موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

قال الطبرسي : فلما صار على الطريق قالوا : نرجع. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كان لنبيّ إذا قصد قوما أن يرجع عنهم (١).

__________________

ـ حولنا حتى يطمعوا فينا اذا رأونا لم نخرج إليهم فنذبّهم عن جوارنا ، وعسى الله أن يظفّرنا بهم فتلك عادة الله عندنا ، أو تكون الاخرى فهي الشهادة. لقد أخطأتني وقعة بدر وقد كنت عليها حريصا ، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة ، وقد كنت حريصا على الشهادة. وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها وهو يقول : الحق بنا ترافقنا في الجنة ، فقد وجدت ما وعدني ربّي حقا! وقد ـ والله يا رسول الله ـ أصبحت مشتاقا الى مرافقته في الجنة ، وقد كبرت سنّي ودق عظمي وأحببت لقاء ربيّ ، فادع الله ـ يا رسول الله ـ أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة. فدعا له رسول الله بذلك ، ١ : ٢١٠ ـ ٢١٣.

(١) إعلام الورى ١ : ١٧٦ وقصص الأنبياء : ٣٤٠ ومناقب آل أبي طالب ١ : ١٩١. وقال ابن اسحاق : وكان ذلك يوم الجمعة ، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له : مالك ابن عمرو من بني النجار ، فصلى عليه رسول الله ثم دخل بيته فلبس لأمته ثم خرج عليهم. وندم الناس وقالوا : استكرهنا رسول الله ولم يكن لنا ذلك. فلما خرج عليهم رسول الله قالوا : يا رسول الله استكرهناك ولم يكن لنا ذلك ، فان شئت فاقعد. فقال رسول الله : ما ينبغى لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ٣ : ٦٨.

بينما قال الواقدي : فلما أبوا الّا الخروج ، صلى رسول الله الجمعة بالناس ، ثم وعظ الناس (أي بخطبة بعد الصلاة؟!) وأمرهم بالجدّ والجهاد وأخبرهم أنّ لهم النصر ما صبروا. وأمرهم بالتهيّؤ لعدوّهم فاعلمهم بذلك بالشخوص الى عدوّهم ، ففرح الناس بذلك ، وكرهه كثير من أصحابه. وحشد الناس وحضر أهل العوالي وصعد النساء على الآطام ، وحضر بنو عمرو بن عوف وحلفاؤهم والنبيت وحلفاؤهم وقد لبسوا السلاح لصلاة العصر فصلى بهم رسول الله. ثم دخل بيته .. واصطفّ له الناس ما بين حجرته الى

٢٦١

وفي تاريخ معالم المدينة : ان من معالمها مسجد يسمى مسجد الدرع على يسار طريق احد قبله بكيلومتر ونصف تقريبا ، يسمى بالدرع لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع فيه درعه الخاص به في حربه. والظاهر أنه كان في حرب احد.

وقبل احد بكيلومتر وثلاثمائة متر كانت أجمة فيها أطمان ليهود ، بلغها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب فصلى والعشاء واستراح فيها حتى صلّى فيها الصبح.

ثم استعرض عسكره فردّ من استصغره منهم.

وفيها عرض عليه جمع ممن حالفه من يهود المدينة نصرتهم له ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا نستعين بالمشركين على المشركين!

وعندها رجع عبد الله بن ابي بن سلول بمن اطاعه من المنافقين وهم ثلاثمائة ثلث عسكر المسلمين ، متذرعا بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ برأي غيره (١).

__________________

ـ منبره ينتظرون خروجه.

فجاءهم اسيد بن حضير وسعد بن معاذ فقالا : قلتم لرسول الله ما قلتم واستكرهتموه على الخروج ، والأمر ينزل عليه من السماء؟! فردّوا الأمر إليه فما أمركم به فافعلوه وما رأيتم له فيه هوى أو رأي فأطيعوه. وكان بعضهم كارها للخروج فقالوا : القول ما قال سعد ، ما كان لنا أن نلحّ على رسول الله أمرا يهوى خلافه ، وبعضهم مصرّ على الشخوص ، إذ خرج رسول الله قد لبس لأمته ودرعين ظاهر بينهما (أي جعل ظهر أحدهما لوجه الآخر) وتحزّم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من أدم ، واعتمّ وتقلد سيفا.

فقالوا : يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك ، فاصنع ما بدا لك.

فقال : قد دعوتكم الى هذا فأبيتم ولا ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه. انظروا ما آمركم به فاتّبعوه ، امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم. ١ : ٢١٣ ، ٢١٤.

(١) معالم المدينة : ١٣٤. انظر طبقات ابن سعد ٢ : ٣٩ وتحقيق النصرة : ١٥٤ والدر الثمين : ١٧٤ ومجلة الميقات ٤ : ٢٦١.

٢٦٢

أبو البنين وأبو البنات :

روى ابن اسحاق عن ابيه اسحاق بن يسار ، عن بعض بني سلمة قالوا : لما كان يوم احد ، كان لعمرو بن الجموح أربعة بنين كليوث العرين ، وكان ابوهم ابن الجموح أعرج شديد العرج ، فقالوا له : إن الله عزوجل قد عذرك ، وأرادوا حبسه.

فأتوا رسول الله ، فقال عمرو : يا رسول الله ، إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج فيه معك ، وو الله اني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة!

فقال له رسول الله : أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك.

وقال لبنيه : لا تمنعوه ، لعل الله يرزقه الشهادة. فخرج (١) وكان صهر عمرو ابن حرام (٢).

وكان لعبد الله بن عمرو بن حرام أبي جابر بن عبد الله سبع بنات سوى عبد الله ، فقال لعبد الله : يا بني ، انه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي اؤثرك بالجهاد مع رسول الله على نفسي ، فتخلّف على أخواتك. فتخلّف عبد الله ، وخرج ابوه (٣).

قال الطبرسي في «اعلام الورى» : وكانوا الف رجل ، فلما كانوا في بعض الطريق انخذل عنهم عبد الله بن ابيّ بثلث الناس ، وقالوا : والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه؟! وهمت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع ثم

__________________

(١) ابن هشام ٣ : ٩٦. ومغازي الواقدي ١ : ٢٦٤.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢٦٥.

(٣) ابن هشام ٣ : ١٠٧.

٢٦٣

عصمهم الله عزوجل (١).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٧٦ وقصص الأنبياء : ٣٤١ ومناقب آل أبي طالب ١ : ١٩١. وقال ابن اسحاق : فخرج رسول الله في ألف من أصحابه ، حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة واحد انخذل عنه عبد الله بن ابيّ بن سلول بثلث الناس وقال : أطاعهم وعصاني ، لا ندري علام نقتل أنفسنا أيها الناس! فرجع بمن اتّبعه من قومه من أهل النفاق والريب.

فاتبعهم عبد الله بن عمر بن حرام أبو جابر يقول لهم : يا قوم اذكّركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيّكم عند ما حضر من عدوّهم! فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. فقال : أبعدكم الله أعداء الله سيغني الله عنكم نبيّه ـ ٣ : ٦٨.

وقال الواقدي : سلك على البدائع ثم زقاق الحسى (ببطن الرمة) ثم توجّه الى اطمى الشيخين ، حتى انتهى الى رأس الثنية ، فالتفت فنظر الى كتيبة خشناء خلفه لها صوت مرتفع ، فقال : ما هذه؟ قالوا : هؤلاء حلفاء ابن ابيّ من اليهود! فقال : لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك! ومضى حتى أتى على اطمى الشيخين فعسكر به. وأقبل ابن ابي فنزل ناحية من العسكر.

فجعل من معه من المنافقين وحلفاؤه اليهود يقولون له : أشرت عليه بالرأي ونصحته .. فأبى أن يقبله وأطاع هؤلاء الغلمان الذين معه! فرأوا فيه غشا ونفاقا.

وغابت الشمس فأذّن بلال المغرب ، فصلى رسول الله بأصحابه ثم أذن بالعشاء فصلى بأصحابه .. وبات بالشيخين .. ونام حتى أدلج ، فلما كان السحر قال النبيّ : من رجل يدلّنا فيخرجنا على القوم من كثب فسلك به في بني حارثة ثم مر بحائط المنافق مربع بن قيظي ومضى رسول الله .. حتى انتهوا الى موضع ابن عامر .. فلما انتهى الى موضع القنطرة اليوم من احد حانت الصلاة ، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى بأصحابه الصبح صفوفا.

وانخذل ابن ابيّ من ذلك المكان في كتيبته يقدمهم كانه ذكر النعام.

فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام ابو جابر فقال : اذكّركم الله ودينكم ونبيكم وما شرطتم له أن تمنعوه مما تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونساءكم.

٢٦٤

وقال القمي : وقعد عبد الله بن ابي واتبع رأيه قومه من الخزرج .. وعدّ رسول الله أصحابه فكانوا سبعمائة رجل (١) وفي رواية أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام : هم ثلاثمائة منافق رجعوا مع عبد الله بن ابي بن سلول ، فقال لهم ابو جابر بن عبد الله : انشدكم الله في نبيكم ودينكم ودياركم! فقالوا : والله لا يكون اليوم قتال ، ولو نعلم أنه يكون قتال لاتبعناكم (٢).

قال القمي : فضرب رسول الله معسكره مما يلي طريق العراق (٣).

اللواء والراية :

قال الطبرسي : وأصبح رسول الله فتهيّأ للقتال ، وجعل على راية

__________________

ـ فقال ابن ابيّ : لئن أطعتني ـ يا أبا جابر ـ لترجعن ، فان أهل الرأي والحجى قد رجعوا ، ونحن ناصروه في مدينتنا ، وقد اشرت عليه بالرأي فأبى الاطواعية الغلمان. وما أرى أن يكون بينهم قتال.

فلما أبى على عبد الله أن يرجع قال لهم أبو جابر : أبعدكم الله ، إن الله سيغني النبيّ والمؤمنين عن نصركم. وانصرف عبد الله بن عمرو يعدو حتى لحق برسول الله وهو يسوّي الصفوف ١ : ٢١٧ ـ ٢١٩.

(١) تفسير القمي ١ : ١١١.

(٢) تفسير القمي ١ : ١٢٢.

(٣) تفسير القمي ١ : ١١١ وقال ابن اسحاق : نزل الشعب من احد في عدوة الوادي الى الجبل ٣ : ٦٩ وقال الواقدي : يقال : استدبر النبيّ الشمس وجعل عينين خلف ظهره ، فواجه المشركون الشمس ، والأثبت عندنا : أنه جعل احدا خلف ظهره واستقبل المدينة ، فاستقبل المشركون احدا واستدبروا المدينة. وقال من قبل : الى موضع القنطرة اليوم في أرض ابن عامر اليوم ١ : ٢١٩ ، ٢٢٠.

٢٦٥

المهاجرين عليا عليه‌السلام وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة ، وقعد رسول الله في راية الأنصار (١).

وقال القمي : عبّأ رسول الله اصحابه ودفع الراية الى امير المؤمنين صلوات الله عليه (٢).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٧٦ وقصص الأنبياء : ٣٤١ ومناقب آل أبي طالب ١ : ١٩١ و ١٩٢.

وقال ابن اسحاق : دفع اللواء الى مصعب بن عمير من بني عبد الدار ٣ : ٧٠ فلما قتل أعطى رسول الله اللواء لعلي بن أبي طالب .. وجلس رسول الله تحت راية الأنصار (ولم يقل بيد سعد) وأرسل رسول الله الى عليّ أن : قدّم الراية. فتقدم علي وهو يقول : أنا أبو القضم ٣ : ٧٨.

وقال الواقدي : ثم دعا رسول الله بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية : للأوس والخزرج والمهاجرين ، فدفع لواء الأوس الى اسيد بن حضير ، ودفع لواء الخزرج الى سعد بن عبادة او الحباب بن المنذر بن الجموح ، ودفع لواء المهاجرين الى مصعب بن عمير او علي بن أبي طالب عليه‌السلام. ثم دعا النبيّ بفرسه فركبه ، وأخذ بيده قناة زجّ رمحها من شبة (من النحاس الأصفر) وأخذ قوسا. وفي المسلمين مائة دارع ١ : ٢١٥ و ٢٢٥.

وقد جمع مقال ابن اسحاق اللواء والراية فأما اللواء فصارت إليه عليه‌السلام بعد مقتل مصعب وأما الراية فكانت بيده من الأول. ولعل هذا هو وجه الترديد عند الواقدي وهو حلّه ، وبهذا قال الشيخ المفيد اذ قال في الارشاد ١ : ٧٨ : وكانت راية رسول الله فيها بيد أمير المؤمنين كما كانت بيده يوم بدر ، فصار إليه اللواء يومئذ دون غيره ، فكان هو صاحب الراية واللواء جميعا ، وكان الفتح له كما كان له ببدر سواء. ثم استشهد لذلك بأخبار ثلاثة عن أبي البختري القرشي وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود.

وعليه فلا يصح ما نقله الواقدي عن أبي معشر وابن الفضل قالا : لما قتل مصعب أخذ اللواء ملك على صورته ، فكان رسول الله يقول له في آخر النهار : تقدم يا مصعب! فالتفت إليه الملك فقال : لست بمصعب! فعرف النبيّ أنه ملك ايّد به!

(٢) تفسير القمي ١ : ١١٢.

٢٦٦

الرّماة على الشعب :

ووضع صلى‌الله‌عليه‌وآله عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب ، أشفق أن يأتي كمين المشركين من ذلك المكان ، وقال رسول الله لعبد الله بن جبير وأصحابه : إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان ، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم (١).

وقال : اتقوا الله واصبروا ، وإن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى ارسل إليكم. وأقامهم عند رأس الشعب (٢).

وقال : لا تبرحوا مكانكم هذا وان قتلنا عن آخرنا ، فانما نؤتى من موضعكم هذا (٣).

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ١١٢.

(٢) إعلام الورى ١ : ١٧٦ ، ١٧٧ وقصص الأنبياء : ٣٤١.

(٣) الارشاد ١ : ٨٠ ومناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٢. وقال ابن اسحاق : وتعبّأ رسول الله للقتال .. وأمّر على الرماة عبد الله بن جبير من بني عمرو بن عوف ، وهو في ثياب بيض ، والرماة خمسون ، فقال له : انضح (ادفع) الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا. إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتينّ من قبلك ٣ : ٧٠. وقال الواقدي : وجعل رسول الله يصفّ أصحابه : فجعل الرماة خمسين رجلا على جبل عينين ، وعليهم عبد الله بن جبير ١ : ٢١٩ وأقبل المشركون قد صفّوا صفوفهم : على الميمنة خالد بن الوليد ، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل وعلى الخيل صفوان بن أميّة ، وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة وكانوا مائة رام ١ : ٢٢٠.

٢٦٧

الألوية في قريش :

روى المفيد في «الارشاد» بسنده عن عبد الله بن مسعود قال : كانت ألوية قريش في بني عبد الدار ، مع طلحة بن أبي طلحة وكان يدعى كبش الكتيبة فجاء أبو سفيان الى أصحاب اللواء فقال : يا أصحاب الألوية ، انكم تعلمون أنما يؤتى القوم من قبل ألويتهم ، وانما اوتيتم يوم بدر من قبل ألويتكم ، فان كنتم ترون أنكم قد ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نكفيكموها.

فغضب طلحة بن أبي طلحة وقال : ألنا تقول هذا؟! والله لاوردنّكم بها اليوم حياض الموت (١).

__________________

ـ وتقدم رسول الله الى الرماة فقال لهم : احموا لنا ظهورنا فانا نخاف أن نؤتى من ورائنا والزموا مكانكم لا تبرحوا منه ، وان رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم ، وان رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدفعوا عنا ، وارشقوا خيلهم بالنبل ، فان الخيل لا تقدم على النبل. اللهم اني اشهدك عليهم! ١ : ٢٢٤.

(١) الارشاد ١ : ٨٠ وقال ابن اسحاق : وتعبأت قريش ، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ٣ : ٧٠ وأصحاب اللواء من بني عبد الدار فأقبل عليهم ابو سفيان وقال لهم : يا بني عبد الدار ، إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم ، وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم اذا زالت زالوا ، فاما أن تكفونا لواءنا ، واما أن تخلّوا بيننا وبينه فنكفيكموه!

فقالوا له : نحن نسلّم إليك لواءنا؟! ستعلم غدا اذا التقينا كيف نصنع؟! ٣ : ٧٢. وقال الواقدي : ودفعوا اللواء الى طلحة بن أبي طلحة .. وصاح أبو سفيان : يا بني عبد الدار ، نحن نعرف أنكم أحق باللواء منا ، وانما اتينا يوم بدر من اللواء ، وانما يؤتى القوم من قبل

٢٦٨

خطبة الرسول :

قال الواقدي : وجعل رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلم ـ يمشي على رجليه يسوّي تلك الصفوف ، و «يبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال» يقول : تقدم يا فلان ، وتأخّر يا فلان ، حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخّره ..

ثم قام رسول الله فخطب الناس فقال :

يا أيها الناس ، اوصيكم بما أوصاني الله في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه. ثم انكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطّن نفسه على الصبر واليقين ، والجدّ والنشاط ، فان جهاد العدوّ شديد كربه ، قليل من يصبر عليه الا من عزم الله رشده ، فان الله مع من أطاعه وان الشيطان مع من عصاه. فاستفتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد ، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله ، وعليكم بالذي أمركم به ، فاني حريص على رشدكم ، فان الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف مما لا يحبّه الله ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر.

يا أيها الناس قذف في صدري : أنّ من كان على حرام فرّق الله بينه وبينه ، ومن رغب عنه غفر الله ذنبه .. وإنه نفث في روعي الروح الأمين : أنه لن تموت

__________________

ـ لوائهم ، فالزموا لواءكم وحافظوا عليه ، أو خلّوا بيننا وبينه فانا قوم موتورون مستميتون نطلب ثأرا حديث العهد ، واذا زالت الألوية فما قوام الناس وبقاؤهم بعدها؟!

فغضب بنو عبد الدار وقالوا : نحن نسلّم لواءنا؟! لا كان هذا أبدا! فأما المحافظة عليه فسترى! وأغلظوا لأبي سفيان بعض الإغلاظ ، وأحدقوا باللواء واسندوا إليه الرماح. فقال أبو سفيان ، فنجعل لواء آخر؟ قالوا : ولا يحمله الا رجل من بني عبد الدار ، لا كان غير ذلك أبدا ـ ١ : ٢٢١.

٢٦٩

نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله ربكم وأجملوا في طلب الرزق ، ولا يحملنّكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم ، فانه لا يقدر على ما عنده الا بطاعته ، وقد بين لكم الحلال والحرام ، غير أن بينهما شبها من الأمر لم يعلمها كثير من الناس الا من عصم ، فمن تركها حفظ عرضه ودينه ، ومن وقع فيها كان كالراعي الى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه ، وليس ملك الا وله حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه.

والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد ، اذا اشتكى تداعى له سائر الجسد ، ومن أحسن من مسلم (أو كافر) وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة الا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا ، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه ، والله غني حميد.

ما أعلم من عمل يقربكم الى الله الا وقد امرتكم به ، ولا أعلم من عمل يقربكم الى النار الا وقد نهيتكم عنه .. ومن صلّى عليّ (مرّة) صلى الله عليه وملائكته عشرا. والسلام عليكم.

نشوب الحرب :

ثم روى بسنده عن المطّلب بن عبد الله قال : إن أوّل من أنشب الحرب أبو عامر عبد عمرو (بن صيفي الراهب الفاسق) اذ طلع في خمسين من قومه ومعه عبيد قريش ، فنادى : يا آل أوس ، أنا أبو عامر! (وكان رسول الله سمّاه الفاسق ، فلما سمعه قومه) قالوا : لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق! (فلما سمع ردّهم عليه) قال : لقد أصاب قومي بعدي شرّ ، ثم تراموا فيما بينهم والمسلمين بالحجارة ، ثم

٢٧٠

ولّوا مدبرين (١).

وكانوا قد حفروا حفرا للمسلمين ليقعوا فيها ، ومنها الحفيرة التي وقع فيها الرسول (٢).

وتقدم نساء المشركين أمام صفوفهم قبل اللقاء يضربن بالدفوف والطبول الكبار ، ثم رجعن فكنّ في أواخر الصفوف (٣) خلف الرجال وبين اكتافهم يذكرن من اصيب ببدر ويحرّضن بذلك الرجال ويضربن بالدفوف ويقلن :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق

ان تقبلوا نعانق!

او تدبروا نفارق

 فراق غير وامق (٤)

وكان في المدينة في بني ظفر رجل غريب لا يدرى ممن هو يقال له قزمان ، وكان ذا بأس معروفا بالشجاعة ، ولم يخرج معهم الى احد ، فعيّره نساء بني ظفر

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٢٢١ ـ ٢٢٣.

(٢) مغازي الواقدي ١ : ٢٥٢.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٢٢٥ ، وسيرة ابن هشام ٣ : ٧٢.

(٤) وفي الطبري ٢ : ٢٠٨ في وقعة ذي قار : أن امرأة من عجل كانت تحرّضهم تقول :

إن تهزموا نعانق

ونفرش النمارق

او تهربوا نفارق

فراق غير وامق

وعن الروض الانف ٢ : ١٢٩ : أن الرجز لهند بنت طارق بن بياضة الايادي في حرب ذي قار ، ولذلك قالت : نحن بنات طارق. ولا يعرف وجه لنسبة هند بنت عتبة الى طارق. فلعلها تمثلت به بعد أن سمعت به عن هند بنت طارق.

وروى الحميري في قرب الاسناد : ٦١ بسنده عن الصادق عن الباقر عليهما‌السلام قال : أمر رسول الله يوم الفتح بقتل فرتنا وأم سارة ، وكانتا قينتين ترثيان وتغنيان بهجاء النبيّ وتحضضان يوم احد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. كما في بحار الأنوار ٢٠ : ١١١ ، ١١٢.

٢٧١

وقلن له : يا قزمان قد خرج الرجال وبقيت؟! يا قزمان ألا تستحي مما صنعت؟! ما أنت الا امرأة ، خرج قومك وبقيت في الدار! فدخل بيته وأخرج سيفه وقوسه وجعبته ، وخرج يعدو الى احد حتى انتهى الى الصف الأول فكان فيه ، فكان هو أول من رمى من المسلمين (١).

الملتحقون باحد :

قزمان وإن اختلف عن اولئك المنافقين المتخاذلين عن النبيّ والمسلمين ، حيث تخاذل اولئك والتحق هذا ، لكنه لم يختلف معهم في عاقبة النفاق ، كما سنأتي على خبره.

وإن تخلّف عن رسول الله اولئك فقد التحق به عدد مذكورون ، أولهم حنظلة بن أبي عامر الراهب الفاسق وصهر ابن ابيّ بن سلول المنافق! وقد مرّ أن الرسول سمّى أباه بالفاسق وسيأتي أن النبيّ يصف الولد بغسيل الملائكة!

قال القمي في تفسيره : كان حنظلة بن أبي عامر رجلا من [الأوس](٢) وفي تلك الليلة التي كان في صبيحتها حرب احد تزوّج بنت عبد الله بن ابيّ بن سلول ، واستأذن رسول الله أن يقيم عندها ، فأنزل الله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣) فأذن له رسول الله.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٩٣ ومغازي الواقدي ٢٢٣ ، ٢٢٤.

(٢) في المطبوع : الخزرج ، وهو وهم ، فانه كان من الأوس كما مرّ في أبيه ، ولعل مصاهرته لابن ابيّ الخزرجي كان من التقارب المقرّر بين الأوس والخزرج.

(٣) النور : ٦٢ وقال القمي : وهذه الآية في سورة النور ، وأخبار احد في سورة آل عمران ، فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزله الله.

٢٧٢

فدخل حنظلة بأهله ووقع عليها فأصبح وهو جنب ، فلما أراد حنظلة أن يخرج من عندها ليحضر القتال بعثت امرأته الى أربعة نفر من الأنصار فأشهدت عليه : أنه قد واقعها.

فقيل لها : لم فعلت ذلك؟

قالت : رأيت في هذه الليلة في نومي كأن السماء قد انفرجت فوقع فيها حنظلة ثم انضمّت ، فعلمت أنها الشهادة ، فكرهت أن لا اشهد عليه.

وخرج وهو جنب فحضر القتال (١).

هذا شأن حنظلة بن أبي عامر وأبيه الراهب المتنصر الفاسق.

وهناك من الملتحقين بالمسلمين باحد يهودي من أحبارهم بالمدينة يدعى مخيريق من بني ثعلبة ، قال ابن اسحاق : قال (لأصحابه) : يا معشر يهود ، والله لقد علمتم أن نصر محمد لحق عليكم! ثم أخذ عدّته وسيفه فقال : إن اصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء. ثم غدا (صباحا) الى النبيّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ فأسلم وكان معه حتى قتل ، فقال رسول الله فيه : مخيريق خير يهود (٢) فكانت صدقات النبيّ منها (٣).

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ١١٨ وكرر مختصر الخبر في تفسير الآية من سورة النور ٢ : ١١٠ ونقل الخبر الواقدي في مغازي الواقدي ١ : ٢٧٣ من دون الآية. ومن المظنون ـ وليس من سوء الظن ـ أن ابن ابيّ أبى الا الزفاف في تلك الليلة ليعوق حنظلة عن القتال ، فلم يفلح.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٩٤.

(٣) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ١٦٤ ، ١٦٥ و ٣ : ٩٤ وأمواله الحوائط السبع وهي : الاعراف وبرقة وحسنى والدلال والصافية والميثب والمشربة التي أسكنها فيما بعد زوجته مارية القبطية اُمّه ابنه ابراهيم فسمّيت المشربة بها : مشربة اُمّ ابراهيم. وأوقفهنّ النبيّ سنة سبع (أو تسع) للهجرة على ابنته الزهراء عليها السلام ، فأوصت بها الزهراء لعليّ ثمّ للحسن ثمّ

٢٧٣

ومن الداخلين في الاسلام يومئذ والملتحقين بالمسلمين باحد : عمرو بن ثابت بن وقش من بني عبد الأشهل ، وكان قومه قد أسلموا وهو يأبى ذلك ، ثم بدا له في الاسلام إذ خرج رسول الله الى احد فأسلم ، ثم أخذ سيفه فعدا حتى التحق بهم ودخل في عرضهم (١).

ولعل هذا الموقف من عمرو بن ثابت هو ما أثر في أبيه ثابت بن وقش حيث كان مع صاحبه اليماني حسيل بن جابر أبي حذيفة بن اليمان وهما شيخان كبيران كانا في الآطام مع النساء والصبيان اذ قال أحدهما لصاحبه : لا أبا لك ما تنتظر؟ فو الله ما بقي لواحد منّا من عمره الا بمقدار ما بين شربي الحمار (ظمء حمار) إنما موتتنا اليوم أو غد ، أفلا نأخذ بأسيافنا ثم نلحق برسول الله لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله؟!

ثم أخذا أسيافهما وخرجا حتى دخلا في الناس ، ولم يعلم بهما (٢).

وكان عبد الله بن عمرو بن حرام ابو جابر بن عبد الله قد رأى في النوم قبل احد بأيام البشر بن عبد المنذر ـ وهو من شهداء بدر ـ يقول له : أنت قادم علينا في أيام. فقال عبد الله : قلت له : وأين أنت؟ قال : في الجنة نسرح منها حيث نشاء قلت له : ألم تقتل يوم بدر؟ قال : بلى. فذكر ذلك لرسول الله فقال :

__________________

للحسين عليه السلام ثمّ للاكبر من وُلدها ، وأشهدت عليها المقداد بن الاسود والزبير بن العوام ، كما عن الباقر عليه السلام في الكافي ٧ : ٤٨ و ٤٩ ح ٥ و ٦ ، والفقيه ٤ : ٢٤٤ ح ٥٥٧٩ ، ودلائل الامامة : ٤٢ ، وتاريخ وقف النبيّ لهن في وفاء للسمهودي ٢ : ١٥٢ ، ١٥٣ واُنظر وفاة الصدّيقة للمقرّم : ١٠٤.

(١) ابن هشام ٣ : ٩٥ والواقدي ١ : ٢٦٢ وتفسير القمي ١ : ١١٧ مع تغيير يسير.

(٢) ابن هشام ٣ : ٩٢ وذكره الواقدي في المغازي ١ : ٢٣٣ : رفاعة بن وقش ، وهو عمّه.

٢٧٤

هذه الشهادة يا أبا جابر. وكان عبد الله رجلا أحمر أصلع غير طويل (١).

وكان له سبع بنات فقال لابنه جابر : إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي اوثرك بالجهاد مع رسول الله على نفسي ، فتخلّف على أخواتك. فتخلّف جابر عليهن (٢) وحضر أبوه القتال ، فكان أول من قتل قبل الهزيمة فصلى عليه رسول الله (٣).

أداء حقّ السيف :

قال ابن اسحاق : ومدّ رسول الله سيفا وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام إليه رجال ـ منهم الزبير بن العوام ـ (٤) فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة من بني ساعدة ، فقال : وما حقه يا رسول الله؟ قال : أن تضرب به العدو حتى ينحني! قال : انا آخذه يا رسول الله بحقه! فأعطاه اياه. فلما أخذ السيف من يد رسول الله أخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه ، ثم أخذ يمشي متبخترا! (٥).

فروى الكليني في «فروع الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إن أبا دجانة الأنصاري اعتم يوم احد بعمامة ، وأرخى عذبة العمامة بين كتفيه ،

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٢٦٦ ، ٢٦٧.

(٢) ابن هشام ٣ : ١٠٧.

(٣) مغازي الواقدي ١ : ٢٦٦.

(٤) ابن هشام ٣ : ٧٢ ، ٧٣. وقال الواقدي : قالوا : وما حقه؟ قال : يضرب به العدو! فقال عمر : أنا ، فأعرض عنه رسول الله ، ثم عرضه بذلك الشرط فقام الزبير فقال : أنا ، فأعرض عنه حتى وجد عمر والزبير في أنفسهما ، ثم عرضه الثالثة فقال أبو دجانة : أنا يا رسول الله آخذه بحقه! فدفعه إليه ١ : ٢٥٩. ولعل ابن اسحاق او ابن هشام اختصر الخبر على ما قاله في مقدمته أنه يحذف ما يشنع او يسوء بعض الناس ذكره ١ : ٤.

(٥) ابن هشام ٣ : ٧١ ومغازي الواقدي ١ : ٢٥٩.

٢٧٥

وجعل يتبختر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذه لمشية يبغضها الله عزوجل الا عند القتال في سبيل الله (١).

قال ابن اسحاق : وكان يقول :

أنا الذي عاهدني خليلي

ونحن بالسفح لدى النخيل

أن لا أقوم الدهر بالكبول

أضرب بسيف الله والرسول (٢)

بدء البراز باحد :

قال القمي في تفسيره : كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدوي (أي) من بني عبد الدار ، فبرز ونادى :

يا محمّد! تزعمون أنّكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ، ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنّة ، فمن شاء أن يلحق بجنّته فليبرز إليّ!

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول :

يا طلح إن كنت كما تقول

لنا خيول ولكم نصول

فاثبت لننظر أيّنا المقتول

وأيّنا أولى بما تقول

فقد أتاك الأسد الصؤول

بصارم ليس به فلول

 ينصره القاهر والرسول

فقال طلحة : من أنت يا غلام؟ قال : أنا علي بن أبي طالب.

قال طلحة : قد علمت ـ يا قضيم (٣) ـ أنّه لا يجسر عليّ أحد غيرك!

__________________

(١) فروع الكافي ١ : ٣٢٩ كما في بحار الأنوار ٢٠ : ١١٦.

(٢) ابن هشام ٣ : ٧٣.

(٣) ثم حدّث القمي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام قال : سئل الصادق عليه‌السلام عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لمّا بارزه علي عليه‌السلام : يا قضيم؟ فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا

٢٧٦

فشدّ عليه طلحة ، فاتقاه أمير المؤمنين بالجحفة (الترس) ، ثم ضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام على فخذيه فقطعهما جميعا ، فسقط على ظهره وسقطت الراية ، فذهب علي عليه‌السلام ليجهز عليه فحلّفه بالرحم فانصرف عنه ، فقال المسلمون : الا أجهزت عليه؟ قال : قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبدا.

وأخذ الراية ابو سعيد بن أبي طلحة ، فقتله علي عليه‌السلام وسقطت الراية الى الارض.

__________________

يجسر عليه أحد بمكّة لموضع أبي طالب ، فأغروا به الصبيان ، فكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة والتراب ، فشكى ذلك إلى علي عليه‌السلام فقال : بأبي أنت وامّي يا رسول الله ـ اذا خرجت فأخرجني معك. فخرج رسول الله ومعه علي عليه‌السلام فتعرض الصبيان لرسول الله كعادتهم ، فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم ؛ فكانوا يرجعون باكين الى آبائهم ويقولون : قضمنا علي ، قضمنا علي فلذلك سمّي القضيم ١ : ١١٤.

وروى ابن هشام ٣ : ٧٨ : أن ابا سعيد بن أبي طلحة لما خرج بين الصفّين فنادى : أنا قاصم من يبارزني ، فمن يبارز برازا؟ فلم يخرج إليه أحد! فقال : يا أصحاب محمد! زعمتم أن قتلاكم في الجنة وأن قتلانا في النار! كذبتم واللّات! لو تعلمون ذلك حقا لخرج الي بعضكم!

فخرج إليه علي بن أبي طالب .. فتقدم وقال : أنا أبو القصم!

فناداه ابو سعد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين ، قال : هل لك ـ يا أبا القصم ـ من حاجة في البراز؟ قال : نعم. فبرزا بين الصفّين فاختلفا بضربتين فضربه علي فصرعه. فقيل قتله ، وقيل : انه انصرف عنه ولم يجهز عليه ، فقال له أصحابه : أفلا أجهزت عليه؟! فقال : انه استقبلني بعورته! فقيل : إن سعد بن أبي وقاص طعنه فقتله ٣ : ٧٨.

والقصم : الكسر البين ، ويبدو أن أبا القصم تصحيف عن القضيم بمعنى القاضم أي الذي كان يقضم الآذان والانوف ، وان رغمت انوف!.

٢٧٧

فأخذها مسافع بن طلحة ، فقتله علي عليه‌السلام فسقطت الراية الى الأرض.

فأخذها عثمان بن أبي طلحة ، فقتله علي عليه‌السلام فسقطت الراية الى الأرض.

فأخذها الحارث بن أبي طلحة ، فقتله علي عليه‌السلام فسقطت الراية الى الأرض.

فأخذها ابو عذير بن عثمان ، فقتله علي عليه‌السلام فسقطت الراية الى الأرض.

فأخذها عبد الله بن حميد ، فقتله علي عليه‌السلام فسقطت الراية الى الأرض.

وقتل أمير المؤمنين التاسع من بني عبد الدار ارطاة بن شرحبيل فسقطت الراية الى الأرض.

فأخذها مولاهم صوأب ، فضربه أمير المؤمنين على يمينه فقطعها فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين على شماله فقطعها ، فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال : يا بني عبد الدار ، هل أعذرت فيما بيني وبينكم؟ فضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام على رأسه فقتله ، وسقطت الراية.

فأخذتها عمرة بنت علقمة (عمرة بنت الحارث بن علقمة الكنانيّة) فقبضتها (١).

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ١١٢ ، ١١٣. وروى المفيد في الارشاد ١ : ٨٥ ، ٨٦ بالاسناد عن ابن عباس : أن طلحة بن أبي طلحة خرج يومئذ فوقف بين الصفين فنادى : يا أصحاب محمد انكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم الى النار ونعجلكم بسيوفنا الى الجنة ، فأيكم يبرز الي؟

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال له : والله لا افارقك اليوم حتى اعجلك بسيفي الى النار! فاختلفا بضربتين ، فضربه علي بن أبي طالب عليه‌السلام على رجليه فقطعهما فسقط فانكشفت (عورته) فانصرف عنه الى موقفه ، فقال له المسلمون : الا أجهزت عليه؟ فقال : ناشدني الله والرحم ، وو الله لا عاش بعدها أبدا ، ومات طلحة في مكانه ، وبشر به النبيّ فسر

٢٧٨

__________________

ـ وقال : هذا كبش الكتيبة.

وروى فيه ١ : ٨٠ بالاسناد الى عبد الله بن مسعود قال : تقدم طلحة بن أبي طلحة وتقدم علي بن أبي طالب ، فقال علي له : من أنت؟ قال : أنا طلحة بن أبي طلحة أنا كبش الكتيبة! فمن أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب. ثم تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان فضربه علي بن أبي طالب ضربة على مقدم رأسه فبدرت عينه وصاح صيحة لم يسمع مثلها قط ، وسقط اللواء من يده.

فأخذه اخ له يقال له مصعب ، فرماه عاصم بن ثابت الأنصاري بسهم فقتله ثم أخذ اللواء أخ له يقال له عثمان ، فرماه عاصم أيضا بسهم فقتله. فأخذه عبد لهم يقال له صوأب ، وكان من أشد الناس ، فضرب علي عليه‌السلام يده اليمنى فقطعها فأخذ اللواء بيده اليسرى فضربه علي عليه‌السلام على يده اليسرى فقطعها ، فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه ـ وهما مقطوعتان ـ فضربه علي عليه‌السلام على أم رأسه فسقط صريعا ، فانهزم القوم.

وقال ابن اسحاق : وقاتل علي بن أبي طالب ٣ : ٧٧ وعاصم بن ثابت ٣ : ٧٩ ثم لم يذكر لعلي عليه‌السلام شيئا! اللهم إلّا ما استدركه ابن هشام كما مر. وقال عن عاصم بن ثابت أنّه قتل مسافع بن طلحة وأخاه الجلاس بن طلحة بسهم ، وعثمان بن أبي طلحة قتله حمزة بن عبد المطلب ٣ : ٧٩ ثم قال : وكان اللواء مع صوأب غلام حبشيّ لهم وهو آخر من أخذه منهم ، فقاتل به حتى قطعت يداه فأخذ اللواء بصدره حتى قتل عليه. ولم يقل هنا من قتله. قال : ولم يزل اللواء صريعا (كذا) حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به ٣ : ٨٣ وفي ذكر قتلى المشركين ذكر طلحة بن أبي طلحة قتله علي عليه‌السلام ، ومسافع والجلاس وعثمان كما مر ، وارطاة بن شرحبيل قتله حمزة ، وعبد الله بن حميد بن زهير قتله علي عليه‌السلام. وابو سعيد بن طلحة قتله سعد بن أبي وقاص ، وصوأب قتله قزمان وقال ابن هشام : ويقال قتلهما علي بن أبي طالب ٣ : ١٣٤. هذا على النسخة المطبوعة من سيرة ابن هشام. وبينما

٢٧٩

معصية الرّماة :

فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ، ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم. وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس فلقي عبد الله بن جبير (وأصحابه) فاستقبلوهم بالسهام (فردّوا).

ونظر أصحاب عبد الله بن جبير الى أصحاب رسول الله ينهبون سواد القوم ، فقالوا لعبد الله بن جبير : تقيمنا هاهنا وقد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة؟!

__________________

للشيخ المفيد في «الارشاد» بنفس سند الكتاب : ابن هشام عن البكّائي عن ابن اسحاق ، رواية تختلف عن هذه ، فهي ، بعد قتل طلحة بن أبي طلحة : وقتل ابنه أبا سعيد ابن طلحة ، وقتل أخاه خالد (كلدة) بن أبي طلحة ، وقتل عبد الله بن حميد بن زهرة ، وقتل أبا الحكم بن الأخنس بن شريق ، وقتل الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وقتل أخاه أميّة بن أبي حذيفة ، وقتل أرطاة بن شرحبيل ، وقتل هشام ابن أميّة ، وعمرو بن عبد الله الجمحي ، وبشر بن مالك وقتل صوأبا مولى بني عبد الدار. وكان الفتح له ورجوع الناس من هزيمتهم الى النبيّ بمقامه يذب عنه دونهم ، وتوجه العتاب من الله الى كافتهم لهزيمتهم يومئذ سواه ومن ثبت معه من رجال الأنصار ، وكانوا ثمانية ، وقيل : أربعة أو خمسة الارشاد ١ : ٩١ ، والله أعلم بحقيقة القلم وما أجرم!. أما الواقدي فقال : طلحة بن أبي طلحة قتله علي عليه‌السلام ، وعثمان بن أبي طلحة قتله حمزة ، وابو سعد بن أبي طلحة قتله سعد بن أبي وقاص ، ومسافع ابن طلحة قتله عاصم ، وكلاب بن طلحة قتله الزبير بن العوام ، والجلاس بن طلحة قتله طلحة بن عبيد الله ، وارطاة بن شرحبيل قتله علي عليه‌السلام ، وصوأب قتله علي عليه‌السلام أو سعد أو قزمان مغازي الواقدي ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٨.

٢٨٠