موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

العباس بن عبد المطلّب وعقيل بن أبي طالب :

روى الكليني في «روضة الكافي» بسنده عن معاوية بن عمار الدهني عن الصادق عليه‌السلام قال : إن رسول الله نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم ، فأسروا.

ثم أرسل عليا وقال له : انظر من هاهنا من بني هاشم؟ فمرّ علي عليه‌السلام ورجع الى رسول الله فقال له : هذا أبو الفضل في يد فلان ، وهذا عقيل في يد فلان ، وهذا نوفل بن الحارث في يد فلان.

وجيء بالعباس فقيل له : افد نفسك وافد ابني أخيك (فالتفت الى النبيّ) وقال : يا محمّد! تركتني أسأل قريشا في كفّي؟!

قال رسول الله : أعط مما خلّفت عند أم الفضل وقلت لها : إن أصابني شيء في وجهي هذا فأنفقيه على نفسك وولدك.

قال : يا ابن أخي! من أخبرك بهذا؟

قال : أتاني به جبرئيل من عند الله.

فقال : والمحلوف به! ما علم بهذا أحد الّا أنا وهي ، فأشهد أنك رسول الله (١).

وروى الطبرسي في «مجمع البيان» عن الباقر عليه‌السلام قال : كان الفداء يوم بدر كل رجل من المشركين بأربعين اوقية ، والأوقية : أربعون مثقالا ، الّا العباس فان فداءه كان مائة أوقية. وكان اخذ منه حين اسر عشرون اوقية ذهبا ، فقال النبيّ : ذلك غنيمة ، ففاد نفسك وابني أخيك نوفلا وعقيلا. فقال : ليس معي شيء. فقال : أين الذهب الذي سلّمته الى أمّ الفضل وقلت : ان حدث بي حدث فهو لك وللفضل وعبد الله وقثم؟ فقال : من أخبرك بهذا؟ قال : الله تعالى.

__________________

(١) روضة الكافي : ٢٠٢ ورواه العياشي في تفسيره ٢ : ٦٨ و ٦٩ والحميري في قرب الاسناد كما في الميزان ٩ : ١٤٠.

١٤١

فقال : أشهد أنك رسول الله ، والله ما اطّلع على هذا أحد الّا الله تعالى (١).

قال الواقدي : ومنّ رسول الله من الأسرى يوم بدر على أبي عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ، وكان شاعرا ، فقال لرسول الله : لي خمس بنات ليس لهنّ شيء ، فتصدّق بي عليهن يا محمد! واعطيك موثقا لا اقاتلك ولا اكثر عليك أبدا.

ففعل رسول الله وأعتقه وأرسله (٢).

الوصية بالأسرى :

قال : قالوا : ولما حبس الأسرى ببدر استعمل النبيّ عليهم غلامه شقران

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٨٦٠ وقال في إعلام الورى ١ : ١٦٩ : قال العباس : والله يا رسول الله اني لأعلم أنك رسول الله ، إنّ هذا لشيء ما علمه غيري وغير أمّ الفضل. ثم فدى نفسه بمائة اوقية ، وكل واحد من اولئك بأربعين اوقية. ومن الطريف أن ابن اسحاق والواقدي وابن هشام تحاشوا ذكر أسر العباس ، وذكروا أخبارا تنبئ عن سابق اسلام العباس واسرته!

(٢) فلما خرجت قريش الى احد خرج ابو عزة يدعو العرب يحشرهم ثم خرج مع قريش الى احد فاسر وحده من قريش ، فقال : يا محمد! لي بنات فامنن علي وانما اخرجت مكرها! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أين ما أعطيتني من العهد والميثاق؟! لا والله ، لا تمسح عارضيك بمكة تقول : سخرت بمحمد مرّتين ، إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين. يا عاصم بن ثابت ، قدّمه فاضرب عنقه. فقدّمه وضرب عنقه. مغازي الواقدي ١ : ١١١.

١٤٢

وقد شهد بدرا ولم يعتقه يومئذ (١) وقال : إنّ بكم عيلة ، فلا يفوتنكم رجل من هؤلاء الّا بفداء أو ضربة عنق.

فقال عبد الله بن مسعود : يا رسول الله ، إلّا سهيلا (أخ له) فاني رأيته يظهر الاسلام بمكة. فسكت النبيّ فلم يرد عليه ، ثم رفع رسول الله رأسه فقال : إلّا سهيلا (٢).

وروي عن الزهري روى عن النبيّ قال لأصحابه في الأسرى : استوصوا بهم خيرا.

فكان ابو العاص بن الربيع يقول : كنت مع رهط من الأنصار وكان التمر زادهم والخبز معهم قليل ، وكنا اذا تغدّينا أو تعشّينا (٣) أكلوا التمر وآثروني بالخبز ، حتى إن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إليّ ، جزاهم الله خيرا.

وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل هذا ويزيد : وكانوا يحملوننا ويمشون (٤) وروى ابن اسحاق عن أبي عزيز بن عمير أخي مصعب بن عمير ـ وكان صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث من بني عبد الدار ـ قال : كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر ، فكانوا لوصية رسول الله بنا اذا قدّموا غداءهم أو عشاءهم خصّوني بالخبز واكلوا التمر ، حتى ما كانت تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلّا نفحني بها (٥).

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٠٥ و ١٠٧ و ١١٦.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١٠٩ ، ١١٠ وعليه فهذا ثاني من منّ عليه واطلق بلا فداء. وفي الخبر : سهيل بن بيضاء ، وقال الواقدي : سهيل بن بيضاء كان من مهاجرة الحبشة ولم يشهد بدرا ، فهو وهم.

(٣) ذلك انهم مفطرون في سفرهم.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١١٩ وعليه فما مرّ عن القمي أنهم ساقوهم راجلين لم يدم طويلا.

(٥) سيرة ابن هشام ٢ : ١١٩.

١٤٣

وغالبا ما كان الأسير مع من أسره ، وكان مالك بن الدّخشم قد أسر أبا يزيد سهيل بن عمرو من المطعمين بمكة. فروى الواقدي قال : في منزل شنوكة قال سهيل لمالك : يا مالك خلّ سبيلي للغائط. فقام مالك على رأسه! فقال سهيل : إني احتشم فاستأخر عنّي. فاستأخر عنه ، فانتزع سهيل يده من القران ومضى على وجهه. فلما أبطأ سهيل افتقده مالك فصاح في الناس. وخرج النبيّ فقال : من وجده فليقتله! وخرج النبيّ في طلبه فوجده نفسه قد أخفى او دفن نفسه بين شجرات سمرات ، فأمر به فربطت يداه الى عنقه ثم قرنه الى راحلته (١).

تقسيم الغنائم :

مرّ أن تقسيم الغنائم كان بعد اختلافهم فيها ونزول سورة الأنفال قطعا لخلافهم فيها وجوابا لسؤالهم عنها ، ويبدو أن ذلك كان بعد بدر وقبل قفولهم من منزل سير. فقد قال ابن اسحاق : أمر رسول الله فجمع ما جمعه الناس مما كان في عسكر المشركين ببدر .. وأمر الناس أن يردّوا ما كان في أيديهم من النفل ... ثم أقبل قافلا الى المدينة واحتمل معهم النفل الذي اصيب من المشركين ، وجعل عليه عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف المازني من بني النجار. حتى خرج من مضيق الصفراء ونزل على كثيب بين المضيق والنازية يقال له سير ، فقسّم هنالك النفل على السّواء (٢).

وروى الواقدي بسنده عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري قال : جمعت الغنائم واستعمل عليها رسول الله عبد الله بن كعب بن عمرو المازني ـ وقيل :

__________________

(١) فلم يركب خطوة حتى قدم المدينة مغازي الواقدي ١ : ١١٧ ، ومن هنا أيضا يفهم أن ما ذكره القميّ لم يدم طويلا.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٩٥ ـ ٢٩٧.

١٤٤

خبّاب بن الأرت ـ وقسّمها بسير وهو شعب بمضيق الصفراء (١).

وفي رواية اخرى عنه قال : أمر رسول الله : أن تردّ الأسلاب وما أخذوا في المغنم والأسرى ، فقسم الأسلاب التي نفّلها للرجل في المبارزة والذي اخذ في العسكر ، قسّمه بينهم على فواق (٢) ، وأقرع بينهم في الأسرى (٣) يعني أنه استردّ الجميع وقسّمه.

ولكن روى عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت عن أبيه عن جده قال : نادى منادي النبيّ يومئذ : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومن أسر أسيرا فهو له ، فكان من قتل قتيلا يعطيه سلبه ، وما وجد في العسكر وما أخذوه بغير قتال فقسّمه بينهم على فواق. وهذا يعني أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسترد الأسلاب بل انما سائر الغنائم والأسرى.

ولذلك قال الواقدي والثبت عندنا من هذا : أن كل ما جعله لهم فانه قد سلّمه لهم (٤) وما لم يجعل لهم فقد قسّمه بينهم.

وقال : قالوا : أخذ علي عليه‌السلام درع الوليد بن عتبة ومغفره وبيضته ، وأخذ حمزة سلاح عتبة ، وأخذ عبيدة بن الحارث درع شيبة ، فهي في ورثته.

وأما سلب أبي جهل فقد روى عن سعيد بن خالد القارظي : أن النبيّ أعطاه لعبد الله بن مسعود ، وروى عن خارجة بن كعب القرظي : أن النبيّ دفعه الى معاذ بن عمرو بن الجموح.

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٠٠ و ١١٤.

(٢) قالوا في معناه : أي جعل من رأى تفضيله فوق بعض.

(٣) وهذا أول مورد للعمل بالقرعة في تقسيم الأسرى للمقاتلين.

(٤) سوى الأسرى فانه صلى‌الله‌عليه‌وآله جعلهم لمن أسرهم ثم لم يسلمهم لهم بل اقترع عليهم بينهم كما مرّ ويأتي.

١٤٥

ثم روى بسنده عن عبد الله بن مكنف الأنصاري قال : كان الرجال ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وكانت السهام ثلاثمائة وسبعة عشر سهما ، أربعة أسهم للمقداد والزبير لخيلهما ، وثمانية أسهم لثمانية نفر لم يحضروا وأسهم لهم رسول الله (١) ثلاثة من المهاجرين : سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وطلحة بن عبيد الله اللذان بعثهما رسول الله يتحسّسان العير (٢) قال ابن اسحاق : وكان عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس قد تخلّف على امرأته رقيّة بنت رسول الله ، فضرب له رسول الله بسهمه (٣) وقال الواقدي : خلّفه رسول الله (٤).

ومن الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر ، خلّفه على المدينة. وعاصم بن عدي ، خلّفه على قباء وأهل العالية. والحارث بن حاطب ، أمره بأمره في بني عمرو بن عوف. وخوّات بن جبير ، والحارث بن الصّمة ، كسر بهم بالروحاء في الطريق الى بدر.

وقد روى أنه ضرب لأربعة رجال آخرين ليس بمجتمع عليهم كاجتماعهم على الثمانية ، منهم سعد بن عبادة ، وقد مرّ خبره أنه كان قد نهش فمنعه ذلك عن الخروج. وسعد بن مالك الساعدي ، وكان قد تجهّز الى بدر فمرض ، ومات خلاف رسول الله ، ولرجلين آخرين.

__________________

(١) كذا ، ولا يخفى ما فيه من اختلال في التقسيم ، فإنّ السبعة عشر بعد الثلاثمائة لا تزيد على الثلاثة عشر بعد الثلاثمائة الا بأربعة ، فلو ذهب منها اثنان للفارسين بقيت سهمان لا ثمانية.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١٠١ وقال قبل ذلك : فقدم طلحة وسعيد المدينة اليوم الذي لاقاهم رسول الله ببدر ، واستقبلا الرسول فلقياه على المحجة ـ لتربان بعد السّيّالة وقبل ملل ١ : ٢٠ والسيالة أولى المنازل الى مكة وملل ثانيتها. وقال ابن اسحاق فيهما في السيرة ٢ : ٢٣٩ و ٢٤١ : كانا في الشام وقدما.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٣٤.

(٤) وسيأتي الكلام عليه في وفاة رقية في ذي الحجة.

١٤٦

وكانت الابل التي غنموها يومئذ مائة وخمسين بعيرا معها أدم كثير حملوه للتجارة. وغنموا من خيولهم عشرة أفراس وسلاحا. فكانت تصيب الرجل بعير ومتاع وآخر أنطاع (١).

وكان لرسول الله صفيّ من الغنيمة قبل أن تقسم ، فكان جمل أبي جهل له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان يغزو عليه حتى ساقه هدي الحديبية (٢). وتنفّل رسول الله سيف المنبّه بن الحجاج وكان يقال له : ذا الفقار (أي الفقرات بمعنى الحفر).

وكان لا يردّ سؤالا ، فسأله الأرقم بن أبي الأرقم سيف المرزبان لابن عائذ المخزومي فأعطاه اياه. وسأله سعد بن أبي وقاص سيف العاص بن منبّه فأعطاه.

وكان مماليك اربعة حضروا بدرا فلم يسهم لهم ولكن اعطاهم شيئا منه : غلامه شقران استعمله على الاسرى فاعطي شيئا من فداء كل اسير. وغلام لسعد ابن معاذ ، وغلام لعبد الرحمن بن عوف وغلام حاطب بن أبي بلتعة ، أعطاهم من الغنائم (٣).

بعث البشير بالفتح :

قال الواقدي : وقدّم رسول الله عبد الله بن رواحة (بشيرا الى أهل العالية من المدينة ، وزيد بن حارثة الى أهل السافلة منها) (٤).

وافترق عبد الله بن رواحة عن زيد بن حارثة من العقيق فاتبع دور

__________________

(١) وهذا هو معنى الفواق بعضهم فوق بعض أو بتفاوت ، وهو طبيعي مع هذه الغنائم ، وعليه فلا يصح ما في سيرة ابن هشام ٢ : ٢٩٧ وغيرها : أنه قسّمه على السّواء. وكيف؟!

(٢) في تحديد الحديبية انظر مجلة ميقات الحج ٢ : ٦٥.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٩٩ ـ ١٠٥.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٩٦ وذكر ابن رواحة في ٣ : ٥٤.

١٤٧

الأنصار بالعالية وهم بنو خطمة وبنو عمرو بن عوف وبنو وائل ، وجعل ينادي على راحلته :

يا معشر الأنصار أبشروا بسلامة رسول الله وقتل المشركين وأسرهم ، قتل ابنا ربيعة ، وابنا الحجاج ، وابو جهل ، وأميّة بن خلف وزمعة بن الأسود ، واسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثيرين ، وغدا يقدم رسول الله ان شاء الله ومعه الأسرى مقرّنين. وجعل الأطفال يشتدّون معه ويقولون : قتل أبو جهل الفاسق ، قتل ابو جهل الفاسق.

وقدم زيد بن حارثة الى المدينة على الناقة القصواء ، للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما بلغ المصلى صاح : قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وابنا الحجاج ، وابو جهل وابو البختري ، وأميّة بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، واسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في اسرى كثيرة.

فقال رجل من المنافقين لأبي لبابة بن عبد المنذر : هذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب ، وقد قتل محمد وقتل معه علية أصحابه ، وقد تفرق أصحابكم تفرّقا لا يجتمعون بعده أبدا ، وهذه ناقة محمد نعرفها!

وقال آخر من المنافقين لاسامة بن زيد : قتل صاحبكم ومن معه!.

قال اسامة : فجئت حتى خلوت بأبي (وقال ابن اسحاق : فجئته وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس) فقلت : يا أبه ، أحق ما تقول؟ قال : إي والله حقا يا بني (١).

قال ابن اسحاق : وكان كعب بن الأشرف من (يهود) بني نبهان من طيّ وأمه من بني النضير ، فلما بلغه الخبر قال : أحقّ هذا؟ أترون محمدا قتل هؤلاء

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١١٥.

١٤٨

الذين يسمّيانهم هذان الرجلان : زيد وعبد الله؟ فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس! والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها! (١).

استقبال الرسول :

واستقبله الناس بالروحاء يهنّئونه بفتح الله عليه.

ولقيه في تربان عبد الله بن انيس فقال : يا رسول الله ، الحمد لله على سلامتك وظفرك ، كنت يا رسول الله ليالي خرجت مورودا (محموما بالنوبة) فلم يفارقني حتى أمس ، فأقبلت إليك. فقال : آجرك الله.

ولقيه اسيد بن حضير فقال : يا رسول الله ، الحمد لله الذي ظفّرك وأقر عينك! والله يا رسول الله ما كان تخلّفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوّا ، ولكنّي ظننت أنها العير ، ولو ظننت أنه العدو ما تخلّفت. فقال رسول الله : صدقت.

أما الأسرى فقد قدموا بهم المدينة قبله أو بعده بيوم أو بعض يوم (٢).

ولما التقى برسول الله وجوه الخزرج يهنئونه بفتح الله ، قال سلمة بن سلامة ابن وقش : ما الذي تهنّئوننا به؟ فو الله ما قتلنا إلّا عجائز صلعا.

فتبسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا ابن أخي اولئك الملأ ، لو رأيتهم لهبتهم ولو

__________________

(١) ابن هشام ٣ : ٥٥.

(٢) وقد قال في مرجعه من بدر : كان قتل عصماء بنت مروان لخمس ليال بقين من رمضان مرجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من بدر ١ : ١٧٤ ونقل الطبري عن بعضهم قال : كان رجوعه الى المدينة يوم الاربعاء لثماني ليال بقين من رمضان ٢ : ٤٨٢ ولعله عنه أخذ المسعودي في التنبيه والاشراف : ٢٠٦ : وكانت غيبة رسول الله الى أن عاد الى المدينة تسعة عشر يوما ، ودخلها لثمان بقين من شهر رمضان. اي في الحادي أو الثاني والعشرين من رمضان.

١٤٩

أمروك لأطعتهم ، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته ، وبئس القوم كانوا لنبيّهم!

فقال سلمة : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، انك يا رسول الله لم تزل عني معرضا منذ كنّا بالروحاء في بدأتنا؟!

فقال رسول الله : أما ما قلت للأعرابي : وقعت على ناقتك فهي حبلى منك! ففحشت وقلت ما لا علم لك به! وأما ما قلت في القوم ، فانك عمدت الى نعمة من نعم الله تزهدها! فاعتذر الى النبيّ ، فقبل منه رسول الله معذرته (١).

البكاء على الشهداء :

وعقد اسر الشهداء مناحة على شهدائهم منهم آل العفراء على ولديهم معوّذ وعوف ابني العفراء ، وشاركتهم سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب (٢).

وروى الواقدي بسنده عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا : لما بلغ مقتل حارثة بن سراقة الى امّه بالمدينة ، وكان مقتله على حوض بدر إذ أتاه سهم غرب (٣) فوقع في نحره فقتل ، قالت أمه : فو الله لا أبكيه حتى يقدم رسول الله فأسأله ، فان كان ابني في الجنة لم أبك عليه ، وان كان ابني في النار بكيته!

فلما قدم رسول الله من بدر جاءت أم حارثة الى رسول الله فقالت :

يا رسول الله ، قد عرفت موضع حارثة من قلبي فأردت أن أبكي عليه فقلت : لا أفعل حتى أسأل رسول الله فان كان في الجنة لم أبك عليه ، وان كان في

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١١٦.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١١٤ ـ ١١٨ والخبر الأخير في سيرة ابن هشام أيضا ٢ : ٢٩٩.

(٣) غرب : لا يعرف راميه.

١٥٠

النار بكيته.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : هبلت (هلكت) أجنّة واحدة؟ انها جنان كثيرة! والذي نفسي بيده انه لفي الفردوس الأعلى!.

فقالت : فلا أبكي عليه أبدا.

فدعا رسول الله بماء فغمس يده فيه ومضمض فاه ثم ناول أم حارثة فشربت ثم ناولته ابنتها فشربت ، ثم أمرهما فنضحتا منه في جيوبهما ففعلتا. فرجعتا من عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وما بالمدينة امرأتان أقرّ عينا منهما ولا أسرّ (١).

الأسرى في المدينة :

قال : ولما قدموا بالأسرى لم يبق بالمدينة يهودي ولا مشرك ولا منافق الّا ذل ، وقال كعب بن الأشرف اليهودي : بطن الأرض اليوم خير من ظهرها ، هؤلاء أشراف الناس وساداتهم وملوك العرب وأهل الحرم والأمن قد اصيبوا (٢).

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٩٣ ، ٩٤.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١٢١. وروى الواقدي بسنده عن كعب بن مالك ، وجابر بن عبد الله الأنصاري قالا : لما رأى ابن الأشرف الأسرى مقرّنين كبت وذلّ وقال لهم : ويلكم! والله لبطن الأرض خير من ظهرها اليوم! هؤلاء سراة القوم قد قتلوا واسروا ، فما عندكم؟ قالوا : عداوته ما حيينا! قال : وما أنتم وقد وطأ قومه وأصابهم؟! ولكني أخرج الى قريش فأحضّهم وأبكي قتلاهم ، فلعلهم ينتدبون فاخرج معهم.

فخرج حتى قدم مكة ، ووضع رحله عند أبي ودّاعه بن ضبيرة السّهمي (وهو صهر بني أميّة وأوّل أسير افتدي) فجعل يرثي قريشا ـ المغازي ١ : ١٨٥.

وروى ابن اسحاق عن رواته قالوا : خرج حتى قدم مكة .. وجعل ينشد الأشعار يبكي أصحاب القليب من قريش الذين اصيبوا ببدر ، ويحرّض بذلك على رسول الله ـ ٣ : ٥٥.

١٥١

وقال آخر منهم : هو الذي نجده منعوتا ، والله لا ترفع له راية بعد اليوم الّا ظفرت!

وقال عبد الله بن نبتل : ليت أنّا كنا خرجنا معه حتى نصيب معه غنيمة! وخرج كعب الى مكة ، ورثي قتلى بدر من المشركين وهجى المسلمين. فدعا رسول الله حسّان بن ثابت الأنصاري فأخذ يهجو من نزل كعب عنده (أبا وداعة السهمي) حتى رجع كعب الى المدينة (١).

وروى ابن اسحاق عن نبيه بن وهب قال : لما أقبل رسول الله بالاسارى فرّقهم بين أصحابه واستوصاهم بهم خيرا (٢).

فداء الأسرى :

وكان أبو وداعة بن ضبيرة (السهميّ) أول من افتدي. وكان رسول الله قد قال لهم : إن له بمكة ابنا كيّسا تاجرا ذا مال ، وكأنّكم به قد جاء في طلب فداء أبيه (٣) وهو مغل فداءه (٤) فلما قدم الحيسمان الخزاعي مكة بخبر قتلاهم

__________________

ـ أمّا عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فقد قال الواقدي فيه : كان لعبد الله بن ابيّ مقام يقومه كل جمعة شرفا له لا يريد تركه ، فلما رجع رسول الله من (بدر) الى المدينة جلس على المنبر يوم الجمعة فقام ابن أبيّ فقال : هذا رسول الله بين أظهركم قد اكرمكم الله به ، فانصروه وأطيعوه ـ ١ : ٣١٨. وكلمة (بدر) في المطبوع (احد) ويبدو خطؤه من سياق الكلام.

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٢١ ، ١٢٢ باختصار.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٩٩.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٠٣.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٢٩.

١٥٢

وأسراهم (١) انسلّ المطلب بن أبي وداعة ليلا وأخذ شرقيّ مكة فسار أربع ليال الى المدينة ، فافتدى أباه بأربعة آلاف درهم وانطلق به (٢) ثم قدم بعده بثلاث ليال خمسة عشر رجلا منهم في فداء أصحابهم : ابيّ بن خلف الجمحي ، وجبير بن مطعم ، وخالد بن الوليد المخزومي ، وطلحة بن أبي طلحة ، وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، وعثمان بن أبي حبيش المخزومي ، وعكرمة بن أبي جهل المخزومي ، وعمرو بن قيس السهمي ، وعمرو بن الربيع أخو أبي العاص بن الربيع صهر الرسول ، وفروة بن السائب المخزومي ، ومكرز بن حفص ، وهشام بن الوليد المخزومي ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط.

وكان الفداء من أربعة آلاف ، الى ثلاثة آلاف ، الى ألفين ، الى ألف درهم ، الى قوم لا مال لهم منّ عليهم رسول الله (٣).

وقد مرّت رواية الواقدي عن سهل بن حثمة الأنصاري قال : أمر رسول الله أن يردّوا الأسرى ثم أقرع بينهم فيهم (٤) وروى عن أبي عفير قال : لما أمر النبيّ أن يردّوا الأسرى ، كان سعد بن أبي وقاص قد أسر الحارث بن أبي وجزة من بني عبد شمس ، فردّه ، ثم صار إليه أيضا بالقرعة. فقدم في فدائه الوليد بن عقبة بن أبي معيط (فوجد أباه قد قتل) ففدى الحارث بأربعة آلاف درهم (٥) وكان ممن أسره أبو اليسر الأنصاري : ابو عزيز بن عمير اخو مصعب بن عمير ، ثم اقترع عليه فصار لمحرز بن نضلة الأنصاري ، فبعثت أمه فيه بأربعة آلاف درهم.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٠٠ ومغازي الواقدي ١ : ١٢٠.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٠٣ ومغازي الواقدي ١ : ١٢٩.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١٢٩ ، ١٣٠.

(٤) مغازي الواقدي ١ : ١٠٠.

(٥) مغازي الواقدي ١ : ١٣٩.

١٥٣

وافتدى عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي : أميّة بن أبي حذيفة ، وخالد بن هشام ، وعثمان بن عبد الله ، كل رجل منهم بأربعة آلاف درهم.

وافتدى خالد بن الوليد أخاه الوليد بن الوليد بأربعة آلاف درهم ، وخرج به هو وأخوهم هشام حتى بلغا بالوليد الى ذي الحليفة (بينها وبين المدينة ستة أميال اثنا عشر كيلومترا) فأفلت منهم وأتى النبيّ فأسلم وقال : كرهت أن اسلم قبل أن افتدى.

وافتدى مكرز بن حفص : أبا يزيد سهيل بن عمرو بأربعة آلاف ، فلما قالوا له : هات المال. قال : اجعلوا رجلا مكان رجل وخلّوا سبيله. فخلّوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز ، وبعث سهيل بالمال مكانه من مكة ، فأطلقوه (١).

قال ابن اسحاق : وممن سمّي لنا من الاسارى ممن منّ عليه بغير فداء : ابو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ، قال لرسول الله : يا رسول الله لقد عرفت أن ليس لي مال وأني ذو حاجة وذو عيال ، فامنن علي (ومدحه بخمسة أبيات من الشعر) فأخذ عليه رسول الله أن لا يعين عليه أحدا ومنّ عليه فأطلقه (٢).

وروى الواقدي عن سعيد بن المسيّب قال : قال لرسول الله : يا محمد ، لي خمس بنات ليس لهن شيء فتصدّق بي عليهن. ففعل رسول الله ، فقال : اعطيك موثقا لا اقاتلك ولا اكثر عليك أبدا! فأرسله رسول الله (٣).

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٣٨.

(٢) ابن هشام ٢ : ٣١٥.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١١١. وخالف يوم احد فحرض على رسول الله وشارك في احد فاسر فقتل ، كما مرّ ويأتي.

١٥٤

ولم يكن لربيعة بن درّاج الجمحي مال ، فاخذ منه شيء يسير وارسل. ولم يكن للسائب بن عبيد ، وعبيد بن عمرو من بني المطّلب بن عبد مناف ، مال ، فلم يقدم في فدائهما أحد ، ففكّ رسول الله عنهما بغير فدية.

وكان ابو أيوب الأنصاري قد أسر المطّلب بن حنطب من بني أبي رفاعة ، ولم يكن له مال ، فأرسله بعد حين.

ولم يكن لصيفيّ بن أبي رفاعة مال ، فمكث عندهم مدة ثم أرسلوه.

بينما افتدي اخوه ابو المنذر بن أبي رفاعة بألفين.

وافتدي منهم عبد الله بن السائب بألف درهم ، وكان قد أسره سعد بن أبي وقاص (١).

وروى ابن سعد في «الطبقات» قال : كان رسول الله يفادي الأسرى على قدر أموالهم. وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون ، فمن لم يكن له فداء (وكان يكتب) دفع إليه عشرة من غلمان المدينة فيعلّمهم (الكتابة) فاذا حذقوا (في الكتابة) فهو فداؤه (٢).

صهر النبيّ أبو العاص بن الربيع (٣) :

مرّ ذكر الواقدي فيمن سماهم ممن قدموا في فداء الأسرى من المشركين :

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ١٣٨ ـ ١٤٣.

(٢) الطبقات ٢ : ١٤.

(٣) قال ابن اسحاق : وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة ، وكان لهالة بنت خويلد ، فكانت خديجة خالته وكانت تعده بمنزلة ولدها ، فسألت خديجة رسول الله أن

١٥٥

عمرو بن الربيع أخو أبي العاص بن الربيع صهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولما رأت زينب بنت رسول الله أهل مكة يبعثون (الرجال بالأموال) في فداء أسراهم ، نقل في مجمع البيان عن كتاب علي بن ابراهيم القمي قال : بعثت زينب في فداء زوجها أبي العاص بن أبي الربيع (مع أخيه عمرو بن الربيع) قلائد لها كانت خديجة جهّزتها بها ـ وكان ابو العاص ابن اخت خديجة ـ فلما رأى رسول الله تلك القلائد قال : رحم الله خديجة ، هذه قلائد هي جهزتها بها. فأطلقه رسول الله بشرط أن يبعث إليه زينب ولا يمنعها من اللحوق به. فعاهده على ذلك ووفى له (١).

وكان الذي أسره عبد الله بن جبير (٢) وكان ابو العاص عند رسول الله. فأطلقوه ، وردّوا على زينب متاعها (٣).

قال ابن اسحاق : ولم يظهر من رسول الله أنه قد أخذ على صهره أبي

__________________

ـ يزوّجه ، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي ، وكان رسول الله لا يخالفها ، فزوّجه ، فلمّا اكرم الله رسوله بنبوّته آمنت به خديجة وبناته ، وثبت ابو العاص على شركه.

فلما بادى رسول الله قريشا بالعداوة قالوا فيما بينهم : ردّوا عليه بناته فاشغلوه بهن! فمشوا الى أبي العاص فقالوا له : فارق صاحبتك ونحن نزوّجك أي امرأة من قريش شئت!

قال : لا والله ، اني لا افارق صاحبتي ولا احب أن لي بامرأتي امرأة من قريش فلما سارت قريش الى بدر (أخرجوا معهم) ابا العاص بن الربيع ، فاسر يوم بدر ، فكان عند رسول الله بالمدينة ـ ابن هشام ٢ : ٣٠٦ ، ٣٠٧.

(١) مجمع البيان ٤ ، ٨٥٩ وليس في تفسير القمي.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ١٣١.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٠٨ والواقدي ١ : ١٣١.

١٥٦

العاص ، أو كان فيما شرط عليه في إطلاقه ولم يظهر من أبي العاص أنه وعد رسول الله بشيء بشأن زينب بنت الرسول ، الا أنه لما اخلي سبيل أبي العاص وخرج الى مكة ، قال رسول الله لزيد بن حارثة ورجل آخر من الأنصار : كونا ببطن يأجج (١) حتى تمرّ بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها (٢).

فعلم أن ذلك كان إما بشرط من النبيّ عليه أو وعد منه له صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقد مرّ أن الواقدي قال : كان المطلب بن أبي وداعة أول من قدم المدينة بعد بدر في فداء المشركين ، وسار من مكة إليها في أربع ليال ، وبعده بثلاث ليال قدم خمسة عشر رجلا منهم عمرو بن الربيع أخو أبي العاص بن الربيع في فدائه (٣) وهذا يعني أن قدومهم المدينة كان في أواخر شهر رمضان أو أوائل شوال.

أما ارسال الرسول للرجلين الى بطن يأجج ليأتيا بزينب ابنته ، فقد قال ابن اسحاق : كان ذلك بعد بدر بشهر أو شيعه (٤) أي قريب منه ، أي في أواسط شوال (٥).

__________________

(١) موضع مسجد الشجرة بينه وبين مسجد التنعيم ميلان ، أي بينه وبين مكة أربعة أميال اي ٣ كم تقريبا.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٠٨ والواقدي قال : اخذ النبيّ عليه بذلك ١ : ١٣١.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ١٢٩.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٠٨ ويأتي تمام الخبر.

(٥) أما عن تاريخ بدر : فقد قال الطوسي في التبيان ٥ : ١٦٦ : كانت في صبيحة السابع عشر من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة. ورواه ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٢٧٨ عن الامام الباقر عليه‌السلام ونقله عنه الطبري ٣ : ٤٤٦ ورواه عن حسن بن علي عليهما‌السلام وزيد ابن ثابت وعبد الله بن مسعود في احدى الروايتين عنه ٣ : ٤١٩ ، ٤٢٠ وأطلقه الواقدي

١٥٧

أسير اطلق لفكّ الرهينة :

روى ابن اسحاق قال : كان من أسرى بدر : عمرو بن أبي سفيان صخر بن حرب ، وكانت أمه بنت عقبة بن أبي معيط (أو أخته أو عمّته على قول ابن هشام) وقد أسره عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فقيل لأبي سفيان : افد ابنك عمرا.

فقال : قتلوا حنظلة وأفدي عمرا؟! دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم!.

وكان بالنقيع (من المدينة) شيخ مسلم من بني عمرو بن عوف يدعى سعد ابن النعمان بن أكّال ، وكان في غنم له. وكان ظنّه أنّ قريشا لا يعرضون لأحد جاء حاجّا أو معتمرا الا بخير ، ولا يظنّ أنه يحبس بمكة ولا يخشى ذلك. فخرج من النقيع معتمرا ومعه امرأته. فعدا عليه أبو سفيان بن حرب فحبسه بازاء ابنه عمرو (رهينة).

فمشى بنو عمرو بن عوف الى رسول الله فأخبروه خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكّوا به صاحبهم. ففعل رسول الله ذلك (وأعطاهم عمرو ابن أبي سفيان) فبعثوا به إلى أبي سفيان. فخلّى سبيل سعد بن النعمان. وكان أبو سفيان قد قال شعرا :

أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه

تعاقدتم لا تسلموا السيّد الكهلا

__________________

ـ وقال : يوم الجمعة ١ : ٥١. ولكن روى الطوسي في التبيان ٥ : ١٢٥ عن الصادق عليه‌السلام أنه كان التاسع عشر منه ، ورواه الطبري عن زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود برواية اخرى عنهما ٣ : ٤١٩ و ٤١٨.

١٥٨

وإن بني عمرو لئام أذلّة

لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا

فأجابه حسّان بن ثابت فقال :

ولو كان سعد يوم مكة مطلقا

لاكثر فيكم ـ قبل أن يؤسر ـ القتلا

بعضب حسام ، أو بصفراء نبعة

تحنّ اذ ما انبضت تحفز النبلا (١).

تحويل القبلة من القدس الى الكعبة :

«بعد رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله من بدر» صرف رسول الله الى الكعبة ، فيما رواه الشيخ الطوسي في «التهذيب» عن رسالة «ازاحة العلة في معرفة القبلة» لشاذان بن جبرئيل القمي عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام (٢).

ونقلها عنها الحرّ العاملي في «وسائل الشيعة» وفيها تمامها : وكان يصلي في المدينة الى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، ثم اعيد الى الكعبة (٣) والخبر جواب على سؤال ابن عمار.

وفي خبر آخر أخرجه الحميري في «قرب الأسناد» بسنده عن الصادق عليه‌السلام بدأ به عن أبيه الباقر عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استقبل بيت المقدس تسعة عشر شهرا ، ثم صرف الى الكعبة وهو في العصر (٤).

ونقله عنه الحرّ العامليّ في «وسائل الشيعة» واعتمد على نسخة سجّلت كما

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٣٠٥ ، ٣٠٦. والنبعة شجر ذو خشب اصفر كان يصنع منه الأقواس ، يقول : اذ ما مدّ وترها تقذف النبل وترميه. وأشار الى أصل الخبر الواقدي في المغازي ١ : ١٣٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٤٣ ح ١٣٥.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ٢٩٨ ط آل البيت (ع).

(٤) قرب الأسناد : ٦٩ وعنه في وسائل الشيعة ٤ : ٣٠٣ ط آل البيت (ع).

١٥٩

سبق : تسعة عشر شهرا. وأشار الى نسخة اخرى بين قوسين (سبعة عشر شهرا). والصحيح هو ما اعتمده أولا : تسعة عشر شهرا ، بناء على الخبر الأول : أن ذلك كان بعد رجوعه من بدر ، فان بدرا كان في رمضان الشهر التاسع عشر بعد الهجرة ، وليس سبعة عشر شهرا. وكذلك الأمر في الخبر الأول أيضا.

وقد يفهم من قوله عليه‌السلام في الخبر الأول : ثم اعيد الى الكعبة. أنّ الكعبة كانت قبلته الاولى فاعيد إليها بعد بيت المقدس ، ولكن في الخبر التالي عنه عليه‌السلام تفسير لذلك ، بأنه كان يصلي الى بيت المقدس ولكنه في مكة كان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فلا يجعل الكعبة خلف ظهره ، فكان يبدو أنه يصلي الى الكعبة ، واعيد إليها مرة اخرى :

فقد روى الكليني في «فروع الكافي» بسنده عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام : هل كان رسول الله يصلي الى بيت المقدس؟ قال : نعم. فقلت : أكان يجعل الكعبة خلف ظهره؟ فقال : أما اذ كان بمكة فلا ، وأما اذ هاجر الى المدينة فنعم ، حتى حوّل الى الكعبة (١).

بل نقل الطبرسي في «الاحتجاج» عن الامام العسكري عليه‌السلام قال : لما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة أمره الله أن يتوجّه نحو بيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها اذا أمكن ، واذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان. فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل ذلك طول مقامه ثلاث عشرة سنة. فلما كان بالمدينة وكان متعبّدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة (٢).

وقال القمي في تفسيره : إن اليهود كانوا يعيرون رسول الله ويقولون له :

__________________

(١) فروع الكافي ٣ : ٢٨٦ ح ١٢ وعنه في وسائل الشيعة ٤ : ٢٩٨.

(٢) الاحتجاج ١ : ٤٣.

١٦٠