موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

__________________

ـ وجماعة من أهل فدك لما قدم النبيّ الى المدينة قدموا إليه فسألوه فقالوا : كيف نومك؟ فقد اخبرنا عن نوم النبيّ الذي يأتي في آخر الزمان.

فقال : تنام عيناي وقلبي يقظان.

فقالوا : صدقت يا محمد. فأخبرنا عن الولد يكون من الرجل أو من المرأة؟

فقال : أمّا العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والظفر والشعر فمن المرأة.

قالوا : صدقت يا محمد. فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء ، أو يشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء؟

فقال : أيّهما علا ماؤه كان الشبه له.

قالوا : صدقت يا محمد. فأخبرنا عن ربك ما هو؟

(قال : قد) أنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

فقال ابن صوريا : خصلة واحدة ان قلتها آمنت بك واتّبعتك : أيّ ملك يأتيك بما ينزل الله لك؟

قال : جبريل.

قالوا : ذلك عدوّنا ينزل بالقتال والشدة والحرب ، وميكائيل ينزل باليسر والرّخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنّا بك. فأنزل الله عزوجل هذه الآية.

كما في التبيان ١ : ٣٦٣ وعنه في مجمع البيان ١ : ٣٢٥ عن ابن عباس وفي الاحتجاج ١ : ٤٦ ـ ٤٨ عن العسكري عليه‌السلام. وفيها : فأنزل الله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). بينما هي مكية من الأوائل. وفي آخر الخبر : فأنزل الله هذه الآية. بينما مرّ عن ابن اسحاق قوله : بلغني أنّ صدر السورة الى المائة منها نزل في المنافقين. وهذه الآية من قبل المائة ، فالمعنى أن هذه

٨١

واختصر الخبر القمي في تفسيره قال : نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله : إنّ لنا في الملائكة أصدقاء وأعداء.

فقال رسول الله : من صديقكم ومن عدوّكم؟

فقالوا : جبرئيل عدوّنا ، لأنه يأتي بالعذاب ، ولو كان الذي ينزل عليك القرآن ميكائيل لآمنّا بك ، فانّ ميكائيل صديقنا ، وجبرئيل ملك الفضاضة والعذاب ، وميكائيل ملك الرحمة. فأنزل الله الآية (١).

وفي الآية التاسعة والتسعين : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) روى الطوسي في «التبيان» عن ابن عباس قال : ان ابن صوريا القطراني (٢) قال لرسول الله : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل عليك من آية بيّنة فنتّبعك لها. فأنزل الله في ذلك الآية (٣).

وفي الآية المائة : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) قال ابن اسحاق : لما بعث رسول الله وهاجر وذكر لليهود ما اخذ عليهم من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه ، قال مالك بن الضيف : والله ما عهد إلينا في محمد عهد ، وما اخذ له علينا من ميثاق! فأنزل الله فيه الآية (٤).

__________________

ـ الآيات كلها نزلت بعد هذه الحوادث تشير إليها ، لا أنها نزلت واحدة فواحدة.

ونقل قريبا من شأن النزول هذا ابن اسحاق ٢ : ١٩١. ولكن سيأتي في سياق حوادث السنة الرابعة خبر آخر عن الباقر عليه‌السلام بشأن لقاء ابن صوريا ورسول الله قريب من هذا.

(١) تفسير القمي ١ : ٥٤.

(٢) وفي سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٦ : ابن صلوبا الفطيراني. واسقط الطبرسي اللقب.

(٣) التبيان ١ : ٣٦٥ ومجمع البيان ١ : ٣٢٧ بحذف اللقب.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٦.

٨٢

ومنها : ما يلوح من قوله سبحانه : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ...)(١).

ولم يعهد عن اليهود أنهم كانوا يكفّرون سليمان. والكفر في الآية حسب سياقها كفر السحر ، كما في الحديث : «الساحر كالكافر» واليهود كانوا ينسبون السحر الى سليمان.

والسبب في ذلك ما رواه القمي في تفسيره بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : لما هلك سليمان بن داود وضع ابليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره : «هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم» (وفيه) من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا. ثم دفنه تحت السرير ، ثم استثاره لهم فقرءوه. فقال الكافرون : ما كان سليمان يغلبنا الّا بهذا ، وقال المؤمنون : بل هو عبد الله ونبيّه (٢).

فكان اليهود لا يرون السحر كفرا بل حلالا كان يعمل به سليمان بن داود ، وان كانوا يرونه لذلك ملكا ـ كما مرّ في الخبر ـ لا نبيّا رسولا ، بل ينكرون ذلك على من يقول به.

هذا «وقد استعظم الله قدر سليمان في مواضع من كلامه في عدة من السور المكية النازلة قبل هذه السورة : كسورة الأنعام ، والأنبياء ، والنمل ، وص ، وفيها أنه كان عبدا صالحا بل نبيّا مرسلا آتاه الله العلم والحكمة ووهب له من الملك ما لا ينبغي لأحد من بعده ، فلم يكن ساحرا» (٣) ولم يكن قد غلبهم بذلك السحر.

__________________

(١) البقرة : ١٠٢.

(٢) تفسير القمي ١ : ٥٥. ورواه العياشي أيضا ١ : ٥٢.

(٣) الميزان ١ : ٢٣٥.

٨٣

ولذلك قال بعض أحبار اليهود ـ كما نقله الشيخ الطوسي عن ابن اسحاق ـ ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيّا؟! والله ما كان الّا ساحرا (١) قال : وروي عن الربيع : أن اليهود سألوه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن السحر وخاصموه فيه ، فأنزل الله الآية (٢) فقالت : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) باتّباعه السحر والعمل به (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) باتباعهم السحر وعملهم به (٣).

ومنها : ما يفهم من قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) وكأنّ في كلمة «راعنا» شيء من النقيصة والوقيعة والفساد والسبّاب والشتيمة ، كما روى الطوسي في «التبيان» عن الباقر عليه‌السلام قال : هذه الكلمة سبّ بالعبرانيّة ، وإليه كان (اليهود) يذهبون. وقال المغربي : فبحثت عن ذلك فوجدتهم يقولون : راع رنا ـ بتفخيم النون واشمامها ـ بمعنى الفساد والبلاء. وكان المسلمون يقولون : يا رسول الله راعنا من المراعاة أي راعنا سمعك حتى نفهمك وتفهم عنّا. فلما عوتب اليهود على ذلك قالوا : انا نقول كما يقول المسلمون. فنهى الله المسلمين عن ذلك وقال : قولوا عوضها : انظرنا اي انظر إلينا (٤).

ومنها : ما يفهم من قوله سبحانه : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ

__________________

(١) التبيان ١ : ٣٧١ وفي سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٢.

(٢) التبيان ١ : ٣٧٠ ومجمع البيان ١ : ٣٣٦.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٢ وبه قال الشيخان الطوسي والطبرسي عن قتادة وابن جبير عن ابن عباس.

(٤) التبيان ١ : ٣٨٩ بتصرف ، كما في مجمع البيان ١ : ٣٤٣ بتصرف.

٨٤

وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١) وحسب السياق السابق كأنّه كان مما اعترض به اليهود على رسول الله نسخ بعض الآيات.

والآية السابقة هي قوله سبحانه : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وقد روى الطوسي في «التبيان» أنه سبحانه أراد بالخير والرحمة هنا النبوة (٢).

وقد مرّ أن اليهود جحدوا النبوة حسدا عليها أن يؤتيها الله العرب من ولد اسماعيل على خلاف المعهود لديهم أن تكون النبوة في بني اسرائيل ذرية يعقوب ابن اسحاق بن ابراهيم. وعليه فالآيات الثلاث مترابطة تقول : إن الكافرين من أهل الكتاب (اليهود) لا يودّون أن ينزل خير النبوة عليكم (يا بني اسماعيل دون بني اسرائيل) بينما الله يختصّ برحمته ومنها النبوة من يشاء ، وأيّة آية ننسخها (بشأن النبوة في بني اسرائيل) نؤت بخير منها (في بني اسماعيل) إذ له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء (من التكوين والتشريع) قدير (٣).

ومنها : ما يفهم من قوله سبحانه : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)(٤).

وقد روى الطوسي في «التبيان» عن ابن عباس قال : قال رافع بن حريملة

__________________

(١) البقرة : ١٠٦ و ١٠٧.

(٢) التبيان ١ : ٣٩١ ومجمع البيان ١ : ٣٤٤.

(٣) وانظر بحث النسخ في الآية : التبيان ١ : ٣٩٢ ـ ٣٩٦ ومجمع البيان ١ : ٣٤٥ والميزان ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٦.

(٤) البقرة : ١٠٨.

٨٥

ووهب بن زيد لرسول الله : ائتنا بكتاب تنزّله علينا من السماء نقرأه ، وفجّر لنا أنهارا ، نتّبعك ونصدقك ، فأنزل الله في ذلك الآية (١).

ويؤيّده قوله سبحانه في سورة النساء : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٢).

ومنها : ما يفهم من قوله سبحانه : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٣).

وقد روى الطوسي في «التبيان» عن ابن عباس أنهم حييّ بن اخطب وأبو ياسر بن أخطب (٤) وفي الآية : أنّ الحق قد تبيّن لهم ، ولذلك اكمل الخبر الطبرسي : أنهما حينما قدم النبيّ المدينة دخلا عليه ، فلما خرجا قيل لحييّ : أهو النبيّ؟ قال : هو هو. فقيل له : فما له عندك؟ قال : العداوة الى الموت (٥).

وقد مرّ الخبر عن ابن اسحاق ، وهنا أيضا قال ابن اسحاق بذلك وأضاف : وكانا جاهدين في ردّ الناس عن الاسلام بما استطاعا (٦).

ومنها : ما يفهم من الآيتين من قوله سبحانه : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ

__________________

(١) التبيان ١ : ٤٠٢ ومجمع البيان ١ : ٣٥١ وفي سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٧.

(٢) النساء : ١٥٣. والغريب أن الميزان الذي اختاره الطباطبائي لتفسير القرآن بالقرآن لم يطبّقه هنا بل قال : إن سياق الآية تدل على أن بعض المسلمين سألوه. الميزان ١ : ٢٥٩.

(٣) البقرة : ١٠٩.

(٤) التبيان ١ : ٤٠٥.

(٥) مجمع البيان ١ : ٣٥٣.

(٦) سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٧.

٨٦

لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ* وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)(١).

هاتان الآيتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة بعد المائة من سورة البقرة ، وآيات تحويل القبلة هي الآيات التسعة من ١٤٢ الى ١٥٠ ، فبين هذه الآية هنا وتلك الآيات خمس وعشرون آية في معاني اخرى.

وعليه : فمن المستبعد أن تكون هذه الآية ردّا على اليهود لما انكروا تحويل القبلة الى الكعبة ، كما رواه الطوسي في «التبيان» عن ابن عباس (٢).

وأبعد منه ما نقله عن قتادة وابن زيد : أنه كان للمسلمين التوجه بوجوههم في الصلاة الى حيث شاءوا ، ثم نسخ ذلك بقوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٣) وانما كان النبيّ اختار التوجه الى بيت المقدس (٤) بينما الله يقول : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها)(٥).

بل الأوجه ما ذكره الطوسي أيضا : أنها نزلت في قوم صلّوا في ظلمة وقد خفيت عليهم جهة القبلة ، فلما أصبحوا اذا هم صلّوا الى غير القبلة (٦) ورواه الطبرسيّ عن جابر قال : بعث رسول الله سريّة كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة منا : قد عرفنا القبلة هي هاهنا ، قبل الشمال ، فصلّوا. وقال بعضنا : بل القبلة هاهنا ، قبل الجنوب ، فلما أصبحوا وطلعت الشمس

__________________

(١) البقرة : ١١٤ ، ١١٥.

(٢) التبيان ١ : ٤٢٥ ومجمع البيان ١ : ٣٦٣.

(٣) البقرة : ١٤٤ و ١٥٠.

(٤) التبيان ١ : ٤٢٥ ومجمع البيان ١ : ٣٦٣.

(٥) البقرة : ١٤٣ وكذلك استدل بها الطوسي على نفي الاختيار ٢ : ٥.

(٦) التبيان ١ : ٤٢٤.

٨٧

أصبحت الخطوط لغير القبلة. فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبيّ عن ذلك فسكت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١) فلعلّها كانت في بعض السرايا السابقة ـ قبل تحويل القبلة من بيت المقدس في الشام ـ في مشرق المدينة الى الكعبة في جنوبها ، كما يأتي تفصيله.

ولو كانت الآية ـ كما روى الطوسي عن ابن عباس ـ ردّا على اليهود ، فليس لانكارهم تحويل القبلة الى الكعبة ، بل لانكارهم تحويل القبلة من الكعبة في بدء البعثة الى بيت المقدس في الشام بعد ذلك. والجواب (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يتكرّر عند تحويل القبلة الى الكعبة : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)(٢) ولكنّه يصلح في المقامين ، فكأنه كان هناك فاصل زمنيّ بين اعتراض اليهود على ذلك وبين تحويل القبلة.

وكأن الآية السابقة تقول : إنما منع مشركو مكة رسول الله من أن يذكر الله بالصلاة الى الكعبة في المسجد الحرام لاحتجاجهم على الرسول أنه يصلي الى الأصنام المنصوبة في الكعبة وحولها وعليها ، وانما كان ذلك ظلما منهم ، فهل أنتم اليهود تريدون أن تفعلوا مثل ذلك فتصدّوا رسول الله عن الصلاة الى بيت المقدس؟! ولما فعل مشركو مكة ذلك اذن ما يكون لهم أن يتوجّهوا للدخول الى المسجد الحرام في مكة الّا خائفين بفعل السرايا المرسلة على قوافلهم التجارية في طريقهم الى مكة. والطريف أن السرايا انما كانت تخوّفهم حين توجّههم للدخول الى مكة ، لا حين خروجهم منها الى الشام. فالآية على هذا تضمّنت امضاء بعث السرايا ، قبل نزول قوله سبحانه : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ...)(٣)

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٣٦٣.

(٢) البقرة : ١٤٢.

(٣) الحج : ٣٩.

٨٨

من سورة الحج المتأخرة النزول بغير قليل.

ومنها : ما يفهم من قوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(١).

وقال ابن اسحاق : قال رافع بن حريملة لرسول الله : يا محمد ، إن كنت رسولا من الله ـ كما تقول ـ فقل لله فليكلّمنا حتى نسمع كلامه ، فأنزل الله تعالى في ذلك الآية (٢).

وقد نقل الطوسي عن ابن عباس أن المعنيّ بهذه الآية هم اليهود (٣) وقد سبق قوله سبحانه : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ)(٤).

ونقل الطوسي هناك عن ابن عباس أيضا : أنهم الذين اختارهم موسى من قومه ، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره ، وحرّفوا القول في إخبارهم لقومهم حين رجعوا إليهم (٥).

وعليه فالذين لا يعلمون والذين من قبلهم من اليهود تشابهت قلوبهم وعقولهم في الجهل.

ومنها : ما يفهم من قوله سبحانه : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا

__________________

(١) البقرة : ١١٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٨.

(٣) التبيان ١ : ٤٣٤ ومجمع البيان ١ : ٣٧٠.

(٤) البقرة : ٧٥.

(٥) التبيان ١ : ٣١٣ ومجمع البيان ١ : ٢٨٥.

٨٩

قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ* قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ* أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(١).

وروى الطوسيّ في «التبيان» عن ابن عباس أنه قال : قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله : ما الهدى الّا ما نحن عليه ، فاتّبعنا يا محمد تهتد (٢) وروى ابن اسحاق مثله وقال : فأنزل الله تعالى في ذلك : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً) الى قوله سبحانه : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(٣).

وعن الطوسي عن ابن عباس نقله الطبرسي في «مجمع البيان» ولكنّه أضاف الى ابن صوريا : كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، وجماعة من اليهود (٤) وقد

__________________

(١) البقرة : ١٣٥ ـ ١٤١.

(٢) التبيان ١ : ٤٧٩.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٨.

(٤) مجمع البيان ١ : ٤٠٢.

٩٠

عطف هؤلاء النصارى على اليهود في هذا القول من دون أن يسمّوا أحدا منهم ، ولا أظنّه الّا مجاراة لعطف الآية النصارى على اليهود. بينما يكفي لعطف النصارى في الآية أن يكونوا يقولون بمثل ما قال اليهود ، ولا ضرورة لوقوع القول هذا منهم مع اليهود. وأضافهم الطبرسي الى نجران ، ولم يعهد ورود منهم الى المدينة للمناقشة سوى المباهلة وهي متأخرة عن أوائل الهجرة بغير قليل.

وأضاف الطوسي في «التبيان» عن ابن عباس لمناسبة تسمية الأنبياء قال : إنّ نفرا من اليهود (ولعلهم الذين سمّاهم الطبرسي) أتوا رسول الله فسألوه عمّن يؤمن به من الرسل. فقال : أؤمن بالله وما انزل إلينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط ، وما اوتي موسى وعيسى. فلما ذكر عيسى قالوا : لا نؤمن بعيسى ، ولا نؤمن بمن آمن به! فأنزل الله فيهم الآيات (١).

ولعلّ ابن صوريّا هنا قال كلمته تلك ، فالظاهر اتحاد القصتين لا تعدّدهما.

وستأتي بقية آيات البقرة ضمن حوادث السنة الثانية للهجرة : ١٦٥.

* * *

__________________

(١) التبيان ١ : ٤٨١.

٩١
٩٢

أهم حوادث

السنة الثانية للهجرة

٩٣
٩٤

أولى الغزوات غزوة الأبواء (١) :

لا تختلف رواية الواقدي ومن قبله رواية ابن اسحاق في أن غزوة الأبواء هي أول غزوة غزاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه ، الّا أن ابن اسحاق قال : قدم رسول الله المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ... فأقام بها بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر ، والجماديين ، ورجبا وشعبان ، وشهر رمضان ، وشوّالا ، وذا القعدة وذا الحجة والمحرم.

ثم خرج غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة ، حتى بلغ ودّان ـ وهي غزوة الأبواء ـ يريد قريشا (٢).

وقال الواقدي : ثم غزا رسول الله في صفر على رأس أحد عشر

__________________

(١) الأبواء : من قرى المدينة بعد الجحفة بثلاث وعشرين ميلا ـ ٤٦ كم ـ معجم البلدان ١ : ٩٢.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤١.

٩٥

شهرا (١) حتى بلغ الأبواء ، يعترض لعير قريش ، فلم يلق كيدا (ولم يذكر ودّان) (٢).

ولاقى بني ضمرة من كنانة ، فوادعه سيدهم مخشيّ بن عمرو الضمري (٣) فكاتبهم على أن لا يعينوا عليه أحدا ولا يكثروا عليه (فكان ثاني عهد بعد عهد اليهود) ثم رجع ، فكانت غيبته عن المدينة خمس عشرة ليلة (٤) وكان معه في هذه الغزوة علي عليه‌السلام (٥) فلعله هو الذي كتب كتاب العهد.

فأقام في المدينة بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الأول (٦).

زواج علي بالزهراء عليهما‌السلام (العقد):

واختلفوا في زواج الزهراء بعلي عليهما‌السلام ، وأقدم مؤرخ تقدم في زواجها بتاريخ أسبق من غيره هو اليعقوبي قال : زوّجها رسول الله من علي بعد قدومه بشهرين ، وقد كان جماعة من المهاجرين خطبوها الى رسول الله ، فلما زوّجها عليا قالوا في ذلك ، فقال رسول الله : ما أنا زوّجته ولكنّ الله زوّجه (٧).

وروى الكليني في «روضة الكافي» بسنده عن سعيد بن المسيّب في حديث الهجرة قال سعيد : فقلت لعلي بن الحسين : فمتى زوّج رسول الله فاطمة من

__________________

(١) وانما يختلف الواقدي عن ابن اسحاق في عد بقية ربيع الأول ، فالأول لا يدخلها في الحساب والثاني يعدّها شهرا.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١٢.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤١.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٢.

(٥) الارشاد ١ : ٧٩ برواية البختري القرشي.

(٦) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٤١.

(٧) اليعقوبي ٢ : ٤١.

٩٦

علي عليهما‌السلام؟ قال : بالمدينة بعد الهجرة بسنة ، وكان لها يومئذ تسع سنين (١).

وينسجم هذا مع ما رواه الطبري عن الواقدي بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : تزوّج علي بن أبي طالب عليه‌السلام فاطمة لليال بقين من شهر صفر من السنة الثانية (٢).

واكمله في موضع آخر وبنفس السند قال : وبنى بفاطمة عليها‌السلام في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا (٣).

وبالسند والنص (الا : لليال بقين من) رواه الدولابي في «الذرية الطاهرة» عن الصادق عليه‌السلام (٤).

وبمعناه قال المسعودي : كان تزويج فاطمة بعلي عليهما‌السلام بعد سنة مضت من الهجرة وقيل أقل من ذلك (٥) ثم عين الأقل فقال : وفي شهر صفر من السنة الثانية تزوّج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بفاطمة (٦) وفي آخر هذه السنة ـ سنة اثنتين من الهجرة ـ كان دخول علي بن أبي طالب بفاطمة (٧) ثم عين الشهر فقال : في شهر ذي الحجة بنى عليّ بفاطمة عليهما‌السلام (٨) من دون ان يسند ذلك الى قول الصادق أو الباقر عليهما‌السلام.

__________________

(١) روضة الكافي : ١٨٠.

(٢) الطبري ٢ : ٤١٠.

(٣) الطبري ٢ : ٤٨٥.

(٤) الذرية الطاهرة : ٩٣ وعنه في كشف الغمة ١ : ٣٦٤ وبتصحيف صفر الى رمضان! وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ وبمعناه عن المنتقى في بحار الأنوار ١٩ : ١٩٢.

(٥) مروج الذهب ٢ : ٢٨٢.

(٦) التنبيه والاشراف : ٢٠٢.

(٧) مروج الذهب ٢ : ٢٨٨.

(٨) التنبيه والاشراف : ٢٠٧. وعن اليوم قال المفيد في «مسار الشيعة» كان ذلك : في أوّل يوم منه : ٥٣ ط. قم ، والطوسي في المصباح ، كما في البحار ٤٣ : ٩٢.

٩٧

وبمعناه الاصفهاني في «مقاتل الطالبيين» عن الواقدي بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : كان تزويج علي بن أبي طالب بفاطمة في صفر بعد مقدم رسول الله المدينة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر (١) وهذا صريح في أمر شهر صفر أنه الأول بعد الهجرة.

ويلاحظ أن الاصبهاني يطابق الطبري في الاسناد عن الواقدي الى الباقر عليه‌السلام بواسطتين هما : أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن اسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، فالطبري يقول : عن أبي جعفر. ويكمل الاصبهاني : عن أبي جعفر محمد بن علي.

وينفرد عنهما الدولابي بنفس سند الواقدي الا أنه عن : جعفر بن محمد. وتتفق الروايات الثلاثة في تاريخ الزواج في شهر صفر بعد الهجرة ، وينفرد الطبري بقوله : لليال بقين من صفر. بقوله : «وبنى بها في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا» أي بعد قدومه من بدر بشهرين.

ويتوجه هذا أن يكون هو الصحيح من عبارة اليعقوبي «بعد قدومه بشهرين» فلعله سقط منه «منه بدر» (٢).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٣٠ وأضاف : ولها يومئذ ثماني عشرة سنة!. وفي بحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ نقل المجلسي عن الاقبال عن حدائق الرياض للمفيد قال : في ليلة الخميس الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاث من الهجرة كان زفاف فاطمة! ولم يسنده الى رواية.

(٢) أما ما انفرد به محمد بن سعد كاتب الواقدي عنه في «الطبقات» وعنه السبط في «التذكرة» عن الباقر عليه‌السلام أيضا قال «تزوج عليّ فاطمة في رجب بعد الهجرة بخمسة أشهر وبنى بها بعد مرجعه من بدر» فهو مما انفرد به مخالفا لما رووه قويا عن الواقدي نفسه عن الباقر عليه‌السلام ، وموافقا للعامة ولا سيما في ذيله : «وفاطمة يومئذ بنت ثمان عشرة سنة» فهو مردود عليه.

٩٨

إذن ، فالراجح أن نبني في تاريخ الزواج على تحديد الطبري : لليال بقين من صفر. وفي تاريخ الزفاف على تحديد الدولابي ، باضافة تحديد اليوم من «مصباح المتهجّد» قال : في أول يوم من ذي الحجة زوّج رسول الله فاطمة من أمير المؤمنين عليهما‌السلام (١).

وعليه فالفاصل الزمني بين الأمرين كان عشرة أشهر تقريبا ، ولعل الاسراع بالعقد عليها كان ليقول الرسول كلمة الفصل في الاجابة على الخطوبات الملحّة لها ، وعدم الاسراع في زفافها كان نظرا لصغرها ريثما تتعدى طور الصّبا وتكبر عنه شيئا ما فتبلغ مبالغ النساء جسدا ، وان كانت هي سيدتهنّ عقلا ونبلا ، وحكمة ودراية بالامور ، بل هي معصومة عن الرجس والشرور ، وعن التقصير والقصور.

واذا كان التاريخ قد ذكر مكث علي عليه‌السلام بمكة لأداء الأمانات لدى رسول الله الى أهلها ثم حمل الفواطم الى المدينة ، فانا لا نجد فيه عن منزل هؤلاء الفواطم شيئا يذكر ، فهل نزلن أو بعضهن ولا سيما فاطمة ابنة الرسول ثم اختها أمّ كلثوم على ابيهما في منزل أبي أيوب؟ أم ما ذا؟

وروى الطبرسي في «إعلام الورى» عن علي بن ابراهيم القمي قال : وكان رسول الله حيث بنى منازله كانت فاطمة عليها‌السلام عنده ، فخطبها أبو بكر ، فقال له رسول الله : أنتظر أمر الله عزوجل ، ثم خطبها عمر فقال له مثل ذلك. فقالوا لعلي : لم لا تخطب فاطمة؟ قال : والله ما عندي شيء. فقيل له : إن رسول الله لا يسألك شيئا.

فجاء الى رسول الله فاستحيا أن يسأله ، فرجع.

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٩٢.

٩٩

ثم جاءه في اليوم الثاني فاستحيا ، فرجع.

ثم جاءه في اليوم الثالث. فقال له رسول الله : يا علي ، ألك حاجة؟ قال :

نعم يا رسول الله قال : لعلك جئت خاطبا؟

قال : نعم ، يا رسول الله.

قال : فهل عندك شيء يا علي؟

قال : ما عندي شيء ـ يا رسول الله ـ الّا درعي (١).

فزوّجه رسول الله على اثنتي عشرة اوقية ونش (٢) ودفع إليه درعه (٣).

وهذا الخبر اذا كان مرفوعا ثم لم يسمّ القائل لعلي عليه‌السلام : لم لا تخطب فاطمة ، فان الدولابي في «الذرّية الطاهرة» روى بسنده عن الحارث (الهمداني) عن علي عليه‌السلام قال : خطب أبو بكر وعمر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأبى رسول الله عليهما. فقال عمر : أنت لها يا علي. فقلت : ما لي من شيء الّا درعي أرهنها (٤).

ولعلّه عليه‌السلام أرهنها وثيقة لاستدانته مبلغ المهر وأدّى دينه بعد بدر من سهمه من غنائمها ، ثم زفّت إليه الزهراء عليها‌السلام.

واذا لم يكن في خبر القمي : من قال له : إن رسول الله لا يسألك شيئا ، ومن أين له الدرع؟ فقد روى الدولابي أيضا بسنده عن مجاهد عن علي عليه‌السلام قال : قالت لي مولاة لي : إنّ فاطمة قد خطبت ، فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوّجك (اياها).

فقلت : وعندي شيء أتزوج به؟

فقالت : إنك إن جئت رسول الله زوّجك.

__________________

(١) من هنا يعلم أنه كان قد أعدّ درعا لنفسه للمشاركة في السرايا التي كانت قد بدأت.

(٢) النش : هو النصف أي ونصف الاوقية ، وقد مرّ في مهر الرسول لخديجة تقديره.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٦١ وليس في تفسير القمي. ومعنى الخبر أن المهر كان غائبا على الذمة.

(٤) الذرية الطاهرة : ٩٣.

١٠٠