موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

بيعة الرضوان :

ثم إنّ قريشا بعثوا سهيل بن عمرو [العامري] وحويطب بن عبد العزّى ، ومكرز بن حفص [قائد الأسرى الخمسين لرسول الله للصلح].

وقد بلغ رسول الله أنّ عثمان وأصحابه [المهاجرين العشرة] قد قتلوا ... فأقبل رسول الله يؤم منزل غزية بن عمرو المازني من بني النجّار ومعه زوجته أمّ عمارة ، فجلس في رحالهم ثم قال : إن الله أمرني بالبيعة. فتداكّ الناس يبايعونه ، بايعهم على أن لا يفرّوا (١).

وقال الطبرسي في «اعلام الورى» : فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفرّوا عنه أبدا (٢).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٠٢ ، ٦٠٣.

(٢) اعلام الورى ١ : ٢٠٤ ومثله في المناقب ١ : ٢٠٢. هذا ، وقد روى ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٣٠ : عن عبد الله بن ابي بكر : أنّ الناس كانوا يقولون : بايعهم رسول الله على الموت ، وكان جابر بن عبد الله الانصاري يقول : إنّ رسول الله لم يبايعنا على الموت ، ولكن بايعنا على أن لا نفرّ ، فبايعه الناس ولم يتخلف عنه أحد حضرها من المسلمين ، الا الجد بن قيس من بني سلمة ، والله لكأنّي انظر إليه لاصقا بإبط ناقته يستتر بها من الناس. ثم أتى رسول الله أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل وروى الواقدي في المغازي ٢ : ٥٩١ : عن أبي قتادة الأنصاري قال : لما دعا رسول الله الى البيعة فرّ الجد بن قيس فدخل تحت بطن البعير ، وقلت له : ويحك ما أدخلك هاهنا؟ أفرارا مما نزل به روح القدس؟! قال : لا ، ولكنّي سمعت البيعة فرعبت!

ومات الجدّ بن قيس في خلافة عثمان في ماله بالواديين.

وروى الطبري في تأريخه ٢ : ٦٣٢ : بسنده عن سلمة بن الاكوع قال : بينما نحن قافلون من

٦٢١

وقال المفيد في «الارشاد» : إنّ عليا عليه‌السلام طرح ثوبا بينه صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين النساء فبايعنه بمسح الثوب ، ورسول الله يمسح الثوب مما يليه (١).

وروى الكليني : أن رسول الله ضرب باحدى يديه على الاخرى لعثمان (٢).

وأنبأ النبي عن الوصيّ :

وروى في «الارشاد» بسنده عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : انقطع شسع نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدفعها الى علي عليه‌السلام يصلحها ، ثم مشى في نعل واحدة غلوة (رمية سهم) أو نحوها ، وأقبل على أصحابه فقال : ان منكم من يقاتل على التأويل كما قاتل معي على التنزيل.

فقال أبو بكر : أنا ذاك يا رسول الله؟ قال : لا.

فقال عمر : فأنا يا رسول الله؟ قال : لا.

فأمسك القوم ونظر بعضهم الى بعض ، فقال رسول الله : لكنّه خاصف النعل ـ وأومأ الى علي عليه‌السلام وقال ـ إنّه المقاتل على التأويل اذا تركت سنّتي ونبذت ،

__________________

ـ الحديبية اذ نادى منادي النبيّ : أيها الناس ، البيعة البيعة ، نزل روح القدس. فسرنا الى رسول الله وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه.

ويبدو منه أن البيعة كانت بعد الصلح والرجوع! وهو أمر غريب منفرد ، ويبدو لي التصحيف في لفظ (قافلون من) عن (قائلون في) أي كنّا في نومة القيلولة قبل الزوال في الحديبية ، لا قافلين منها. ومعه ينسجم قوله : فسرنا الى رسول الله تحت الشجرة ، وأيضا نداء المنادي ، ولو كانوا قافلين لاقتضى الامر غير ذلك.

(١) الارشاد ١ : ١١٩.

(٢) روضة الكافي : ٢٦٨.

٦٢٢

وحرّق كتاب الله ، وتكلّم في الدين من ليس له ذلك ، فيقاتلهم علي على احياء دين الله عزوجل (١).

وكأنّ الشيخ المفيد رأى وحدة أو تقارب هذا الحديث مع ما رواه في لقاء سهيل بن عمرو العامري برسول الله سفيرا للصلح معه قال : أقبل سهيل بن عمرو الى النبي فقال له : يا محمد إنّ أرقّاءنا لحقوا بك فارددهم علينا! فغضب رسول الله حتى تبين الغضب في وجهه ثم قال : لتنتهن ـ يا معشر قريش ـ أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للإيمان يضرب رقابكم على الدين!

فقال بعض من حضر : يا رسول الله ، أبو بكر ذلك الرجل؟ قال : لا.

قيل : فعمر؟ قال : لا ، ولكنه خاصف النعل في الحجرة.

فتبادر الناس الى الحجرة ينظرون من الرجل؟ فاذا هو امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

وفي «روضة الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ... فأمر رسول الله فأثيرت البدن في وجوههم ، فقالا : مجيء من جئت؟

قال : جئت لأطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وانحر البدن واخلّي بينكم وبين لحماتها.

فقالا : إنّ قومك يناشدونك الله والرحمة أن تدخل عليهم بلادهم بغير اذنهم

__________________

(١) رواه المعتزلي بسندين عن أبي سعيد الخدري ٣ : ٢٠٦ وقبله الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢ وقبله أبو يعلى الموصلي في مسنده ٢ : ٣٤١. وقبله احمد في مسنده ٣ : ٨٢.

(٢) الارشاد ١ : ١٢٢ ـ ١٢٣.

٦٢٣

وتقطع أرحامهم وتجرّئ عليهم عدوّهم. فأبى رسول الله إلّا أن يدخلها (١).

وفي خبر القمي في تفسيره بسنده عنه عليه‌السلام أيضا قال : فبعثوا [مكرز بن] حفص بن الاخيف وسهيل بن عمرو ... فوافوا رسول الله فقالوا :

يا محمد ، ألا ترجع عنا عامك هذا ، الى أن ننظر الى ما ذا يصير أمرك وأمر العرب (؟) فان العرب قد تسامعت بمسيرك ، فإن دخلت بلادنا وحرمنا استذلّتنا العرب واجترأت علينا. ونخلّي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر [ذي القعدة] ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنا؟

فأجابهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذلك ، وقالوا له :

وترد إلينا كل من جاءك من رجالنا ، ونرد إليك كل من جاءنا من رجالك؟ فقال رسول الله : من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه ، ولكن :

على أن المسلمين بمكة لا يؤذون في إظهارهم الاسلام ، ولا يكرهون ، ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الاسلام؟

فقبلوا ذلك. ورجع سهيل بن عمرو و [مكرز بن] حفص بن الاخيف الى قريش فأخبراهم بالصلح.

اعتراض بعض الصحابة :

قال القمي : فلما أجابهم رسول الله الى الصلح أنكر ذلك عامة الصحابة ، وأشد ما كان إنكارا [عمر بن الخطاب] فقال :

يا رسول الله ، ألسنا على الحق وعدونا على باطل؟

فقال : نعم.

__________________

(١) روضة الكافي : ٢٦٨.

٦٢٤

قال : فنعطي الدنية في ديننا؟

فقال : إنّ الله وعدني ، ولن يخلفني ...

فقال عمر : يا رسول الله ألم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام ونحلّق مع المحلّقين؟!

فقال : أمن عامنا هذا وعدتك وقلت لك : إنّ الله ـ عزوجل ـ قد وعدني أن أفتح مكة وأطوف وأسعى مع المحلّقين؟ (١).

ولما أكثروا عليه قال لهم رسول الله :

ألستم أصحابي يوم بدر أنزل الله فيكم : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)(٢).

ألستم أصحابي يوم احد : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ

__________________

(١) وفي التبيان ٩ : ٣٣٥ : روى : أنّ رسول الله حيث قاضى أهل مكة يوم الحديبية وهمّ بالرجوع الى المدينة قال له عمر : يا رسول الله ، أليس وعدتنا أن ندخل المسجد الحرام محلّقين ومقصّرين؟! فقال له رسول الله : قلت لكم : إنّا ندخلها العام؟ فقال : لا. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإنّكم تدخلونها إن شاء الله.

ورواه الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ١٨٠ ، عن الزهري عن المسور بن مكرمة عن عمر قال : والله ما شككت مذ أسلمت إلّا يومئذ فأتيت النبي فقلت : ألست نبي الله؟! فقال : بلى! قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟! قال : بلى! قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟! قال : إنّي رسول الله ولست اعصيه ، وهو ناصري. قلت : أو لست كنت تحدثنا : أنا سنأتي البيت ونطوف حقا؟! قال : بلى ، أفأخبرتك أن نأتيه العام؟! قلت : لا ، قال : فإنّك تأتيه وتطوف به.

وانظر سيرة ابن هشام ٣ : ٣٣١ ومغازي الواقدي ٢ : ٦٠٦ و ٦٠٩.

(٢) الأنفال : ٩.

٦٢٥

يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ...)(١).

ألستم أصحابي يوم كذا؟ ألستم أصحابي يوم كذا؟

فاعتذروا الى رسول الله وندموا على ما كان منهم ، وقالوا : الله أعلم ورسوله ، فاصنع ما بدا لك (٢).

قبول قريش بالصلح :

قال : ورجع [مكرز بن] حفص بن الاخيف وسهيل بن عمرو الى رسول الله وقالا :

يا محمد ، قد أجابت قريش الى ما اشترطت عليهم من إظهار الاسلام وان لا يكره أحد على دينه (٣).

ثم قال : يا أبا القاسم ، إنّ مكة حرمنا وعزّنا ، وقد تسامعت العرب بك أنّك قد غزوتنا ، ومتى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطف ، وإنّا نذكّرك الرحم ، فإن مكة بغيتك التي تفلّقت عن رأسك.

فقال له رسول الله : فما تريد؟

قال : اريد أن اكتب بيني وبينك هدنة ؛ على أن اخلّيها لك في قابل فتدخلها ، ولا تدخلها بخوف ولا فزع ولا سلاح ، إلّا بسلاح الراكب : القسّي ، والسيوف في القراب (٤).

__________________

(١) آل عمران : ١٥٣.

(٢) وروى مثله الواقدي في المغازي ٢ : ٦٠٩.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١١ ، ٣١٢.

(٤) اعلام الورى ١ : ٢٠٤.

٦٢٦

قال المفيد في «الارشاد» لما ضرع سهيل بن عمرو الى النبيّ عليه‌السلام في الصلح نزل الوحي عليه بالاجابة الى ذلك ، وأن يجعل أمير المؤمنين عليه‌السلام كاتبه يومئذ والمتولي لعقد الصلح بخطّه (١).

نصّ معاهدة الصلح :

قال الطبرسي في «إعلام الورى» : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأخذ أديما أحمر فوضعه على فخذه (٢).

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم.

فقال سهيل : ما أدري ما الرحمن ... إلّا اني أظنه هذا الذي باليمامة ، ولكن اكتب كما نكتب : باسمك اللهم [فكتب باسمك اللهم].

فقال : واكتب : هذا ما قاضى عليه رسول الله سهيل بن عمرو.

فقال سهيل : فعلام نقاتلك يا محمد؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله (٣).

فقال له سهيل : لا اجيبك إلى كتاب تسمى فيه رسول الله ، ولو أعلم أنك رسول الله لم اقاتلك ، إنّي إذا ظلمتك إذ منعتك أن تطوف ببيت الله وأنت رسول الله ، ولكن اكتب : «محمد بن عبد الله» اجبك.

قال علي عليه‌السلام : فغضبت فقلت : بلى والله إنّه لرسول الله وإن رغم أنفك!

فقال رسول الله : يا علي ، إنّي لرسول الله ، وإنّي لمحمد بن عبد الله ، ولن يمحو

__________________

(١) الارشاد ١ : ١١٩ واشار إليه الحلبي في المناقب ١ : ٢٠٣.

(٢) إعلام الورى ١ : ٢٠٤.

(٣) روضة الكافي : ٢٦٨ ، ٢٦٩ باسناده عن الصادق عليه‌السلام.

٦٢٧

عنّي الرسالة كتابي إليهم : من محمّد بن عبد الله ، فاكتب : محمد بن عبد الله. اكتب ما يأمرك ، إنّ لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد! (١)

فمحا رسول الله اسمه بيده ، وأمرني فكتبت : «محمد بن عبد الله (٢) والملأ من قريش وسهيل بن عمرو ، اصطلحوا على :

وضع الحرب بينهم عشر سنين (٣) على ان يكفّ بعض عن بعض ، وعلى أنّه لا إسلال ولا إغلال (٤) وأن بيننا وبينهم غيبة مكفوفة.

وأنه من أحبّ أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل ، وأن من احبّ أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل.

وأنه من أتى من قريش الى أصحاب محمد بغير اذن وليّه يردوه إليه. وأنه من أتى قريشا من اصحاب محمد لم يردوه إليه.

__________________

(١) وقعة صفين : ٥٠٨ و ٥٠٩ بسنده عن علي عليه‌السلام قالها يوم صفّين. ورواه الطوسي في أماليه : ١٨٧ ح ٣١٥ عن أبي مخنف عنه عليه‌السلام قال : فامتنعت من محوه (لقول سهيل) فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : امحه يا علي ، وستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض. وفي تفسير القمي ٢ : ٣١٣ : لتجيبن أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد. ومثله في الارشاد ١ : ١٢١ وإعلام الورى ١ : ٢٠٤ و ٣٧٢ والخرائج والجرائح ١ : ١١٦ ح ١٩٢ ومناقب آل أبي طالب ٣ : ١٨٤.

(٢) اليعقوبي ٢ : ١٨٩ في صفين و ١٩٢ في النهروان وتفسير القمي ٢ : ٣١٣ والارشاد ١ : ١٢١. واعلام الورى ١ : ٢٠٤ و ٣٧٢ ومجمع البيان ٩ : ١٧٩ عن الزهري ومناقب الحلبي ٣ : ١٨٤. وفي أخبار الكافي وأمالي الطوسي وصفين للمنقري واليعقوبي : أنّه عليه‌السلام أبى أن يمحو وصف الرسالة على سهيل بن عمرو وليس على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١٤ وكذلك في خبر الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ١٧٩ عن الزهري. وذكر الحلبي في المناقب ١ : ٢٠٣ : سبع سنين. واليعقوبي ٢ : ٥٤ : ثلاث سنين.

(٤) الاسلال : سل السيوف ، والإغلال من الغل أي الأسر ، أو الغلّ أي الغشّ.

٦٢٨

وأن يكون الاسلام ظاهرا بمكة ، لا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعيّر.

وأن محمدا يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه ، ثم يدخل في العام القابل مكة فيقيم فيها ثلاثة أيام (١) ، ولا يدخل عليها بسلاح الّا سلاح المسافر : السيوف في القراب. وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار. وكتب علي بن ابي طالب».

ثم قال رسول الله لعلي عليه‌السلام : يا علي ، إنّك إن أبيت أن تمحو اسمي من النبوة فو الذي بعثني بالحق نبيا لتجيبنّ أبناءهم الى مثلها وأنت مضيض مضطهد (٢).

فلما كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت : نحن في عهد محمد رسول الله وعقده.

وقامت بنو بكر فقالت : نحن في عهد قريش وعقدها.

وكتبوا نسختين ، نسخة عند رسول الله ، ونسخة عند سهيل بن عمرو (٣).

__________________

(١) وأن ترفع الاصنام (أي : في هذه الايام الثلاثة) عن الصادق عليه‌السلام كما في تفسير العياشي ١ : ٧٠.

(٢) قال القمي : فلما كان يوم صفين ورضوا بالحكمين ، كتب : هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن ابي سفيان. فقال عمرو بن العاص : لو علمنا أنك أمير المؤمنين ما حاربناك ، ولكن اكتب : هذا ما اصطلح عليه علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : صدق الله وصدق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك. ثم كتب الكتاب ٢ : ٣١٤. وروى المفيد في الارشاد ١ : ١٢١ : أن النبيّ قال لعلي عليه‌السلام : ستدعى الى مثلها فتجيب وأنت على مضض. ونقلها الطبرسي في اعلام الورى ١ : ٢٠٤ و ٣٧٢. وفي مجمع البيان ٩ : ١٨٠ عن محمد بن اسحاق عن بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب. ولا يوجد الخبر في السيرة ، فلعله مما هذّبه ابن هشام. ورواه الراوندي عن علي عليه‌السلام في الخرائج والجرائح ١ : ١١٦.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١٤. وروى الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ١٧٩ عن الزهري عن المسور

٦٢٩

__________________

ـ ابن مخرمة : قال اكتب : «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، يأمن فيهنّ الناس ويكفّ بعضهم عن بعض.

وعلى أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجّا أو معتمرا ، أو يبتغي من فضل الله ، فهو آمن على دمه وماله. ومن قدم المدينة من قريش مجتازا الى مصر أو الى الشام فهو آمن على دمه وماله.

وأنّ بيننا عيبة مكفوفة. وأنه لا إسلال ولا إغلال.

وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا. ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك.

وعلى أنّك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة ، فاذا كان عام قابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا ، ولا تدخلها بالسلاح إلّا بالسيوف في القراب وسلاح الراكب. وعلى أن الهدي حيث ما حبسناه محله ، لا تقدمه علينا ...».

وتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده.

وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم.

وذكر الخبر مختصرا في اعلام الورى ١ : ٢٠٤ بدون ذكر المدة.

وذكر مختصر الخبر الحلبي في مناقب آل ابي طالب ١ : ٢٠٣ الا أنه ذكر المدة سبع سنين.

وأشار إليه وذكر مادتين منه الكليني في روضة الكافي : ٢٦٨ عن الصادق عليه‌السلام.

وهل كتب النسختين علي عليه‌السلام؟ قيل : كتب الثانية محمد بن مسلمة الانصاري كما في مكاتيب الرسول ١ : ٢٨٨.

٦٣٠

ابو جندل بن سهيل :

في خبر الطبرسي في «مجمع البيان» عن المسور بن مخرمة : بينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، قد خرج من اسفل مكة ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. وكان [مسلما] قد عذّب عذابا شديدا.

فقال سهيل : هذا ـ يا محمد ـ أول ما اقاضيك عليه أن ترده.

فقال النبيّ : إنّا لم نقض بالكتاب بعد!

قال : والله ـ اذا ـ لا اصالحك على شيء أبدا.

فقال النبيّ : فأجره لي. فقال : ما أنا بمجيره لك. قال : بلى ، فافعل. قال : ما أنا بفاعل!

فقال مكرز بن حفص : بلى قد أجرناه.

فقال ابو جندل بن سهيل : معاشر المسلمين ، أارد الى المشركين وقد جئت مسلما؟! الا ترون ما قد لقيت؟! (١).

قال : فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيده وقال : اللهم إن كنت تعلم أنّ أبا جندل لصادق فاجعل له من أمره فرجا ومخرجا.

ثم أقبل على الناس وقال : إنّه ليس عليه بأس ، إنّما يرجع الى أبيه وأمه ، وإنّي

__________________

ـ وروى الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ١٨٦ عن عبد الله بن المغفل : بينما كان رسول الله جالسا في ظل شجرة وبين يديه علي عليه‌السلام يكتب كتاب الصلح ، فخرج ثلاثون شابا عليهم السلاح فدعا عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ الله بأبصارهم ، فقمنا فأخذناهم ، فخلى سبيلهم.

(١) مجمع البيان ٩ : ١٨٠.

٦٣١

اريد أن أتمّ لقريش شرطها (١).

قال القمي : ورجع سهيل بن عمرو [بابنه ومعه مكرز بن] حفص بن الأخيف الى قريش ، فأخبراهم (٢) بالأمر.

خروجهم من إحرام العمرة :

روى القمي في تفسيره بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : وقال رسول الله لأصحابه : انحروا بدنكم ، واحلقوا رءوسكم. فامتنعوا وقالوا : كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ، ولم نسع بين الصفا والمروة؟!

فاغتم رسول الله من ذلك ، وشكى ذلك الى أمّ سلمة.

فقالت : يا رسول الله ، انحر أنت واحلق.

فنحر رسول الله وحلق. فنحر القوم على حيث يقين وشكّ وارتياب! (٣).

__________________

(١) اعلام الورى ١ : ٢٠٥. وذكر مختصره الحلبي في المناقب ١ : ٢٠٣ ، ٢٠٤.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣١٤ عن الصادق عليه‌السلام ، وعنه في روضة الكافي : ٢٦٨ بلفظ آخر.

(٣) وقال الواقدي في المغازي ٢ : ٦١٣ : لما فرغ رسول الله من الكتاب ... قال لاصحابه : قوموا فانحروا واحلقوا! فلم يجبه منهم رجل الى ذلك! فقالها رسول الله ثلاث مرات ، كل ذلك يأمرهم ، فلم يفعل واحد منهم ذلك!

فانصرف رسول الله حتى دخل على زوجه أمّ سلمة مغضبا شديد الغضب ، قالت : واضطجع ، فقلت له : ما لك يا رسول الله؟ مرارا [وهو] لا يجيبني. ثم قال : عجبا ـ يا أمّ سلمة ـ إنّي قلت للناس : انحروا واحلقوا وحلّوا مرارا ، فلم يجبني أحد من الناس الى ذلك وهم يسمعون كلامي وينظرون في وجهي!

فقلت : يا رسول الله ، انطلق الى هديك فانحره فانهم سيقتدون بك.

٦٣٢

فقال رسول الله ـ تعظيما للبدن : رحم الله المحلّقين ؛ لأنّ من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق.

فقال قوم لم يسوقوا البدن : يا رسول الله ، والمقصّرين؟

فقال رسول الله ثانيا : رحم الله المحلّقين الذين لم يسوقوا الهدي.

فقالوا : يا رسول الله والمقصّرين؟

فقال : رحم الله المقصّرين (١).

__________________

ـ فقام واضطبع بثوبه [الاحرام ، جعل طرفه تحت ابطه الايمن والآخر على كتفه الايسر] وأخذ الحربة وخرج يزجر هديه ، وأهوى بالحربة الى البدنة رافعا صوته : بسم الله والله اكبر. فما أن رأوه نحر حتى تواثبوا الى هديهم فازدحموا عليه.

وأكل المسلمون من هديهم الذي نحروا ، وأطعموا المساكين والمعترّ (المتعرض للسؤال) ومن يسأل ممن حضر غير كثير.

وحين فرغ النبي من نحر البدن دخل قبة له من أدم حمراء فحلق الحلّاق رأسه ، فخرج من قبّته وهو يقول رحم الله المحلّقين ـ ثلاثا ـ فقيل يا رسول الله ، والمقصّرين؟ فقال : والمقصّرين. وقد حلق ناس ، وقصّر آخرون. وقصّر النساء. والذي حلق النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم خراش بن أميّة.

وقد أقام بالحديبية بضعة عشر يوما أو عشرين ٢ : ٦١٦.

(١) تفسير القمي ٢ : ٣١٤. وفي الاستبصار ٢ : ٤٢ ، والتهذيب ٥ : ٤٣٨ وعن الصادق عليه‌السلام في الفقيه ٢ : ١٣٩ والتهذيب ٥ : ٢٤٣ و ٤٣٨ و ٥١٦ والذي تولى ذلك خراش بن أميّة الخزاعي ، في فروع الكافي ١ : ٢٣٥ والفقيه ٢ : ١٥٥ والتهذيب ٥ : ٤٥٨ و ٥٧٨. وفي السيرة ٣ : ٣٣٣ وروى خبر المحلّقين والمقصّرين عن ابن عباس ، وأنّه كان في هديه جمل أبي جهل ليغيظ المشركين.

٦٣٣

في طريق العودة :

قالوا : أقام رسول الله بالحديبية بضعة عشر يوما (١) ثم انصرف راجعا نحو المدينة ، فعاد الى التنعيم (٢) فجاء اصحابه الذين أنكروا عليه الصلح واعتذروا إليه واظهروا الندامة على ما كان منهم ، وسألوا رسول الله أن يستغفر لهم ... فنزل (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)(٣).

وروى الطبرسي في «مجمع البيان» عن مجمع بن جارية (٤) الأنصاري ـ وكان من القرّاء ـ قال : شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهذون الأباعر (٥) فقال بعض الناس لبعض : ما بال الناس؟ قالوا : اوحي الى رسول الله. فخرجنا إليه فوجدناه على راحلته واقفا عند كراع الغميم (٦) فلما اجتمع إليه الناس قرأ :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ...).

فقال عمر : أفتح هو يا رسول الله؟!

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦١٦ والخرائج والجرائح ١ : ١٢٣ ، ١٢٤ برقم ٢٠٤.

(٢) كان أول منزل للخارج من مكة وهو اليوم مدخل مكة من جهة المدينة وجدّة. وتفسير القمي هنا : ونزل تحت الشجرة. وكأنه يشير الى أن بيعة الرضوان كانت بعد عقد الصلح! وهو غريب ، ولذلك أهملناه.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١٤. ونزول السورة في التبيان ٩ : ٣١٣ ومجمع البيان ٩ : ١٦٦ ، وإعلام الورى ١ : ٢٠٥. وقصص الأنبياء : ٣٧٤. والمناقب ١ : ٢٠٤.

(٤) في المجمع : حارثة ، عن الواقدي. في المغازي ٢ : ١١٧ : جارية ، ورجحناه ضبطا.

(٥) الهذي : سوق الابل سريعا.

(٦) على مرحلتين من مكة.

٦٣٤

قال : نعم ، والذي نفسي بيده ، إنّه لفتح (١).

وفي معنى الفتح :

نقل الطوسي في «التبيان» عن البلخي عن الشعبي في معنى الفتح في الحديبية :

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ١٦٧ ولم يذكر المصدر ، وقد روى الواقدي في المغازي ٢ : ٦١٧ : عن مجمّع ابن يعقوب عن أبيه عن مجمع بن جارية قال : لما كنا بضجنان [بعد عسفان] راجعين من الحديبية رأيت الناس يركضون ، فاذا هم يقولون : انزل على رسول الله ... فركضت مع الناس حتى توافينا عند رسول الله فاذا هو يقرأ : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ...).

وقد روى الصدوق في «عيون أخبار الرضا» باسناده الى ابن الجهم : أن المأمون قال للامام الرضا عليه‌السلام أخبرني عن قول الله ـ عزوجل ـ : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ...).

فقال الرضا عليه‌السلام : إنّ مشركي مكة كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلما جاءهم رسول الله بالدعوة الى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ* ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ). فلما فتح الله على نبيّه مكة (كذا) قال : يا محمد(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ...) عند مشركي مكة بدعائك الى التوحيد فيما تقدم.

(... وَما تَأَخَّرَ ...) لأنّ مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقى منهم لم يقدر على انكار التوحيد اذ دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.

فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن (عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٠٢).

٦٣٥

أن البئر فيها غارت فمجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها فظهر ماؤها حتى امتلأت به ، ثم بويع بيعة الرضوان ، ثم بلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس (١).

ونقله عنه الطبرسي في «مجمع البيان» وزاد : ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب وهم الروم على المجوس ، إذ فيه مصداق قول الله ـ تعالى ـ : (... وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ ...)(٢).

وقد قال المسعودي في «التنبيه والاشراف» في حوادث السنة السادسة : وفيها ظهرت الروم على قائد الفرس شهربراز صاحب پرويز فانكشف هو والفرس عن الروم (٣).

وقال في تعداد ملوك الروم بعد القيصر فوقاس : الثاني والعشرون من ملوك الروم المتنصّرة : هرقل بن فوقاس بن مرقس ، وكان من مدينة صلونيقية ... ملك لثلاث وثلاثين سنة مضت من ملك خسرو پرويز بن هرمز. وفي اول سنة من ملكه كانت هجرة رسول الله ... وملك خمسا وعشرين سنة (٤).

قال : وكان شهربراز صاحب جيش خسرو پرويز محاصرا للقسطنطينية ، فذهب هرقل إليه ومالأه على پرويز ، ففسد الحال بينه وبين پرويز ، وانكشف بجيشه

__________________

(١) التبيان ٩ : ٣١٣.

(٢) مجمع البيان ٩ : ١٦٧ والآيات من سورة الروم : ٣ ـ ٥.

(٣) التنبيه والاشراف : ٢٢٢ وتمام كلامه : وفيهم نزلت : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ ...). ولا بد أنه يقصد بنزولها فيهم صدقها اليوم.

(٤) أي : الى اول خلافة عثمان.

٦٣٦

عن محاصرة القسطنطينية ... فخرج هرقل في مراكب كثيرة في الخليج الى بحر الخزر واستنجد هناك بملوك اللان والخزر والسرير والانجاز وجرزان والأرمن وغيرهم على پرويز حتى صارت جيوشه الى الماهات من ارض الجبل واتصلت جيوشه الى ارض العراق ، فشن الغارات وقتل وسبى ، واحتال عليه پرويز بحيلة فانصرف راجعا الى القسطنطينية (١) هذا ، ولم يؤرخ هنا سنة هذه الغلبة الرومية على فارس.

وقال ابن العبري في «تأريخ مختصر الدول» : في السنة الخامسة عشرة من ملك هرقل ... غزا أهل هرقل (كذا) الفرس ، فافتتحوا مدينة كسرى (مدائن طسفون؟) وسبوا منها خلقا كثيرا وانصرفوا (٢).

فلعل لهذا الخبر أثرا في حال المسلمين والمشركين يومئذ.

وكرامة في عسفان :

وقال الواقدي في «المغازي» ثم نزل بمرّ الظهران ، ثم نزل عسفان وقد نفد زادهم (٣) فشكوا إليه ذلك فأمر أن يبسطوا الأنطاع ، وأن يأتوا ببقية أزوادهم فيطرحوها فيها.

ففعلوا. فقام ودعا بالبركة فيها ، ثم أمرهم أن يأتوه بأوعيتهم ، فملؤوها حتى لم يجدوا له محملا (٤).

__________________

(١) التنبيه والاشراف : ١٣٣ ـ ١٣٥.

(٢) تأريخ مختصر الدول : ٩١ ، ٩٢ واذا كانت الغلبة المشار إليها في الآية هي هذه وكانت في خبر السنة السادسة للهجرة والخامسة عشرة من ملك هرقل ، فلا تكون بداية ملكه مع اول الهجرة بل اوائل البعثة ، ولذلك قال ابن العبري : إنه ملك ثلاثين سنة.

(٣) المغازي ٢ : ٦١٦.

(٤) الخرائج والجرائح ١ : ١٢٣ ، ١٢٤ برقم ٢٠٤.

٦٣٧

وكانوا صائفين لا يجدون ماء ، وأذّن رسول الله بالرحيل ، فمطروا ، فنزل رسول الله ونزلوا معه ، فشربوا ما شاءوا (١).

استعراض سورة الفتح :

قال القمي (٢) والطبرسي (٣) والراوندي (٤) والحلبي (٥) بنزول سورة الفتح بعد انتهاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلح الحديبية بدايات رجوعه الى المدينة. ونقل الطوسي عن قتادة (٦) والطبرسي عنه وعن جماعة من المفسرين (٧) وعن مجمع بن جارية الانصاري مرسلا (٨) ونقله الواقدي مسندا (٩).

وقد مرّ الخبر عن القمي قال : كان رسول الله يستنفر بالاعراب في طريقه معه ، فلم يتّبعه منهم أحد ، وكانوا يقولون : أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦١٦. وبعد هذا روى الواقدي بسنده عن مجمّع بن جارية الخبر السابق عن مجمع البيان ، وفيه أن الآيات : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) نزلت في كراع الغميم (على مرحلتين من مكة) وفيما رواه الواقدي : لما كنا بضجنان (٢ : ٦١٨) ... وهو بعد كراع الغميم وبعد مر الظهران وعسفان. ورأينا أن الاول أولى وأوفق وأضبط واكمل ذيلا وأتم.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣١٤.

(٣) اعلام الورى ١ : ٢٠٥.

(٤) قصص الأنبياء : ٣٧٤.

(٥) المناقب ١ : ٢٠٤.

(٦) التبيان ٩ : ٣١٢ ، ٣١٣.

(٧) مجمع البيان ٩ : ١٦٦.

(٨) مجمع البيان ٩ : ١٦٧.

(٩) مغازي الواقدي ٢ : ٦١٧.

٦٣٨

وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم؟! إنه لا يرجع محمد وأصحابه الى المدينة أبدا (١) فلما قصد المسلمون قريشا في عقر دارهم وسلموا منهم وانصرفوا عنهم بصلح وأمان فكأنّ ذلك كان (فتحا مبينا) بالنسبة الى ما كان يظنّ بهم المشركون والمنافقون ونجد في الآيات الاوائل من السورة اشارة الى ذلك اذ قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ...* لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً* وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ... (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ ... بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً* بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)(٢) وهنا قال القمي : أي : قوم سوء ، وهم الذين استنفرهم في الحديبية.

ثم قال : ولما رجع رسول الله من الحديبية الى المدينة غزا خيبر ، فاستأذنه المخلّفون من الأعراب أن يخرجوا معه ، فقال الله : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣) وهذا بظاهره يفيد نزول هذه الآية ـ فما بعدها ـ بعد دخول الرسول الى المدينة وخروجه منها الى خيبر بعد الحديبية ، بينما لم يقل به القمي في نزول السورة ، وهنا قال : (فقال الله)

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٣١٠.

(٢) الفتح : ٤ ـ ١٢.

(٣) الفتح : ١٥.

٦٣٩

وليس : فأنزل الله.

والآية من دون تعبير تفسير القمي غير ظاهرة في ذلك ، بل تحتمل أن تكون إخبارا عما سيكون ، وكذلك في تفسير الطوسي (١) والطبرسي (٢) وقول الواقدي (٣).

وبيعة الرضوان تحت الشجرة كانت قبل عقد الصلح ، فلو كان الفتح المبين هو الفتح بالصلح ، فليس من الغريب أن يكون الفتح القريب في قوله سبحانه : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(٤) هو نفس ذلك «الفتح المبين» أيضا كما قال الواقدي (٥) ، لا فتح مكة كما عن الجبائي ، ولا فتح خيبر كما عن قتادة (٦) ولكن هي من المغانم الكثيرة التي يأخذونها فيما يأتي ، والتي وعدهم الله بها في الآية التالية. وعليه فالاشارة في قوله سبحانه : (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) إشارة الى نفس ذلك الفتح المبين القريب ، وكذلك قال الشيخ الطوسي : يعني الصلح. وعليه فالصلح ليس فتحا مبينا قريبا فحسب بل هو ـ مع بيعة الرضوان ـ غنيمة معجّلة لهم ، وهذا ما رآه الطوسي بحاجة الى التفسير فقال : وسمّيت بيعة الرضوان (غنيمة) لقول الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ)(٧) والآية بيّنت ما عجّل الله لهم من الفتح بعطف

__________________

(١) التبيان ٩ : ٣٢٢.

(٢) مجمع البيان ٩ : ١٧٣.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦١٩.

(٤) الفتح : ١٨.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٦٢١ عن الزهري عن سعيد بن المسيب.

(٦) التبيان ٩ : ٣٢٨ ومجمع البيان ٩ : ١٧٦.

(٧) التبيان ٩ : ٣٢٨.

٦٤٠