موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

الرأي ما أشار به الحُباب ، فقال رسول الله : يا حُباب ، أشرت بالرأي. فنهض رسول الله ففعل كل ذلك (١).

نزول قريش :

وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية.

وبعثت عبيدها (٢) تستعذب الماء فأخذهم أصحاب رسول الله (٣) وحبسوهم ، وقالوا لهم : من أنتم؟ قالوا : نحن عبيد قريش. قالوا : فأين العير؟ قالوا : لا علم لنا بالعير. فأقبلوا يضربونهم.

وكان رسول الله يصلي فانفتل من صلاته فقال :

إن صدقوكم ضربتموهم وان كذبوكم تركتموهم؟! عليّ بهم. فأتوا بهم. فقال لهم : من أنتم؟ قالوا : يا محمد ، نحن عبيد قريش. قال : كم القوم؟ قالوا : لا علم لنا بعددهم. قال : كم ينحرون في كل يوم جزورا؟ قالوا : تسعة أو عشرة. فقال :

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٥٤ ، ٥٥ ولكن كل هذا لم يرد في أخبارنا بل ولا يتلاءم معها وحتى مع خبر الواقدي ١ : ٥٧ وسيأتي عن علي عليه السلام أنه جاء بالماء تلك الليلة ، فلو كان القليب بينهم لما كانت إليه حاجة.

(٢) في سيرة ابن هشام ٢ : ٢٦٨ روى ابن اسحاق عن عروة بن الزبير أنه : أسلم غلام ابني الحجاج ، وعريض غلام بني العاص بن سعيد. وروى الواقدي عن حكيم بن حزام قال : أخذ تلك الليلة : يسار غلام عبيد بن سعيد بن العاص ، وأسلم غلام منبّه بن الحجاج ، وابو رافع غلام أميّة بن خلف ١ : ٥٢.

(٣) في سيرة ابن هشام ٢ : ٢٦٨ : روى ابن اسحاق عن عروة بن الزبير قال : فبعث رسول الله علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر عليه. وفي الواقدي : فبعث عليا والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس ابن عمرو يتجسسون على الماء ١ : ٥١.

١٢١

تسعمائة أو ألف. ثم قال : فمن فيهم من بني هاشم؟ قالوا : العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، فأمر رسول الله بهم فحبسوهم.

وبلغ ذلك قريشا فخافوا خوفا شديدا ، فاقبلوا يتحارسون يخافون البيات.

وطلب رسول الله عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فقال لهما : ادخلا في القوم واتياني بأخبارهم.

فمضيا يجولان في عسكرهم لا يرون الا خائفا ذعرا. وسمعوا منبّه بن الحجاج يقول :

لا يترك الجوع لنا مبيتا

لا بدّ أن نموت أو نميتا

فلما ذكرا لرسول الله ذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : والله كانوا شباعا ولكنّهم من الخوف قالوا هذا ، والقى الله على قلوبهم الرعب.

ولكن بلغ أصحاب رسول الله كثرة قريش ففزعوا فزعا شديدا وبكوا واستغاثوا.

فلما أمسى رسول الله وجنّه الليل (١) ألقى الله على أصحابه النعاس حتى ناموا.

__________________

(١) روى الطبرسي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال : قال النبيّ لأصحابه : من يلتمس لنا الماء؟ فسكتوا عنه وقال علي : أنا يا رسول الله ، فأخذ القربة وذهب الى القليب وملأ القربة وأخرجها ، وجاءت ريح فاهرقته ، فعاد الى القليب وملأ القربة وخرج فجاءت ريح فأهرقته ، فلما كانت المرة الرابعة ملأها فأتى بها الى النبي فأخبره بخبره فقال : أما الريح الاولى فجبرئيل في الف من الملائكة سلم عليك وسلموا ، وأما الريح الثانية فميكائيل في ألف من الملائكة سلم عليك وسلموا ، وأما الريح الثالثة فاسرافيل في ألف من الملائكة سلم عليك وسلموا ـ إعلام الورى ١ : ٣٥٧ ورواه العياشي في تفسيره ٢ : ٦٥ الحديث ٧٠ عن زين العابدين عليه السلام ، وفي قرب الاسناد عن الباقر عليه السلام عن ابن عباس ، ونقل الخبر الحلبي في مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٠١ ، ونحوه في مغازي الواقدي ١ : ٥٧ عن علي عليه السلام.

١٢٢

وأنزل الله عليهم السماء ، وكان على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رذاذ بقدر ما لبد الأرض (١) وكانت قريش في موضع أنزل الله عليهم السماء حتى ثبتت اقدامهم في الأرض (وطمست).

والتقى الجمعان :

فلما أصبح رسول الله عبّأ أصحابه بين يديه وقال لهم : غضّوا أبصاركم ، ولا تبدءوهم بالقتال ، ولا يتكلّمنّ أحد (٢).

__________________

(١) الرذاذ : المطر الخفيف وقال القمي ١ : ٢٦١ في قوله سبحانه : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) : ذلك انّ بعض اصحاب النبي احتلم. وروى الواقدي عن رفاعة بن مالك قال غلبني النوم فاحتلمت حتى اغتسلت آخر الليل ١ : ٥٤. وهذا أول ذكر للاحتلام والاغتسال من جنابته. ولم يقل : قبل طلوع الفجر ، لانّهم لم يكونوا صيّاما.

(٢) وفي اعلام الورى ١ : ١٦٨ : وكان لواء رسول الله يومئذ أبيض مع مصعب بن عمير ، ورايته مع علي عليه‌السلام. وذكر ذلك في مجمع البيان ٢ : ٨٢٨ وأضاف : وصاحب راية الأنصار : سعد بن عبادة أو سعد بن معاذ. وكذلك في المناقب ١ : ١٩٠ وفي الطبري ٣ : ٤٣١ بسنده عن ابن عباس. والأغاني ٤ : ١٧٥. وفي الواقدي ١ : ١٠١ : أن سعد بن عبادة لما أخذ رسول الله في الجهاد كان يأتي دور الأنصار يحضّهم على الخروج ، فنهش في بعض تلك الاماكن فمنعه عن الخروج وروى عن ابن عباس وسعيد بن المسيب : أن رسول الله غزا الى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له : العضب ، ودرعه : ذات الفضول ١ : ١٠٣ فقال رسول الله حين فرغ من القتال ببدر : لئن لم يكن يشهدها سعد بن عبادة لقد كان فيها راغبا. وضرب له بسهم من المغنم ١ : ١٠١.

وهنا روى ابن اسحاق : أن رسول الله عدّل صفوف أصحابه يوم بدر بسهم كان في يده ، فمرّ بسواد بن غزيّة من حلفاء بني النجار وهو خارج عن الصف متقدم عليه ، فطعنه النبيّ في بطنه بالسهم وقال : استو يا سواد. فقال : يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق

١٢٣

فلما نظرت قريش الى قلة أصحاب رسول الله ، قال عتبة بن ربيعة لأبي جهل : أترى لهم مددا أو كمينا؟

فبعثوا عمر بن وهب الجمحي لينظر ذلك ، وكان فارسا شجاعا ، فجال بفرسه حتى طاف معسكر رسول الله فرجع الى قريش وقال لهم :

ما لهم مدد ولا كمين ، ولكن نواضح يثرب (١) قد حملت الموت الناقع! أما ترونهم خرسا لا يتكلمون! يتلمّظون تلمّظ الأفاعي! ما لهم ملجأ الا سيوفهم! وما أراهم يولون حتى يقتلون! ولا يقتلون حتى يقتلون بعددهم! فارتئوا رأيكم!.

فقال أبو جهل : كذبت وجبنت وانتفخ سحرك (٢) حين نظرت الى سيوف يثرب!.

وبعث رسول الله الى قريش من يقول لهم عنه : (٣)

يا معشر قريش ، ما أحد من العرب أبغض إلي ممن بدأ بكم (٤) خلّوني

__________________

ـ والعدل ، فاقدني! فكشف رسول الله عن بطنه وقال : استقد. فاعتنق سواد رسول الله ثم انحنى فقبّل بطنه! فقال رسول الله : يا سواد ما حملك على هذا؟ قال : يا رسول الله ، حضر ما ترى فاردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك! فدعا له رسول الله بخير ٢ : ٢٧٨ وليس قبيل وفاته كما زعم بعضهم.

(١) النواضح جمع الناضحة وهي الناقة على البئر يجلب عليها الماء.

(٢) السحر : الرّية والجوف ومنه سحر الليل أي جوفه ، وانتفخ سحرك أي ريتك أو جوفك من الخوف.

(٣) قال الواقدي ١ : ٦١ : أرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر بن الخطاب الى قريش.

(٤) كذا ، اي : ليس هناك في العرب من يكون اكثر مبغوضا عندي ممن يبدأ القتال معكم ، فانا ابغض أن أبدأ بالقتال معكم إن لم تقاتلوني.

١٢٤

والعرب ، فان اك صادقا فانتم أعلى بي عينا ، وإن اك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري ، فارجعوا.

فقال عتبة : والله ما أفلح قوم قط ردّوا هذا! وأقبل يقول :

يا معشر قريش! أطيعوني اليوم واعصوني الدهر وارجعوا الى مكة ، واشربوا الخمور وعانقوا الحور ، فانّ محمدا له إلّ وذمّة ، وهو ابن عمكم. فارجعوا. ولا تنبذوا رأيي. وانما تطالبون محمدا بالعير التي أخذها محمد بنخيلة ودم ابن الحضرمي ، وهو حليفي وعليّ عقله (١).

فلما سمع أبو جهل ذلك غاضه وقال :

إن عتبة اطول الناس لسانا وأبلغهم في الكلام ، ولئن رجعت قريش بقوله ليكوننّ سيد قريش آخر الدهر.

ثم قال : يا عتبة! نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك (٢) وتأمر الناس بالرجوع ، وقد رأينا ثارنا بأعيننا!.

فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل وهو على فرسه فعرقب فرسه وأخذ بشعره وقال : أمثلي يجبّن؟! وستعلم قريش اليوم أيّنا ألأم وأجبن؟ وأيّنا المفسد لقومه! لا يمشي الى الموت عيانا الا أنا وأنت! ثم أخذ يجرّه بشعره!

فاجتمع الناس يقولون : يا أبا الوليد! الله الله! لا تفتّ في أعضاد الناس تنهى عن شيء وتكون أوله .. حتى خلّصوا أبا جهل من يده.

فذهب ولبس درعه ، وطلبوا له بيضة تسع رأسه ـ وكان عظيم الهامة ـ فلم يجدوا. فاعتمّ بعمامتين. ثم أخذ سيفه ونظر الى ابنه الوليد فقال : قم يا بني. فقام

__________________

(١) العقل : الدية.

(٢) مرّ معناه. وفي القمي محرّفا : منخرك ، في الموضعين.

١٢٥

معه. فنظر الى أخيه شيبة ، فقام معه.

المبارزة الاولى :

وتقدم عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد.

ونادى : يا محمد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار من بني عفرا : عوف وعوذ ومعوّذ.

فقال عتبة : من انتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقالوا : نحن بنو عفرا أنصار الله وأنصار رسول الله.

قالوا : ارجعوا ، لسنا اياكم نريد ، انما نريد الأكفاء من قريش!

فبعث إليهم رسول الله : أن ارجعوا ، فرجعوا ووقفوا موقفهم (١).

ثم نظر رسول الله الى عمّه عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب وكان له سبعون سنة ، فقال له : قم يا عبيدة! فقام بين يديه بالسيف.

ثم نظر الى حمزة بن عبد المطلب فقال : قم يا عم!

ثم نظر الى أمير المؤمنين فقال له : قم يا علي. وكان أصغرهم.

ثم قال لهم : فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم ، قد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله.

ثم قال : يا عبيدة عليك بعتبة ، وقال لحمزة : عليك بشيبة. وقال لعلي : عليك بالوليد بن عتبة.

فمرّوا حتى انتهوا الى القوم. فقال عتبة : من انتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.

__________________

(١) لكنهم استشهدوا بعد ، كما يأتي.

١٢٦

فقال عتبة : كفو كريم. فمن هذان؟

قال عبيدة : هما حمزة بن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب.

فقال عتبة : كفوان كريمان. لعن الله من أوقفنا واياكم هذا الموقف.

ووقف حمزة بإزاء شيبة ، فقال له شيبة : من أنت؟

قال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله.

فقال شيبة : لقد لقيت أسد الحلفاء (١) ، فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله.

فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة ففلق هامته. وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها ، وسقطا.

وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيف حتى انثلما وكل واحد يتّقي بدرقته.

وحمل أمير المؤمنين عليه‌السلام على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فاخرج السيف من ابطه ، فأخذ الوليد يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامة علي عليه‌السلام.

ونادى المسلمون : يا علي ، أما ترى الكلب قد أبهر (أعجز) عمّك؟!

__________________

(١) نقل الواقدي ذلك ، ونقل عن أبي الزناد قال : لم أسمع كلمة أوهن من قوله : أنا أسد الحلفاء. يعني بالحلفاء الأجمة ١ : ٦٩ والاجمة تعني الغابة.

وقال ابن أبي الحديد : قد رويت هذه الكلمة على صيغة اخرى : أنا أسد الأحلاف. وقالوا في تفسيرهما : أراد أنا سيد أهل الحلف المطيّبين ، وكان الذين حضروه : بني عبد مناف ، وبني أسد بن عبد العزى ، وبني تيم ، وبني زهرة ، وبني الحارث بن فهر. وردّ قوم هذا التأويل فقالوا : ان المطيبين لم يكن يقال لهم : الحلفاء ولا الأحلاف ، وانما ذلك لقب خصومهم واعدائهم الذين وقع التحالف لأجلهم ، وهم : بنو عبد الدار ، وبنو مخزوم ، وبنو سهم ، وبنو جمح ، وبنو عدي بن كعب. وقال قوم في تفسيرهما : انما عنى حلف الفضول .. وهذا التفسير أيضا غير صحيح ؛ لأن بني عبد شمس لم يكونوا في حلف الفضول ، بل هم : بنو هاشم ، وبنو أسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة ، وبنو تيم ـ دون بني الحارث بن فهر ـ فقد بان أنّ ما ذكره الواقدي أصح واثبت ـ شرح نهج البلاغة ٤ : ١٢٩ ـ ١٣٠.

١٢٧

فحمل علي عليه‌السلام على شيبة وقال لعمّه حمزة : يا عمّ طأطئ رأسك. فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضرب عليّ على رأس شيبة فطيّر نصفه!

ثمّ جاء إلى عتبة وفيه رمق فأجهز عليه.

ثمّ حمل هو وحمزة عبيدة بن الحارث حتّى أتيا به رسول الله ، فنظر إليه رسول الله واستعبر فقال عبيدة : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ألست شهيدا؟

قال رسول الله : بلى ، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي.

قال عبيدة : أما لو كان عمّك حيّا لعلم أنّي أولى بما قال ، منه.

قال رسول الله : وأيّ أعمامي تعني؟

قال عبيدة : أبا طالب ، حيث يقول :

كذبتم ـ وبيت الله ـ نبزي محمّدا

ولمّا نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه ، حتّى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله : أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟

فقال عبيدة : يا رسول الله ، أسخطت عليّ في هذه الحالة؟!

فقال رسول الله : ما سخطت عليك (١).

حامل راية قريش :

وجاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : ادفعوا إليّ رايتكم. فدفعوها إليه.

__________________

(١) وفي الإرشاد ١ : ٧٤ فمات بالصفراء (في رجوعهم من بدر) وكذلك في المناقب ١ : ١٨٨. وفي مغازي الواقدي ١ : ١٤٧ عن يونس بن محمّد قال : أراني أبي أربعة قبور في سير من مضيق الصفراء وثلاثة بالدبة أسفل من العين المستعجلة ، وقبر عبيدة بن الحارث بذات أجدال بالمضيق أسفل من الجدول.

١٢٨

وأقبلت قريش يقدمها ابليس في صورة سراقة بن مالك معه الراية.

وقال ابو جهل لقريش : عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزرا ، وعليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة فنعرّفهم ضلالتهم التي كانوا عليها!

ونظر إليهم رسول الله فقال لأصحابه :

غضّوا أبصاركم ، وعضّوا على النواجذ ، ولا تسلّوا سيفا حتى آذن لكم.

ثم رفع يده الى السماء وقال :

يا رب إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد.

ثم اصابته الغشية ثم سري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه ويقول لهم : هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين (١).

ونظر ابليس الى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء!

فأخذ منبّه بن الحجّاج بمجامع ثوبه ثم قال له : ويلك يا سراقة تفتّ في أعضاد الناس!.

فركله ابليس ركلة في صدره وقال : إني أرى ما لا ترون اني أخاف الله (٢).

__________________

(١) وفي اعلام الورى ١ : ١٦٨ : وأيّدهم الله بخمسة آلاف من الملائكة ، وكثر الله المسلمين في اعين الكفار ، وقلل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا. وكذلك في المناقب ١ : ١٨٨.

(٢) جاءت الاشارة الى ذلك في تفسير العياشي ٢ : ٥٢ و ٦٥ عن زين العابدين والصادق عليهما‌السلام ونقل الطوسي في التبيان ٥ : ١٣٥ عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، والسدّي وقتادة عن ابن عباس ولعله عن علي عليه‌السلام قال : ظهر لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي في جماعة من جنده وقال لهم : هذه كنانة قد اتتكم نجدة. فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه ، فقال الحارث بن هشام : الى أين يا سراقة؟! فقال : اني أرى ما ـ لا ترون. ونقله عن ابن اسحاق أيضا. وذلك في سيرته ٢ : ٢٨ و ٣٢٣. وروى الطوسي خلاصته في أماليه : ١١ كما في بحار الأنوار ١٩ : ٢٧٠ عن جابر.

١٢٩

وأخذ رسول الله كفّا من حصى فرمى به في وجوه قريش وقال : شاهت الوجوه! فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش (١) فكانت الهزيمة (٢).

__________________

ونقل الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٨٤٤ عنهما عليهما‌السلام وعن الكلبي عن السدي عن ابن عباس ، ولعله عن عليّ عليه‌السلام أيضا قال : أخذ ابليس بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث : يا سراقة اين؟ أتخذلنا على هذه الحالة؟! قال له : اني أرى ما لا ترون! قال الحارث : والله ما نرى الا جعاسيس يثرب! فدفع ابليس في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس. فلما قدموا مكة قالوا : إن سراقة هزم الناس!

فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم! فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان. ونقل كلاما عن الشيخ المفيد في توجيه ذلك. ونقله ابن شهرآشوب في المناقب ١ : ١٨٨ كما في مجمع البيان. ونقل الخبر عن ابن عباس الواقدي ١ : ٧٠ ، ٧١ وعن رفاعة بن رافع : ٧٥.

(١) وفي الارشاد ١ : ٦٩ قال : وختم الأمر بمناولة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كفا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال : شاهت الوجوه. فلم يبق منهم احد الا ولى الدبر منهزما. ورواه الطوسي في التبيان ٥ : ٩٣ عن ابن عباس قال : ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ كفا من الحصباء فرماها في وجوههم وقال : شاهت الوجوه. فقسمها الله على أبصارهم فشغلهم بأنفسهم حتى غلبهم المسلمون وقتلوهم كل مقتل. وفي اعلام الورى ١ : ١٦٩ : وأخذ رسول الله كفا من تراب ورماه إليهم وقال : شاهت الوجوه. فلم يبق منهم أحد الا اشتغل بفرك عينيه. وكذلك في المناقب ١ : ١٨٨ عن الثعلبي عن عكرمة عن ابن عباس عن علي عليه‌السلام. وذكره ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٢٨٠ و ٣٢٣ والواقدي ١ : ٨١ و: ٩٥ عن حكيم بن حزام ونوفل بن معاوية ، والطبري ٣ : ٤٢٤ عن عروة.

(٢) قال الواقدي : قالوا : وكان انهزام القوم وتولّيهم حين زالت الشمس. فأمر رسول الله عبد الله بن كعب بقبض الغنائم وحملها ، وأمر نفرا من أصحابه أن يعينوه. وصلّى العصر ببدر ثم رحل ١ : ١١٢ ويقال : صلى العصر بالاثيل ١ : ١١٣.

١٣٠

فقال رسول الله : اللهم لا يفلتنّ فرعون هذه الامة : أبو جهل بن هشام.

مقتل أبي جهل :

والتقى عمرو بن الجموح بأبي جهل فضرب عمرو أبا جهل بن هشام على فخذيه ، وضرب أبو جهل عمرا على يده فأبانها من العضد ، فتعلقت بجلدة ، فاتكأ عمرو على يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت الجلدة ورمى بيده.

وانتهى عبد الله بن مسعود الى أبي جهل وهو يتشحّط في دمه فقال له : الحمد لله الذي أخزاك!.

فرفع رأسه فقال : انما أخزى الله عبد ابن أمّ عبد الله ، لمن الدين ويلك؟ قال ابن مسعود : لله ولرسوله. واني قاتلك! ووضع رجله على عنقه.

فقال أبو جهل : لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويعي الغنم! أما انه ليس شيء أشدّ علي من قتلك اياي في هذا اليوم! ألا تولّى قتلي رجل من المطيّبين أو الأحلاف!.

فاقتلع ابن مسعود بيضة كانت على رأسه فقتله وأخذ رأسه وجاء به الى رسول الله.

وقال : يا رسول الله البشرى! هذا رأس أبي جهل بن هشام. فسجد شكرا لله.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٣٦٨ ومغازي الواقدي ١ : ٨٧ وانظر ما يأتي في : ١٤٥ و ١٨١.

١٣١

أسر العباس وعقيل :

وأسر ابو اليسر الأنصاري (١) العباس بن عبد المطّلب وعقيل بن أبي طالب ، وجاء بهما الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال له رسول الله : هل أعانك عليه أحد؟ قال ابو اليسر : نعم ، رجل عليه ثياب بيض. فقال رسول الله : ذاك من الملائكة.

ثم قال العباس لرسول الله : يا رسول الله ، قد كنت أسلمت ، ولكنّ القوم استكرهوني.

فقال رسول الله : إن يكن ما تذكر حقا فان الله يجزيك عليه ، فأما ظاهر

__________________

(١) في مجمع البيان ٤ : ٨١٢ : أبو اليسر كعب بن عمرو من بني سلمة ، وكذلك في سيرة ابن هشام ٢ : ٣٩٨ ومغازي الواقدي ٢ : ١٢٥٢ ومن الطريف أن ابن اسحاق ذكر في سيرته عن العباس بن عبد المطلب وآله : رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب بشأن انتصار المسلمين على قريش ٣ : ٢٥٨ وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن العباس اخرج مكرها فلا تقتلوه ٢ : ٢٨١ وعن أبي رافع مولاه : أنه وآله كانوا قد اسلموا ٢ : ٣٠١ وعدّه اول المطعمين من قريش ٢ : ٣٢٠. وذكر أسر عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ٣ : ٣ ولم يذكر معهما العباس ، وعلله أبو ذر الخشني (ت ٦٠٤) من شراح السيرة قال : لأنه كان قد أسلم وكان يكتم اسلامه خوف قومه. كما في هامش السيرة ٣ : ٣. والواقدي لم يذكر عن العباس سوى رؤيا اخته عاتكة ١ : ٢٩ وأنه اكبر من النبيّ بثلاث سنين ١ : ٧٠ وانما اليعقوبي ذكر أسره واسلامه وافتداءه نفسه وعقيلا ونوفلا ٢ : ٤٦. وكذلك الطبري ويلاحظ أيضا أن ابن اسحاق ذكر نزول سورة الأنفال بعد بدر وفيها الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى : إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ولم يذكر شيئا عن معناها وشأن نزولها في العباس ، وأما الواقدي فلم يذكرها ضمن آيات الأنفال النازلة ببدر أصلا! فلعل ذلك تحاشيا عن غضب بني العباس.

١٣٢

أمرك فقد كنت علينا. ثم قال له : انكم خاصمتم الله فخصمكم.

ثم قال رسول الله لعقيل : يا أبا يزيد ، قد قتل الله أبا جهل بن هشام ، وعتبة ابن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ونبيه ومنبّه ابني الحجّاج ، ونوفل بن خويلد ، وسهيل ابن عمرو ، وفلانا وفلانا (١).

فقال عقيل : فان كنت قد اثخنت القوم إذا لا تنازع في تهامة ، وإلّا فاركب أكتافهم! فتبسم رسول الله من قوله (٢).

وكان القتلى (من المشركين) سبعين (٣) قتل منهم علي عليه‌السلام عشرين

__________________

(١) وعدّ منهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط. ثم يذكر أنهما قتلا بالاثيل في رجوعهم من بدر ١ : ٢٦٩.

(٢) وروى مثله الحميري في قرب الاسناد عن الصادق عن الباقر عليهما‌السلام ، كما في الميزان ٩ : ١٣٩.

(٣) منهم فتية من قريش سمّى خمسة منهم ابن اسحاق والواقدي وان كان الواقدي ذكرهم سبعة. قالوا عنهم : انهم كانوا قد أسلموا ورسول الله بمكة. فلما هاجر رسول الله الى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ، فخرجوا معهم الى بدر وهم على الشك والارتياب ، فلما قدموا بدرا ورأوا قلة أصحاب النبي قالوا : غرّ هؤلاء دينهم! وهم مقتولون الآن فاصيبوا في بدر جميعا. وفيهم يقول الله تبارك وتعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ : غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) إلى آخر الآيات وفيها : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) وفيها : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : ٤٩ ـ ٦٣ مغازي الواقدي ١ : ٧٢ و ٧٣ وابن

١٣٣

رجلاً (١).

__________________

ـ إسحاق لم يذكر هذه الآيات وانما قال : نزل فيهم من القرآن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا : فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا : كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ. قالُوا : أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها؟ فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) النساء : ٩٤ سيرة ابن هشام ٢ : ٢٩٤. وفي مغازي الواقدي بسنده عن محمد بن كعب القرظي : أنزل الله بعد بدر فيمن كان يدعي الاسلام على الشك وقتل مع المشركين ببدر وهم سبعة نفر : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الى آخر ثلاث آيات ، وهي من سورة النحل : ١٦ ـ ١٨. والواقدي ١ : ٧٣. والأول أولى.

(١) وفي المغازي للواقدي ١ : ١٥٢ : اثنين وعشرين رجلا. وقال الشيخ المفيد في الارشاد ١ : ٦٩ ـ ٧٢ : كان المقتولون منهم سبعين رجلا ، تولّى كافة من حضر من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين قتل الشطر منهم ، وتولّى أمير المؤمنين قتل الشطر الآخر وحده ، بمعونة الله له وتأييده وتوفيقه ونصره .. قد أثبت رواة العامة والخاصة معا أسماء الذين تولى أمير المؤمنين عليه‌السلام قتلهم ببدر من المشركين ، على اتفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح. ثم ذكر من سمّوه ثم قال : فذلك ستة وثلاثون رجلا ، سوى من اختلف فيه أو شرك أمير المؤمنين عليه‌السلام فيه غيره ، وهم اكثر من شطر المقتولين ببدر.

وفي إعلام الورى ١ : ١٧٠ : وقتل علي عليه‌السلام ببدر من المشركين ستة وثلاثين رجلا. وسمى عشرة ممن ذكرهم الشيخ المفيد ، منهم : العاص بن سعيد بن العاص ، وطعمية ابن عدي بن نوفل ، ونوفل بن خويلد ، وهو عمّ الزبير بن العوام ، وهو الذي قرن طلحة وأبا بكر بحبل وعذّبهما قبل الهجرة. وعمير بن عثمان التيمي عمّ طلحة ، ومالكا وعثمان ابن عبيد الله اخوي طلحة وحنظلة بن أبي سفيان أخا معاوية ومعه زمعة بن الأسود والحارث ابنه. وقتل عمار بن ياسر : أميّة بن خلف. وأمر رسول الله أن تلقى القتلى في قليب بدر.

١٣٤

وكان الأسرى سبعين ـ ولم يأسر علي عليه‌السلام أحدا (١) ـ فجمعوهم وقرنوهم بالحبال. وجمعوا الغنائم (٢).

قصة القطيفة الغلول :

وكان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت. فقال رجل من أصحاب رسول الله : ما لنا لا نرى القطيفة؟ ما أظن الا أن رسول الله أخذها!

فجاء رجل الى رسول الله فقال : ان فلانا غلّ قطيفة فأخبأها هنالك.

فأمر رسول الله بحفر ذلك الموضع ، فاخرجت القطيفة (٣).

__________________

(١) أي لم يكن علي عليه‌السلام مشمولا لعتاب الله للنبيّ والمسلمين على الأسر قبل الاثخان في القتل ، ولم يطمع ولكن ابن اسحاق ٢ : ٣٠٥ والواقدي ١ : ١٣٩ ذكرا أن عليا عليه‌السلام قتل حنظلة بن أبي سفيان ، وأسر عمرو بن أبي سفيان.

(٢) تفسير القمي ١ : ٢٥٦ ـ ٢٦٩. وقال ابن اسحاق : ثم إن رسول الله أمر بما في العسكر مما جمعه الناس فجمع ٢ : ٢٩٥ وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف ٢ : ٢٩٧ وفي مغازي الواقدي استعمل عليها رسول الله عبد الله بن كعب بن عمرو المازني ... وكان فيها ابل ومتاع وأنطاع وثياب ١ : ١٠٠ وكانت الابل مائة وخمسين بعيرا و ١ : ١٠٢ وعشرة أفراس ، وسلاحا ١ : ١٠٣ وكانت الدروع فيهم كثيرة التقطها المسلمون ١ : ٩٦ وكان معهم أدم كثير حملوه للتجارة فغنمه المسلمون.

(٣) تفسير القمي ١ : ١٢٦ ، ١٢٧. ونقله الواقدي وقال : فسأل رسول الله الرجل. فقال : لم أفعل يا رسول الله. فقال الدالّ : يا رسول الله احفروا هاهنا. فأمر رسول الله فحفروا هناك ، فاستخرجت القطيفة.

فقال قائل : يا رسول الله ، استغفر لفلان ، مرّتين أو مرارا.

فقال رسول الله : دعونا من آتي جرم ـ ١ : ١٠٢.

١٣٥

نزول سورة الأنفال :

قال : ولما انهزم الناس كان أصحاب رسول الله على ثلاث فرق : فصنف كانوا عند خيمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنف أغاروا على النهب ، وفرقة طلبت العدو وأسروا وغنموا.

وكان سعد بن معاذ أقام عند خيمة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. فلما جمعوا الغنائم والاسارى خاف سعد أن يقسم رسول الله الغنائم والأسلاب بين من قاتل ولا يعطي من تخلف على خيمة رسول الله شيئا ، فقال :

يا رسول الله ، ما منعنا أن نطلب العدو زهادة في الجهاد ولا جبن عن العدو ، ولكنّا خفنا أن نعدو موضعك فتميل عليك خيل المشركين. والناس كثير ـ يا رسول الله ـ والغنائم قليلة ، ومتى يعطى هؤلاء (المقاتلون) لم يبق لأصحابك شيء.

وقال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله ، أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال النبيّ : ثكلتك امك! وهل تنصرون الّا بضعفائكم! (١)

فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا رسول الله : لمن هذه الغنائم؟

فأنزل الله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ

__________________

قالوا : وكان انهزام القوم وتولّيهم حين زالت الشمس .. فصلى العصر ببدر ثم راح. ـ ولعله في الأصل : صلى الظهر ببدر ثم راح ، اذ يعود فيقول : ويقال : صلى العصر بالاثيل (على أربعة أميال من بدر ٨ كم) ١ : ١١٣.

(١) رواه الواقدي بسنده عن عكرمة ١ : ٩٩.

١٣٦

وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١).

فرجع الناس وليس لهم في الغنيمة شيء.

ثم أنزل الله بعد ذلك : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...)(٢).

ولم يخمّس رسول الله ببدر ، وقسمه بين أصحابه (٣).

وقال الطوسي في «التبيان» : قال قوم : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان نفّل أقواما على بلاء ، فأبلى اقوام وتخلّف آخرون مع النبيّ ، فلما انقضت الحرب اختلفوا ، فقال قوم : نحن أخذنا لأنا قاتلنا ، وقال آخرون : ونحن كنا وراءكم نحفظكم ، وقال آخرون : نحن أحطنا بالنبيّ ، ولو أردنا لأخذنا. فأنزل الله هذه الآية يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله ماض جائز. رواه عكرمة عن ابن عباس و (هو عن) عبادة بن الصامت (٤).

وينسجم مع هذه الرواية عن ابن عباس ما رواه عنه قبلها : أن الأنفال هي سلب الرجل وفرسه ، فللنبيّ أن ينفله من شاء (٥).

ونقل عن قتادة : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل

__________________

(١) الآية الاولى من سورة الأنفال.

(٢) الأنفال : ٤١.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ ، ٢٥٥ ورواه الواقدي بسنده عن عبادة بن الصامت. وتمامه : ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر.

(٤) التبيان ٥ : ٧٢ ، ٧٣.

(٥) التبيان ٥ : ٧٢.

١٣٧

من الكفار اذا قتله (١).

ونقل الطبرسي في «مجمع البيان» قول ابن عباس وأضاف : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم بدر : من جاء بكذا فله كذا ، ومن جاء بأسير فله كذا. فتسارع الشبّان وبقي الشيوخ تحت الرايات ، فلما انقضت الحرب طلب الشبّان ما كان قد نفّلهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الشيوخ : كنا ردءا لكم ، ولو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا. وجرى بين أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري وبين سعد بن معاذ كلام. فنزع الله الغنائم منهم وجعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء ، فقسّمها بينهم بالسوية.

ثم روى مستند رواية ابن عباس عن عبادة بن الصامت قال : اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا فجعله الى رسوله ، فقسمه بيننا على السواء. وكان ذلك في تقوى الله وطاعته وصلاح ذات البين (٢).

وقد روى السيوطي في «الدر المنثور» ما لعلّه تفصيل لهذا المجمل بإسناده عن عبادة بن الصامت قال : خرجت مع رسول الله وشهدت معه بدرا والتقى الناس وهزم الله العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم المنهزمين يقتلون منهم ، وأحدقت طائفة برسول الله لئلا يصيب العدوّ منه غرّة ، واكبّت طائفة على غنيمة العسكر يجمعونها ويجوزونها.

فلما فاء الناس بعضهم الى بعض وكان الليل قال الذين جمعوا الغنائم : نحن جمعناها وحويناها فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحقّ بها منّا ، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول

__________________

(١) التبيان ٥ : ٧٤.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٧٩٦ ، ٧٩٧ ورواها ابن اسحاق في ابن هشام ٢ : ٢٩٦ و ٣٢٢.

١٣٨

الله : لستم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله وخفنا أن يصيب العدو منه غرة.

فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) فقسّمها رسول الله بين المسلمين (١).

في منزل اثيل :

وقوله : «وكان الليل» يعني أن ذلك كان بعد رجوعهم من بدر وبعد مسألة الأسرى في منزل الاثيل (٢) حيث قال علي بن ابراهيم القمي :

فرحل رسول الله ، وساقوا الاسارى على أقدامهم مقرونين بالحبال الى الجمال. وعند غروب الشمس نزلوا الاثيل (٣) ـ وهو من بدر على ستة أميال (اثني عشر كيلومترا الى المدينة).

ونظر رسول الله الى عقبة بن أبي معيط والنظر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد ، فقال لعلي عليه‌السلام : يا علي ، عليّ بالنضر وعقبة.

فجاء علي عليه‌السلام فأخذ بشعر النضر فجرّه الى رسول الله.

فقال النضر : يا محمد ، أسألك ـ بالرحم الذي بيني وبينك ـ الّا أجريتني كرجل من قريش ، إن قتلتهم قتلتني ، وإن فاديتهم فاديتني ، وإن أطلقتهم أطلقتني.

فقال رسول الله : لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالاسلام.

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ١٥٩ وعنه في الميزان ٩ : ١٦. واذ كان التقسيم في منزل سير بعد الاثيل لذلك أجّلنا تفصيل التقسيم بعد ذكر ما حدث في منزل الاثيل.

(٢) كما صرّح بذلك الواقدي قال : لما خرج النبيّ من بدر وكان بالاثيل عرض عليه الأسرى ـ مغازي الواقدي ١ : ١٠٦.

(٣) وفي إعلام الورى ١ : ١٦٩ : بالصفراء.

١٣٩

ثم التفت الى عليّ وقال : قدّمه ـ يا علي ـ فاضرب عنقه. فقدّمه وضرب عنقه.

ثم قال : قدّم عقبة فاضرب عنقه. فقدّمه وضرب عنقه (١).

فقام الأنصار وقالوا : يا رسول الله ، قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين ، وهم قومك واساراك ، ولكن هبهم لنا يا رسول الله ، وخذ منهم الفداء وأطلقهم (٢) قالوا : يا رسول الله لا تقتلهم وهبهم لنا حتى نفاديهم.

فنزل جبرئيل فقال : إن الله قد أباح لهم أن يأخذوا من هؤلاء الفداء ويطلقوهم ، على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون منه الفداء من هؤلاء. فأخبرهم رسول الله بهذا الشرط. فقالوا : قد رضينا به ، نأخذ العام الفداء من هؤلاء نتقوى به ويقتل منّا في عام قابل بعدد ما نأخذ منهم الفداء وندخل الجنة (٣).

فاطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم (٤).

__________________

(١) كانا من المستهزئين والمحرّضين على حرب بدر ـ الواقدي ١ : ٣٧.

(٢) تفسير القمي ١ : ٢٦٩ ، ٢٧٠.

(٣) تفسير القمي ١ : ١٢٦.

(٤) تفسير القمي ١ : ٢٧٠ وروى مثله الواقدي بسنده عن علي عليه‌السلام في المغازي ١ : ١٠٧ واستظهر من هذا أن ما نزل من سورة الأنفال كان الى الثلثين من السورة ، الى الآية الرابعة والخمسين منها ، مشتملة في الآية الاولى على حكم الأنفال وفي الآية الواحدة والأربعين على حكم ما غنموا وتخميسه ، أما العتاب في باب أخذهم الأسرى ثم تحليل ما غنموا من فدائهم لهم في الآيات : ٦٧ الى ٧٠ فهي بعد الآيات : ٥٥ الى ٦٦ التي قال الواقدي عنها أنها نزلت في بني قينقاع ووقعتهم في منتصف شهر شوال ثم قفول الرسول منهم الى المدينة ووصول وفود مكة في فداء الأسرى.

١٤٠