الكلمات ولا حاجة إلى البحث عنها إذ الكلام في وجود الملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ومقدّماته يكون بعد الفراغ عن ثبوت الوجوب لذي المقدّمة.

وأمّا المقدّمات العلميّة فيمكن تصوّرها في مثل تعلّم الأحكام الشرعيّة لأنّ مع ترك التعلّم يفوّت الأحكام الواقعيّة وعليه فيكون وجود التعلّم من مقدّمات وجوب الواجبات الواقعيّة.

هذا مضافا إلى أنّه لو قلنا بوجوب قصد الوجه أو التمييز تفصيلا لزم تعلّم الأحكام بالتفصيل بناء على ثبوت الملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ومقدّماته لأنّ التعلّم يكون

٤٢٧

حينئذ من مقدّمات وجود الواجب فتأمّل.

ومنها : تقسيمها إلى : المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة بالنسبة إلى وجود ذي المقدّمة.

والأولى كأجزاء كلّ عقد عدى الجزء الأخير والثانية كالقيود المقارنة للواجب كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة والثالثة كأغسال الليليّة اللاحقة المعتبرة عند بعض في صحّة صوم المستحاضة في اليوم السابق أو الإجازة المتأخّرة عن العقد الفضوليّ المعتبرة في صحّة العقد السابق بناء على الكشف.

ولا كلام في المقارنة وإنّما الكلام في غيرها فإنّه قد أورد عليه بأنّ المقدّمة من أجزاء العلّة والمسلّم في أحكام العلّة هو لزوم تقارنها زمانا بجميع أجزائها مع المعلول وتقدّمها بالطبع عليه بحيث يصحّ تخلّل الفاء بأن يقال وجدت العلّة فوجد المعلول.

وهذا الأمر مفقود في المقدّمة المتأخّرة والمقدّمة المتصرّمة.

وعليه فانخرام القاعدة العقليّة في المتقدّمة أو المتأخّرة يوجب حصر المقدّمة المبحوثة عنها في المقدّمات المقارنة.

وأجبت عن ذلك بأمور :

الأوّل : إنّ المعتبر فيهما هو اشتراط لحاظهما لا اشتراط المتأخّر أو المتقدّم وهو مقارن فلا يلزم الانخرام.

ويرد ذلك بأنّ المعتبر هو الوجود الخارجيّ في مثل القدرة على الامتثال في صحّة التكليف أو مثل الإجازة المتأخّرة في صحّة العقد السابق لا لحاظهما فالإشكال باق على حاله لعدم معقوليّة دخالة أمر متأخّر في ثبوت أمر متقدّم ورجوع الأمر إلى اللحاظ في بعض الموارد لا يرفع الإشكال في سائر الموارد.

ودعوى أنّ موضوع الحكم الوضعيّ والمكلّف به هو ما يكون متقدّما أو متأخّرا بحسب الواقع على حادث خاصّ فالعقد الذي هو متقدّم بتبع الزمان على الإجازة تقدما واقعيّا موضوع للنقل ولا يكون مقدّما عليها بواقع التقدّم التبعيّ إلّا أن تكون

٤٢٨

الإجازة متحقّقة في ظرفها كما أنّ تقدّم الحوادث اليوميّة إنّما يكون على الحوادث الآتية لا على ما لم يحدث بعد من غير أن تكون بينها إضافة.

وموضوع الصحّة في صوم المستحاضة ما يكون متقدّما تقدّما واقعيّا تبعا للزمان على أغسال الليليّة الآتية والتقدّم الواقعيّ عليها لا يمكن إلّا مع وقوعها في ظرفها ومع عدم الوقوع يكون الصوم متقدّما على سائر الحوادث فيها لا على هذا الذي لم يحدث والموضوع هو المتقدّم على الحادث الخاصّ.

والحاصل أنّ الموضوع هو التقدّم الحقيقيّ وهو حاصل تبعا للزمان لا من ناحية المتأخّر وإنّما يكشف عنه بعد وقوع المتأخّر أنّه متقدّم على المتأخّر.

مندفعة أيضا بأنّ مرجع ذلك إلى أنّ المراد من الشرائط المتأخّرة هو أنّها من كواشف الموضوع للحكم الواقعيّ أو المكلّف به الواقعيّ ولا تأثير لها بنفسها فمثل الأغسال المأتيّ بها في الليلة الآتية بعد صوم يومها السابق لا تأثير لها بل هي كواشف عن كون المؤثّر هو تقدّم الصوم على الأغسال وهذا يوجب سقوط الشرائط عن الشرطيّة كما لا يخفى.

الثاني : إنّ جميع الأسباب والشرائط الشرعيّة معدّات لا العلل الإيجاديّة حتّى يلزم من تأثيرها قبلا أو بعدا انخرام القاعدة.

ويردّ ذلك أوّلا : أنّ الأسباب والشرائط الشرعيّة على أنحاء منها هي التي تكون مؤثّرة في فاعليّة الفاعل أو قابليّة القابل واللازم فيها أن لا تنفكّ عن زمان التأثير إذ ما كان من الشرائط شرطا للتأثير كان حاله حال ذات المؤثّر وما كان شرطا لتقريب الأثر كان حاله حال المعدّ.

وثانيا : إنّ دعوى المعدّيّة في المقدّمات تامّة بالنسبة إلى الشرائط المتقدّمة وأمّا المتأخّرة فهي معدومة فلا مجال لعلّية المعدوم ولو بنحو الإعداد بالنسبة إلى المتقدّم.

الثالث : إنّ الأحكام الشرعيّة بشتّى أنواعها أمور اعتباريّة ولا واقع موضوعيّ

٤٢٩

لها ما عدى اعتبار من بيده الاعتبار ولا صلة لها بالموجودات المتأصّلة الخارجيّة أبدا حتّى تكون محكومة بحكمها.

ويردّ ذلك أنّ ذلك يلزم خلوّ جميع الشرائط والأسباب الشرعيّة عن مطلق التأثير وهو ممّا يخالفه الارتكاز.

الرابع : إنّ الشرط هو وصف التعقّب وهو قائم بالعقد وموجود معه لا المتأخّر كالإجازة بالنسبة إلى العقد الفضوليّ.

ويرد ذلك أنّ هذا مخالف لما هو الظاهر بل المقطوع به من الأدلّة من أنّ الشرط هو رضى المالك اذ على هذا ما هو الشرط وهو التعقّب ليس برضى المالك وما هو الرضا ليس بشرط كما لا يخفى.

الخامس : إنّ ما فرض مقتضيا ليس كذلك بالمباشرة بل يوجد أثرا معيّنا وهو يبقى إلى زمان الشرط المتأخّر فبمجموعهما يكتمل أجزاء العلّة فلا يكون الشرط متأخّرا حينئذ بل هو مقارن مع الأثر الباقي وهو المقتضي.

ويرد ذلك أنّه يوجب خروج المقتضي عن كونه مقتضيا ودخوله في المعدّات والعلل المتدرّجة بالنسبة إلى وجود المقتضي المقارن مع الشرط المتأخّر.

هذا مضافا إلى أنّ لازمه هو أنّ النقل والانتقال في العقد الفضوليّ المتعقّب بالإجازة حصل عند اكتمال الأجزاء من بقاء أثر العقد وحصول الإجازة لا حين العقد وهو لا يصحّح الكشف الحقيقيّ بنحو الشرط المتأخّر وهو كما ترى.

فتحصّل أنّ الشرط المتأخّر لا تأثير له في المتقدّم ولو بنحو الإعداد ولكنّ الشرط المتقدّم يجوز تأثيره بنحو الأعداد في المتأخّر بنحو العلّية فإنّه غير معقول.

وممّا ذكر يظهر أنّ البحث في المقدّمات يكون في المقدّمات المقارنة لا المتقدّمة والمتأخّرة إذ المقدّمة من أجزاء العلّة والمسلّم في أحكام العلّة هو لزوم تقارنها زمانا بجميع أجزائها مع المعلول وهذا الأمر مفقود في المتقدّمة والمتأخّرة ولذا لزم توجيه ما

٤٣٠

ورد في ذلك.

مثلا ما ورد في المتقدّمة فليحمل على الإعداد كما أنّ ما ورد في المتأخّرة فليحمل على كون لحاظه شرطا أو على كونه من كواشف الموضوع للحكم الواقعيّ أو المكلّف به الواقعيّ ولا تأثير له بنفسه.

فمثل الأغسال المأتيّ بها في الليلة الآتية بعد صوم يومها السابق لا تأثير لها بنفسها بل هي كواشف عن كون المؤثّر هو تقدّم الصوم على الأغسال.

٤٣١

المقام الثامن : في تقسيمات الواجب

منها تقسيمه إلى : المطلق والمشروط.

يقع الكلام في مواضع :

الموضع الأوّل : في تعريفهما :

والمحكيّ عن جماعة منهم التفتازانيّ والمحقّق الشريف أنّ المطلق ما لا يتوقّف وجوبه على ما يتوقّف وجوده والمشروط ما يتوقّف وجوبه على ما يتوقّف عليه وجوده.

اورد عليه في هداية المسترشدين بأنّ المشروط قد يتوقّف وجوبه على ما لا يتوقّف عليه الوجود فيلزمه

خروجه من المشروط واندراجه في المطلق فينتقض به حدّ المشروط جمعا والمطلق منعا (١).

وذلك لأنّ تعريف المشروط بما ذكر لا يشمل مثل قولهم إذا دخل الأمير البلد فصلّ ركعتين فإنّ دخول الأمير الذي يتوقّف الوجوب عليه ليس ممّا يتوقّف عليه وجود الصلاة وأيضا بناء على القول بصحّة عبادات الصبيّ المميّز يتوقّف وجوب الصلاة في مثله على البلوغ وليس البلوغ ممّا يتوقّف عليه وجود الصلاة لتمكّنه منها قبل البلوغ

__________________

(١) هداية المسترشدين : / ١٩٢.

٤٣٢

ومحكوميّتها بالصحّة مع مراعاة شرائطها.

والمحكيّ عن الشيخ الأعظم قدس‌سره أنّ الواجب المطلق ما لا يتوقّف وجوبه على شيء والمشروط ما كان وجوبه موقوفا على شيء ثمّ أورد.

عليه بنفسه بأنّ لازم ذلك أن لا يكون للواجب المطلق مصداق إذ لا أقلّ من الاشتراط بالأمور العامّة (من العقل والبلوغ والقدرة) ثمّ أجاب عنه بأنّه لا ضير في ذلك بعد ما عرفت من أنّه الملائم لما هو المعهود من لفظيّ الإطلاق والتقييد في غير المقام وعدم ثبوت وضع جديد له منهم في المقام ثمّ تنازل من ذلك وقال وإن كان ولا بدّ فالأقرب هو ما عرفه العميديّ (١).

والمحكى عن العميديّ في شرح التهذيب أنّ المطلق هو ما لا يتوقّف وجوبه على أمر زائد على الأمور المعتبرة في التكليف من العقل والعلم والبلوغ والقدرة وأنّ المشروط هو ما كان وجوبه موقوفا على أمر آخر أيضا ولعلّ إخراج الأمور العامّة للانصراف أو المحذور المذكور في كلام الشيخ بأنّ لازم ملاحظة الأمور العامّة في الإطلاق هو عدم وجود مصداق للمطلق وكيف كان فالإطلاق والاشتراط حينئذ بناء على تعريف العميديّ متقابلان بتقابل العدم والملكة وإليه ذهب في الدرر حيث قال في انقسام الواجب إلى مطلق ومشروط بأنّ الأوّل عبارة عمّا لا يتوقّف وجوبه على شيء والثاني ما يقابله (٢).

بناء على انصراف التعريف عن مثل الشرائط العامّة.

وعرّفهما في هداية المسترشدين بأنّهما وصفان إضافيان بالنسبة إلى خصوص كلّ مقدّمة ، فإن توقّف عليها الوجود دون الوجوب كان الواجب مطلقا بالنسبة إليها وإلّا كان مشروطا لوضوح أنّه لا واجب يكون مطلقا بالنسبة إلى جميع مقدّماته ولا

__________________

(١) التقريرات للشيخ : / ٤٢.

(٢) الدرر : / ١٠٣.

٤٣٣

مشروطا بالنسبة إلى جميعها وأوضحه بقوله أيضا أنّ الواجب باعتبار ما يتوقّف عليه في الجملة قسمان :

أحدهما : أن يتوقّف وجوده عليه من غير أن يتوقّف عليه وجوبه كالصلاة بالنسبة إلى الطهارة وثانيهما :

أن يتوقّف وجوبه عليه سواء توقّف عليه وجوده كالعقل بالنسبة إلى العبادات الشرعيّة أو لم يتوقّف عليه كالبلوغ بالنسبة إليها بناء على القول بصحّة عبادات الصبيّ (١).

وتبعه صاحب الكفاية حيث قال إنّ الظاهر أنّ وصفي الإطلاق والاشتراط وصفان إضافيّان لا حقيقيّان وإلّا لم يكد يوجد واجب مطلق ضرورة اشتراط وجوب كلّ واجب ببعض الأمور لا أقلّ من الشرائط العامّة كالبلوغ والعقل فالحريّ أن يقال إنّ الواجب مع كلّ شيء يلاحظ معه إن كان وجوبه غير مشروط به فهو مطلق بالإضافة إليه وإلّا فمشروط كذلك وإن كان بالقياس إلى شيء آخر بالعكس (٢).

ولكنّه ليس معنا عرفيّا للمطلق والمشروط لما افاده الشيخ الأعظم قدس‌سره من أنّ المطلق عرفا هو ما لا يتوقّف وجوبه على شيء والمشروط ما كان وجوبه موقوفا على شيء ويكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ولا دليل على اعتبار الإضافة في معنى المطلق والعجب من صاحب الكفاية أنّه مع ذلك قال ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط بل يطلق كلّ منهما بماله من معناه العرفيّ.

وعليه فالأولى هو ما ذهب اليه العميديّ من أنّ المطلق هو ما لا يتوقّف وجوبه على أمر زائد على الأمور المعتبرة في التكليف من العقل والعلم والبلوغ والقدرة وأنّ المشروط هو ما كان وجوبه موقوفا على أمر آخر أيضا فإنّ المطلق بناء على هذا

__________________

(١) هداية المسترشدين : / ١٩٢.

(٢) ١ / ١٥١.

٤٣٤

التعريف يقابل المشروط تقابل العدم والملكة وهو يساعد معناه العرفيّ فإنّه بعد استثناء الشرائط العامّة مطلق من جميع الجهات وهو أقرب إلى معناه العرفيّ فتدبّر جيّدا.

ثمّ أنّ ظاهر التعاريف المذكورة أنّهم بصدد شرح الحقيقة لا شرح الإسم وهل يمكن لمثل الشيخ وغيره من الفحول أن استشكلوا على تعريف الآخرين بعدم الاطّراد أو الانعكاس مع كون التعاريف مبنيّة على شرح الإسم ولقد أفاد وأجاد في نهاية النهاية حيث قال لا يخفى على من راجع تعريفاتهم واعتبارهم للقيود والحيثيّات أنّهم بصدد شرح الحقيقة دون شرح الإسم وكيف يسوغ حمل تعريف من أشكل على تعريف من تقدّم عليه بعدم الاطّراد والانعكاس ثمّ عرّف هو بما يسلّم في نظره عن الإشكال على شرح الإسم (١).

الموضع الثاني : في أنّ الشرط في مثل قولنا إن جاءك زيد فأكرمه هل يرجع إلى نفس الوجوب أو إلى الواجب؟

ذهب الشيخ قدس‌سره إلى الثاني بدعوى امتناع كون الشرط من قيود الهيئة حقيقة من جهة أنّ معنى الهيئة من المعاني الحرفيّة الجزئيّة فلا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلّق بالفعل المنشأ بالهيئة حتّى يصحّ القول بتقييده بشرط ونحوه فإذا لم يكن للفرد سعة وإطلاق فكلّما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدلّ عليه الهيئة فهو راجع في الحقيقة إلى نفس المادّة وإن كانت قضيّة القواعد العربيّة هو كونه من قيود الهيئة لأنّ مقام الإثبات فرع مقام الثبوت فإذا لم يمكن تقييد الجزئيّ والفرد فلا محالة يرجع التقيّد إلى غيره وعليه فمقتضى التقيّد هو أنّ الإكرام على تقدير المجيء يكون متعلّقا للوجوب لا أنّ الوجوب وطلب الإكرام معلّق على المجيء.

__________________

(١) ١ / ١٣٨.

٤٣٥

هذا مضافا إلى حكم الوجدان بأنّ الإنسان إذا تصوّر شيئا والتفت إليه فأمّا أن يتعلّق طلبه به أو لا يتعلّق لا كلام على الثاني وعلى الأوّل فأمّا أن يصدق بفائدته على جميع تقاديره أو على بعضها وعلى كلا التقديرين يحصل الطلب بمعنى الشوق المؤكّد بعد حصول الميل الحاصل بعد التصديق من دون حالة انتظاريّة ولا يكون التقدير المذكور من تقادير الطلب بل من تقادير الفعل المطلوب.

فالطلب موجود في جميع التقادير سواء كان المطلوب مطلقا أو مقيّدا وعليه فلا تقيّد في الطلب بحسب الوجدان بل المقيّد هو المطلوب انتهى محصّل مراده.

ولا يخفى عليك أنّ الطلب والإرادة وإن كانا مطلقين ولكنّ ذلك ليس من جهة عدم إمكان التقييد لأنّ تقييد الفرد في حال تحقّقه لا مانع منه فيصحّ رجوع القيد إلى الهيئة التي تكون من المعاني الحرفيّة وإنّما ذلك من جهة حكم الوجدان بالتقريب المذكور.

وتبعه في الوقاية حيث قال إنّ المعنى المستفاد من الهيئة والمنشأ بها متحقّق فعلا من دون ابتنائه على شيء ولكنّ المتوقّف تأثيره في المكلّف.

وبيانه أنّ الآمر قد يلاحظ القيد معدوما ويطلبه مع المقيّد كما في قوله صلّ مع الطهارة وقد يلاحظ القيد موجودا وبعد فرض وجوده ينقدح في نفسه الطّلب فيطلب مقيّدا مفروضا وجود قيده فيكون الطلب متحقّقا بنفس الإنشاء ولكنّ تأثيره في المكلّف بمعنى انبعاثه نحو الفعل والتزامه به يتوقّف على وجود ذلك القيد المفروض لأنّ الطلب في نفس الآمر تحقّق على فرض وجوده فلا بدّ أن يؤثّر فيه بعد وجوده ليطابق الخارج ما كان في نفس الآمر فكما أنّه لو طلب مقيّدا بقيد موجود واقعا ما كان يؤثّر على فرض عدمه في الخارج فكذلك لا يؤثّر على فرض عدم ما كان في الذهن متعلّقة للطلب فتأمّل فيه جيّدا تجده واضحا (١).

__________________

(١) الوقاية : / ٢١٨.

٤٣٦

وعليه فالوجوب فعليّ وإنّما فاعليّته وتأثيره في المكلّف موقوف على الشرط ولذلك قال في الدرر :

إنّ المعنى المستفاد من الهيئة لم يلاحظ فيه الإطلاق في الوجوب المطلق والاشتراط في الوجوب المشروط ولكنّ القيد المأتيّ به في القضيّة تارة يعتبر على نحو يتوقّف تأثير الطلب على وجوده في الخارج ويقال لهذا الطلب الطلب المشروط بمعنى أنّ تأثيره في المكلّف موقوف على شيء واخرى يعتبر على نحو يقتضي الطلب إيجاده ويقال لهذا الطلب المتعلّق بذلك المقيّد الطلب المطلق أي لا يبتني تأثيره في المكلّف على وجود شيء.

وتوضيح ذلك أنّ الطالب قد يلاحظ الفعل المقيّد ويطلبه أي يطلب المجموع وهذا الطلب يقتضي إيجاد القيد إن لم يكن موجودا كما في قوله صلّ مع الطهارة وقد يلاحظ القيد موجودا في الخارج أي يفرض في الذهن وجوده في الخارج ثمّ بعد فرض وجوده في الخارج ينقدح في نفسه الطلب فيطلب المقيّد بذلك القيد المفروض وجوده فهذا الطلب المتعلّق بمثل هذا المقيّد المفروض وجود قيده وإن كان متحقّقا فعلا بنفس الإنشاء لكنّ تأثيره في المكلّف يتوقّف على وجود ذلك القيد المفروض وجوده حقيقة.

ووجهه أنّ هذا الطلب إنّما تحقّق مبنيّا على فرض وجود الشيء وهذا الفرض في لحاظ الفارض حاك عن حقيقة وجود ذلك الشيء فكأنّه طلب بعد حقيقة وجوده فكما أنّه لو طلب بعد وجود ذلك الشيء المفروض وجوده حقيقة لم يؤثّر الطلب في المكلّف إلّا بعد وجود ذلك الشيء واقعا لعدم الطلب قبله كذلك لو طلب بعد فرض وجوده لم يؤثّر إلّا بعد وجوده الخارجىّ وإن كان الطّلب الإنشائيّ محقّقا قبله أيضا فهذا الطلب

٤٣٧

يقع على نحو يشترط تأثيره في المكلّف على شيء في الخارج فتدبّر جيّدا (١).

أورد المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره على ذلك بأنّ الاشتراط والإناطة وإن كان إلى الآخر للبعث الحقيقيّ بوجود الشرط عنوان لاستحالة إناطة ما سنخ وجوده اعتباريّ بأمر خارج عن أفق الاعتبار وكيف يعقل أن يكون للبعث الإنشائيّ بداعي البعث الحقيقيّ اقتران بمجيء زيد خارجا حتّى يكون مشروطا به مع أنّ الشرط إمّا مصحّح فاعليّة الفاعل أو متمّم قابليّة القابل فهو من شئون الفاعل أو القابل.

فالإنشاء بداعي جعل الداعي إنّما يكون مقترنا بوجود الشرط عنوانا في أفق الاعتبار لا بوجوده خارجا.

لكنّه حيث إنّ الشرط لوحظ بنحو فناء العنوان في المعنون فلا محالة ما لم ينطبق على مطابقه لا يكون لما أنيط به فعليّة كما في العنوان المأخوذ في المكلّف فإنّ الحكم وإن كان متعلّقا به بعنوانه لا بمعنونه لقيام الحكم بالحاكم لا بالمحكوم لكنّه ما لم يصل العنوان إلى حدّ ينطبق على معنونه فعلا لا يكون للحكم فعليّة وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ فعليّة الحكم مساوقة لفاعليّته فتوهّم أنّه لوجوده الفعليّ مقام ولتأثيره مقام آخر باطل (٢).

وفيه أنّ بعد حصول التصديق النفسانيّ بمصلحة الفعل المقيّد بتقدير غير حاصل صلاحا تامّا غير مزاحم لا تخلو النفس عن الإرادة ولا تتوقّف انقداح الإرادة في النفس على حصول ذلك التقدير بل عند حصول هذا التصديق في الفرض المزبور لا محالة تنقدح الإرادة من غير حالة منتظرة فالإرادة فعليّة وإن كان باعثيّتها موقوفة على تحقّق المعنون خارجا والعنوان وإن لوحظ بنحو فناء العنوان في المعنون ولكنّ تعلّق الإرادة به لا يتوقّف على وجود المعنون خارجا بل فنائه الذهنيّ في المعنون

__________________

(١) الدرر : ج ١ ص ١٦٩.

(٢) التعليقة : ج ١ ص ٢٩١.

٤٣٨

الذهني كاف في انقداح الإرادة كقولنا للخادم اذهب إلى بيت فلان وقل له ايت فلانا وإن لم يأت فخذه وجئني به.

ومن المعلوم أنّ الأمر بالأخذ والإتيان به عند امتناعه عن الإتيان فعليّ وليس مفاد الكلام أنّه إن امتنع فأنا أخبرك وقتئذ أنّي أردت وأوجدت البعث إلى الإتيان به في ذلك الحين بل البعث متحقّق عند فرض امتناعه عن المجىء بالنسبة إلى أخذه والإتيان به ولكنّه مع ذلك لا أثر له إلّا عند وقوع الامتناع.

لا يقال إنّ الإرادة التكوينيّة علّة تامّة للحركة نحو المراد فمع عدم تحقّق المفروض لا يعقل انقداحها في النفس والإرادة التشريعيّة وإن كانت بنفسها علّة ناقصة إلّا أنّها لا بدّ من أن تكون بحيث إذا إنقاد المأمور لما أمر به كانت علّة تامّة للمراد.

نعم الشوق المطلق يمكن تعلّقه بأمر على تقدير لكنّه ليس من الإرادة في شيء بل التقدير بالدقّة تقدير المراد لا تقدير الإرادة وإلّا لما وجد الشوق المنوط به لأنّ تقيّد شيء بشيء ليس جزافا ومجيء زيد لو كان له دخل لكان في مصلحة المراد أو في مصلحة فعل المريد وهو الإيجاب.

وأمّا الإرادة والشوق فليسا من الأفعال ذوات المصالح والمفاسد بل صفات نفسانيّة تنقدح في النفس عقيب الداعي فلا يعقل إناطتهما جعلا بشيء.

ومنه تبيّن حال البعث الحقيقيّ فإنّه الإنشاء بداعي جعل الداعي بحيث لو مكن المكلّف من نفسه كان علّة تامّة للانبعاث.

نعم الإنشاء بداعي جعل الداعي مرتّبا على مجيء زيد معقول فأنّه في الحقيقة ليس داعيا وباعثا فعلا بل عند مجيء زيد يصف بحقيقة الباعثيّة وبملاحظة هذا الإنشاء كلّما فرض مجيء زيد يفرض مصداقيّة البعث الإنشائيّ للبعث الحقيقيّ وكلّما تحقّق مجيء

٤٣٩

زيد صار الإنشاء معنونا بعنوان البعث تحقيقا (١).

لأنّا نقول إنّ تصديق النفس لمصلحة الفعل مع فرض وجود القيد معقول فإذا تحقّق هذا التصديق قبل وجود القيد مع فرض وجوده صحّ انقداح إرادة النفس لذلك وحيث إنّ الإرادة متعلّقة بفرض وجوده لا تكون مؤثّرة في الامتثال قبل وجوده خارجا فلا وجه لتوهّم لزوم الامتثال قبل وجود القيد بل التأثير منوط بوجود القيد في الخارج وانقياد المأمور للإطاعة فصارت الإرادة عندئذ علّة تامّة لتحريك عضلات المأمور نحو العمل فالإرادة والبعث من ناحية المولى موجودة بالفعل وإنّما الباعثيّة والفاعليّة متأخّرة.

وبالجملة كما أفاد أستاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره إنّا نجد بالوجدان أنّ الإرادة بالنسبة إلى المشروط والمقيّد موجودة في النفس قبل تحقّق الشرط والقيد بحيث لو لم يتمكّن المريد من الآمر ولكن علم المكلّف أنّه مريد للمشروط والمقيّد يجب امتثاله ولازمه وجوب تحصيل مقدّمات المشروط والمقيّد فيما إذا لم يتمكّن المكلّف من تحصيلها وقت حصول الشرط والقيد وليس ذلك إلّا لتحقّق الإرادة قبل تحقّق الشرط ، والإنشاء الحقيقيّ تابع لحقيقة الإرادة النفسانيّة فإذا كانت الإرادة النفسانيّة قبل تحقّق الشرط والقيد موجودة في النفس وكان القيد قيدا للمادّة دون الإرادة كان إنشاء الوجوب كذلك فالإرادة والوجوب فعليّة ولا تعليق ولا تقييد فيها.

وعليه فلا فرق بين قوله صلّ مع الطهارة وقوله إذا كنت طاهرا فصلّ من جهة فعليّة الإرادة وإنشاء الوجوب وإنّما الاختلاف في أنّ القيد لازم التحصيل في الأوّل دون الثاني.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما يحكم به الوجدان من رجوع الشروط الى المادّة إنّما هو فيما إذا لم

__________________

(١) نهاية الدراية : ج ١ ص ٢٩٢.

٤٤٠