موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

وبعدها ذكر الواقدي غزوة ذات الرقاع وقال : خرج إليها رسول الله ليلة السبت لعشر خلون من المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا. وغاب خمس عشرة (يوما) وقدم (راجعا) يوم الأحد لخمس بقين من المحرم (١).

ولكن ابن اسحاق ذكر ذات الرقاع بعد بني النضير قال : ثمّ أقام رسول الله بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الاولى ، ثمّ غزا نجدا ...

وهي غزوة ذات الرقاع (٢) وتبعه الطبرسي في «إعلام الورى» فقال : كانت غزوة ذات الرقاع بعد غزوة بني النضير بشهرين (٣) وكذلك ابن شهرآشوب (٤) فنحن تبعناهما في تأريخ الغزوة.

__________________

وكانت السوق تقوم هناك منه إلى ثماني ليال منه. ولم يذكروا أنّهم مكثوا هناك أكثر من الموسم ، فلو رجع في ثمانية أيّام لكان خروجهم في شوال قبل ذي القعدة بثمانية أيام أيضا. والله العالم العاصم.

وقد مرّ في حمراء الأسد ذكر نعيم بن مسعود الأشجعي ومعبد الخزاعي بدورين مشابهين لما ذكر هنا فراجع. وهل تكرّر دورهما في الغزوتين؟

(١) مغازى الواقدي ١ : ٣٩٥.

(٢) ابن هشام ٣ : ٢١٣ و ٢١٤.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٨٩.

(٤) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٩٧.

٤٦١
٤٦٢

أهمّ حوادث

السنة الخامسة للهجرة

٤٦٣
٤٦٤

غزوة الخندق (١) :

المقدّمات : قال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره : لمّا أجلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بني قينقاع وبني النضير عن المدينة صاروا إلى خيبر ، وكان رئيس بني النضير حييّ بن أخطب ، فخرج إلى قريش بمكّة وقال لهم :

«إنّ محمّدا قد وتركم ، ووترنا وأجلانا من ديارنا وأموالنا من المدينة ، وأجلا بني عمّنا بني قينقاع. وقد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل ، وهم بنو قريظة ، وبينهم وبين محمد عهد وميثاق ، فأنا أمشي إليهم فأحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد ، فيكونون معنا عليهم ... وسيروا أنتم في الأرض فاجمعوا حلفاءكم وغيرهم حتى نسير إليهم ... فتأتونه من فوق ، وهم من أسفل» إذ كان

__________________

(١) الخندق : معرّب كلمة : كنده ـ بالفارسيّة ـ أي الحفرة ، وذلك أنّ سلمان الفارسي (المحمّدي) هو الذي أشار به على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيأتي. وتسمّى غزوة الأحزاب أيضا ، لقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) أي : أحزاب الكفّار ، كما سيأتي أيضا.

٤٦٥

موضع بني قريظة بئر المطّلب على ميلين من المدينة (١).

وقال المفيد في «الإرشاد» : إن جماعة من اليهود منهم : سلام بن أبي الحقيق النضيري ، وحيي بن أخطب ، وكنانة بن الربيع ، وهوذة بن قيس الوالبي ، وأبو عمارة الوالبي في نفر من بني والبة ، خرجوا (من المدينة) حتّى قدموا مكّة ، إلى أبي سفيان صخر بن حرب ، لعلمهم بعداوته لرسول الله وتسرّعه إلى قتاله.

فذكروا له ما نالهم (من وقعة بني النضير) وسألوه المعونة لهم على قتاله.

وأضاف الطبرسي في تفسيره : أبا رافع وكعب بن الأشرف في جماعة من علماء اليهود (٢) ونقل عن أكثر المفسّرين : أنّه خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكّة بعد وقعة احد ، ليحالفوا قريشا على رسول الله وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله ، فنزلت اليهود في دور قريش ونزل كعب بن الأشرف على أبي سفيان فأحسن مثواه.

فقال لهم أهل مكة : إنّكم أهل كتاب ومحمّد صاحب كتاب ، فلا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم! فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما! ففعل!

ثمّ قال لهم كعب : يا أهل مكة ليجيء منكم ثلاثون ومنّا ثلاثون فلنلصق أكبادنا بالكعبة فنعاهد ربّ البيت لنجهدنّ على قتال محمّد. ففعلوا ذلك.

فلمّا فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنّك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميّون لا نعلم ، فأيّنا أهدى طريقا وأقرب إلى الحقّ نحن أم محمّد؟ قال كعب : اعرضوا عليّ دينكم. فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الناقة الكوماء (٣)

__________________

(١) تفسير القمي ٣ : ١٧٦.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٩٣.

(٣) الكوماء : العظيمة السنام.

٤٦٦

ونسقيهم الماء ، ونقري الضيف ، ونفكّ العاني (١) ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربّنا ونطوف به ونحن أهل الحرم. ومحمّد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم ، وديننا القديم ، ودين محمّد الحديث. فقال : أنتم أهدى سبيلا ممّا عليه محمّد! وفي هذا نزل قوله ـ سبحانه ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً* أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً* أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً* فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً)(٢).

__________________

(١) العاني : الأسير.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٩٢. واختصر خبره عن ابن كعب القرظي ٨ : ٥٣٣. وذكر الخبر القاضي النعمان في شرح الأخبار ١ : ٢٩١ ، واختصره المفيد في الإرشاد ١ : ٩٥. وزاد الواقدي : أبا عامر الراهب في بضعة عشر رجلا ... فقالوا لقريش : نحن معكم حتى نستأصل محمّدا. قال أبو سفيان : هذا الذي أقدمكم ونزعكم؟ قالوا : نعم ، جئنا لنحالفكم على عداوة محمّد وقتاله.

فقال أبو سفيان : أهلا ومرحبا ، أحبّ الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمّد.

قال النفر : فأخرج خمسين رجلا من بطون قريش كلّها وأنت فيهم ، وندخل نحن وأنتم بين أستار الكعبة حتى نلصق أكبادنا بها ، ثمّ نحلف بالله جميعا لا يخذل بعضنا بعضا ، ولتكوننّ كلمتنا واحدة على هذا الرجل ما بقي منّا رجل! ففعلوا ، وتحالفوا على ذلك وتعاقدوا.

ثمّ قالت قريش بعضها لبعض : قد جاءكم رؤساء أهل يثرب وأهل العلم والكتاب الأوّل ، فسلوهم عمّا نحن عليه ومحمّد أيّنا أهدى؟

٤٦٧

قال المفيد في «الارشاد» : فنشطت قريش لما دعوهم إليه من حرب رسول الله. وجاءهم أبو سفيان فقال لهم : قد مكّنكم الله (!) من عدوّكم :! فهذه اليهود تقاتله معكم ولا تنفكّ عنكم حتى يؤتى على جميعها أو تستأصله ومن اتّبعه! فقويت عزائمهم إذ ذاك في حرب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله!

ثمّ خرج اليهود (من مكّة) إلى غطفان وقيس عيلان ، فدعوهم إلى حرب رسول الله وضمنوا لهم النصرة والمعونة ، وأخبروهم باجتماع قريش لهم على ذلك (١).

خروج الأحزاب للحرب :

قال المفيد في «الإرشاد» : وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان ، وخرجت غطفان وقائدهم : عيينة بن حصن في بني فزارة ، والحارث بن عوف في بني مرة ، ووبرة بن طريف في قومه من أشجع. واجتمعت قريش معهم (٢).

ورواه الطبرسي في «مجمع البيان» عن ابن كعب القرظي وأضاف : وكتبوا

__________________

فقال لهم أبو سفيان : يا معشر اليهود : أنتم أهل العلم والكتاب الأول ، فأخبرونا عمّا أصبحنا نحن فيه ومحمد ، ديننا خير أم دين محمد؟ فنحن عمار البيت ، وننحر النوق ونسقي الحجيج ونعبد الأصنام.

قالوا : إنكم لتعظمون هذا البيت ، وتقومون على السقاية ، وتنحرون البدن ، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم ، فأنتم أولى بالحق منه! وأنزل الله في ذلك قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا ...). مغازي الواقدي ٢ : ٤٤١ و ٤٤٢. والآيات من سورة النساء : ٥١ ـ ٥٥.

(١) الإرشاد : ١ : ٩٥ وإعلام الورى ١ : ١٩٠ ومجمع البيان ٨ : ٥٣٣ عن ابن كعب القرظي.

(٢) الإرشاد : ١ : ٩٥ وإعلام الورى ١ : ١٩٠ وهي عبارة ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢٦٦.

٤٦٨

إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل طلحة فيمن تبعه من بني أسد. وكتبت قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن تبعه من بني سليم مددا لقريش (١).

وذكرهم ابن شهرآشوب فقال : فكانوا ثمانية عشر ألف رجل. والمسلمون في ثلاثة آلاف (٢).

وقال المسعودي : فكان عدّة الجميع : أربعة وعشرين ألفا ، والمسلمون نحو من ثلاثة آلاف (٣).

وقال الواقدي : وخرجت قريش ومن تبعها من أحابيشها في أربعة آلاف ، وعقدوا اللواء في دار الندوة ، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس ، ومعهم من الظهر ألف وخمسمائة بعير ... يقودها أبو سفيان بن حرب ... وأقبلت بنو سليم في سبعمائة يقودهم أبو الأعور سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أميّة ـ وكان مع معاوية بصفّين ـ. وخرجت بنو فزارة وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن. وخرجت أشجع في أربعمائة وقائدها مسعود (كذا) بن رخيلة. وخرجت بنو مرة في أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف. فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق من قريش وسليم وغطفان وأسد : عشرة آلاف في ثلاثة عساكر ، وعناج (٤) الأمر إلى أبي سفيان.

ولمّا فصلت قريش من مكّة إلى المدينة خرج ركب من خزاعة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فساروا من مكّة إلى المدينة أربعا فأخبروه بفصول قريش. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٥٣٣.

(٢) المناقب ١ : ١٩٧.

(٣) التنبيه والإشراف : ٢١٦.

(٤) أيّ انه كان صاحبهم ومدبّر أمرهم (لسان العرب) ، مادة (عنج).

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٤.

٤٦٩

مشاورة الأصحاب للأحزاب :

قال القمي : وبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستشار أصحابه ، وكانوا سبعمائة رجل.

فقال سلمان الفارسي (١) : يا رسول الله ، إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة (أي المجادلة).

فقال له رسول الله : فما نصنع؟

قال سلمان : نحفر خندقا يكون بيننا وبينهم حجابا ، فيمكنك منعهم في المطاولة ، ولا يمكنهم أن يأتونا من كلّ وجه. فإنّا كنّا ـ معاشر العجم في بلاد فارس ـ إذا دهمنا دهم من عدوّنا نحفر الخندق ، فيكون الحرب من مواضع معروفة.

__________________

(١) اختصر الخبر الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٥٣٣ وقال : كان الخندق أوّل مشهد شهده سلمان مع النبيّ وهو حرّ. وفي الدرجات الرفيعة : ٢٠٥ عن شواهد النبوّة قال : كان سلمان في الرقّ ففاته بدر واحد حتى عتق في السنة الخامسة من الهجرة. وفي كمال الدين : ١٦٥ بسنده عن الكاظم عليه السلام : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله مع جمع من خواصّه قدم يوماً على سلمان في حائط مولاته من بني سُليم ، فلمّا رأى سلمان في كتف النبيّ خاتم النبوّة وأسلم قال له : يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل لها : يقول لك محمّد بن عبدالله : تبيعينا هذا الرجل؟ فقالت : قل له : لا أبيعك إلّا بأربعمئة نخلة! وفي السيرة : على ثلاثمئة نخلة اُحييها له بالفقير (أي الحفر والغرس) فلمّا اجتمعت لي ثلاثمئة وديّة (نخلة صغيرة) قال لي رسول الله : اذهب يا سلمان ففقّر لها (= احفر لها) فاذا فرغت فأنا أضعها بيدي! فوضعها بيده فاُحييت ـ ابن اسحاق في السيرة ١ : ٢٣٦ وبُني على الموضع مسجد سمّي بمسجد الفقير وهو غرفة من الحجر مهملة ومسوّرة بسور حديدي أخيراً ، على يمين الطريق الموصل بين قربان والعوالي على أقلّ من كيلومترين من مسجد قُباء ، وعلي يمين محطّة نفط للبنزين للقادم من قُباء ، وعلى يمين محطّة نفط للبنزين للقادم من قُباء ، وعلى كيلومتر واحد من الاشارة الضوئية ـ كما ذكره عبدالرحمان خويلد في كتابه : المساجد والاماكن الأثرية المجهولة ، وعنه في مجلّة ميقات الحجّ ٧ : ٢٧١.

٤٧٠

فنزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اشار سلمان بصواب (١).

وقال المفيد في «الإرشاد» : فلمّا سمع رسول الله باجتماع الأحزاب عليه وقوّة عزيمتهم في حربه استشار أصحابه. فأجمع رأيهم على المقام بالمدينة وحرب القوم على أنقابها. وأشار سلمان عليه بالخندق فأمر بحفره وعمل فيه بنفسه ، وعمل فيه المسلمون (٢).

وقال الواقدي : فحين أخبروه بفصول قريش ندب رسول الله الناس وأخبرهم الخبر وأمرهم بالجدّ والجهاد ووعدهم النصر إن هم صبروا واتّقوا وأمرهم بطاعة الله ورسوله. وكان رسول الله يكثر مشاورتهم في الحروب ، فشاورهم فقال : أنبرز لهم من المدينة؟ أم نكون فيها ونخندقها (كذا) علينا؟ أم نكون قريبا ونجعل ظهورنا إلى هذا الجبل؟ فاختلفوا : فقالت طائفة : نكون ممّا يلي بعاث إلى ثنيّة الوداع إلى الجرف (٣).

فقال سلمان : يا رسول الله ، إنّا إذ كنّا بأرض فارس وتخوّفنا الخيل خندقنا علينا ، فهل لك ـ يا رسول الله ـ أن نخندق؟

فأعجب رأي سلمان المسلمين.

فركب رسول الله فرسا له ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٧٧.

(٢) الإرشاد ١ : ٩٥. وأشار إلى مشورة سلمان في إعلام الورى ١ : ١٩١ ، ومناقب آل أبي ـ طالب ١ : ١٩٧. وابن هشام ٣ : ٢٣٥. واليعقوبي ٢ : ٥٠ والمسعودي في التنبيه والاشراف : ٢١٦.

(٣) وسيأتي في خبر خبير البحث في ثنية الوداع هل كانت قبل السابعة أو لا؟ واثبتوا للمدينة ثنتين شمالية على طريق الشام وهي التي عُرفت بهذا الاسم في خروجهم إلى خيبر ، والاخرى جنوبية ما زالت قبل مسجد قُباء بكيلومتر واحد على يمين طريق قُباء الطالع إلى قُباء وما زال عليها قلعة من العهد التُركي. کما فی کتاب : المساجد والاماكن الاثرية المجهولة في المدينة لعبدالرحمن خويلد الحجازي ، وعنه في مجلة ميقات الحج ٦ : ٢٦٨.

٤٧١

فارتاد موضعا ينزله ، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعا (١) خلف ظهره ويخندق من المذاذ (٢) إلى ذباب إلى راتج (٣).

واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل (٤) يحفرون بها الخندق ، وكان بنو قريظة يومئذ سلما للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكرهون قدوم قريش.

ووكّل رسول الله بكلّ جانب من الخندق قوما يحفرونه : فكان المهاجرون يحفرون من جانب راتج إلى ذباب ، وكانت الأنصار تحفر من ذباب إلى جبل بني عبيد. وكان سائر المدينة مشبّكا بالبنيان (٥).

وروى عن ابن كعب القرظي قال : كان الخندق الذي خندق رسول الله ما بين جبل بني عبيد إلى راتج (٦). قالوا : وكان الخندق ما بين جبل بني عبيد بخربى إلى

__________________

(١) جبل سلع ويسمى أيضا جبل ثواب ، في الشمال الغربي للمسجد النبوي الشريف بثمانمائة متر تقريبا قريبا من مسجد السبق باتجاه المساجد السبعة ، وقد غطت العمائر العالية أغلب جهاته ويمكن الصعود إليه من ممر ضيق بين عمارتي جوهرة أمّ القرى وجوهرة المدينة ، وعليه كهف لا يزال حتى اليوم يعرف بكهف ابن حرام ، قيل : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبيت فيه محروسا أيام غزوة الخندق ، كما في الدر الثمين : ٢٣٣ ومقال عبد الرحمن خويلد في مجلة الميقات ٤ : ٢٥٦ وانظر فيها : ٢٥٩ ففيها : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ضربت له قبة في الأيام الاولى من حفر الخندق على جبيل الراية خلف محطة الزغيبي للبنزين شمال المسجد النبوي الشريف ـ بكيلومتر وثمانمائة متر ، وفي موضع القبة اليوم مسجد يسمى مسجد الراية وقال السمهودي : هو جبل معروف بسوق المدينة ـ وفاء الوفاء ٢ : ٣٢٤ ـ.

(٢) المذاذ : اسم اطم لبني حرام من بني سلمة غربيّ مسجد الفتح ـ وفاء الوفاء ٢ : ٣٧٠ ـ.

(٣) راتج : هو جبل غربي بطحان إلى جنب جبل بني عبيد ـ وفاء الوفاء ٢ : ٣١٠ ـ.

(٤) جموع المسحاة والكرزن والمكتل ، وهي : المجرفة والفأس والزبيل الكبير.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٥ و ٤٤٦.

(٦) مغازي الواقدي ٢ : ٤٥١.

٤٧٢

راتج ، فكان للمهاجرين من ذباب إلى راتج ، وكان للأنصار ما بين ذباب إلى خربى. وخندقت بنو عبد الأشهل بما يلي راتج إلى خلفها حتى جاء الخندق من وراء المسجد ، وخندقت بنو عبد الأشهل بما يلي راتج إلى خلفها حتى جاء الخندق من وراء المسجد ، وخندقت بنو دينار من عند خربى إلى موضع دار ابن أبي الجنوب (اليوم) وشبّكوا المدينة بالبنيان من كلّ ناحية فهي كالحصن (١).

وقال القمي : فأمر رسول الله بحفره من ناحية احد إلى راتج. وجعل على كلّ عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوما من المهاجرين والأنصار يحفرونه (٢).

رجز النبيّ والمسلمين :

قال القمي : وبدأ رسول الله فأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ينقل التراب من الحفرة ، حتّى عرق رسول الله وعيي ، فلمّا نظر الناس إلى رسول الله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقل التراب (٣).

وروى الواقدي بسنده قال : كان المهاجرون والأنصار يحفرون والشباب ينقلون التراب على رءوسهم في المكاتل ، فيجعلونه ممّا يلي النبيّ وأصحابه ، حتّى صارت الخندق قامة : وكانوا يأتون بالحجارة من جبل سلع فيسطرونها ممّا يليهم كأنّها أكوام تمر ، فكانت من أعظم سلاحهم (٤).

وجعل رسول الله يعمل معهم في الخندق لينشّط المسلمين ، فجعلوا يعملون مستعجلين يبادرون قدوم العدو عليهم (٥) وكان رسول الله يحمل التراب في المكتل يطرحه ، ويقول :

هذا الجمال لا جمال خيبر

هذا أبرّ ـ ربّنا ـ وأطهر

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٤٥٠.

(٢ و ٣) تفسير القمي ٢ : ١٧٧.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٦.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٥.

٤٧٣

فجعل المسلمون يرتجزون وإذا رأوا من الرجل فتورا ضحكوا منه (١).

وقال رسول الله يومئذ : لا يغضب أحد ممّا قال صاحبه لا يريد بذلك سوءا. ولكنّه عزم على حسّان بن ثابت وكعب بن مالك أن لا يقولا شيئا.

وغيّر النبيّ اسم جعيل بن سراقة إلى عمرو فجعلوا يرتجزون له يقولون :

سماه من بعد جعيل عمرا

وكان للبائس يوما ظهرا (٢)

فكان رسول الله يشاركهم في أعجاز أرجازهم يقول : عمرا ، ظهرا (٣).

وروى عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله يومئذ في حلّة حمراء ، وكان أبيض شديد البياض كثير الشعر يضرب الشعر منكبيه. ولقد رأيته يومئذ يحمل التراب على ظهره حتّى حال الغبار بيني وبينه.

وروى عن أبي سعيد الخدري قال : رأيت رسول الله يحفر الخندق مع المسلمين والتراب على صدره وهو يقول :

لا همّ لو لا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا (٤)

وجعلت الأنصار ترتجز وتقول :

نحن الذين بايعوا محمّدا

على الجهاد ما بقينا أبدا

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لا همّ لا خير إلّا خير الآخرة

فاغفر للأنصار وللمهاجرة

أو قال :

لا همّ إنّ العيش عيش الآخرة

فاغفر للأنصار وللمهاجرة

لا همّ والعن عضلا والقارة

هم كلّفوني أنقل الحجارة (٥)

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٦.

(٢) ورواه ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢٢٧.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٧ و ٤٤٨.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٩.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٤٥٣.

٤٧٤

وفي سلمان الفارسي :

قال : وكان سلمان الفارسيّ قويّا عارفا بحفر الخندق. وروى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : جعلوا لسلمان خمسة أذرع طولا وعرضا ، فما مرّ حين حتى فرغ منه وحده وهو يقول : اللهم لا عيش إلّا عيش الآخرة. فتنافس الناس فيه فقال المهاجرون : سلمان منّا! وقالت الأنصار : هو منّا ونحن أحقّ به! فبلغ رسول الله قولهم فقال : «سلمان رجل منّا أهل البيت» (١) ولقد كان يعمل عمل عشرة رجال حتّى أصابه بعينه قيس بن أبي صعصعة فسقط إلى الأرض! فبلغ ذلك رسول الله فقال : مروه فليتوضّأ ـ أو ليغتسل ـ ويكفأ الإناء خلفه. ففعل فكأنّما حلّ من عقال (٢).

وتفأل الرسول بالنصر :

قال القمي : ولمّا كان في اليوم الثاني بكّروا إلى الحفر وقعد رسول الله في «مسجد الفتح» (٣).

فروى الكليني في «روضة الكافي» عن أبان بن عثمان البجلي الكوفي عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّهم مرّوا بكدية (٤) فتناول رسول الله المعول من يد

__________________

(١) ورواه الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٥٣٣ عن الحافظ البيهقي في دلائل النبوّة. وابن هشام في السيرة ٣ : ٢٣٥.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٤٤٦ و ٤٤٧.

(٣) أي في مكانه الذي بني بعد ذلك مسجدا وسمّي بمسجد الفتح ، لحصول الفتح بدعاء الرسول فيه.

(٤) الكدية : الصخرة الصلبة التي لا تعمل فيها المعاول شيئا ـ مجمع البحرين ١ : ٣٥٦.

٤٧٥

سلمان رضى الله عنه فضرب بها ضربة ، فانفلقت ثلاث فلق ، فقال رسول الله : لقد فتحت عليّ في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر!

فقال أحدهما لصاحبه : يعدنا بكنوز كسرى وقيصر ، وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلّى! (١)

وذكر القمي الخبر بتفصيل أكثر قال : قال جابر : فجئت الى المسجد ورسول الله مستلق على قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شدّ على بطنه حجرا ، فقلت : يا رسول الله ، إنّه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه.

فقام مسرعا حتّى جاء ثمّ دعا بماء في إناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه (توضّأ) ثمّ شرب ومجّ من ذلك الماء ثمّ صبّه على الحجر ، ثمّ أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور الشام ، ثمّ ضرب اخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المدائن ، ثمّ ضرب اخرى فبرقت برقة اخرى نظرنا فيها إلى قصور اليمن ، فقال رسول الله : أما إنّه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق. ثمّ انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل (٢).

واختصره الطبرسي في «إعلام الورى» (٣) ثمّ روى عن سلمان الفارسي قال : ضربت في ناحية من الخندق ، فعطف عليّ رسول الله وهو قريب منّي ، فلمّا رآني اضرب ورأى شدّة المكان عليّ ، نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة ، ثمّ ضرب اخرى فلمعت تحت المعول برقة

__________________

(١) روضة الكافي : ١٨٢ ج ٢٦٤.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٧٨. وذكر الخبر ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢٢٨ ، والواقدي ٢ : ٤٥٢ من دون ذكر البرقة.

(٣) إعلام الورى ١ : ١٩٠ واختصرهما الحلبي المازندراني في مناقب آل أبي طالب ١ : ١١٩.

٤٧٦

اخرى ، ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اخرى ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وامّي ما هذا الذي رأيت؟ فقال : أمّا الاولى فإنّ الله فتح عليّ بها اليمن ، وأمّا الثانية فإنّ الله فتح بها عليّ الشام والمغرب ، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح بها عليّ المشرق (١).

ونقل في تفسيره عن تفسير الثعلبي و «المستدرك» للحاكم بسنده عن عمرو بن عوف قال : كنت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن وستّة من الأنصار نقطع أربعين ذراعا ، فحفرنا حتى إذا بلغنا الثرى أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة فكسرت حديدنا وشقّت علينا. فقلنا لسلمان : يا سلمان ارق إلى رسول الله فأخبره عن الصخرة ، فإمّا أن نعدل عنها فإنّ المعدل قريب ، وإمّا أن يأمرنا فيها بأمره فإنّا لا نحبّ أن نجاوز خطّه.

فرقى سلمان حتى أتى رسول الله ـ وهو مضروب له قبّة ـ فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدوّرة فكسرت حديدنا وشقّت علينا حتى ما يحكّ فيها قليل ولا كثير ، فمرنا بأمرك.

فهبط رسول الله مع سلمان في الخندق وأخذ المعول وضرب به ضربة فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها (٢) حتّى لكأنّها مصباح في جوف ليل مظلم ، فكبّر رسول الله تكبيرة فتح ، فكبّر المسلمون ، ثمّ ضرب ضربة اخرى فلمعت برقة اخرى ، ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اخرى ، فقال سلمان : بأبي أنت وامّي يا رسول الله ما هذا الذي أرى؟

فقال : أمّا الاولى فإنّ الله ـ عزوجل ـ فتح عليّ بها اليمن ، وأمّا الثانية فإنّ

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٩٠ واختصرهما الحلبي المازندراني في مناقب آل أبي طالب ١ : ١١٩.

(٢) اللابة : الحرّة ، وهي الأرض ذات الحجارة السود قد غطّتها بكثرتها ، والمدينة بين حرّتين.

٤٧٧

الله فتح عليّ بها الشام والمغرب ، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق. فاستبشر المسلمون بذلك وقالوا : الحمد لله موعد صادق (١).

من دلائل النبوّة :

روى القمي في تفسيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا رأيت الحجر على بطن رسول الله علمت أنّه مقوي (أي جائع) فقلت : يا رسول الله ، هل لك في الغذاء؟ قال : ما عندك يا جابر؟ قلت عناق (٢) وصاع (٣) من شعير. فقال : تقدّم وأصلح ما عندك.

قال : فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير ، وذبحت العنز وسلختها ، وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي ، فلمّا فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله فقلت : بأبي أنت وامّي يا رسول الله قد فرغنا ، فاحضر مع من أحببت.

فقام إلى شفير الخندق ثمّ قال :

معاشر المهاجرين والأنصار ، أجيبوا جابرا.

ثمّ لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلّا قال : أجيبوا جابرا ، وكان في الخندق سبعمائة رجل ، فخرجوا كلّهم!

فتقدّمت وقلت لأهلي : والله لقد أتاك محمّد رسول الله بما لا قبل لك به!

فقالت : اعلمته أنت بما عندنا؟ قلت : نعم. قالت : فهو أعلم بما أتى به.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٧٢٧ و ٨ : ٥٣٤ ونقل خبر جابر الأنصاري عن دلائل النبوّة للبيهقي ، وروى خبر سلمان ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢٣٠. والواقدي ٢ : ٤٥٠ ولكنّه نسب الضربة الاولى إلى عمر بن الخطّاب ، رواية عن عمر بن الحكم!

(٢) انثى ولد المعز قبل الحول.

(٣) يساوي : ٧ / ٣ كيلو غرام.

٤٧٨

قال جابر : فدخل رسول الله فنظر في القدر ثمّ قال : اغرفي وأبقي. ثمّ نظر في التنّور فقال : أخرجي وأبقي. ثمّ دعا بصحفة فثرد فيها وغرف ثمّ قال : يا جابر أدخل عليّ عشرة. فأدخلت عشرة فأكلوا حتّى نهلوا وما يرى في القصعة إلّا آثار أصابعهم! ثمّ قال : يا جابر ، عليّ بالذراع فأتيته بالذراع فأكلوه. ثمّ قال : أدخل عليّ عشرة ، فدخلوا فأكلوا حتّى نهلوا وما يرى في القصعة إلّا آثار أصابعهم. ثمّ قال : عليّ بالذراع فأكلوا وخرجوا. ثمّ قال : أدخل عليّ عشرة. فأدخلتهم فأكلوا حتّى نهلوا ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم. ثمّ قال : يا جابر عليّ بالذراع فأتيته وقلت : يا رسول الله كم للشاة من ذراع؟ قال : ذراعان. فقلت : والذي بعثك بالحقّ نبيّا لقد أتيتك بثلاثة! فقال : أما لو سكتّ يا جابر لأكل الناس كلّهم من الذراع!

قال جابر : فأقبلت ادخل عشرة عشرة فيأكلون حتّى أكلوا كلّهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أيّاما (١).

وروى الحلبيّ المازندراني في «المناقب» قال : رأى صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الخندق عمرة بنت رواحة تذهب بتميرات إلى أبيها ، فقال لها : اجعليها على يدي. فجعلته ، ثمّ جعلها على نطع فجعل يربو حتّى أكل منه كلّهم (٢).

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٧٨ و ١٧٩ واختصره الطبرسي في إعلام الورى ١ : ٨٠ واشار إليه في ١٩١ وفي مجمع البيان ٨ : ٥٣٥ عن البخاري ٥ : ٩٠ ونقله المازندراني عن البخاري أيضا في مناقب آل أبي طالب ١ : ١٠٣. ورواه ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢٢٩ ومغازي الواقدي ٢ : ٤٥٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٠٢ وأجمل الخبر قبله شيخه القطب الراوندي في «الخرائج» قال : أصاب أصحاب النبيّ مجاعة في الخندق ، فدعا بكفّ من تمر وأمر بثوب فبسط فألقى

٤٧٩

وروى الصدوق في «عيون أخبار الرضا» بسنده عنه عن عليّ عليه‌السلام قال : كنّا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حفر الخندق ، إذ جاءته فاطمة ومعها كسيرة من خبز فدفعتها إلى النبيّ ، فقال : ما هذه الكسيرة؟ قالت : قرص خبزته للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسيرة! فقال النبيّ : أما إنّه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث (١).

قال القمي : وحفر رسول الله الخندق وفرغ منه قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام ، وجعل على كلّ باب (منه) رجلا من المهاجرين ورجلا من الأنصار مع جماعة يحفظونه (٢).

واستعرض رسول الله الغلمان قال الواقدي : فكان ممن أجازه يومئذ البراء

__________________

ـ ذلك التمر عليه ، وأمر مناديا ينادي في الناس. هلمّوا إلى الغداء! فاجتمعوا وأكلوا وصدروا والتمر يبضّ من أطراف الثوب ـ كما عنه في بحار الأنوار ٢٠ : ٢٤٧.

ونقل ابن إسحاق تفصيل الخبر في سيرته ٣ : ٢٢٨ عن اخت النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري قالت : دعتني امّي عمرة بنت رواحة اخت عبد الله بن رواحة فاعطتني حفنة من تمر في ثوبي وقالت لي : اذهبي بهذا غداء لأبيك وخالك. فأخذتها وانطلقت بها فمررت برسول الله وأنا ألتمس أبي وخالي ، فقال لي : تعالي يا بنيّة ما هذا معك؟ فقلت : هذا تمر ، بعثتني به امّي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة. قال : هاتيه. فصببته في كفّي رسول الله فما ملأتهما. فأمر بثوب فبسط له ثمّ دحا بالتمر عليه فتبدّد فوق الثوب ، ثمّ قال لإنسان عنده : اصرخ في أهل الخندق أن هلمّ إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه ، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتّى صدر أهل الخندق عنه وإنّه ليسقط من أطراف الثوب.

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٤٠.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٧٩.

٤٨٠