موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

وامتاز المسلمون عن المشركين وكانوا ناحية ، ثمّ التحمت الحرب واصطدم الفيلقان.

قلت : ثمّ ما ذا؟

قال : لم يزل المسلمون يحامون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمشركون يتكاثرون عليهم ويقتلون فيهم ، حتى لم يبق من النهار إلّا القليل والدولة للمشركين (١).

وقال بعد هذا : كنت بالنظاميّة ببغداد وأنا غلام ، فحضرت في بيت خازن الكتب بها عبد القادر بن داود المحب الواسطي ، وعنده في البيت باتكين الرومي (التركي) الذي ولي إربل أخيرا ، وعنده أيضا جعفر بن مكّي الحاجب أيضا ـ وكان باتكين مسلما وكان جعفر سامحه الله مغموصا عليه في دينه. فجرى ذكر يوم احد وشعر ابن الزّبعرى وأنّ المسلمين اعتصموا بالجبل فأصعدوا فيه وأنّ الليل حال أيضا بين المشركين وبينهم ، فأنشدنا ابن مكّي بيتين لأبي تمام متمثّلا :

لو لا الظلام وقلّة علقوا بها

باتت رقابهم بغير قلال

فليشكروا جنح الظلام وذرودا

فهم لذرود والظلام موالي

فقال باتكين : لا تقل هذا ولكن قل : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٢).

والآية الكريمة ـ كشعر ابن الزبعرى ـ تخلو عن ذكر الظلام ، بل هو ظلم من الكلام ، فقد مرّ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الظهر في الجبل جالسا ثمّ صلّى على القتلى وحضر دفن بعضهم ثمّ انحدر إلى المدينة عصرا فدخل داره ثمّ أذّن بلال للمغرب فخرج فصلّى. فأين الظلام في احد؟!

__________________

(١) شرح النهج ١٤ : ٢٤٥ و ٢٤٦.

(٢) آل عمران : ١٥٢.

٣٨١

والغريب أنّ ابن أبي الحديد كيف غاب ذلك عن نظره الحديد؟

وفي تأريخ الغزوتين : احد وحمراء الأسد ، قال ابن إسحاق : وكان يوم احد يوم السبت للنصف من شوّال. فلمّا كان الغد يوم الأحد لستّ عشرة ليلة مضت من شوّال أذّن مؤذّن رسول الله في الناس بطلب العدوّ (١).

قال : فخرج رسول الله حتى انتهى إلى حمراء الأسد ... فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثمّ رجع إلى المدينة (٢).

وقال الواقدي : غزوة احد يوم السبت لسبع خلون من شوّال على رأس اثنين وثلاثين شهرا (٣). وقال : وكانت غزوة حمراء الأسد يوم الأحد لثمان خلون من شوّال على رأس اثنين وثلاثين شهرا ، وغاب خمسة أيّام ودخل المدينة يوم الجمعة (٤).

ولم يسمّ القمي في تفسيره والطبرسي في «إعلام الورى» أجلا لهما ، إلّا أن قال : ثمّ كانت غزوة احد على رأس سنة من بدر (٥). وقال في «مجمع البيان» كان القتال يوم السبت للنصف من الشهر (٦). وفي غزوة حمراء الأسد قال : قال أبان بن عثمان : لمّا كان الغد من يوم احد ... ورجع رسول الله إلى المدينة يوم الجمعة (٧).

ثمّ كانت شهور الحجّ : ذو القعدة وذو الحجّة ، فقعد فيهما الرسول عن القتال.

__________________

(١) ابن هشام ٣ : ١٠٦ و ١٠٧.

(٢) ابن هشام ٣ : ١٠٨.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١٩٩.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ٣٣٤.

(٥) إعلام الورى ١ : ١٧٦.

(٦) مجمع البيان ٢ : ٨٢٦.

(٧) إعلام الورى ١ : ١٨٣ ، ١٨٤.

٣٨٢

أهم حوادث

السنة الرابعة للهجرة

٣٨٣
٣٨٤

غزوة الرجيع :

قال الطبرسي في «إعلام الورى» : ثمّ كانت غزوة الرجيع .. وهو ماء لهذيل (١).

مرّ في وقعة احد عن القمي أنّه عدّ أصحاب لواء المشركين : طلحة بن أبي طلحة ، وأبا سعيد بن أبي طلحة ، ومسافع بن طلحة بن أبي طلحة ، وعثمان ابن أبي طلحة ، والحارث بن أبي طلحة ، وأبو عذير بن عثمان بن أبي طلحة ، كلّهم من بني عبد الدار ، وكلّهم قتلهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

ولكن جاء في خبر المفيد في «الإرشاد» عن عبد الله بن مسعود قال : كان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ، فأخذه أخ له يقال له مصعب فرماه عاصم ابن ثابت (بن أبي الأقلح الأنصاري) بسهم فقتله ، ثمّ أخذه أخ له يقال له

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٨٥.

(٢) تفسير القمي ١ : ١١٢ و ١١٣.

٣٨٥

عثمان فرماه عاصم أيضا بسهم فقتله (١).

وقال ابن إسحاق : ومسافع بن طلحة ، والجلاس بن طلحة قتلهما عاصم بن ثابت (٢).

وقال الواقدي : ومسافع بن طلحة بن أبي طلحة ، والحارث بن طلحة قتلهما عاصم بن ثابت (٣).

وقال ابن إسحاق في النساء اللواتي خرجن إلى احد : وخرج طلحة بن أبي طلحة بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصاريّة (كذا) وهي أمّ بنيه : مسافع والجلاس وكلاب ، وقتلوا مع أبيهم (٤) وكذلك ذكر الواقدي وأضاف : الحارث. وقال : هي من الأوس (٥).

وقال : حمل مسافع إلى امّه سلافة فقالت : من أصابك؟ قال : سمعته يقول :

خذها وأنا ابن أبي الأقلح. فيومئذ نذرت أن تشرب الخمر في قحف رأسه وقالت : لمن جاء به مائة من الإبل (٦). قال : وعلمته بنو لحيان والعرب (٧).

وقال ابن إسحاق : قدم على رسول الله بعد احد (٨) رهط من

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٨١.

(٢) ابن هشام ٣ : ١٣٤.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٣٠٧.

(٤) ابن هشام ٣ : ٦٦.

(٥) مغازي الواقدي ١ : ٢٠٢.

(٦) مغازي الواقدي ١ : ٢٢٨ و ٣٥٦ ، وبدون المائة ناقة ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٧٩ و ١٨٠ ، والطبرسي في إعلام الورى عن كتاب أبان ١ : ١٨٦.

(٧) مغازي الواقدي ١ : ٣٥٦.

(٨) وقد أرّخ يوم الرجيع في سنة ثلاث ٣ : ١٧٨ وقال : أقام خبيب في أيديهم حتّى انقضت

٣٨٦

عضل والقارة (١).

ونقل الطبرسي في «إعلام الورى» عن كتاب أبان البجلي الكوفي قال : قدم عليه رهط من عضل والديش (٢) فقالوا : ابعث معنا نفرا من قومك يعلّموننا القرآن ويفقّهوننا في الدين.

فبعث رسول الله : خالد بن بكير ، وخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعاصم بن ثابت بن ابي الأقلح ، وعبد الله بن طارق ، وجعل أمير القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة (عمّه).

فخرجوا مع القوم إلى بطن الرجيع ، وهو ماء لهذيل.

فهجم عليهم حيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان فأصابوهم جميعا.

وكان عاصم بن ثابت قد أعطى الله عهدا أن لا يمسّ مشركا ولا يمسّه مشرك في حياته أبدا. فلمّا قتلته هذيل أرادوا قطع رأسه ليبيعوه لسلافة بنت سعد (أو ليحصلوا على المائة ناقة جعالتها لمن جاءها برأسه انتقاما لابنيها المقتولين بيده في احد) فمنعتهم الزنابير ، فقالوا : دعوه حتى نمسي فتذهب الزنابير عنه. فلمّا أمسوا بعث الله الوادي سيلا فاحتمل عاصما فذهب به ، ومنعه الله بعد وفاته ممّا امتنع هو منه في حياته (٣).

__________________

ـ الأشهر الحرم ثمّ قتلوه ٣ : ١٨٣. وقال الواقدي : ادخلا إلى مكّة في الشهر الحرام ذي القعدة فحبسوا ـ ١ : ٣٥٧ ، فيعلم أنّه إنّما أرّخ لرجيع في صفر على رأس ستّة وثلاثين شهرا ، لقتلهم فيه.

(١) ابن هشام ٣ : ١٧٨.

(٢) عضل والديش ابنا هون بن خزيمة ، كما في القاموس.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٨٦. ومناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٥ ، والبداية والنهاية ٤ : ٦٤.

٣٨٧

وقال ابن شهرآشوب في «المناقب» : وأمّا زيد وخبيب وعبد الله فأعطوا بأيديهم ، فخرجوا بهم إلى مكّة ، وانتزع عبد الله يده (ليقاتلهم) فرموه بالحجارة حتّى قتلوه.

وأمّا زيد فابتاعه صفوان بن اميّة ليقتله بأبيه (اميّة بن خلف قتل ببدر).

وأمّا خبيب فابتاعه حجير بن إهاب التميمي لعقبة بن الحارث ليقتله بأبيه ، فلمّا أحسّ قتله قال : ذروني اصلي ركعتين ، فتركوه فصلّى ركعتين ، فجرت سنّة لمن يقتل صبرا أن يصلّي ركعتين. ثمّ قال :

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك في أوصال شلو ممزّق (١)

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٥. وروى ابن إسحاق قال : غدروا بهم ، فلم يرعهم إلّا الرجال من هذيل قد غشوهم والسيوف بأيديهم ، فأخذوا سيوفهم ليقاتلوهم فقالوا لهم : إنّا ما نريد قتالكم ولكنّا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكّة.

فقال مرثد بن أبي مرثد وخالد بن بكير وعاصم بن ثابت : والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا. فقاتلوا حتى قتلوا.

وأمّا زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فلانوا وأعطوا بأيديهم فأسروهم ، وخرجوا بهم إلى مكّة ليبيعوهم بها ، فلمّا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران وأخذ سيفا (ليقاتلهم) فاستأخروا عنه ورموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره بالظهران.

وقدموا بزيد بن الدثنة وخبيب بن عدي إلى مكّة ، فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي لعقبة بن الحارث ليقتله بأبيه. وابتاع زيد بن الدثنة صفوان بن اميّة ليقتله بأبيه اميّة بن خلف. وحبس خبيب في دار حجير بن أبي إهاب في بيت لمولاته ماويّة (أو ماريّة) ٣ : ١٧٩ و ١٨٠. وروى الواقدي قال : فلم يرعهم إلّا القوم مائة رام بأيديهم السيوف ، فقاموا واخترطوا سيوفهم ، فقال لهم العدو : ما نريد قتالكم وما نريد إلّا أن نصيب بكم

٣٨٨

__________________

ـ ثمنا من أهل مكّة.

فأمّا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فاستأسروا.

وأمّا عاصم بن ثابت ومرثد وخالد بن بكير ومعتّب بن عبيد فأبوا أن يقبلوا أمانهم وجوارهم فقاتلوهم حتى قتلوا.

وخرجوا بخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعبد الله بن طارق إلى مكّة ، وفي مرّ الظهران نزع عبد الله بن طارق يده من رباطه وأخذ سيفا ، فانفرجوا عنه ورموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبروه.

وخرجوا بخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة إلى مكّة ، فدخلوا بهما في شهر ذي القعدة الحرام.

فأمّا خبيب فابتاعه حجير بن أبي إهاب بخمسين بعيرا أو ثمانين مثقالا من الذهب ـ وقيل اشترته ابنة الحارث بن عامر بمائة من الإبل ـ وإنّما اشتراه حجير لابن أخيه عقبة بن الحارث ليقتله بأبيه المقتول ببدر. فحبس حجير خبيبا في بيت مولاة لبني عبد مناف يقال لها ماويّة.

وأمّا زيد بن الدثنة فاشتراه صفوان بن اميّة بخمسين بعيرا ليقتله بأبيه ، فحبسه عند ناس من بني جمح أو عند غلامه نسطاس (الرومي) ١ : ٣٥٥ ـ ٣٥٧ لتنسلخ الأشهر الحرم فيخرجوهم من الحرم فيقتلوهم بالتنعيم أوّل الحلّ كما في السيرة ٣ : ١٨١ ، والمغازي ١ : ٣٥٨. ولذلك فنحن نؤجّل مقتلهم إلى حينه. بل يبدو من قوله : دخلوا بهما إلى مكّة في شهر ذي القعدة الحرام : أنّ مؤامرة بني لحيان من هذيل من خلال رجال من عضل والقارة والديش وفودهم إلى المدينة وتظاهرهم بالإسلام ودعوتهم دعاة الإسلام إلى قومهم في بطن الرجيع وارتحالهم إلى هناك وحتى الوقعة لم يكن كلّ ذلك في ذي القعدة بل كان قبله في أواخر شوّال ، وإلّا لكانت تذكر حرمة الأشهر قبل ذلك ، وعليه فقدوم القوم إلى المدينة

٣٨٩

وفاة زينب بنت خزيمة :

في شهر ذي القعدة توفّيت زينب بنت خزيمة أمّ المساكين أمّ المؤمنين التي كانت زوجة عبيدة بن الحارث بن المطّلب الشهيد ببدر ، والتي مرّ بشأنها عن المسعودي في «التنبيه والإشراف» أنّ رسول الله تزوّجها في شهر رمضان من السنة الثالثة (١) وفي «مروج الذهب» وكان وفاتها بعد شهرين (٢) أي في شهر ذي القعدة.

سريّة أبي سلمة إلى بني أسد في قطن :

وعماد الحديث عنها عن الواقدي بسنده عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه عن جدّه أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي قالوا : إنّ أبا سلمة حين تحوّل من قباء كان نازلا في بني اميّة بن زيد بالعالية ، ومعه زوجته أمّ سلمة بنت أبي اميّة المخزومي ، وشهد أبو سلمة احدا فجرح جرحا على عضده ، فرجع

__________________

ـ للدعوة كان بعد بدر كما روى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة.

هذا وقد أرّخ الواقدي غزوة الرجيع في صفر على رأس ستّة وثلاثين شهرا من الهجرة ، وذكر أنّ الهجوم على المسلمين في تلك الغزوة كان عقب مقتل سفيان بن خالد الهذلي بيد المسلمين ، فكان ذلك انتقاما. بينما هو يؤرّخ مقتل سفيان على رأس أربعة وخمسين شهرا : ٥٣١. وهذا ممّا نبّه عليه المحقّق للمغازي مارسدن جونس في مقدّمته : ٣٣.

(١) التنبيه والإشراف : ٢١٠.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٢٨٨ ، ونقل تأريخ وفاتها في جمادى الاولى من السنة الرابعة المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ١٨٥ عن المنتقى للكازروني : ١٢٨ بلا مصدر.

٣٩٠

إلى منزله ، فجاءه الخبر أنّ رسول الله سار إلى حمراء الأسد فركب وسار مع النبيّ إلى حمراء الأسد ، فلمّا رجع رسول الله إلى المدينة انصرف ورجع من العصبة بالعقيق إلى منزله ، فأقام شهرا يداوي جرحه حتّى رأى أن قد برأ ، ولا يدري أنّ الجرح قد دمل على فساد في داخله.

وقدم الوليد بن زهير الطائي إلى المدينة ونزل على صهره طليب بن عمير من أصحاب رسول الله فأخبره أنّه قد ترك سلمة وطليحة ابني خويلد قد سارا بدعوتهما في قومهما إلى حرب رسول الله يقولون :

نسير إلى محمّد في عقر داره فنصيب من أطرافه وسرحهم يرعى في جوانب المدينة ، ونخرج على متون الخيل ، فإن أصبنا نهبا لم ندرك ، وإن لاقينا جمعهم كنّا قد أخذنا للحرب عدّتها ، معنا خيل ولا خيل لهم ، والقوم منكوبون قد أوقعت بهم قريش حديثا ..

فخرج طليب بن عمير بالوليد بن زهير الطائي إلى النبيّ فأخبره ما أخبر الرجل.

وكان هلال المحرّم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة (١) ، فدعا رسول الله أبا سلمة وقال له : اخرج في هذه السريّة (خمسون ومائة) فقد استعملتك عليها حتى ترد أرض بني أسد ، فأغر عليهم قبل أن تلاقي عليك جموعهم ، وأوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا. وعقد له لواء.

فخرج به الوليد بن زهير الطائي دليلا معهم ، ونكب بهم عن سنن الطريق ، وأسرعوا السير وسار بهم ليلا ونهارا ـ أو كمنوا النهار ـ فسبقوا الأخبار حتى انتهوا في أربعة ليال إلى قطن من مياه بني أسد ، فوجدوا سرحا معه مماليك رعاء

__________________

(١) وإنّما جاز القتال دفاعا ووقاية لا ابتداء.

٣٩١

للسرح ، فأخذوا ثلاثة منهم وأفلت سائرهم ، وضمّوا السرح إليهم ، وذهب المفلتون منهم إلى جمعهم فأخبروهم الخبر وحذّروهم من جمع أبي سلمة (١).

فأحاط بهم أبو سلمة في عماية الصبح ، فوعظ القوم وأمرهم بتقوى الله ورغّبهم في الجهاد وحضّهم عليه ، وأوعز إليهم في الإمعان في الطلب ، وألّف بين كلّ رجلين منهم. وانتبه القوم قبل الحملة عليهم فتهيّئوا وأخذوا السلاح وصفّوا للقتال.

وحمل عليهم أبو سلمة فانكشف المشركون وتبعهم المسلمون فتفرّقوا في كلّ وجه ، وأمسك أبو سلمة عن الطلب وانصرف راجعا إلى محلّه ، وأخذوا ما خفّ لهم من متاع القوم ، ولم يكن في المحلّة ذريّة (٢).

وفرّق أصحابه ثلاث فرق : فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا على ناحيتين في طلب النعم والشياة على أن لا يمعنوا في الطلب ولا يبيتوا إلّا عنده ، فرجعوا سالمين قد أصابوا إبلا وشياتا ولم يلقوا أحدا.

وانحدر بذلك كلّه أبو سلمة راجعا إلى المدينة ومعهم الطائي ، فأعطاه أبو سلمة رضاه من المغنم ، ثمّ أخرج عبدا صفيّا لرسول الله ، ثمّ أخرج الخمس ، ثمّ قسّم ما بقي بين أصحابه (٣).

ثمّ انصرفوا راجعين إلى المدينة ، حتّى إذا كانوا من مائهم على مسيرة ليلة أخطئوا الطريق ... فلمّا أخطئوا الطريق استأجروا دليلا من العرب يدلّهم على الطريق فقال : أنا أهجم بكم على نعم ، فما تجعلون منه لي؟ قالوا : الخمس. فدلّهم على النعم فيه رعاؤهم ، فأخذوا الرعاء واستاقوا

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤٢.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٣٤٥.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٣٤٣.

٣٩٢

النعم وفيها سبعة أبعرة ... وأخذ الدليل خمسه. حتّى دخلوا المدينة (١). وغاب بضع عشرة ليلة (٢).

مقتل أصحاب الرجيع :

روى ابن إسحاق : أنّ خبيب بن عدي كان قد حبس في بيت ماويّة مولاة حجير بن أبي إهاب التميمي (وزيد بن الدثنة عند صفوان بن اميّة) مع مولى له يقال له : نسطاس (٣) وذلك لما روى الواقدي قال : دخل بهما إلى مكّة في شهر ذي القعدة الحرام (٤) فلذلك انتظروا بهم خروج الأشهر الحرم : ذي القعدة وذي الحجّة ومحرّم.

قال ابن إسحاق : اجتمع رهط من قريش لقتله فيهم أبو سفيان ، وأخرجوا زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه ، بعث به صفوان مع مولاه نسطاس إلى التنعيم (أوّل الحلّ) فلمّا قدّم ليقتل قال له أبو سفيان : انشدك الله يا زيد ، أتحبّ أنّ محمّدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنّك في أهلك؟ قال : والله ما احبّ أنّ محمّدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنّي جالس في أهلي! ثمّ قدّمه نسطاس فقتله رحمه‌الله.

ثمّ خرجوا بخبيب وجاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه ، فقال لهم : إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين. قالوا : دونك فاركع ، فركع ركعتين فأتمّهما وأحسنهما ثمّ أقبل على القوم فقال : أما والله لو لا أن تظنّوا أنّي إنّما طوّلت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة. فكان أوّل من سنّ هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٣٤٥ و ٣٤٦.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٣٤٣ ، وفي ثلاث بقين من جمادى الآخرة انتقض به الجرح فمات ، فغسل وحمل إلى المدينة فدفن بها. واعتدّت زوجته أمّ سلمة فتزوّجها رسول الله في شوّال.

(٣) ابن هشام ٣ : ١٨١.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ٣٥٧.

٣٩٣

ثمّ أوثقوه ليرفعوه على خشبته فقال :

اللهم قد بلّغنا رسالة رسولك ، فبلّغه الغداة ما يصنع بنا ، ثمّ قال : اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا!

وكان المشركون يزعمون أنّ الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه! وكان أبو سفيان حاضرا ومعه معاوية فألقى معاوية على الأرض خوفا من إصابة دعوة خبيب (١).

وروى الواقدي قال : دخل بهما إلى مكّة في شهر ذي القعدة الحرام ، فحبس حجير خبيب بن عدي في بيت امرأة يقال لها ماوية مولاة لبني عبد مناف ، وحبس صفوان زيد بن الدثنة عند ناس من بني جمح. ويقال : عند غلامه نسطاس ... فلمّا انسلخت الأشهر الحرم أجمعوا على قتلهما.

فأخرجوا خبيبا بالحديد إلى التنعيم (أوّل الحلّ) (٢) وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكّة إمّا موتور يريد أن يتشافى بالنظر في وتره ، وإمّا غير موتور مخالف للإسلام وأهله. وأخرجوا معه زيد بن الدثنة ، وأمروا فحفر لخشبتهما.

فلمّا قرّبوا خبيبا إلى خشبته قال : هل أنتم تاركيّ فاصلّي ركعتين؟ قالوا : نعم. فركع ركعتين فاتمّهما من غير أن يطوّل فيهما. ثمّ قال : أما والله لو لا أن تروا أنّي جزعت من الموت لاستكثرت من الصلاة. ثمّ قال : اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا!

__________________

(١) ابن هشام ٣ : ١٨١ و ١٨٢.

(٢) بل قال عاتق البلادي في مختصر معجم معالم مكّة التاريخية : إنّ موضع قتل خُبيب في شمال وادي يأجج والذي يُعرف اليوم باسم ياج ، تخفيفاً ، ويعرفه عامّة أهل مكّة باسم وادي بئر مقيت ، وهو في شمال التنعيم يمرّ به حتّى يصبّ في مرّ الظهران بطول ٣٣ كم ، كما عنه في مجلّة ميقات الحجّ ٧ : ٢٤١. س

٣٩٤

فقال الحارث بن برصاء : والله ما ظننت أنّ دعوة خبيب تغادر أحدا منهم!

وقال جبير بن مطعم : لقد رأيتني يومئذ أتستّر بالرجال خوفا من أن أشرف لدعوته!

وقال حكيم بن حزام : لقد رأيتني أتوارى بالشجر خوفا من دعوة خبيب!

وقال حويطب بن عبد العزّى : لقد رأيتني أدخلت إصبعي في اذني واهرب خوفا من سماع دعائه!

وقال معاوية بن أبي سفيان : ولقد جذبني أبي يومئذ جذبة سقطت منها على عجب ذنبي فأوجعتني!

وقال نوفل بن معاوية الديلي : كنت قائما فأخلدت إلى الأرض خوفا من دعوته ، وما كنت أرى أنّ أحدا ينفلت من دعوته ، ولقد مكثت قريش شهرا أو أكثر ما لها حديث في أنديتها إلّا دعوة خبيب.

ثمّ حملوه إلى الخشبة ووجّهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطا ثمّ قالوا له : ارجع عن الإسلام نخلّ سبيلك! قال : لا والله ما احبّ أنّي رجعت عن الإسلام وأنّ لي ما في الأرض جميعا! قالوا : فتحبّ أنّ محمّدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ قال : والله ما احبّ أن يشاك محمّد بشوكة وأنا جالس في بيتي! فجعلوا يقولون له : ارجع يا خبيب! وهو يقول : لا أرجع أبدا! قالوا : أما واللات والعزّى لئن لم تفعل لنقتلنّك! قال : إنّ قتلي في الله لقليل! ثمّ قال : اللهم اني لا أرى إلّا وجه عدو ، اللهم إنّه ليس هاهنا أحد يبلّغ رسولك السّلام عنّي ، فبلّغه أنت عنّي السّلام!

فروى الواقدي بسنده عن زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله قال : إنّ رسول الله كان جالسا مع أصحابه إذ أخذته غشية كما كانت تأخذه إذا انزل عليه

٣٩٥

الوحي ثمّ سمعناه يقول : وعليه‌السلام ورحمة الله. ثمّ قال : هذا جبرئيل يقرئني من خبيب السّلام.

ثمّ دعوا أبناء من قتل ببدر فوجدوهم أربعين غلاما فأعطوا كلّ غلام رمحا ثمّ قالوا : هذا الذي قتل آباءكم فطعنوه برماحهم .. ثمّ طعنه أبو سروعة حتى أخرجه من ظهره ، فمكث ساعة يوحّد الله ويشهد أنّ محمّدا رسول الله.

قال : وكان زيد محبوسا في الحديد عند آل صفوان بن اميّة ، وكان يصوم بالنهار ويتهجّد بالليل ، ولا يأكل من ذبائحهم فأرسل إليه صفوان : فما تأكل من الطعام؟ قال : لست آكل ممّا ذبح لغير الله ، ولكنّي أشرب اللبن ، فأمر له صفوان بعسّ من لبن عند إفطاره فيشرب منه.

وخرج به غلام صفوان نسطاس إلى التنعيم ، وخرجوا بخبيب في يوم واحد ، فالتقيا فالتزم كلّ منهما صاحبه وأوصى كلّ واحد منهما صاحبه بالصبر على ما أصابه ثمّ افترقا ، ورفعوا لزيد جذعا ، فقال : اصلّي ركعتين ، فصلّى ركعتين ، ثمّ حملوه على الخشبة ثمّ جعلوا يقولون له : ارجع عن دينك المحدث واتّبع ديننا ونرسلك! قال : لا والله لا افارق ديني أبدا. فقالوا له : أيسرّك أنّ محمّدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ قال : ما يسرّني أنّ محمّدا اشيك بشوكة وأنّي في بيتي! ثمّ ولي نسطاس قتله (١).

سريّة الجهني الى اللحياني :

روى الواقدي : أن بني لحيان من هذيل كانوا قد نزلوا في عرنة (بقرب عرفة من مكة) وما حولها. وبلغ رسول الله أن قائدهم سفيان بن خالد قد جمع

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٣٥٧ ـ ٣٦٢.

٣٩٦

الجموع له وقد ضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس.

فروى عن عبد الله بن انيس الجهني : أن رسول الله دعاه (في أوائل المحرّم للسنة الرابعة للهجرة (١)) وأخبره الخبر وأمره أن ينبعث إليه وحده ليقتله. قال ابن انيس : وكنت لا أهاب الرجال ، ولكنّي لم اكن أعرفه فقلت : يا رسول الله ما أعرفه فصفه لي. فقال رسول الله : انك اذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان! فقلت : يا رسول الله ما فرقت من شيء قط. فقال : بلى تلك آية لك أن تجد له قشعريرة اذا رأيته! فاستأذنت النبيّ أن أقول ما شئت. فقال : قل ما بدا لك : وانتسب الى خزاعة.

قال : فأخذت سيفي لم أزد عليه ، وخرجت أمشي على رجلي يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم فأخذت على الطريق حتى انتهيت الى قديد ، فوجدت بها خزاعة كثيرا وانتسبت إليهم ، وكنت ماشيا فعرضوا عليّ أن يحملوني ويصحبوني فلم أرد ذلك.

وخرجت أمشي حتى خرجت على عرنة فجعلت اخبر من لقيت أني اريد سفيان بن خالد لأكون معه ، حتى اذا كنت ببطن عرنة وقد دخل وقت العصر فلقيته يمشي وهو يتوكأ على عصا ووراءه الأحابيش ومن استجلب وضوى إليه ، فلما رأيته هبته على النعت الذي نعته لي رسول الله ، فقلت في نفسي : صدق الله

__________________

(١) روى ابن اسحاق هذه السرية بلا تاريخ ٤ : ٢٦٧ ، وانما رواها الواقدي مضطربا في تاريخها : فذكرها في فهرسه للمغازي والسرايا في مقدمة كتابه : ٣ تارة : على رأس خمسة وثلاثين شهرا. واخرى : ٤ في المحرم سنة ست. ثم ذكر التفصيل على التاريخ الثاني : على رأس أربعة وخمسين شهرا : ٥٣١. بينما ذكر في غزوة الرجيع : ٣٥٤ : أن قتل عاصم بن ثابت كان انتقاما لقتل سفيان بن خالد ، وهذا يرجّح التاريخ الأول : ٣٥ شهرا. كما ذكرها المسعودي كذلك في التنبيه والاشراف : ٢١٢.

٣٩٧

ورسوله ، فصليت العصر ايماء برأسي وأنا أمشي.

فلما دنوت منه قال : من الرجل؟ فقلت : من خزاعة ، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك. قال : أجل اني لفي الجمع له. فمشيت معه وأنا أقول : عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث ، فارق الآباء وسفّه الأحلام! فقال : لم يلق محمد أحدا يشبهني! وأنشدته شعرا وحدّثته فاستحلى حديثي وانتهى الى خبائه (١) وتفرق عنه أصحابه الى منازل قريبة منه ، فقال لجاريته : احلبي. فحلبت ثم ناولتني فمصصت ثم دفعته إليه ، فعبّ منه ثم قال : اجلس ، فجلست معه حتى اذا هدأ الناس وناموا ، وهدأ هو فقتلته وأخذت رأسه وأقبلت حافيا حتى صعدت في جبل فدخلت غارا واختفيت فيه ، وضربت العنكبوت على الغار ، وأنا اذكر تهامة وحرّها وكان أهم أمري عندي العطش.

وتفقّدنه نساؤه فاخذن يبكين عليه ، وأقبل الرجال على الخيل في طلبي وتوزّعوا في كل وجه ، وأقبل رجل نعلاه في يده ومعه إداوة ضخمة فوضعها على باب الغار وقال لأصحابه : ليس في الغار أحد فانصرفوا راجعين وجلس هو على باب الغار يبول ، فخرجت الى الاداوة فشربت منها وأخذت النعلين فلبستهما ، وأقبلت أتوارى النهار وأسير الليل حتى قدمت المدينة في يوم السبت لسبع بقين من المحرم (٢) فوجدت رسول الله في المسجد ، فلما رآني قال : أفلح الوجه! قلت : أفلج وجهك يا رسول الله! ثم وضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري. فدفع إلي عصا وقال : تخصّر بهذه في الجنة فان المتخصّرين في الجنة قليل. ولذلك أوصى

__________________

(١) وفي ابن اسحاق ٤ : ٢٦٨ : حتى اذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته ثم خرجت وتركت نساءه منكبّات عليه. وهذا النص أبعد عن التصنّع.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٥٣٢ ، ٥٣٣ ، ٥٣١ وانظر سيرة ابن هشام ٤٢ : ٢٦٧ ، ٢٦٨.

٣٩٨

أهله أن يدرجوها في كفنه (١).

غزوة بئر معونة :

روى الواقدي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : كان سبعون رجلا شابّا من الأنصار إذا أمسوا اجتمعوا في ناحية من المدينة فصلّوا وتدارسوا القرآن حتى سمّوا القرّاء ، حتى إذا كان الصبح جمعوا حطبا واستعذبوا ماء فحملوه إلى حجر رسول الله فكان أهلهم يظنّون أنّهم في المسجد وأهل المسجد يظنّون أنّهم جاءوا من أهليهم.

وقال الواقدي : وأرى أنّهم كانوا أربعين رجلا فهو الثبت (٢) وكذلك قال ابن إسحاق (٣).

ونقل الطبرسي في «إعلام الورى» عن كتاب أبان البجلي الكوفي قال : قدم على رسول الله بالمدينة أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنّة ، فعرض عليه الإسلام فأسلم (٤) وقال : يا محمّد! إن بعثت رجالا إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك!

فقال الرسول : أخشى عليهم أهل نجد (٥)! فقال أبو براء : أنا لهم جار!

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٥٣٣. والتخصّر أن يتكئ الشخص بخاصرته على العصا.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٣٤٧.

(٣) ابن هشام ٣ : ١٩٤.

(٤) فلم يسلم ولم يبعد ، إعلام الورى ١ : ١٨٦ ، ابن إسحاق في السيرة ٣ : ١٩٣. والواقدي ١ : ٣٤٦. وهو الثبت وإلّا فكيف يقول : يا محمّد؟!

(٥) وإنّما يتوجّه هذا الكلام بعد خيانة رجال عضل والقارة والديش ولحيان من هذيل ، لا قبل ذلك.

٣٩٩

فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في بضعة وعشرين رجلا ـ وقيل : في أربعين ، وقيل : في سبعين رجلا ـ من خيار المسلمين ، منهم : الحارث بن الصمّة ، وحرام بن ملحان ، وعامر بن فهيرة (١) ومعهم كتاب رسول الله.

فساروا حتى نزلوا بئر معونة ، وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم. فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله إلى عامر بن الطفيل ، فلمّا أتاه لم ينظر (عامر) في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله وهو يقول : الله أكبر! فزت (٢) وربّ الكعبة!

ثمّ دعا (عامر) بني عامر إلى قتالهم ، فقالوا : لا نخفر أبا براء! فاستصرخ قبائل من بني سليم : عصيّة ورعلا وذكوان فأجابوه وأحاطوا بالقوم في رحالهم. فلمّا رأوهم أخذوا أسيافهم وقاتلوا القوم حتى قتلوا عن آخرهم (٣) وإنّما كانوا قد خلّفوا في سرحهم عمرو بن اميّة الضمري ورجلا آخر من الأنصار (المنذر بن محمّد (٤)) فلم ينبئهما بمصاب القوم إلّا الطير تحوم على العسكر ، فقالا ، والله إنّ لهذا الطير لشأنا! فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم! فقال الأنصاري (المنذر بن محمّد) لعمرو الضمري : ما ترى؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري (المنذر بن محمّد) : لكني لم أكن أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه

__________________

(١) وقال الواقدي : هؤلاء هم القرّاء الذين بعثهم إلى بئر المعونة.

(٢) روى ابن إسحاق عن جبّار بن سلمى العامري قال : طعنت يومئذ رجلا منهم بالرمح بين كتفيه فخرج سنان الرمح من صدره فسمعته يقول : فزت والله! فسألت عن قوله فقالوا : للشهادة ـ ٣ : ١٩٦. ورواه الواقدي ١ : ٣٤٩.

(٣) وقال ابن إسحاق : إلّا كعب بن زيد من بني النجّار فإنّهم تركوه وبه رمق فرفع من بين القتلى فعاش ورجع إلى المدينة ثمّ قتل يوم الخندق ٣ : ١٩٤.

(٤) ابن هشام ٣ : ١٩٥.

٤٠٠