عمدة الأصول - ج ٢

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٧

وشرط حتّى الشرائط العامّة والتكليف بمعنى الإرادة القائمة بالنفس أيضا لا يتوقّف إلّا على مبادئ الإرادة القائمة بها المتقدّمة على نفسها وأمّا القدرة في ظرف الامتثال المعتبرة في التكليف بنحو الشرط المتأخّر فهي معتبرة في صحّة التكليف واعتباره عند العقلاء لا في وجوده وتحقّقه فإنّ انقداح الإرادة من غير القادر بمكان من المكان فليس المقام من صغريات ما كان المعلول من الأفعال الاختياريّة كي يلزم أن تكون علّتها بالضرورة من الإدراكات النفسانيّة ليكون الشرط فيما يتوهّم أنّه من الأمور الخارجيّة المتأخّرة مثل القدرة في ظرف الامتثال هو لحاظ تلك القدرة والعلم بتحقّقها الحاصل ذلك في ظرف التكليف.

فإنّ صحّة التكليف وكونه معتبرا عند العقلاء أجنبيّ عن أصل التكليف وأصل التكليف لا يشترط بالقدرة.

وأمّا صحّته المشترطة بها فليست من الأمور الاختياريّة كي يلزم أن تكون مشترطة بالعلم بالقدرة.

ومن الواضح أنّ صحّة التكليف منوطة بواقع حصول القدرة في ظرف الامتثال فلو كلّف المولى وصادف ذلك مع تحقّق القدرة عند الامتثال كان تكليفا صحيحا معتبرا يجب امتثاله عقلا وإن لم يعلم بتلك القدرة حين التكليف نعم كان تكليفه مع عدم إحراز القدرة قبيحا قبحا فاعليّا نظير قبح التجرّي على رأي من يرى الفعل عند التجرّي به قبيحا.

والحاصل أنّه لا موضوعيّة للعلم بالقدرة في صحّة التكليف واعتباره عند العقلاء بل العلم طريق محض إلى ما هو الدخيل بتمام الدخل أعني به نفس القدرة المتأخّرة.

وهكذا الكلام في شرط الوضع فإنّ منشأ اعتبار الملكيّة بعد تحقّق عقد الفضوليّ هو نفس الإجازة المتأخّرة لا العلم بتلك الإجازة المتأخّرة نعم العلم بالمنشإ

٤٠١

ولحاظه معتبر في الانتزاع الفعليّ ولذا لو فرض عدم علم المولى بالإجازة إلّا حين تحقّق الإجازة أو بعدها اعتبر حين العلم ملكيّة سابقة حاصلة عند العقد لا ملكيّة فعليّة حاصلة بعد العلم ليكون العلم هو المؤثّر في حصول الملكيّة كسائر أجزاء العقد وممّا يشهد لذلك أعني أنّ العلم طريق كاشف عمّا هو المنشأ لا أنّه هو المنشأ إنّه لو كان هو المنشأ لزم لحاظ هذا المنشأ في الانتزاع مع أنّه بالوجدان لا تعدّد في اللحاظ عند الانتزاع بل بمجرّده يصحّ الانتزاع من دون لحاظ آخر متعلّق بهذا العلم (١).

ومنها ما في تعليقة الأصفهانيّ قدس‌سره ومحصّله أنّ الإضافة المتوقّفة على المتأخّر أيضا لا ترفع الإشكال في الشرائط المتأخّرة فإنّها إن كانت تلك الإضافة أمرا وجوديّا خارجيّا لزم من اشتراط الشرائط المتأخّرة مدخليّة المتأخّر في وجود المتقدّم فعاد الإشكال وإن لم تكن أمرا وجوديّا خارجيّا ففيه أنّ العنوانين المتضائفين متكافئان في القوّة والفعليّة فلا يعقل فعليّة أحدهما وشأنيّة الآخر وعليه يستحيل تحقّق العنوان الإضافيّ الفعليّ في الصوم لعدم تحقّق عنوان الأغسال الآتية بعدم معنونه وإلّا لزم عدم تكافؤ المتضائفين وهو كما ترى.

وحيث أنّ الصوم بوجوده الخارجيّ مأمور به فحسنه بحسب وجوده الخارجيّ ولا يكفي حسنه بحسب نحو آخر من الوجود كالوجود الذهنيّ الذي لا يتعلّق به الأمر بحسب ذلك الوجود وعليه فلا يقاس المقام بعنواني المتقدّم والمتأخّر ويقال كما أنّ المتقدّم والمتأخّر عنوانان إضافيان مع أنّ المفروض عدم وجود المتأخّر عند وجود المتقدّم فأحدهما فعليّ والآخر بالقوّة فليكن العنوانان الإضافيّان في ما نحن فيه كذلك فإنّ التكافؤ في عنواني المتقدّم والمتأخّر ثابت بوجه يخصّ الزمان ولا يجري على فرض صحّته في غير الزمان وذلك الوجه أمّا ما أفاده الشيخ الرئيس

__________________

(١) نهاية النهاية : ١ / ١٣٧.

٤٠٢

في الشفاء وملخّصه أنّ عدم استقرار أجزاء الزمان إنّما هو في الخارج لا بحسب وجودها العقليّ فالجزءان من الزمان لهما المعيّة في الذهن فيحضرهما العقل في ظرف الذهن ويحكم بتقدّم أحدهما على الآخر.

وأمّا ما أفاده صدر المحقّقين وهو أن معيّة أجزاء الزمان في الوجود اتصالها في الوجود الوحدانيّ التدريجيّ وجمعيّة هذا الوجود الغير القارعين الافتراق وكلا الوجهين غير جار فيما نحن فيه فإنّ المعنون بعنوان حسن أمر به هو الصوم مثلا بوجوده الخارجيّ لا بوجوده العلميّ وهذا الجواب من مثل الشيخ الرئيس وإن كان عجيبا لأنّ الزمان بوجوده العينيّ متقدّم ومتأخّر والتكافؤ يعتبر في ظرف الاتّصاف لا غير إلا أنّ الغرض أنّ صحّته على الفرض لا يجدي هنا كما عرفت من أنّ الصوم بوجوده الخارجيّ مأمور به فحسنه بحسب نحو آخر من الوجود لا يقتضي الأمر به بحسب وجود آخر.

وأيضا لا اتّصال بين الصوم والأغسال في الوجود الوحدانيّ على حدّ اتّصال الأمور التدريجيّة ليكون العنوانان متكافئين باتّصال المعنونين في الوجود.

والقول بأنّ المناسب لترشّح الوجوب المقدّميّ إليه أنّ المتأخّر ذو دخل في منشئيّة المتقدّم لعنوان حسن كدخل الغد في منشئيّة اليوم لعنوان المتقدّم إذ لولاه لما اتصف اليوم بالتقدم قطعا كما أنّه لو لا اليوم لما اتّصف الغد بالتأخّر جزما فمعنى شرطيّة المتأخّر دخله في منشئيّة المتقدّم لعنوان حسن بسببه أمر به وهو بمكان من المعقوليّة مردود بأنّ دخل شيء في منشئيّة شيء لعنوان انتزاعيّ ليس جزافا بل لدخله تارة في تألّف ماهيّة تلك العنوان وكونه من علل قوامه بحيث لو لم يكن لا معنى للحيثيّة التي يتحيّث بها منشأ الانتزاع وأخرى لدخله في وجود ذات منشأ الانتزاع ووجود الحيثيّة فيه فالمتأخّر إن كان بوجوده العينيّ دخيلا في المنشئيّة فهو بوجوده الخاصّ من علل القوام أو من علل الوجود فما لم يتحقّق ما شأنه كذلك لا يعقل تحقّق الأمر

٤٠٣

الانتزاعيّ.

وأمّا النقض بالمتقدّم والمتأخّر بالزمان فباطل لأنّ ما به التقدّم وما به التأخّر في الزمان ذاتيّ له فبعض أجزاء الزمان بذاته متقدّم على بعضها الآخر وبعضها بذاته متأخّر عن الآخر من دون دخل للمتأخّر في منشئيّة الجزء المتقدّم للتقدّم ولا للمتقدّم في منشئيّة الجزء المتأخّر للتأخّر إلى أن قال وأمّا الزمانيّات فإنّما ينتزع منها التقدّم والتأخّر بالعرض بمعنى أنّ الزمان هو الموصوف بالحقيقة بالوصفين لا الزمانيّات وإن صحّ توصيفها بهما بالعرض فلا نقض أصلا هذا في مثل تقدّم زيد على عمرو بالزمان انتهى موضع الحاجة مع تلخيص (١).

وعليه فما ذهب إليه صاحب الكفاية من أنّ الشرط في المأمور به هو ما يحصل له بالإضافة إلى الشرط المتأخّر من الوجوه والعناوين المحسّنة وتلك الاضافة موجودة بالفعل والمتأخّر والمتقدّم كالمقارن ليس إلّا طرف تلك الإضافة فلا يلزم من اشتراط الشرط المتأخّر انخرام للقاعدة غير مفيد بعد ما عرفت من أنّ للمتأخّر مدخليّة في وجود العنوان الإضافيّ المتقدّم أو في منشئيّة شيء لعنوان انتزاعيّ أو في تحقّق العنوان الإضافيّ وكلّ هذه الأمور يستلزم تأثير المتأخّر في المتقدّم مع عدم وجوده حال وجود المتقدّم فالمحذور باق على حاله.

التقدّم الواقعيّ

وقد تصدّى سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره لتصحيح ما ذهب إليه صاحب الكفاية حيث قال وأمّا شرائط المأمور به كصوم المستحاضة بناء على صحّته فعلا لحصول شرطه وهو أغسال الليليّة الآتية في موطنه وفي شرائط الوضع كالاجازة بناء على الكشف الحقيقيّ فتحقيقه يتّضح بعد مقدّمة وهي أنّ للزمان بما أنّه أمر متصرّم متجدّد

__________________

(١) التعليقة : / ٢٨٥ ـ ٢٨٢.

٤٠٤

متقضّ بذاته تقدّما وتأخّرا ذاتيّا لا بالمعنى الإضافيّ المقوليّ وإن كان عنوان التقدّم والتأخّر معيّنين إضافيين ولا يلزم ان يكون المنطبق عليه للمعنى الإضافيّ إضافيّا كالعلّة والمعلول فإنّهما بعنوانهما إضافيّان لكنّ المنطبق عليهما أي ذات المبدأ تعالى مثلا ومعلوله لا يكونان من الأمور الإضافيّة وكالضدّين فإنّهما مقابل المتضائفين لكنّ عنان الضدّيّة من التضايف وذات الضدّين ضدّان.

فالزمان بهويّته التصرّميّة متقدّم ومتأخّر بالذات والزمانيّات متقدّمة بعضها على بعض بتبع الزمان فإنّ الهويّة الواقعة في الزمان الماضي بما أنّ لها نحو اتّحاد معه تكون متقدّمة على الهويّة الواقعة في الزمان الحال وهي متقدّمة على الواقعة في الزمان المستقبل وهذا النحو من التقدّم التبعيّ ثابت لنفس الهويّتين بواسطة وقوعهما في الزمان المتصرّم بالذات وليس من المعاني الإضافيّة والإضافات المقوليّة.

فالحوادث الواقعة في هذا الزمان متقدّمة بواقع التقدّم لا بالمفهوم الإضافيّ على الحوادث الآتية لكن بتبع الزمان.

إذا عرفت ذلك يمكن لك التخلّص عن الإشكال بجعل موضوع الحكم الوضعيّ والمكلّف به هو ما يكون متقدّما بحسب الواقع على حادث خاصّ.

فالعقد الذي هو متقدّم بتبع الزمان على الإجازة تقدّما واقعيّا موضوع للنقل ولا يكون مقدّما عليها بواقع التقدّم التبعيّ إلّا أن تكون الإجازة متحقّقة في ظرفها كما أنّ تقدّم الحوادث اليوميّة إنّما يكون على الحوادث الآتية لا على ما لم يحدث بعد من غير أن تكون بينها اضافة كما عرفت وموضوع الصحّة في صوم المستحاضة ما يكون متقدّما تقدّما واقعيّا تبعا للزمان على الأغسال الليليّة الآتية والتقدّم الواقعيّ عليها لا يمكن إلّا مع وقوعها في ظرفها ومع عدم الوقوع يكون الصوم متقدّما على سائر الحوادث فيها لا على هذا الذي لم يحدث والموضوع هو المتقدّم على الحادث الخاصّ وبما ذكرنا يدفع جميع الاشكالات وكون ما ذكر خلاف ظواهر الأدلّة مسلّم لكنّ

٤٠٥

الكلام هاهنا في دفع الإشكال العقليّ لا في استظهار الحكم من الأدلّة (١).

وحيث أنّ الموضوع هو المتقدّم الحقيقيّ وهو حاصل تبعا للزمن لا من ناحية المتأخّر وإنّما يكشف عنه بعد وقوع المتأخّر أنّه متقدّم على المتأخّر فلا يلزم من اشتراط التقدّم الحقيقيّ على المتأخّر تأثير المتأخّر في المتقدّم حتّى يلزم انخرام القاعدة وليس التقدّم الحقيقيّ من مقولة الإضافة حتّى يردّ أنّ اللازم في المتكافئين هو التكفؤ في القوّة والفعليّة ولا تكافؤ بين المتقدّم والمتأخّر لفعليّة المتقدّم وشأنية المتأخّر لأنّ تقدّم الزمان ذاتيّ لا إضافيّ وتقدّم الزمانيّ تبع له.

وأمّا دعوى أنّ التقدّم في الزمنيّات إنّما ينتزع منها بالعرض بمعنى أنّ الزمان هو الموصوف بالحقيقة بوصف التقدّم لا الزمنيّات وإن صحّ توصيفها بالتقدّم بالعرض (كما في تعليقة الأصفهانيّ : ج ١ ص ٢٨٥) ففيه أن تقدّم الزمنيّات وإن كان تبعيّا لتقدّم الزمان ولكنه تقدّم حقيقيّ لا عرضيّ ومجازيّ فلا تغفل.

نعم يردّ على هذا الجواب : إنّ حاله إلى أنّ المراد من الشرائط المتأخّرة هو أنّها من كواشف الموضوع للحكم الواقعيّ أو المكلّف به الواقعيّ فمثل الأغسال المأتيّ بها في الليلة بعد صوم يومها السابق لا تأثير لها وإنّما هي كواشف عن كون المؤثر هو تقدّم الصوم على الأغسال وهذا يوجب سقوط الشرائط عن الشرطيّة فافهم.

والثاني ما أفاده بعض الأساتيذ من منع لزوم انخرام القاعدة من تأثير الشرط المتقدّم أو المتأخّر وذلك من جهة أنّ الملاك في الوجوب الغيريّ هو موقوفيّة الواجب على وجود المقدّمات ولو كانت تلك المقدّمات معدّات لا معلوليّة الواجب حتّى يختصّ المقدّمات بالعلل الإيجاديّة وهذا يكشف عن كون المقدّمة أعمّ من أن تكون من المعدّات أو العلل الإيجاديّة وحينئذ يمكن دعوى أنّ جميع الأسباب والشرائط

__________________

(١) منهاج الوصول : ١ / ٣٤١ ـ ٣٤٠.

٤٠٦

الشرعيّة معدّات فلا مانع من تقدّمها أو تأخّرها.

وعليه فالمقدّمات الغير المقارنة لا توجب انخرام القاعدة العقليّة الدالّة على تقارن المعلول مع العلّة لأنّها من المعدّات لا العلل الإيجاديّة حتّى يلزم تقارنها.

وفيه أوّلا أنّ الأسباب والشرائط الشرعيّة على انحاء منها أن تكون مؤثّرة في فاعليّة الفاعل أو قابليّة القابل وهي لا تنفكّ عن زمان التأثير.

ومنها أن تكون شرطا لتقريب الأثر فلا يعتبر فيه المقارنة كالمعدّات وعليه فدعوى أنّ جميع الأسباب والشرائط الشرعيّة من المعدّات كما ترى.

ولعلّ إليه يؤول ما في تعليقة المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره من أنّ العلّة إمّا أن تكون مؤثّرة أو مقرّبة للأثر والثانية هو المعدّ وشأنه أن يقرّب المعلول إلى حيث يمكن صدوره عن العلّة ومثله لا يعتبر مقارنته مع المعلول في الزمان بخلاف المؤثّرة بما يعتبر في فعليّة المؤثّريّة أو تأثّر المادّة فأنّه يستحيل عدم المقارنة زمانا فإنّ العلّة الناقصة وإن أمكن أن توجد لمعلولها إلّا أنّها لا تؤثّر إلّا وهي مع أثرها زمانا في الزمانيّات فما كان من الشرائط شرطا للتأثير كان حاله حال ذات المؤثّر وما كان شرطا لتقريب الأثر كان حاله حال المعدّ ومن الواضح أنّ الالتزام بكون جميع الأسباب والشرائط الشرعيّة معدّات جزاف (١).

وممّا ذكر يظهر ما في المحاضرات : حيث قال إنّ مردّ الشرط في طرف الفاعل إلى مصحّح فاعليّته كما أنّ مردّه في طرف القابل إلى متمم قابليّته ومن الطبيعيّ أنّه لا مانع من تقدّم مثله على المشروط زمانا وبكلمة اخرى إنّ شأن الشرط إنّما هو إعطاء استعداد التأثير للمقتضي في مقتضاه وليس شأنه التأثير الفعليّ فيه حتّى لا يمكن تقدّمه عليه زمانا ومن البديهيّ أنّه لا مانع من تقدّم ما هو معدّ ومقرّب للمعلول إلى حيث

__________________

(١) ١ / ٢٧٦.

٤٠٧

يمكن صدوره عن العلّة زمنا عليه فلا يعتبر المقارنة في مثله.

نعم الذي لا يمكن تقدّمه على المعلول زمانا هو الجزء الأخير للعلّة التامّة وأمّا سائر أجزائها فلا مانع من ذلك أصلا ونأخذ لتوضيح ذلك مثالين :

أحدهما : أنّ غليان الماء خارجا يتوقّف على إحراق النار وإيجاد الحرارة فيه على التدريج إلى أن تبلغ درجة خاصّة فاذا وصلت إلى هذه الدرجة تحقّق الغليان فالإحراق شرط له وهو متقدّم عليه زمانا. ثانيهما :

أنّ القتل يتوقّف على فري الأوداج ثمّ رفض العروق الدم الموجود فيها إلى الخارج ثمّ توقّف القلب عن الحركة وبعده يتحقّق القتل ففري الأوداج مع أنّه شرط متقدّم عليه فالنتيجة أنّه لا مانع من تقدّم سائر أجزاء العلّة التامّة على المعلول زمانا فإنّ ما لا يمكن تقدّمه عليه لذلك هو الجزء الأخير لها (١).

وفيه أنّ ما كان شرطا للتأثير لا يمكن تقدّمه ولا تأخّره والأمثلة المذكورة ليست من باب تقدّم شرط التأثير بل هي من باب العلل المتدرّجة فإنّ إحراق النار علّة لإيجاد الحرارة وازدياد الإحراق علّة لازدياد الحرارة إلى أن تصل إلى درجة خاصّة والحرارة البالغة إلى درجة خاصّة علّة للغليان كما أن فري الأوداج الأربعة علّة لرفض العروق الدم ورفض العروق الدم علّة لتوقّف القلب وتوقّف القلب علّة إزهاق الروح وعروض القتل فتقدّم بعض العلل المتدرّجة على بعض لا يدلّ على جواز تقدّم الشرط للتأثير أو تأخّره بل اللازم في شرط التأثير هو المقارنة كنفس المؤثّر كما أفاده المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره وثانيا أنّ دعوى المعدّيّة في المقدّمات تامّة بالنسبة إلى الشرائط المتقدّمة فإنّه يمكن دعوى كونها من المعدّات ولا يلزم ان تكون المعدّات مقارنة مع المعاليل.

__________________

(١) ٢ / ٣٠٦ ـ ٣٠٥.

٤٠٨

وأمّا الشرائط المتأخّرة فهي معدومة وإنّما توجد بعد وجود المعلول فكما لا مجال لعلّيّة المعدوم بالنسبة إلى المتقدّم كذلك لا يتصوّر إعداد المعدوم بالنسبة إلى الموجود وإلّا لزم تأثير المعدوم في الموجود فهذا الجواب على تقدير صحّته إنّما يفيد بالنسبة إلى الشرائط المتقدّمة دون الشرائط المتأخّرة.

وممّا ذكر يظهر ما في نهاية الاصول أيضا حيث ذهب إلى جواز تقدّم الشرط أو تأخّره زمانا وقال والحاصل إنّ اقتضاء العلّيّة لكون جزء العلّة مقارنا للمعلول بحسب الزمان غير معلوم ومن أين ثبت عدم جواز تقدّمه أو تأخّره. ألا ترى في العلّة الغائيّة أنّها متأخّرة عن معلولها ومع ذلك لم تخرج من كونها علّة.

فإن قلت ليست العلّة الغائيّة بوجودها الخارجيّ علّة بل بوجودها العلميّ ولذا لو تخيّل أحد ترتّب غاية على فعله لأثّر هذا الخيال في صدور الفعل عنه وإن انكشف بعد حصوله أنّ الغاية المتخيّلة لا تترتّب عليه.

قلت : ليس العلم بالغاية بما هو علم بها مؤثّرا في وجود الفعل بل بما هو طريق إليها ومرآة لها.

والشاهد على ذلك أنّ المؤثّر في فعل الحكيم العالم بالعواقب الذي لا يتصوّر في علمه مخالفة الواقع هو نفس الغاية لا علمه بها بما هو علم وصفة كمال لذاته.

والحاصل أنّه قد ظهر لك ممّا ذكرناه عدم ورود إشكال في الشرط المتقدّم أو المتأخّر بحسب الزمان فإنّ الذي يعتبر فيه هو التقدّم الرتبيّ لا غير نعم يعتبر في العلّة التامّة فقط تقارنها مع المعلول زمانا (١). وذلك لما عرفت من أنّ الكلام ليس في الإرادة والأفعال الاختياريّة بل في اتّصاف البعث الحقيقيّ أو المأمور به بعنوان حسن أو بالصحّة أو بالمصلحة وعليه فقياس المقام بالعلل الغائيّة لا مورد له فإنّ العلل

__________________

(١) نهاية الاصول : ج ١ / ١٥٠.

٤٠٩

الغائيّة من مبادئ الإرادة هذا مضافا إلى أنّ المؤثّر في تماميّة الإرادة هو العلم بالغاية لا نفسها حيث أنّ الإرادة من الكيفيّات النفسيّة فلا بدّ من تحقّق مبادئها في مرتبتها حتّى ينبعث منها شوق متأكّد نفسانيّ والعلم بالغاية يكون في مرتبة الإرادة لا نفس الغاية.

وأمّا قوله بأنّ المؤثّر هو نفس الغاية وإلّا لزم أن يكون المؤثّر في فعله تعالى هو علمه الذاتيّ ففيه أنّه الصحيح في فعله تعالى إذ لا مجال لتأثير غير ذاته في ذاته تعالى.

فالمؤثّر فيه تعالى هو علمه الذاتيّ لا غيره سبحانه وتعالى.

وبالجملة فبعد وضوح أنّ الكلام ليس في الإرادة والأفعال الاختياريّة حتّى يكفي العلم بالغاية في تماميّة الإرادة وعدم لزوم محذور فيه من جهة اعتبار تقارنها بل في اتّصاف البعث الحقيقيّ أو المأمور به بعنوان حسن أو بالصحّة أو بالمصلحة يمكن أن يقال أنّ تأثير الشرط المتقدّم في ذلك الاتّصاف بنحو الإعداد لا مانع منه بخلاف تأثير الشرط المتأخّر في ذلك سواء كان بنحو العلّيّة أو الإعداد إذ المفروض أنّ الحسن والصحّة والمصلحة متقدّم على الشرط المتأخّر ولا معنى لعلّيّة المعدوم أو إعداده بالنسبة إلى المتقدّم كما لا يجوز تأخّر المقتضي عن مقتضاه فدعوى اختصاص المحذور بالعلّة التامّة دون أجزائها كما ترى والإشكال في الشروط المتأخّرة ولو كانت معدّة باق على حاله.

وممّا ذكر أيضا يظهر ما في بدائع الأفكار حيث ذهب إلى إمكان تقدّم الشرط على الشروط به وتأخّره عنه سواء كان الشرط تكوينيّا أو تشريعيّا بدعوى أنّ المقتضي للمعلول حصّة خاصّة من طبيعيّ المقتضى لا أنّ نوع المقتضي وطبيعة يقتضي ذلك المعلول ويؤثّر فيه مثلا النار نوع من أنواع الموجودات يقتضي الإحراق ولكن ليس المؤثّر في الإحراق الخارجيّ هو نوع النار وطبيعيها بل هي حصّة خاصّة من هذا النوع وهي النار التي تماسّ الجسم المستعدّ باليبوسة لقبول الاحتراق فهذه الحصّة

٤١٠

الخاصّة من النار هي المقتضي المؤثّر في الإحراق وتلك الخصوصيّة التي بها تخصّصت الحصّة المقتضية للمعلول لا بدّ لها من محصّل في الخارج فما به تحصّل خصوصيّة الحصّة المقتضية يسمّى شرطا والخصوصيّة المزبورة عبارة عن نسبة قائمة بتلك الحصّة المقتضية حاصلة من إضافة الحصّة المزبورة إلى شيء ما وذلك الشيء المضاف إليه هو الشرط فالمؤثّر في المعلول هو نفس الحصّة الخاصّة والشرط محصّل لخصوصيّتها وهو طرف الإضافة المزبورة وما يكون شأنه كذلك جاز أن يتقدّم على ما يضاف إليه أو يقترن به أو يتأخّر عنه ولهذا لا يصحّ أن يقاس الشرط على المقتضي لأنّ المقتضي ما يترشّح منه ذات المعلول فلا يعقل أن ينفصل عنه زمانا سواء كان ذلك بالتقدّم أم بالتأخّر. وأمّا الشرط فبما أنّه لا دخل له في التأثير بل هو طرف إضافة محصّل لخصوصيّة المقتضي كما ذكرنا جاز ان ينفصل بالزمان عن ذات المقتضي فيتقدّم عليه أو يتأخّر عنه لأنّ ذلك لا يحلّ بالاضافة المحصّلة بتلك النسبة الخاصّة (١).

وذلك لأنّ الشرط وإن لم يكن مؤثّر في المعلول ولكنّه مؤثّر في حصول الخصوصيّة في المقتضي وحيث إنّ الخصوصيّة التي بها تخصّصت الحصّة الموجودة أمر وجوديّ خارجيّ فلا يعقل أن يؤثّر فيه المتأخّر عنه لأنّه يرجع إلى تأثير المعدوم في الموجود فلا تغفل وإن أراد من الخصوصيّة المذكورة مفهوم التضايف فقد مرّ الجواب عنه مفصّلا عند ملاحظة كلام المحقّق الخراسانيّ فراجع.

الثالث : ما أفاده المحقّق الأصفهانيّ قدس‌سره وغيره من أنّ الأحكام حقيقتها عين الاعتبار فلا مانع من اعتبارها بلحاظ أمر متقدّم متصرّم أو أمر مقارن أو أمر متأخّر.

وتوضيح ذلك أنّ الأحكام الوضعيّة كالملكيّة موجودة بالاعتبار لا بالحقيقة (كما يشهد له اختلافها باختلاف الأنظار فإنّ المقولات الواقعيّة لا تختلف باختلاف الأنظار

__________________

(١) ١ / ٣٢٠.

٤١١

وأنحاء الاعتبار ألا ترى أنّ شخصا واحدا بالنسبة إلى عين واحدة ربما يكون مالكا في نظر الشرع دون العرف وبالعكس).

فكما أنّ الأسد له نحو من الوجود الحقيقيّ وهو الحيوان المفترس والاعتباريّ وهو الشجاع كذلك الملكيّة ربما توجد بوجودها الحقيقيّ الذي يعدّ من الأعراض الخارجيّة والمقولات الواقعيّة كما في المحيط على العين والواجد المحتوي لها خارجا وإن كان غاصبا فهو باعتبار نفس الإحاطة الخارجيّة من مقولة الجدّة وباعتبار تكرّر نفس النسبة أعني المالكيّة والمملوكيّة من مقولة الإضافة.

وربما توجد بوجودها الاعتباريّ فالموجود بالحقيقة نفس الاعتبار القائم بالمعتبر وإنّما ينسب هذا الوجود إلى الملكيّة لكونها طرف هذا الاعتبار.

وكما أنّ مصحّح اعتبار الرجل الشجاع أسدا هي الجرأة والشجاعة كذلك مصحّح اعتبار المتعاملين مالكا والعين ملكا هي المصلحة القائمة بالسبب الحادث الباعثة على هذا الاعتبار ومن هذه المرحلة تختلف الأنظار.

فالملكيّة من المعاني التي لو وجدت في الخارج لكان مطابقها عرضا لكنّها لم توجد حقيقة هنا بل اعتبرها الشارع والعرف لما دعاهم اليه.

وحيث إنّ حقيقتها شرعا أو عرفا عين الاعتبار فلا مانع من اعتبارها بلحاظ أمر متقدّم متصرّم أو أمر مقارن أو متأخّر.

ولعلّ نظر من جعل العلل الشرعيّة معرّفات إلى ذلك فإنّ المتقدّم أو المقارن أو المتأخّر يكشف عن دخول الشخص في عالم اعتبار الشارع.

كما أنّ سببيّتها لهذا الوجود الاعتباريّ مع قيام الاعتبار بالمعتبر بملاحظة أنّ الشارع بعد ما جعل اعتباره منوطا بهذا الأمر فالموجد له متسبّب به إلى إيجاد اعتبار الشارع فاعتبار الملكيّة فعل مباشريّ للمعتبر وأمر تسبيبيّ للمتعاملين.

فإن قلت : المعنى المعتبر وإن لم يوجد بوجوده الحقيقيّ إلّا أنّ الاعتبار موجود بالحقيقة

٤١٢

لا بالاعتبار واقتضاء الأمر المتقدّم المتصرّم والمتأخّر لأمر موجود قول بوجود المعلول بلا علّة مقارنة له وجودا فعاد الإشكال.

وليس الكلام في مبادئ الاعتبار بما هو اعتبار حتّى يكتفى بوجودها اللحاظيّ المسانخ له بل في مبادئ الشيء بوجودها الاعتباريّ وهي الجهة المصحّحة المخرجة له عن مجرّد فرض الفارض وأنياب الأغوال.

قلت : اقتضاء العقد مثلا لاعتبار الملكيّة ليس على حدّ اقتضاء الفاعل بل على حدّ اقتضاء الغاية ومن البيّن أنّ الغاية الداعية إلى الاعتبار لا يجب أن تكون مقارنة له وجودا.

فكما أنّ أمرا موجودا فعليّا فيه مصلحة تدعو الشارع إلى اعتبار الملكيّة لزيد مثلا كذلك الإيجاب المتصرّم أو الإجازة المتأخّرة فيهما ما يدعو الشارع إلى اعتبار الملكيّة فعلا لمن حصل أو يحصل له سبب الاعتبار.

لا يقال إنّ المصلحة الداعية إلى شيء لا بدّ من أن تكون قائمة بذلك الشيء فالمصلحة الداعية إلى اعتبار الملكيّة قائمة بنفس اعتبار الملكيّة ومترتّبة عليه لا على السبب ولا محالة للسبب دخل في صيرورة الاعتبار ذا مصلحة فيعود المحذور.

لأنّا نقول إنّ مصلحة اعتبار الملك والاختصاص قائمة به في موطن الاعتبار ولا يعقل أن يكون الخارج عن أفق الاعتبار قائما به.

كما لا يعقل أن يكون العقد الخارجيّ سببا ومقتضيا للاعتبار بل السبب الفاعليّ نفس المعتبر وكذا لا يعقل أن يكون العقد شرطا لوجود الاعتبار ولا لمصلحته القائمة به في موطنه لعدم الاقتران المصحّح لفاعليّة الفاعل والمتمّم لقابليّة القابل خصوصا مع كون الاعتبار قائما بغير من يقوم به العقد بل مصلحة اعتبار الاختصاص انحفاظ المعيشة بعدم تصرّف كلّ أحد فيما اختصّ بغيره قهرا عليه بنحو اقتضاء الأمر للدعوة فإنّ اعتبار اختصاص شيء بشخص خاصّ يمنع عن التصرّف فيه قهرا عليه منعا تشريعيّا

٤١٣

وحيث إنّ اعتبار الاختصاص لكلّ أحد لغو لا يترتّب عليه الأثر المرغوب واعتباره لبعض دون بعض تخصيص بلا مخصّص.

فلا محالة لا مصحّح له إلّا ما جعله الشارع أو العرف موجبا للاختصاص وهو التعاقد والتراضي فيكون اعتبار الاختصاص لمن حصل بالنسبة إليه تعاقد وتراض إمضاء لما تعاقدا عليه صحيحا موجبا لانحفاظ النظام.

وإذا كانت الإجازة المتأخّرة إمضاء للعقد السابق فمقتضى اعتبار الاختصاص بعنوان الإمضاء اختصاص الشيء على حدّ تخصيص المتعاقدين الممضي من حينه على الفرض.

وتأخّر الإمضاء عن العقد الممضى تأخّر بالطبع لا بالزمان كتأخّر العلم عن المعلوم فلا ينافي تقدّم العقد أو تأخّره كما لا يجب مقارنتهما فتدبّر جيّدا (١).

حاصله أنّ حقيقة الوضعيّات شرعا أو عرفا عين الاعتبار وأمره بيد المعتبر وهو لا يتقوّم بالوجود الخارجيّ ولا يكون العقد سببا لذلك الاعتبار كما لا يكون سببا لعروض المصلحة على نفس الاعتبار بل مصلحته هو انحفاظ المعيشة تشريعا وهي قائمة بنفس الاعتبار ولا تكون تلك المصلحة ناشئة عن العقد أو غيره من الخارجيّات وإنّما العقد والشروط سواء كانت مقارنة أو غير مقارنة مصحّحة لمورد الاعتبار بمعنى أنّ فيها مصلحة بها ترفع اللغويّة عن الاعتبار أو الترجيح بلا مرجّح في اختصاص الاعتبار بها من بين الأشياء وهذه المصلحة لا ارتباط لها بمصلحة نفس الاعتبار لما عرفت من أنّه هي انحفاظ المعيشة وعليه فاعتبر المعتبر الاختصاص لمن حصل بالنسبة إليه تعاقد وتراض سواء كان متقدما أو مقارنا أو متأخّرا وهذا الاعتبار إمضاء لما تعاقد المتعاقدين عليه صحيحا وموجب لانحفاظ النظام وتأخّر الاعتبار

__________________

(١) ١ / ٢٨٢ ـ ٢٧٩.

٤١٤

الشرعيّ الذي هو إمضاء عن العقد الممضي ليس تأخّرا زمانيّا بأنّه حدث بعد حدوث العقد بل بعد فرض التعاقد اعتبره المعتبر.

وهذا التأخّر تأخّر طبيعيّ كتأخّر العلم عن المعلوم فلا ينافي التقدّم أو التأخّر كما لا يجب التقارن بين الاعتبار والعقد الممضى بل هو كالحكم على الموضوع الكلّيّ بالنسبة إلى مصاديقه كقوله أكرم العالم فإنّه صحيح سواء تحقّق العالم حين الأمر أو يتحقّق بعدا وبعبارة اخرى كما يمكن اعتبار الملكيّة للمعدوم مالكا ومملوكا كذلك يمكن اعتباره للموصوف بوصف عنوانيّ في افق وجوده بأن يعتبر الملكيّة فعلا لمن يجري العقد في الآتي وحيث إنّ من له أن يمضي العقد بمضمونه المرسل من حين صدوره صحّ للشارع اعتبار الملكيّة من حين صدور العقد إمضاء لما أمضاه المالك فلا تغفل.

وبالجملة أنّ المحذور من جهة تأثير المتقدّم أو المتأخّر المفروض كما عرفت لا تأثير لهما في الوضعيّات الاعتباريّة ومع عدم تأثير المتقدّم أو المتأخّر. فلا يلزم انخرام بالنسبة إلى القاعدة.

هذا كلّه بالنسبة إلى الوضعيّات والأحكام التكليفيّة أيضا مثل ذلك في كونها اعتباريّة وأمّا شرائط المأمور به فقد أفاد فيه أيضا بقوله :

دخل المتأخّر أو المتقدّم في أمر عينيّ أو انتزاعيّ محال لكن دخله في أمر جعليّ لا موجب لاستحالته ومن الواضح أنّ أنحاء التعظيمات والتذلّلات والاحترامات متفاوتة في الرسوم والعادات فيمكن أن يكون الفعل المسبوق بكذا والملحوق بكذا تعظيما واحتراما عند الشارع دون ما اذا تجرّد عنهما (١).

فعدم استحالة مدخليّة المتقدّم أو المتأخّر في الأمر الجعليّ وهو التعظيم والاحترام عند الشارع من جهة أنّهما نقصان باقتضاء الغاية في وعاء الاعتبار لا بالاقتضاء

__________________

(١) التعليقة : ١ / ٢٨٦.

٤١٥

الفاعليّ ومن جهة أنّ اعتبار التعظيم في موضوع خاصّ لا يكون ناشئا عن المتقدّم أو المتأخّر حتّى يلزم تأثير الشيء مع عدم المقارنة بل في نفس الاعتبار مصلحة قائمة به وغير ناشئة عن المتقدّم والمتأخّر وإنّما المدخليّة التي للمتأخّر أو المتقدّم هي مدخليّة اختصاصها من بين الأشياء بذلك الاعتبار فافهم.

قال في المحاضرات أيضا نحو ذلك والذي ينبغي أن يقال في المقام هو جواز الشرط المتأخّر وذلك أنّ الأحكام الشرعيّة بشتّى أنواعها أمورا اعتباريّة فلا واقع موضوعيّ لها ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار ولا صلة لها بالموجودات المتأصّلة الخارجيّة أبدا.

وبكلمة أخرى أنّ الموجودات الاعتباريّة منها الأحكام الشرعيّة فهي خاضعة لاعتبار المعتبر وأمرها بيده وضعا ورفعا ولا تخضع لشيء من الموجودات التكوينيّة وإلّا لكانت تكوينيّة إلى أن قال إنّ فعليّة الأحكام وإن كانت دائرة مدار فعليّة موضوعاتها بتمام قيودها وشرائطها في الخارج إلّا أنّ لازم ذلك ليس تقارنهما زمانا.

والسبب فيه هو أنّ ذلك تابع لكيفيّة جعلها واعتبارها فكما يمكن للشارع جعل حكم على موضوع مقيّد بقيد فرض وجوده مقارنا بفعليّته لحكم يمكن له جعل حكم على موضوع مقيّد بقيد فرض وجوده متقدّما على فعليّة الحكم مرّة ومتأخّرا عنها مرّة أخرى فإنّ كلّ ذلك بمكان من الوضوح بعد ما عرفت من أنّه لا واقع للحكم الشرعيّ ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار إلى أن قال فكما أنّ له جعل الحكم معلّقا على أمر مقارن كذلك له جعل الحكم معلّقا على أمر متقدّم أو متأخّر عنه فبطبيعة الحال تكون فعليّته قبل وجود ذلك الأمر وإلّا لكانت الفعليّة على خلاف الإنشاء وهو خلف.

ومثال ذلك في العرفيّات الحمّامات المتعارفة في زماننا هذا فإنّ صاحب الحمّام يرضى في نفسه رضا فعليّا بالاستحمام لكلّ شخص على شرط أن يدفع بعد الاستحمام وحين الخروج مقدار الأجرة المقرّرة من قبله فالرضا من المالك فعليّ والشرط متأخّر إلى أن قال فالنتيجة في نهاية المطاف هي أنّ شرائط الحكم عبارة عن قيود الموضوع

٤١٦

الماخوذة مفروضة الوجود في الخارج من دون فرق بين كونها مقارنة للحكم أو متقدّمة عليه أو متأخّرة عنه وليس لها أيّ دخل وتأثير في نفس الحكم أصلا (١).

حاصله أنّ لحاظ الشروط مع اعتباريّة الأحكام يرفع الإشكال إذ لا دخل للوجود الخارجيّ فيها أصلا والمتقدّم والمتأخّر في عالم اللحاظ مجتمعان ومقترنان والمعتبر والجاعل يلاحظ المتقدّم أو المتأخّر فيجعل حكمه ويعتبره ولكن يبقى في النفس شيء وهو أنّ كلّ شرط لا يصلح لأن يكون خاليا عن مطلق التأثير إذ خلوّ جميع الشروط من مطلق التأثير خلاف القواعد والارتكاز وإن كان اعتباريّة الأحكام في نفسها معقولة واشتراط لحاظ بعض الشروط في بعض المقامات صحيحا في محلّه.

قال المحقّق الحائريّ قدس‌سره إنّ القول بأنّ الشرط هو اللحاظ ومن المعلوم أنّ المتفرّقات في الخارج مجتمعات في الذهن ولا تقدّم ولا تأخّر فيه بينهما مخالف للقواعد فإنّه وإن جعل الشرط هو الطيب لا شيئا آخر لكن جعل تحقّق المشروط بعد لحاظه دون وجوده الخارجيّ والظاهر من الأدلّة ان الحلّيّة والملكيّة لا يتحقّقان إلّا بالطيب يعني إلّا بعد وجوده في الخارج كما هو المنساق من نظائره في العرف (٢).

الرابع : ما ذهب إليه صاحب الفصول من أنّ الإجازة المتأخّرة ليس هو الشرط بل الشرط هو وصف التعقّب بالإجازة وهذا الوصف قائم بالعقد وموجود معه.

أورد عليه المحقّق الحائريّ قدس‌سره بأنّ هذا وإن كان يحصل به التفصّي عن الإشكال إلّا أنّه مخالف لما هو الظاهر بل المقطوع به من الأدلّة من أنّ الشرط رضا المالك إذ على هذا ما هو الشرط أعني التعقّب ليس برضا وما هو الرضا أعني الإجازة المتأخّرة ليس

__________________

(١) ٢ / ٣١٦ ـ ٣١٣.

(٢) كتاب البيع : ١ / ٣٥٦.

٤١٧

بشرط (١).

هذا مضافا إلى ما في جامع المدارك من أنّ التعقّب وإن كان أمرا اعتباريّا لكنّ له واقعيّة وليس مجرّد الفرض ولا إشكال في أنّه متوقّف على لحوق المتأخّر (٢).

وممّا ذكر يظهر ما في الوقاية حيث قال إنّ الأثر للصفة الفعليّة الموجودة بالإضافة إلى المعدوم لا للمعدوم حتّى يلزم المحال من كون العدم معطيا للوجود انتهى (٣).

لما عرفت من أنّ الأثر للرضا الخارجيّ هذا مضافا إلى أنّ الصفة الفعليّة متوقّفة على لحوق المتأخّر.

الخامس : ما أفاده السيّد الشهيد الصدر قدس‌سره من أنّ الشرط بحسب الحقيقة في موارد الشرط المتأخّر ليس متأخّرا بل يكون مقارنا حيث قال والتحقيق إنّ الإشكال نشأ من افتراض أنّ المأمور به هو المقتضي للمصلحة المطلوبة كصحّة المزاج مثلا في مثال المريض وإنّ الأمر المتأخّر هو الشرط في تحقّق تلك المصلحة فيقال لو فرض تحقّق المصلحة حين المقتضي لزم تأثير المتأخّر في المتقدّم ولو فرض تحقّقها حين الشرط لزم تأثير المقتضي بعد انقضائه وكلاهما محال إلّا أنّ هناك فرضا آخر ينحلّ به الإشكال وهو أنّ ما فرض مقتضيا للمصلحة المطلوبة ليس مقتضيا لذلك بالمباشرة بل ذلك يوجد أثرا معيّنا يكون الحلقة المفقودة بين هذا المأمور به والمصلحة المطلوبة وذلك الأثر يبقى إلى زمان الشرط المتأخّر فبمجموعهما يكتمل أجزاء علّة المصلحة المتوخّاة فتحصل المصلحة.

فشرب الدواء مثلا يولد حرارة معيّنة في الجسم وتلك الحرارة تبقى إلى زمان المشي أو الامتناع عن الطعام مثلا فتؤثّر في الصحّة المزاجيّة المطلوبة.

__________________

(١) كتاب البيع لاستاذنا العراقي (رحمه‌الله تعالى) : ١ / ٣٢٣.

(٢) جامع المدارك : ٣ / ٩٠.

(٣) / ٢٩٥.

٤١٨

وهذا شيء مطّرد في كلّ المقتضيات التي يظهر أثرها بعد انضمام شرط متأخّر يحصل بعد فقدان ذلك المقتضي فنعرف عن هذا الطريق وجود حلقة مفقودة هي المقتضي للأثر المطلوب لا هذا الذي سمّي بالمقتضي بل هذا مجرّد موجد لذلك المقتضي والمفروض الفراغ عن إمكانية بقاء الأثر بعد زوال المؤثّر بواسطة حافظات اخرى لذلك الأثر فإنّه لا إشكال عند احد في بقاء البناء على وضعه الذي بنى عليه بعد فناء البناء ولو بحافظيّة الجاذبيّة وتماسك أجزاء البناء.

وإنّما الإشكال في المقام من ناحية الشرط المتأخّر فيظهر بهذا البيان أنّ ما هو الشرط بحسب الحقيقة ليس متأخّرا.

وهذا إذا صحّ في الأمور التكوينيّة فليكن الأمر التعبّديّ المولويّ بالصوم مع اشتراط الغسل في الليل من هذا الباب (١).

وفيه أنّ ذلك يوجب خروج المقتضي عن كونه مقتضيا ودخوله في المعدّات والعلل المتدرّجة بالنسبة إلى وجود المقتضي المقارن مع الشرط المتأخّر.

مع أنّ مثل الصوم هو المقتضي المباشر لا مقتضى لشيء آخر هو المباشر وأنّ الغسل في الليلة التي بعده شرط للصوم لا شرط لأثره الباقي بعد مضيّ الصوم على أنّ تقارن الشرط مع أثر المقتضي يوجب اقتران أثر مجموعهما مع وقت اكتمال أجزاء العلّة فلا وجه لتقدّم أثرهما على وقت اكتمال أجزاء العلّة فمثل الإجازة في العقد الفضوليّ لا يمكن أن يكشف كشفا حقيقا عن تقدّم النقل والانتقال عند صدور العقد لأنّ بقاء أثر العقد إلى حين الإجازة واكتمال أجزاء العلّة يقتضي اقتران النقل والانتقال مع وقت اكتمال الأجزاء فهذا الوجه أيضا لا يصحّح الكشف الحقيقيّ بنحو الشرط المتأخّر.

السادس : إنّه قد يجاب بأنّ الشرط هو الوجود الدهريّ الثابت في سجلّ

__________________

(١) بحوث في علم الاصول : ٢ / ١٨٣.

٤١٩

الكون وبيان ذلك أنّ المتدرّجات في الوجود أعني الزمانيّات لو قطع النظر عن الزمان فهي مجتمعة في وعاء الدهر في عرض واحد ويصحّ على كلّ واحد منها إطلاق اسم الموجود في مقابل المعدوم وحينئذ فكما يمكن أن يكون السابق علّة للاحق أو لاتّصافه بوصف فكذلك يمكن أن يكون اللاحق مؤثّرا في السابق أو في اتّصافه بوصف كتأثير الاجازة المتأخّرة لتحقّق عنوان التعقّب للعقد الفضوليّ فإن تحقّق الإجازة بتحقّق عنوان التعقّب بالإجازة للعقد الفضوليّ وكعنوان قبليّة اليوم الحاضر على الغد فإنّه يتحقّق بالغد الذي لم يجيء بعد ومنها عنوان الأوّليّة فإنّ ثبوتها للشيء يتوقّف على وجود الشيء الثاني وهكذا.

وفيه أنّه خروج عن المكالمات العرفيّة إذ الأحكام نازلة بلسان العرف لا باصطلاح الخواصّ هذا مضافا إلى ما أورده المحقّق الحائريّ قدس‌سره من أنّ هذا مخالف لما هو المقطوع به من الأدلّة من كون الشرط هو الإجازة الصادرة من المالك من حيث إنّه مالك إذ على هذا تكون الإجازة صادرة عن غير المالك لزوال حيثيّة المالكيّة عن المجيز بسبب العقد.

فإن قلت المالكيّة بلحاظ عالم الدهر موجود مع الإجازة في عرض واحد.

قلت : نعم هما موجودان لكنّ بوجودين متمايزين لا يرتبط أحدهما بالآخر وهذا لا يكفي في تحقّق عنوان الإجازة المضافة إلى المالك.

وبالجملة تحقّق إضافة فعل إلى عنوان ولو في عالم الدهر يتوقّف على خروج هذا الفعل من قوّة ذلك العنوان واختياره فلا يكفي في تحقّق ضرب الأسود مثلا ولو في عالم الدهر الضرب الصادر من الأبيض وإن كان في السابق أسود (١).

فتحصّل أنّ الشرط المتأخّر بمعنى تقدّم أثره على نفسه غير معقول والتوجيهات

__________________

(١) كتاب البيع لاستاذنا العراقي : ١ / ٣٢٥.

٤٢٠