موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

قال عثمان بن عفان لعلي عليه‌السلام : ائت رسول الله فاسأله ارض كذا ، فان أعطاكها فانا شريكك فيها. وانا آتيه فاسأله ذلك ، فان اعطانيها فأنت شريكي فيها.

فسأله عثمان قبل علي عليه‌السلام فاعطاه اياها ، وأبى أن يشرك عليا معه ، فدعاه الى حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأبى ذلك أيضا ، فقيل له : لم لا تنطلق معه الى النبيّ؟ قال : هو ابن عمه فأخاف أن يقضي له. فنزلت الآيات من سورة النور : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)(١) فلمّا علم النبيّ بذلك حكم بالحق لعلي عليه‌السلام (٢).

تشديد تحريم الخمر :

قال ابن هشام : في شهر ربيع الأوّل ... نزل تحريم الخمر (٣) وقد مرّ تحريمها في السنة الثانية الثانية : ١٨٥.

__________________

(١) النور : ٤٦ ـ ٥٢ ، والسورة هي ١٠٣ في النزول اي السابعة عشرة في النزول بالمدينة.

(٢) كشف الحق : ٢٤٧. وقريبا منه القمي في تفسيره ٢ : ١٠٧ وعن الصادق عليه‌السلام وفي التبيان ٧ : ٤٥٠ بلا اسناد الى الامام. وفي مجمع البيان ٧ : ٢٣٦ عن الباقر عليه‌السلام ، ولعله وهم. وروى الآلوسي في روح المعاني عن الضحاك : أن النزاع كان بين علي عليه‌السلام والمغيرة بن وائل.

(٣) ابن هشام ٣ : ٢٠٠ ، وبه قال المسعودي في التنبيه والاشراف : ٢١٣ ، ثمّ المقريزي في إمتاع الأسماع : ١٩٣ ثمّ الكازروني عنه في المنتقى : ١٢٦ ، ثمّ عنه في بحارالانوار ٢ : ١٨٣ ، ونقله

٤٢١

وذكر القمي في تفسير قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(١) قال : ذلك أنّ رجلا من الصحابة شرب قبل أن يحرم الخمر ، فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر ، فسمع رسول الله ، فقال : اللهم أمسك على لسانه. فأمسك على لسانه فلم يتكلّم حتى ذهب عنه السكر ، فأنزل الله تحريمها بعد ذلك (٢) (٣).

فلمّا نزل تحريمها خرج رسول الله فقعد في المسجد (٤) ثمّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها (فضيخ البسر والتمر) فأكفأ عليها ، ثمّ قال : هذه كلّها خمر ،

__________________

الشوكاني في تفسيره ٢ : ٧١ عن جابر قال : حُرّمت الخمر بعد اُحد بل بعد غزوة بني النضير كما عن جابر نفسه فيما يأتي. وأظن تشديد التحريم هنا بمناسبة نزول سورة النساء وفيها الآية ٤٣ : «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى».

(١) المائدة ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢.

(٢) تفسیر القمی ١ : ١٨٠ والهادي في صلاته هو عبدالرحمان بن عوف كما في الغدير ٦ : ٢٥٢ عن أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٤٥.

(٣) بل اخرج ابن شبّة بسنده عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : ضُربت قبة النبي صلّى الله عليه وآله في محاصرته لبني النضير قريباً من موضع مسجد الفضيخ فكان يصلي هناك سِت ليال. فلما حُرمت الخمرة كان ابو ايوب الانصاري مع جمع من الانصار معه يشربون فيه فضيخاً ، فبلغهم خبر تحريمها فحلوا أسقيتهم فسمّى مسجد الفضيخ. تاريخ المدينة المنورة ١ : ٦٩.

(٤) أي في مصلاه الذي اُتخذ بعد ذلك مسجداً ، كما سيأتي. واقرأ عنه في كتاب : المساجد والأماكن الأثرية المجهولة في المدينة لعبدالرحمن خويلد الحجازي ، وعنه في مجلة ميقات الحج ٧ : ٨٧٩.

٤٢٢

وقد حرّمها الله. فكان أكثر شيء أكفئ من ذلك يومئذ من الأشربة : الفضيخ ، ولا أعلم أكفئ يومئذ من خمر العنب شيء إلّا إناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعا ، وأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء ... وسمّي المسجد الذي قعد فيه رسول الله يوم اكفئت المشربة : مسجد الفضيخ من يومئذ لأنّه كان أكثر شيء أكفئ من الأشربة (١).

قال : فلمّا نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في أمرهما قال الناس من المهاجرين والأنصار : يا رسول الله ، قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر ، وقد سماه الله رجسا وجعله من عمل الشيطان ، وقد قلت ما قلت ، أفيضرّ أصحابنا ذلك شيئا بعد ما ماتوا؟ فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٢). فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر ، والجناح على من شربها بعد التحريم (٣).

وروى العياشي في تفسيره عن أبي الصباح الكناني قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

أرأيت رسول الله كيف كان يضرب في الخمر؟ فقال : كان يضرب بالنعال ، ويزيد كلّما اتي بالشارب ، ثمّ لم يزل الناس يزيدون حتى وقف على ثمانين (جلدة) (٤).

__________________

(١) هذا ، وقد مرّ في خبر بني النضير ومضرب خباء النبيّ لحربهم : أنّ جمعاً من الانصار كانوا قد اجتمعوا في الموضع يشربون نبيذ التمر (الفضيخ) فيه ، فبلغهم تشديد التحريم فأراقوا قربتهم ، وفيما بعد بنوا فيه مسجداً سمّوه مسجد الفضيخ ، وهو أوجه.

(٢) المائدة : ٩٣.

(٣) تفسير القمي ١ : ١٨٠ ـ ١٨٢.

(٤) تفسير العيّاشي ١ : ٣٤٠ و ٣٤١.

٤٢٣

وروى القمي في تفسيره قال : وقال رسول الله : من شرب الخمر فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد في الرابعة فاقتلوه (١).

ونقل الطوسي في «التبيان» في سبب نزول الآية : أنّه لمّا نزل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ...)(٢) قال عمر : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا (٣) ..

وقد روى ابن اسحاق في سيرته عن خلاد بن قرّة السدوسي من بكر بن وائل : أن أعشى بني قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل ، أراد الإسلام فقال قصيدة يمدح فيها رسول الله وخرج إليه يريد الاسلام.

قال : فلمّا كان بمكّة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنّه جاء يريد رسول الله ليسلم ، فقال له : يا أبا بصير ، إنّه يحرم الزنا ، فقال الأعشى : والله إنّ ذلك لأمر ما لي فيه من أرب. فقال له : يا أبا بصير ، فإنّه يحرم الخمر ، فقال الأعشى : أما هذه فو الله إنّ في النفس منها لعلالات ، ولكنّي منصرف فأتروّى منها عامي هذا ثمّ آتيه فاسلم. فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى رسول الله.

وذكر قصيدة في أحد وعشرين بيتا يقول فيها :

ألا أيّهذا السائلي : أين يمّمت

فإنّ لها في أهل يثرب موعدا

وآليت لا آوي لها من كلالة

ولا من حفيّ حتّى تلاقي محمّدا

متى ما تناخي عند باب ابن هاشم

تراحي ، وتلقي من فواضله ندى

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ١٨٠.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) التبيان ٤ : ١٨ وانظر مصادره الكثير في الغدير ٦ : ٢٥٢ و ٢٥٣.

٤٢٤

نبيّا يرى ما لا ترون وذكره

أغار لعمري في البلاد وأنجدا

له صدقات ما تغبّ ونائل

وليس عطاء اليوم مانعه غدا (١)

ولذلك قال السهيلي في «الروض الانف» إن صحّ خبر الأعشى فلم يكن هذا بمكّة وإنّما كان بالمدينة ، وفي القصيدة ما يدلّ على هذا قوله : «فإن لها في أهل يثرب موعدا». وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال : لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس وهو مقبل إلى رسول الله ، فذكر انّه يحرّم الخمر فرجع. فهذا أولى بالصواب. وهذه غفلة من ابن هشام ومن قال بقوله ، فإنّ الناس مجمعون على أنّ الخمر لم ينزل تحريمها إلّا بالمدينة بعد أن مضت بدر واحد ، وحرّمت في سورة المائدة ، وهي من آخر ما نزل (٢) بل حُرّمت في سورة البقرة وشدّدت اليوم واُكّدت في المائدة ، وسيأتي الحديث عنها هناك.

غزوة ذات الرقاع :

قال الطبرسي في «إعلام الورى» : ثمّ كانت غزوة ذات الرقاع (٣) بعد غزوة بني النضير بشهرين. لقي بها جمعا من غطفان ، ولم يكن بينهما حرب ، ولكن خاف الناس فصلّى بهم رسول الله صلاة الخوف ، ثمّ انصرف بالناس (٤).

وقال في تفسيره «مجمع البيان» في تفسير الآية من سورة النساء :

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً* وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ

__________________

(١) ابن هشام ٢ : ٢٥ ـ ٢٨.

(٢) الروض الاُنف ٢ : ١٣٦.

(٣) قيل : إنّما سمّيت ذات الرقاع لأنّه جبل فيه بُقع حمر وسود وبيضاء إعلام الورى ١ : ١٨٩ والواقدي ١ : ٣٩٥.

(٤) إعلام الورى ١ : ١٨٩ وهي عبارة ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢١٤.

٤٢٥

لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)(١).

قال : نزلت والنبيّ بعسفان ، والمشركون بضجنان ، فتواقفوا ، فصلّى النبيّ وأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود ، فهمّ المشركون بأن يغيروا عليهم ، فقال بعضهم : إنّ لهم صلاة اخرى أحبّ إليهم من هذه ـ يعنون صلاة العصر. فأنزل الله عليه هذه الآية ، فصلّى بهم صلاة الخوف.

ثمّ ذكر فيها رواية اخرى عن تفسير أبي حمزة الثمالي قال : إنّ النبيّ غزا بني أنمار ، فنزل رسول الله والمسلمون وهم لا يرون أحدا من العدوّ ، فوضعوا أسلحتهم ، وخرج رسول الله ليقضي حاجته وقد وضع سلاحه ، والسماء نرشّ ، فعبر الوادي وجلس في ظلّ شجرة.

فبصر به (بنو المحارب فقالوا) لغورث بن الحارث المحاربي : يا غورث ، هذا محمّد قد انقلع من أصحابه! فقال : قتلني الله إن لم أقتله! وانحدر من الجبل ومعه السيف ، ولم يشعر به رسول الله إلّا وهو قائم على رأسه ومعه السيف ، قد سلّه من غمده وقال : يا محمّد ، من يعصمك منّي الآن؟ فقال الرسول : الله. فانكبّ عدوّ الله لوجهه ، فقام رسول الله فأخذ سيفه وقال : يا غورث من يمنعك منّي الآن؟ قال : لا أحد! قال : تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي عبد الله ورسوله؟ قال : لا! ولكنّي أعهد أن لا اقاتلك أبدا ولا اعين عليك عدوّا. فأعطاه رسول الله سيفه! فقال له غورث : والله لأنت خير منّي. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي أحقّ بذلك.

__________________

(١) النساء : ١٠١ و ١٠٢.

٤٢٦

وخرج غورث إلى أصحابه ، فقالوا : يا غورث ، لقد رأيناك قائما على رأسه بالسيف فما منعك منه؟ قال : أهويت له بالسيف لأضربه فما أدري من طعنني بين كتفيّ فخررت لوجهي وخرّ سيفي ، فسبقني إليه محمّد فأخذه.

ونزلت الآيات ، ولم يلبث الوادي أن سكن ، فقطعه رسول الله إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم الآيتين (١).

ونقله في «إعلام الورى» مختصرا مرسلا ، ويبدو لي أنّه نقله عن أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، كما أسنده عنه الكليني في «روضة الكافي» قال : في غزوة ذات الرقاع نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت شجرة على شفير واد ، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه ، وهم قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل ، فرأى (النبيّ) رجل من المشركين فقال لقومه : أنا أقتل محمّدا! وجاء فشدّ على رسول الله بالسيف ثمّ قال : من ينجّيك منّي يا محمّد؟! فقال : ربّي وربّك! فنسفه جبرئيل عليه‌السلام عن فرسه ، فسقط على ظهره ، فقام رسول الله وأخذ السيف وجلس على صدره وقال : من ينجّيك منّي يا غورث؟! فقال : جودك وكرمك يا محمّد! فتركه ، فقام وهو يقول : والله لأنت خير منّي وأكرم (٢).

وردّد ابن شهرآشوب صلاة الخوف بين غزوتين : غزوة بني لحيان في جمادى الاولى (من السنة الرابعة) في عسفان. ثمّ قال : ويقال : في ذات الرقاع مع غطفان ، وكان ذلك بعد النضير بشهرين (٣).

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٥٧ و ١٥٨.

(٢) روضة الكافي : ١١٠ ح ٩٧ ط النجف الاشرف.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٧.

وذكر ابن هشام عن هذه الغزوة حديثا مفصّلا عن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث به بعد وقعة الحرّة سنة ٦٢ ه‍ كما في آخر الخبر.

٤٢٧

__________________

قال : خرجت مع رسول الله إلى غزوة ذات الرقاع من نخل ، على جمل لي ضعيف ، فلمّا قفل رسول الله ، جعلت الرفاق تمضي وجعلت أتخلّف ، حتى أدركني رسول الله ، فقال : ما لك يا جابر؟ قلت : يا رسول الله أبطأ بي هذا. قال : أنخه. فأنخته وأناخ رسول الله ثمّ قال : أعطني هذه العصا من يدك. ففعلت ، فأخذها رسول الله فنخسه بها نخسات ثمّ قال : اركب. فركبت ، فخرج ـ والذي بعثه بالحقّ ـ يواهق (أي يوازي) ناقته ، وتحدثت مع رسول الله ، فقال لي : أتبيعني جملك هذا يا جابر؟ قلت : يا رسول الله ، بل أهبه لك. قال : لا ولكن بعنيه. قلت : فسمنيه يا رسول الله قال : قد أخذته بدرهم. قلت : لا ، إذن تغبنني يا رسول الله. فقال : فبدرهمين. قلت : لا. قال : فلم يزل يرفع لي رسول الله في ثمنه حتى بلغ الاوقية ، فقلت : فقد رضيت يا رسول الله. قال : نعم. قلت : فهو لك. قال : قد أخذته.

ثمّ قال : يا جابر ، هل تزوّجت؟ قلت : نعم يا رسول الله. قال : أثيّبا أم بكرا؟ قلت : بل ثيبا. قال : أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟! قلت : يا رسول الله ، إنّ أبي اصيب يوم احد وترك له بنات سبعا ، فنكحت امرأة جامعة تجمع رءوسهنّ وتقوم عليهن. قال : أصبت إن شاء الله ، أما إنا لو قد جئنا صرارا أمرنا بجزور فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذاك ، وسمعت بنا فنفضت نمارقها. قلت : والله يا رسول الله ما لنا من نمارق. قال : انها ستكون ، فإذا أنت قدمت فاعمل عملا كيّسا.

قال جابر : فلمّا جئنا صرارا أمر رسول الله بجزور فنحرت وأقمنا عليها ذلك اليوم ، فلمّا أمسى رسول الله دخل ودخلنا ، فحدثت المرأة الحديث وما قال لي رسول الله ، فلمّا أصبحت ـ أخذت برأس الجمل فاقبلت به حتى أنخته على باب مسجد رسول الله ثمّ جلست في المسجد قريبا من (مجلسه) وخرج رسول الله فرأى الجمل فقال : ما هذا؟ قالوا : يا رسول الله ، هذا جمل جاء به جابر. قال : فأين جابر؟ فدعوني إليه فقال : يا ابن أخي! خذ برأس جملك فهو لك. ودعا بلالا فقال له : اذهب بجابر فأعطه أوقية. فذهبت معه فأعطاني أوقية وزادني

٤٢٨

__________________

شيئا يسيرا ، فو الله ما زال ينمى عندي ويرى مكانه في بيتنا حتّى اصيب أمس فيما اصيب لنا. يعني يوم الحرّة ـ ٣ : ٢١٦ ـ ٢١٨ والواقدي ١ : ٣٩٩ ـ ٤٠١ ، إلّا أنّه قال في آخر الخبر : حتى اصيب هاهنا قريبا ، يعني الجمل! بدل : يعني الحرّة.

ونقل قبله عن جابر قال : إنا لمع النبيّ إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر ورسول الله ينظر إليه ، فأقبل أبواه أو أحدهما حتى طرح نفسه في يدي الذي أخذ فرخه فرأيت الناس عجبوا من ذلك ، فقال رسول الله : أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه! والله لربّكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه!

قال جابر : وصحنا صاحبا لنا يرعى ظهرنا وعليه ثوب متخرّق ، فقال رسول الله : أما له غير هذا (الثوب)؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ، إنّ له ثوبين جديدين في العيبة. فقال له رسول الله : خذ ثوبيك. فأخذ ثوبيه (القميص والازار) فلبسهما وأدبر. فقال (لنا) رسول الله : أليس هذا أحسن؟ ما له ضرب الله عنقه! وسمع ذلك الرجل ، فقال : في سبيل الله يا رسول الله. فقال رسول الله : في سبيل الله. فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل الله.

و (كنت) تحت ظل شجرة فأتانا رسول الله فقلت : هلمّ إلى الظلّ يا رسول الله. فدنا إلى الظلّ فاستظل ، فذهبت لاقرّب إليه شيئا فما وجدت إلّا جروا من قثّاء في أسفل الغرارة ، فكسرته ثمّ قرّبته إليه ، فقال رسول الله : من أين لكم هذا؟ فقلنا : شيء فضل من زاد المدينة ، فأصاب منه رسول الله.

فبينا رسول الله يتحدث عندنا إذ جاءنا علبة بن زيد الحارثي بثلاث بيضات أداحي ، ـ فقال : يا رسول الله ، وجدت هذه البيضات في مفحص نعام. فقال رسول الله : دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات. فوثبت فعملتهنّ ، ثمّ جئت بالبيض في قصعة وجعلت أطلب خبزا فلا أجده. فجعل رسول الله يأكل من ذلك البيض بغير خبز ... وأمسك يده ... ثمّ قام والبيض في القصعة كما هو ... فأكل منه عامّة أصحابنا. ثمّ رحنا مبردين.

٤٢٩

غزوة بني لحيان :

وقبل قصّة بطن الرجيع كانت قصّة بئر معونة بدعوة أبي براء الخزاعي العامري وخيانة بني لحيان من هذيل وبيعهم خبيب بن عدي وزيد الدثنة إلى أهل مكّة وقتلهم هناك.

__________________

وروى بسند آخر عن جابر أيضا قال : لمّا انصرفنا راجعين فكنّا بالشقرة ، قال لي رسول الله : يا جابر ، ما فعل دين أبيك؟ فقلت : يا رسول الله انتظرت أن يجذّ نخله. فقال لي رسول الله : فمتى تجذّها؟ قلت : غدا. قال : يا جابر ، فإذا جذذتها فاعزل العجوة على حدتها وألوان التمر على حدتها ... وإذا جذذت فأحضرني. قلت : نعم. ثمّ قال : فمن أصحاب دين أبيك؟ قلت : أبو الشحم اليهودي ، له على أبي سقة تمر (جمع الوسق ، وهو الحمل ، وقدّره الشرع بستّين صاعا ـ النهاية ٢ : ١٦٩).

قال جابر : ففعلت (كما أمر) فجعلت الصّيحاني على حدة ، والعجوة على حدة ، وامّهات الجرادين على حدة ، ثمّ عمدت إلى مثل نخبة وشقحة وقرن وغيرها من الأنواع فجعلته حبلا واحدا وهو أقل التمر. ثمّ جئت رسول الله فخبّرته ، فانطلق رسول الله ومعه علية أصحابه ، فدخلوا الحائط ، وحضر أبو الشحم.

فلمّا نظر رسول الله إلى التمر مصنّفا قال : اللهم بارك له. ثمّ جلس وسطها ثمّ قال : ادع غريمك. فجاء أبو الشحم ، فقال له : اكتل. فاكتال حقه كلّه من العجوة وبقي التمر كما هو.

ثمّ قال لي رسول الله : يا جابر ، هل بقي على أبيك شيء؟ قلت : لا.

وبعنا منه وأكلنا منه دهرا حتى أدركت الثمرة من قابل ، ولقد كنت أقول : لو بعت أصلها ما بلغت ما كان على أبي من الدين ـ الواقدي ١ : ٣٩٨ ـ ٤٠٢.

وروى خبر الجمل والدين قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٥٤ ح ٢٤٢ و ١٥٨ ح ٢٧٤ عن عمّار بن ياسر.

والخبر كما ترى ليس فيه ذكر عن الزكاة المفروضة ، ممّا يؤيّد عدم فرض الزكاة حتّى ذلك العهد.

٤٣٠

وفي «إعلام الورى» قال : وكانت بعد غزوة بني النضير غزوة بني لحيان (١).

وفي «المناقب» قال : كانت غزوة بني لحيان في جمادى الاولى (بعد بني النضير بشهرين) (٢).

وكذلك قال ابن الأثير في «الكامل في التأريخ» إلّا أنّه قال : في السنة السادسة ، خرج رسول الله إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع ، خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنّه يريد الشام ليصيب من القوم غرّة ، وأسرع السير حتى نزل غرّان منازل بني لحيان بين أمجّ وعسفان ، فوجدهم قد حذروا وتمنّعوا في رءوس الجبال.

فلما أخطأه ما أراد منهم خرج في مائتي راكب حتى نزل عسفان تخويفا لأهل مكّة ، وأرسل فارسين من الصحابة حتّى بلغا كراع الغميم ، ثمّ عاد (٣).

وفاة عبد الله بن عثمان :

ومن الحوادث في هذا الشهر جمادى الاولى من السنة الرابعة ، أن توفّي فيه عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٨٨.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٧.

(٣) الكامل في التأريخ ١ : ١٢٨ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٧٩. وهنا قال الطبرسي : وهي الغزوة التي صلّى فيها صلاة الخوف بعسفان حين أتاه الخبر من السماء بما همّ به المشركون. وكذلك ذكر ابن شهرآشوب في المناقب. ولكنهما كرّرا ذكر ذلك في الغزوة التالية : ذات الرقاع ، وكذلك قال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان ٣ : ١٥٧ تفسيرا للآية ١٠٢ من سورة النساء : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) بينما نقل عن الكلبي قصّة موعد بدر الصفراء في تفسير الآية ٨٤ من السورة : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) والأصل أن نأخذ بترتيب الآيات إذ لا دليل على خلافه.

٤٣١

تزوّجها عثمان قبل الهجرة بها إلى الحبشة ، ثمّ عاد بها في أوّل من عاد ، فولدت له غلاما سماه عبد الله ، قبل الهجرة بسنتين ، وكنّي به أبا عبد الله ، ثمّ هاجر بهما إلى المدينة وعمر الولد سنتان ، وتوفّيت امّه رقية بالحصبة في ذي القعدة من السنة الثالثة ، وعمر الولد خمس سنين ، فخطب عثمان حفصة ابنة عمر فردّه عمر ، فخطبها رسول الله وتزوّجها وهي أرملة شهيد ، وزوّج عثمان ابنته الاخرى أمّ كلثوم كي تكون لابنه عبد الله كامّه رقية اختها ، وبعد احد ولجوء عمّ عثمان المغيرة أو ابنه معاوية بن المغيرة إليه ، وقتله بأمر رسول الله ، وظنّ عثمان بام كلثوم أنّها أخبرت به أباها ، ضربها ، فماتت ودفنها رسول الله ، في شوّال.

وبقي الولد عبد الله بلا أم ولا خالة هي له بمنزلة أمه رقية ، فقالوا عنه :

بلغ عبد الله ستّ سنين ، فنقره ديك على عينيه فمرض ومات في جمادى الاولى سنة أربع من الهجرة ، فصلّى عليه رسول الله ، ونزل في حفرته عثمان بن عفّان (١).

وفاة فاطمة بنت أسد :

ومن الحوادث فيه : أن توفيت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، أم علي عليه‌السلام ، وأسلمت ، وكانت صالحة ، وكان رسول الله يزورها ويقيل في بيتها (٢).

قال اليعقوبي : وكانت مسلمة فاضلة ، ويروى أنّها لمّا توفّيت قال رسول الله : اليوم ماتت امّي! وكفّنها بقميصه ونزل في قبرها واضطجع في لحدها!

__________________

(١) الطبقات ٣ : ٥٢ ، طبعة بيروت. وذكره في التنبيه والاشراف : ٢٥٥ ولم يؤرخ وفاته. ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ١٨٥ عن المنتقى للكازروني : ١٢٨. وفي إعلام الورى ١ : ٢٨٦ أنّ عثمان تزوّج رقية بالمدينة فولدت له عبد الله ونقره ديك على عينيه فمرض ومات. وكذلك في مناقب آل أبي طالب ١ : ١٦٢.

(٢) بحار الأنوار ٢٠ : ١٨٥ ، عن المنتقى : ١٢٨.

٤٣٢

فقيل له : يا رسول الله ، لقد اشتدّ جزعك على فاطمة!

قال : إنّها كانت امّي ، إن كانت لتجيع صبيانها وتشبعني ، وتشعّثهم وتدهنني ، وكانت امّي (١).

وروى البلاذري في «أنساب الأشراف» بسنده عن علي عليه‌السلام أنّه قال لامّه فاطمة بنت أسد (بعد زواجه بالزهراء) : اكفي فاطمة بنت رسول الله ما كان خارجا ، من السقي وغيره ، وتكفيك ما كان داخلا ، من العجن والطحن وغير ذلك (٢).

وروى ابن الأثير في «اسد الغابة» بسنده عن جعدة بن هبيرة المخزومي عن علي عليه‌السلام قال : اهدي إلى رسول الله حلّة مسيّرة (مخطّطة مخلوطة) بحرير إما سداها واما لحمتها ، فبعث النبي بها إليّ ، فقلت : ما أصنع بها؟ ألبسها؟ قال : أرضى لك ما أكره لنفسي؟! اجعلها خمرا بين الفواطم. قال : فشققت منها أربعة أخمرة : خمارا لفاطمة بنت أسد ، وخمارا لفاطمة بنت محمّد ، وخمارا لفاطمة بنت حمزة. وذكر فاطمة اخرى فنسيتها (٣).

ويعلم من الخبر كراهة بل حرمة لبس الحرير للرجال وجوازه للنساء من يومئذ.

ويعلم من الخبرين أنّ فاطمة بنت أسد توفيّت بعد زواج ابنها عليّ بالزهراء.

__________________

(١) تأريخ اليعقوبي ٢ : ١٤.

(٢) أنساب الأشراف ٢ : ٣٧ و ٣٨ وفي اسد الغابة ٥ : ٥١٧ والإصابة ٧ : ١٦١. بينما روى الطوسي في أماليه بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : كان عليه‌السلام يحطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليها‌السلام تطحن وتعجن وتخبز : ٦٦٠ ح ١٣٦٩ ولعل ذلك كان بعد وفاة أمه فاطمة.

(٣) اسد الغابة ٥ : ٥١٨ ، والإصابة ٨ : ١٦١ برقم ٨٣٢ ، كما في هامش أنساب الأشراف ٢ : ٣٦ و ٣٧ للمحقّق المحمودي.

٤٣٣

ويعلم من تأريخ وفاتها أنّها توفّيت بعد ميلاد الحسن عليه‌السلام ، ومع ذلك نفتقد ذكرها في زفاف الزهراء وميلاد الحسن عليه‌السلام ، ونجد بدلا عنها اسم أسماء بنت عميس مصحفا عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاريّة الخطيبة (خطيبة النساء).

وروى الاصفهاني الأموي في «مقاتل الطالبيّين» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : كانت فاطمة بنت أسد أمّ علي بن أبي طالب حادية عشرة (امرأة أسلمت) وكانت بدريّة (من النساء اللواتي حضرن بدرا بعد الوقعة).

ثمّ روى بسنده عن الزبير بن العوّام قال : لمّا نزلت الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ...) سمعت النبيّ يدعو النساء إلى البيعة ، فكانت فاطمة بنت أسد أوّل امرأة بايعته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال الاصفهاني : ولما حضرتها الوفاة أوصت إليه فقبل وصيّتها (١).

وروى الكليني في «الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إن فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كانت أول امرأة هاجرت الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة الى المدينة على قدميها (٢) وكان لها جارية فقالت لرسول الله يوما : إني اريد أن اعتق جاريتي هذه ... فلما مرضت اعتقل لسانها فجعلت تومى الى رسول الله ايماء بالوصية فقبل رسول الله وصيتها. فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يبكي فقال له رسول الله : ما يبكيك؟ فقال : ماتت امّي فاطمة. فقال رسول الله : وامّي والله. وأتاها فنظر إليها (وذلك قبل وجوب الحجاب) فبكى ثم أمر النساء أن يغسلنها ، فلما فرغن أعلمنه بذلك ، فأعطاهن

__________________

(١) مقاتل الطالبين : ٤ و ٥.

(٢) لا ينافي هذا ما تقدم من حمل علي عليه‌السلام امّه فاطمة وسائر الفواطم الهواشم الى المدينة ، فلا يبعد أنها التزمت أن تهاجر معه على قدميها.

٤٣٤

احدى قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنها فيه. فلمّا فرغن من غسلها وكفنها دخل فحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها (مقبرتها) فوضعها ودخل القبر فاضطجع فيه ثم قام فأخذها على يديه (قبل الحجاب) حتى وضعها في القبر ، ثم انكبّ عليها يناجيها .. ثم خرج وسوّى عليها (١).

وروى الاموي الأصفهاني بسنده عن عطاء عن ابن عبّاس قال : لما ماتت فاطمة أمّ عليّ ألبسها رسول الله قميصه واضطجع معها في قبرها. فقال له أصحابه : يا رسول الله ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة؟! قال : إنّه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها ، وإنّي إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنّة ، واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها!

وروى بسنده عن عليّ عليه‌السلام : أنّ رسول الله دفن فاطمة بنت أسد بالرّوحاء مقابل حمام أبي قطيفة (٢).

وقال المالكي في «الفصول المهمّة» : لمّا ماتت كفنها النبيّ بقميصه ، وأمر أبا أيّوب الأنصاري واسامة بن زيد وعمر وغلاما أسودا فحفروا قبرها ، فلمّا بلغوا لحدها حفره النبيّ بيده وأخرج ترابه فلمّا فرغ اضطجع فيه وقال :

«الله الذي يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت. اللهم اغفر لامّي فاطمة بنت أسد ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها ، بحق نبيّك محمد والأنبياء الذين من

__________________

(١) اصول الكافي ١ : ٤٥٣ ح ٢ وعليه فلا يصح ما رواه الاموي الاصفهاني بسنده عن علي عليه‌السلام قال : أمرني رسول الله فغسلت أمي فاطمة بنت أسد. مقاتل الطالبيين : ٥. وان كان ذلك قبل وجوب الحجاب.

(٢) مقاتل الطالبيّين : ٤ و ٥ وعنه في مقدّمة شرح النهج للمعتزلي ١ : ١٤ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٨١ ، والرّوحاء اسم البقيع كما مرّ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاها كذلك.

٤٣٥

قبلي ، فانك أرحم الراحمين».

فقيل : يا رسول الله ، رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها؟!

فقال : ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة ، واضطجعت في قبرها ليخفّف عنها من ضغطة القبر. إنّها كانت من أحسن خلق الله صنعا بي بعد أبي طالب (١).

وروى الخبر الصفار في «بصائر الدرجات» بسنده عن الصادق عليه‌السلام إلى أن قال :

فلمّا خرج قيل له : يا رسول الله ، لقد صنعت بها شيئا في تكفينك إيّاها ثيابك ، ودخولك في قبرها وطول صلاتك وطول مناجاتك ما رأيناك صنعته بأحد قبلها؟!

قال : أما تكفيني إيّاها فإنّي لما قلت لها : يعرض الناس عراة يوم يحشرون من قبورهم! صاحت : وا سوأتاه! فألبستها ثيابي وسألت الله في صلاتي عليها أن لا يبلي أكفانها حتّى تدخل الجنّة. فأجابني إلى ذلك. وأمّا دخولي في قبرها فإنّي قلت لها يوما : إنّ الميّت إذا ادخل وانصرف الناس عنه دخل عليه ملكان : منكر ونكير ، فيسألانه. فقالت : وا غوثاه بالله ، فما زلت أسأل ربّي في قبرها حتّى فتح لها روضة من قبرها إلى الجنّة ، فقبرها روضة من رياض الجنة (٢) ولعلّ في سائر الأخبار اختصارا لهذا ، ومنه يعلم تأريخ نشر هذه الأفكار والمفاهيم الاخروية والبرزخية بين المسلمين الأوائل.

وفاة أبي سلمة :

ومن الحوادث في شهر جمادى الثانية وفاة أبي سلمة (عبد الله) بن

__________________

(١) الفصول المهمّة : ١٣ وعنه في بحار الأنوار.

(٢) بصائر الدرجات : ٧١ وعنه في بحار الأنوار.

٤٣٦

عبد الأسد المخزومي :

روى الواقدي بسنده عن عمر بن أبي سلمة قال : رمى أبا سلمة : أبو اسامة الجشمي بمعلبة في عضده باحد ، فمكث شهرا يداويه ، فبرأ فيما كان يرى ، وبعثه رسول الله ـ في المحرّم على رأس خمسة وثلاثين شهرا ـ إلى قطن ، فغاب بضع عشرة ليلة ، فلمّا قدم المدينة انتقض عليه جرحه فمات ، لثلاث ليال مضين (١) من جمادى الآخرة (من السنة الرابعة) فغسل بين قرني بئر اليسيرة في بني أميّة بن يزيد ، ثم حمل إلى المدينة فدفن بها. وابتدأت امّي (أمّ سلمة) بعدّتها (أربعة أشهر وعشرا) (٢).

وروى عنها : أنّها كانت قد سمعت من أبي سلمة عن رسول الله قال : لا يصاب أحد بمصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول : اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه ، اللهم اخلفني فيها خيرا منها. إلّا أعطاه الله عزوجل. فلمّا اصبت بأبي سلمة قلت : اللهم عندك أحتسب مصيبتي. ولم تطب نفسي أن أقول : اللهم اخلفني فيها خيرا منها ، لأنّي قلت : من خير من أبي سلمة؟! ثم قلت ذلك (٣).

__________________

(١) في الكتاب : «بقين» ولكن لا تتمّ لزوجته أمّ سلمة ١٣٠ يوما ثمّ خطبتها من قبل أبي بكر وردّها له ثمّ خطبتها من قبل عمر وردّها له ، ثمّ خطبتها من قبل رسول الله وقبولها له وزواجها به في شهر شوّال ، كما يأتي ذلك ، إلّا باحتمال استبدال «بقين» من مضين ، وأن الصحيح هو مضين محرّفة أو مصحفة إلى بقين. ولعلّ لذلك بدّل بعضهم الآخرة من (جمادى الآخرة) بالاولى كما في المنتقى : ١٢٨ وعنه في بحار الأنوار ٢٠ : ١٨٥.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٣٤٣ و ٣٤٤. وروى الطبري عن الكلبي قال : وكان ابن عمة رسول الله ورضيعه ، وامّه برّة بنت عبد المطلب. فلمّا مات صلّى عليه رسول الله فكبّر عليه تسع تكبيرات. فقيل : يا رسول الله أسهوت أم نسيت؟ قال : لم أسه ولم أنس ، ولو كبّرت على أبي سلمة ألفا كان أهلا لذلك ٣ : ١٦٤.

(٣) بحار الأنوار ٢٠ : ١٨٥ ، عن المنتقى : ١٢٨ ونقله في ٢٢ : ٢٢٧ عن دعوات الراوندي.

٤٣٧

ميلاد الحسين عليه‌السلام :

ومن الحوادث في أوائل شهر شعبان المعظّم من السنة الرابعة ميلاد الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام.

روى الدولابي في «الذريّة الطاهرة» بسنده عن الليث بن سعد قال : ولدت فاطمة بنت رسول الله الحسين في ليال خلون من شعبان سنة أربع (١) وكذلك الطبري (٢) والمسعودي (٣) وعيّن الاصفهاني اليوم فقال : كان مولده لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (٤) وكذلك المفيد في «الارشاد» (٥) من دون رواية خبر.

وروى خبره الطوسي في «المصباح» عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه‌السلام قال : ولد الحسين لخمس ليال خلون من شعبان سنة اربع من الهجرة. ولكنه روى أيضا عن القاسم بن العلاء الهمداني وكيل العسكري عليه‌السلام قال : خرج إليه من الناحية المقدسة : أن مولانا الحسين عليه‌السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان (٦) واختاره المفيد في «مسارّ الشيعة» (٧) ولذلك تردّد الطبرسي في «إعلام الورى» فقال : ولد بالمدينة قيل : يوم الخميس لثلاث خلون

__________________

(١) الذرية الطاهرة : ١٠٢ ح ٩٤ و ١٢١ ح ١٣٥ وعنه الاربلي في كشف الغمة ١ : ٥١٤ وعنه في بحار الأنوار ٤٤ : ١٣٦.

(٢) الطبري ٢ : ٥٥٥.

(٣) مروج الذهب ٢ : ٢٨٩ والتنبيه والاشراف : ٢١٣.

(٤) مقاتل الطالبيّين : ٥١.

(٥) الارشاد ٢ : ٢٦.

(٦) مصباح المتهجد : ٧٥٧.

(٧) مسار الشيعة : ٣٧ من المجموعة : ٧٣.

٤٣٨

من شعبان ، وقيل : لخمس خلون منه ، سنة أربع من الهجرة (١) ورجع ابن شهرآشوب فرجّح رواية الخمس وزاد مدّة الحمل فقال في «المناقب» : ولد الحسين في المدينة ، لخمس خلون من شعبان ، سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما (٢).

وروى القمي في تفسيره مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : وكان بين الحسن والحسين عليهما‌السلام طهر واحد. وكان الحسين عليه‌السلام في بطن أمه ستة أشهر وفصاله أربعة وعشرون شهرا ، وهو قول الله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(٣).

أسنده الكليني في «الكافي» عن عبد الرحمن العزرمي عن الصادق عليه‌السلام قال : كان بين الحسن والحسين عليهما‌السلام طهر. وكان بينهما في الميلاد ستّة أشهر وعشرا (٤) ولم يذكر الكليني من تأريخ الميلاد اليوم ولا الشهر واكتفى بذكر السنة الثالثة خلافا للمشهور المعروف في سنة الولادة ، وهو ما تقتضيه المدّة التي ذكرها بين الميلادين بعد أن ذكر ميلاد الحسن عليه‌السلام في شهر رمضان سنة بدر وهي سنة اثنتين من الهجرة (٥) ولعلّه لذلك لم يعيّن اليوم ولا الشهر ، لعدم نصّ عليه.

ووافقه واختاره الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس‌سره في «التهذيب» والشيخ الشهيد في «الدروس» والبهائي في «توضيح المقاصد» بتعيين آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث (٦) مستندين إلى ذينك الخبرين وخبرين آخرين عن زرارة

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٤٢٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٧٦.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٢٩٧ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ٢٤٧ وعنه في نفس المهموم : ١٠.

(٤) اصول الكافي ١ : ٤٦٣ ، ٤٦٤.

(٥) اصول الكافي ١ : ٤٦١.

(٦) التهذيب ٦ : ٤١ ، والدروس ، كتاب المزار : ٦ ، وتوضيح المقاصد : ١٠ ، من المجموعة :

٤٣٩

وهشام بن سالم عنه عليه‌السلام عن «الكافي» و «أمالي الطوسي» كما في «بحار الأنوار» (١).

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» وعنه في «الحسين والسنّة» بسنده عن حفص بن غياث عنه عليه‌السلام أيضا قال : كان بين الحسن والحسين عليهما‌السلام طهر (٢) من دون الزيادة : وكان بينهما في الميلاد ستّة أشهر وعشرا. وهذا ينسجم مع المدّة الطبيعيّة للحمل التي ذكرها ابن شهرآشوب في «المناقب» بلا منافاة.

وأظنّ الزيادة من الرواة استنباطا من تطبيق الآية : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) على الحسين عليه‌السلام ، كما مرّ عن تفسير القمي ، والكليني أردف قوله ذلك بما أسنده عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : لما حملت فاطمة عليها‌السلام بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال : إنّ فاطمة عليها‌السلام ستلد غلاما تقتله أمّتك من بعدك! فلمّا حملت فاطمة بالحسين عليه‌السلام كرهت حمله ، وحين وضعته كرهت وضعه. ولم تر في الدنيا أمّ تلد غلاما تكرهه ولكنّها كرهته لما علمت أنّه سيقتل. وفيه نزلت الآية : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(٣).

وقال المجلسي في «جلاء العيون» المشهور بين علماء الشيعة : أنّه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة اربع من الهجرة. ثمّ نقل عن «المصباح» حديث الحسين بن زيد عن الصادق عليه‌السلام في ذلك ، ونقل عنه التوقيع للقاسم بن العلاء الهمداني وعن

__________________

ـ ٥٢٢.

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٥٨.

(٢) الحسين والسنّة : ١٠٩.

(٣) اصول الكافي ١ : ٤٦٤ ، والآية : ١٥ من الأحقاف وهي مكّيّة ، وفي الخبر : حسنا بدل احسانا. والخبر عن أبي خديجة وهو مخدوش فيه.

٤٤٠