موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٠

فلما صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة المغرب والعشاء الآخرة جاء أسعد بن زرارة مقنّعا فسلّم على رسول الله ثم قال : يا رسول الله ، ما ظننت أن أسمع بك في مكان فأقعد عنك ، الا أنّ بيننا وبين إخواننا من الأوس ما تعلم ، فكرهت أن آتيهم ، فلما أن كان هذا الوقت لم أحتمل أن أقعد عنك!

فقال رسول الله للأوس : من يجيره منكم؟

فقالوا : يا رسول الله ، جوارنا في جوارك ، فأجره.

قال : لا ، بل يجيره بعضكم. فقال عويم بن ساعدة وسعد بن خيثمة : نحن نجيره ، فأجاروه ، فكان يختلف الى رسول الله فيتحدث عنده ويصلي خلفه.

فلما أمسى رسول الله فارقه أبو بكر ودخل المدينة ونزل على بعض الأنصار ، وبقي رسول الله بقبا نازلا على كلثوم بن هدم.

فجاء أبو بكر فقال : يا رسول الله تدخل المدينة ، فإنّ القوم متشوّقون إلى نزولك عليهم. فقال : لا أريم من هذا المكان حتى يوافي أخي علي عليه‌السلام.

فقال أبو بكر : ما أحسب عليا يوافي! فقال : بلى ما أسرعه إن شاء الله.

فبقي خمسة عشر يوما فوافى علي عليه‌السلام بعيال الرسول وعياله.

وبقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد قدوم علي يوما أو يومين ، ثم ركب راحلته فاجتمع إليه بنو عمرو بن عوف فقالوا : يا رسول الله ، أقم عندنا فانا أهل الجدّ والجهد والحلقة والمنعة! فقال : دعوها فانها مأمورة (أي الناقة).

__________________

ـ اللاتي استمتعوا بهن ، كما في وفاء الوفاء ٢ : ٢٧٥ وخلاصته : ٣٦١. فليست من قبل مكة ، ولا كانت عند الهجرة بهذا الاسم. ويقال لها اليوم : كشك يوسف پاشا العثماني لانه هو الذي نقر الثنية ومهّد طريقها سنة ١٩١٤ م كما في هامش تاريخ المدينة.

٢١

وبلغ سائر الأوس والخزرج خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلبسوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته ، وأخذ لا يمرّ بحيّ من أحياء الأنصار الّا وثبوا في وجهه وأخذوا بزمام ناقته وتطلّبوا إليه أن ينزل عليهم. ورسول الله يقول : خلّوا سبيلها فانها مأمورة.

وكان خروج رسول الله من قبا يوم الجمعة ، فوافى بني سالم عند زوال الشمس ، فعرض له بنو سالم وقالوا : هلّم يا رسول الله الى الجدّ والجلد والحلقة والمنعة! وقد كانوا بنوا مسجدا قبل قدوم رسول الله ، فبركت ناقته عند مسجدهم! فنزل في مسجدهم وصلّى بهم الظهر الى بيت المقدس ، وخطبهم ، وكانوا مائة رجل. فكان أول مسجد خطب فيه رسول الله بالجمعة (١).

ثم ركب رسول الله ناقته وأرخى زمامها ، فانتهت به الى عبد الله بن أبيّ بن سلول وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله يقدّر أنه يعرض عليه النزول عنده فوقف عليه ، فثارت الغبرة ، فأخذ كمّه ووضعه على أنفه وقال : يا هذا اذهب الى الذين غرّوك وخدعوك وأتوا بك ، فأنزل عليهم ولا تغشانا في ديارنا!

فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله لا يعرض في قلبك من قول هذا شيء ، فانا كنا قد اجتمعنا على أن نملّكه علينا ، وهو يرى ـ الآن ـ أنك قد سلبته أمرا قد كان أشرف عليه ، فانزل عليّ يا رسول الله ، فانه ليس في الخزرج ـ ولا في الأوس ـ اكثر فم بئر منّي ، ونحن أهل الجلد والعزّ ، فلا تجزنا يا رسول الله.

فأرخى زمام ناقته ، فمرت تخبّ به حتى انتهت الى باب المسجد الذي هو اليوم ، وكان مربدا ليتيمين من الخزرج يقال لهما : سهل وسهيل ، وكانا في حجر

__________________

(١) بينما مرّ في خبر الكليني عن علي بن الحسين عليه‌السلام : أنه خطّ مسجدهم ونصب قبلتهم وصلّى بهم فيه الجمعة وخطب خطبتين ، وسيأتي ذكر الخطبتين.

٢٢

أسعد بن زرارة ، فبركت الناقة على باب أبي أيّوب خالد بن يزيد ، فنزل عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما نزل اجتمع عليه الناس وسألوه أن ينزل عليهم ، فوثبت أم أبي أيوب الى الرحل فحملته وادخلته منزلها. فلما أكثروا عليه قال رسول الله :

أين الرحل؟ فقالوا : أم أبي أيوب قد ادخلته بيتها. فقال : المرء مع رحله. وأخذ أسعد بن زرارة بزمام الناقة فحوّلها الى منزله.

وكان أبو أيوب له منزل أسفل ، وفوق المنزل غرفة ، فكره أن يعلو رسول الله فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، العلوّ أحبّ إليك أم السفل؟ فأني اكره أن أعلو فوقك؟ فقال : السفل أرفق لمن يأتينا.

وكانوا يتناوبون في بعثة العشاء والغداء إليه : أسعد بن زرارة ، وسعد بن خيثمة (١) والمنذر بن عمرو ، وسعد بن الربيع ، وأسيد بن حضير. فكان أبو أمامة أسعد بن زرارة يبعث إليه في كل يوم غداء ، في قصعة ثريد عليها عراق لحم ، فكان يأكل من جاء حتى يشبعون ثم ترد القصعة كما هي ، وكان سعد بن عبادة يبعث إليه في كل يوم عشاء ويتعشى معه من حضره وترد القصعة كما هي. ووافى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الصلاة وقد حمل أسيد بن حضير قدر الطعام بنفسه فقال له : حملتها بنفسك؟ قال : نعم يا رسول الله لم أجد أحدا يحملها. فقال : بارك الله عليكم من أهل بيت (٢).

__________________

(١) لعلّ في هذا سهوا ، فان سعد بن خيثمة الأنصاري من بني عمرو بن عوف في قباء ، وكان عزبا كما مرّ ، فلعله كان يتكفل ذلك اذ كان الرسول عندهم في قباء لا في المدينة.

(٢) وهنا أيضا نقل الطبرسيّ عن (دلائل النبوة) للبيهقي عن أنس بن مالك : أنّ ناقة الرسول لما بركت على باب أبي أيّوب بجوار أسعد بن زرارة من بني النجار خرجن جوار لهم يضربن بالدفوف ويقلن : ـ

٢٣

بناء مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ونقل عن عليّ بن ابراهيم القمي قال : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي بأصحابه في المربد (١) فقال لأسعد بن زرارة : اشتر هذا المربد من أصحابه .. فاشتراه بعشرة دنانير. وكان فيه ماء مستنقع فأمر به رسول الله فسيل ، وأمر باللبن فضربت. وحفروا في الأرض ، ثم أمر بالحجارة فنقلت إليه من الحرّة (موضع الحجارة السود خارج المدينة) فأقبل رسول الله يحمل حجرا على بطنه ، فاستقبله اسيد بن حضير فقال : يا رسول الله أعطني أحمل عنك. قال : لا ، اذهب فاحمل غيره.

__________________

نحن جوار من بني النجار

يا حبّذا محمد من جار!

فخرج إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أتحبّونني؟! فقالوا : إي والله يا رسول الله. فقال : وأنا والله احبّكم. ثلاث مرّات.

والخبر في دلائل النبوة ٢ : ٢٣٤ هو أول من رواه ، ولم يروه ابن اسحاق وابن هشام واليعقوبي والطبري والمسعودي.

وهنا نلفت النظر الى أنّ البيهقي كذلك هو أول من نقل خبر شعر جواري المدينة في استقبال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : طلع البدر علينا. والكلام هنا هو الكلام السابق ، فالسند غير تام.

وقد قال العلامة الحلي رحمه‌الله في كتابه : نهج الحق وكشف الصدق : قد رووا عنه عليه‌السلام ، أنه : «لما قدم من سفر خرجن إليه نساء المدينة يلعبن بالدفّ فرحا بقدومه وهو يرقص باكمامه» ثم علّق عليه بقوله : هل يصدر هذا عن رئيس أو من له أدنى وقار؟! نعوذ بالله من هذه السقطات! مع أنه لو نسب أحدهم الى مثل هذا قابله بالشتم والسبّ وتبرّأ منه ، فكيف يجوز نسبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى مثل هذه الأشياء التي يتبرّأ منها؟! كما في نهج الحق وكشف الصدق : ١٥١ ، ودلائل الصدق ١ : ٣٨٩.

(١) المربد : موضع نزول الابل ، وتجفيف التمور.

٢٤

فنقلوا الحجارة (يضعونها في حفرة الجدار) حتى بلغ وجه الأرض فبناه بالسعيدة : لبنة لبنة ، ثم بناه بالسميط وهو لبنة ونصف ، ثم بناه بالانثى والذكر : لبنتين مخالفتين ، حتى رفع الحائط قدر قامة في مائة ذراع (١).

هذا ، وقد روى الكليني في «فروع الكافي» بسنده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم كان طول مسجد رسول الله؟ قال : كان ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسّرة (٢).

وظاهر الخبر السابق عن علي بن ابراهيم القمي : أن الأنحاء الثلاثة في البناء كان في مرة واحدة. بينما روى الخبر الكليني أيضا عنه بسنده عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله الصادق يقول : إن رسول الله بنى مسجده بالسميط ، ثم ان المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه. فقال : نعم. فزيد فيه ، وبناه بالسعيدة. ثم ان المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه. فقال : نعم ، فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالانثى والذكر. وقال : والسميط : لبنة لبنة ، والسعيدة : لبنة ونصف ، والذكر والانثى لبنتان مختلفتان (٣).

وتمام الخبر : ثم اشتد عليهم الحرّ فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلّل. فقال : نعم. فأمر به فاقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والأذخر.

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ١٥٩ بتغيير يسير في الترتيب. ونقله القطب الراوندي في قصص الأنبياء : ٣٣٨.

(٢) فروع الكافي ١ : ٨١ و ٣١٧. والصدوق في الفقيه ١ : ٧٥ والطوسي في التهذيب ١ : ٣٢٧. كما في الوسائل ٣ : ٥٤٦.

(٣) فروع الكافي ١ : ٨١ والصدوق في معاني الأخبار : ٥١ والطوسي في التهذيب ١ : ٣٢٧.

٢٥

فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار ، فجعل المسجد يكفّ عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطيّن. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، عريش كعريش موسى عليه‌السلام. فلم يزل كذلك حتى قبض.

وقال ابن شهرآشوب في «المناقب» : روي : أنه كان أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يستقبلونه وينصرفون عند الظهيرة ، فدخلوا يوما ، فقدم النبيّ فأوّل من رآه رجل من اليهود فلما رآه صرخ باعلى صوته : يا بني قيلة (١) هذا جدّكم (٢) قد جاء.

فنزل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على كلثوم بن هدم ، وكان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة (٣).

وكان مقام علي عليه‌السلام بعد النبيّ بمكة ثلاث ليال ، ثم لحق برسول الله فنزل معه. فأقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بقباء يوم الاثنين والثلاثاء ، والأربعاء والخميس ، وأسّس مسجده. وفي يوم الجمعة (رحل) فصلى (صلاة) الجمعة في بطن وادي رانوناء في المسجد ، فكانت أول صلاة (جمعة) صلاها بالمدينة.

(وكان الوادي لبني سالم بن عوف من الأوس أيضا) فأتاه غسّان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا : يا رسول الله ، أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة. فقال : خلّوا سبيلها فانها مأمورة (يعني ناقته).

ثم تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة. فقال كذلك.

ثم اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة (من الخزرج فقال كذلك). ثم اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث ابن الخزرج (فقال كذلك).

__________________

(١) أم الأوس والخزرج.

(٢) أي : عظيمكم أو حظّكم.

(٣) ومرّ ما انفرد به اليعقوبي ٢ : ٤١.

٢٦

فانطلقت (الناقة) حتى اذا وازت دار بني النجار بركت على مربد لغلامين يتيمين منهم ، فلما بركت ولم ينزل رسول الله وثبت فسارت غير بعيد ثم التفتت الى خلفها فرجعت الى مبركها أول مرة فبركت ، ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها (١) فنزل عنها رسول الله ، واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته ، ونزل النبيّ في بيت أبي أيّوب.

وسأل عن المربد فأخبر أنه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء ، فأرضاهما معاذ ، وأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ببناء المسجد ، وعمل فيه رسول الله بنفسه ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، وأخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون قال بعضهم :

لئن قعدنا والنبيّ يعمل

لذاك منّا العمل المضلّل

والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

لا عيش الّا عيش الآخرة

اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة

وعليّ عليه‌السلام يقول :

لا يستوي من يعمل المساجدا

يدأب فيها قائما وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا (٢)

__________________

(١) أي تحركت وتثاقلت ووضعت رقبتها على الأرض لتبرك فيه.

(٢) قال ابن اسحاق : فأخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها ، فلما أكثر ظنّ عثمان بن عفان أن عماراً انما يعرض به فقال له : يابن سُميّة ، قد سمعت ما تقول منذ اليوم ـ وكان بيده عصا فقال ـ والله إني لاراني ـ أعرض هذه العصا لأنفك! وسمعه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فغضب وقال : ما لهم ولعمار : يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار ، إنّ عمّاراً جلدة ما بين عيني وأنفي. وكره ابن هشام أن يسمّى عثمان فقال : ظن رجل من أصحاب رسول الله! ثمّ قال : وقد سمّى ابن اسحاق الرجل! وقال السهيلي : فلا ينبغي البحث عن اسمه! سيرة ابن هشام ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٣.

٢٧

ثم بنيت مساكنه (١) وبيوته ، فانتقل من بيت أبي أيوب إليها.

وكان مدة مقامه عنده من شهر ربيع الأوّل إلى صفر من السنة القابلة (٢).

وفاة أسعد بن زرارة وصلاة الجنائز :

قال ابن اسحاق : وهلك في تلك الأشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة ، أخذته الذبحة أو الشهقة. هذا والمسجد يبنى.

ثم روى عن ابن حزم ، عن حفيد أسعد بن زرارة : يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة (عن أبيه عن جده) : أن رسول الله قال : بئس الميّت أبو أمامة! ليهود ومنافقي العرب يقولون : لو كان نبيّا لم يمت صاحبه! ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا (٣).

وهذا أول مورد ورد فيه ذكر المنافقين في المدينة.

وروى النميري البصري عن الواقدي بسنده عن محمد بن عبد الرحمن ابن أسعد بن زرارة (عن أبيه) قال : كان أسعد بن زرارة أول ميت بالمدينة من الأنصار ، ودفن بالبقيع ، ولم يكن قبل ذلك صلاة على الجنائز (٤).

وظاهر هذا الخبر أنه جمع لأسعد بن زرارة الأوّلين : فهو أول من صلي على جنازته ، وهو أول من دفن بالبقيع.

__________________

(١) كما في ابن هشام ٢ : ١٤٣ وفي وفاء الوفاء ٢ : ٤٦٢ عن الذهبي : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى أولا بيت سودة ثم لما احتاج الى منزل لعائشة بناه وهكذا سائر بيوته بناها في اوقات مختلفة.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٨٤ ـ ١٨٦ يبدو أنه مختصر خبر سيرة ابن هشام ٢ : ١٣٨ ـ ١٤٢ ما دون مدة اقامته بدار أبي أيوب ، وقيل سبعة أشهر وقيل شهرا واحدا كما في وفاء الوفاء ١ : ٢٦٥ والسيرة الحلبية ٢ : ٦٤ ، والقول الوسط أضبط ، كما سيأتي ذلك.

(٣) ابن هشام ٢ : ١٥٣.

(٤) تاريخ المدينة ١ : ٩٦.

٢٨

بينما روى النميري البصري خبرا رواه الحاكم الحسكاني بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : إن أول ما قدم رسول الله المدينة ، كان اذا احتضر منّا الميت آذنّا رسول الله فحضره واستغفر له ، حتى اذا قبض انصرف النبيّ ـ صلى الله عليه [وآله] ـ فربما طال حبس رسول الله على ذلك ، وخشينا مشقة ذلك عليه ، فقال بعض القوم لبعض : لو كنا لا نؤذن النبيّ بأحد حتى يقبض فاذا قبض آذنّاه فلم يكن عليه في ذلك حبس ولا مشقة. فكنا نؤذنه بالميّت بعد أن يموت فيأتيه ويصلي عليه .. فكنّا على ذلك حينا. ثم قلنا : لو لم نشخص رسول الله بل حملنا جنائزنا إليه حتّى يصلي عليها عند بيته كان ذلك أرفق به ، ففعلنا ذلك (١).

يثرب أم طيبة؟

روى النميري البصري (ت ٢٦٢) بسنده عن عبد الله بن جعفر قال : سمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة طيبة.

أمّا متى كان ذلك؟

فقد روى بسنده عن أبي قتادة الأنصاري وسهل بن سعد الساعدي قال :

لما أقبلنا من غزوة تبوك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذه طيبة ، أسكننيها ربّي (٢).

إذن فتغيير اسم المدينة من يثرب الى طيبة لم يكن في أوائل الهجرة.

__________________

(١) وروى عن الزهري قال : كان اذا هلك الميّت شهده رسول الله فصلى عليه ، ولما بدن رسول الله وثقل نقل إليه المؤمنون موتاهم فيصلي عليهم في موضع الجنائز عند بيته.

وروى : أنه كان في موضع الجنائز (عند بيته والمسجد) نخلتان ، كانوا يضعون الموتى عندهما فيصلي عليهم. فلما أراد عمر بن عبد العزيز أن يبني المسجد فيوسّعه ابتاع النخلتين من بني النجّار وقطعهما. تاريخ المدينة ١ : ٣ ـ ٥.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ١٦٣ ، ١٦٤.

٢٩

آبار المدينة وسيولها :

ذكر النميريّ البصريّ ستّ عشرة بئرا هي : الأعواف ، وهي التي اشتراها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما بعد وتوضأ فيها فسالت ، فجعلها صدقة جارية عامة (١).

الأغرس ، توضّأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منها وأراق بقية وضوئه فيها ، وهي بئر على نصف ميل من الشمال الشرقي من مسجد قباء (٢).

بئر أنس أو البرود ، والمقصود أنس بن مالك الأنصاري قال : كان في داري بئر تدعى في الجاهلية «البرود» (٣).

بضاعة ، كانت طيّبة الماء في وسط بيوت بني ساعدة ، فكان يستقى منها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : قد يلقى فيها محائض النساء ولحوم الكلاب؟ فقال : إن الماء طهور لا ينجسه شيء (٤).

البويرمة ، لبني الحارث بن الخزرج (٥).

الجاسوم ، كانت للهيثم بن التيهان ، وشرب منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦).

الحاء ، كانت في بستان لأبي طلحة الأنصاري في قبلة المسجد من جهة الشرق (اذ كانت القبلة الى الشام) وكان ماؤها طيّبا فكان رسول الله يدخل البستان فيشرب منها ، فتصدق بها أبو طلحة (أو أهداها للنبيّ) فلما أهدى حسان

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٥٩.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ١٦١ وهامشه.

(٣) تاريخ المدينة ١ : ١٦٠.

(٤) تاريخ المدينة ١ : ١٥٦ ، ١٥٧ ومراصد الاطلاع ١ : ١٤٠.

(٥) تاريخ المدينة ١ : ١٦٩.

(٦) تاريخ المدينة ١ : ١٦٠.

٣٠

ابن ثابت مولاه صفوان بن المعطل للنبيّ ، أعطاه النبيّ بئر حاء (١) هديّة معوّضة.

الحفير في الحرّانيّة ، كان إذا طغى سيل مهزوز وخيف منه على المدينة صرف الى الحفير فصبّ فيها ، وكان يصب فيها سهل مذينيب أيضا (٢).

بئر رومة ، ورومة أرض نزلها المشركون عام الخندق بين الجرف ورعانة ، وفيها البئر. واختلفت الأخبار فيها على أنّها : كانت ليهوديّ ، أو لرجل من مزينة ، أو لرجل من بني غفار ، وكان يبيع منها القربة بمدّ ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بعنيها بعين في الجنة. فقال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها ولا أستطيع.

قالوا : فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمس وثلاثين الف درهم وجعلها للمسلمين.

وقالوا : اشتراها بأربعين الفا.

وقالوا : بل ذكرت لعثمان وهو خليفة فابتاعها بثلاثين الف درهم من مال المسلمين وتصدق بها عليهم (٣) وهو الأولى.

بئر ذرع ، بئر بني خطمة ، بفناء مسجدهم ، توضّأ منها النبيّ وبصق فيها (٤).

السقيا ، كانت في حسيكة ، وهي اسم موضع بالمدينة طرف جبل ذباب ، وبها منازل لليهود ، من ناحية أرض ابن ماقية الى أداني الجرف كلّه ، واسم أرض السقيا الفلج أو الفلجان ، واسم بئرها السقيا ، وكانت لذكوان بن عبد قيس

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٥٧ ، ١٥٨.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ١٦٩.

(٣) تاريخ المدينة ١ : ١٥٣ ، ١٥٤.

(٤) تاريخ المدينة ١ : ١٦١.

٣١

الزرقي ، فابتاعها منه سعد بن أبي وقاص فيما بعد ببعيرين ، وكان ماؤها عذبا يستقى منه لرسول الله (١).

العينيّة ، عند كهف بني حرام ، توضّأ منها النبيّ ودخل ذلك الكهف (٢).

الغرس ، كانت في دار سعد بن خيثمة في قباء ، وكان الى جانبها مهراس وهو حجر منقور كالحوض عظيم لا يقدر على تحريكه ، يتوضّأ منه ، توضأ وشرب وغسّل منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام (٣).

بئر مدرى ، كان في مسير سيل المهزور الى مسجد النبيّ ، وعندها بني الردم لردّ السيل عن المدينة والمسجد ، في خلافة عثمان (٤).

اليسيرة ، وهي لبني أمية من الأنصار (لا المهاجرين) توضّأ منها النبيّ وبصق فيها للبركة ، وهو سماها «اليسيرة» (٥).

الهجير ، بئر بالحرّة فوق قصر ابن ماه (٦).

وللمدينة أودية ثلاث : بطحان ، والعقيق ، والقناة.

فأما البطحان ، فهو الوادي المتوسط بين بيوت المدينة ، ويبدأ السيل فيه من ذي الجدر ، وهي قرارة في الحرّة اليمانية ، يصب في شرقي ابن الزبير وعلى جفاف وو مرقبة وبني حجر ، وبني كلب ، والحساة ، حتى يفضي الى فضاء بني خطمة ، والأغرس ، ثم يرد الجسر ، ثم يستبطن الوادي حتى يصير في زغابة.

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٥٨ ، ١٥٩ وهامشها وفي تحديد محلّ السُقيا انظر كتاب : المساجد والاماكن الأثرية المجهولة في المدينة لعبدالرحمان خويلد الحجازي ، وعنه في مجلة ميقات الحج ٣ : ٢٧٦.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ١٦٠.

(٣) تاريخ المدينة ١ : ١٦٢.

(٤) تاريخ المدينة ١ : ١٦٩.

(٥) تاريخ المدينة ١ : ١٦١.

(٦) تاريخ المدينة ١ : ١٦٩ والحرّة اسم لارض ذات أحجار سود كأنها محترقة بالنار.

٣٢

ويظهر أن هذا السيل كان نافعا غير ضارّ ولذا روى النميري البصري بسنده عن عائشة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن بطحان على ترعة من ترع الجنة (١).

وكان يسيل فيه سيل آخر يدعى الرانونا ، يأتي من جبل في يماني عير ومن حرس في شرق الحرّة ، ثم يصبّ على صريحة ، ثم يتفرّق في الصفاصف ، فيصبّ في أرض القصبة ويستبطنها حتى يمرّ عن يمين قباء ، ثم يدخل غوساء ، ثم بطن ذي خصب ، ثم يقرن بذي صلب ، ثم يستبطن السّراة حتى يمرّ على قعر البركة ، ثم يفترق فرقتين ، فتمرّ فرقة على بئر جشم تصبّ في سكة الخليج حتى يفرغ في وادي بطحان (٢).

وأما سيل وادي العقيق ، فهو يأتي من موضع يقال له بطاويح ، وهو حرس من الحرّة ، ومن غربيّ شطاي ، حتى يصبّا جميعا في النقيع ، وهو من المدينة على أربعة برد في يمانيها ، ثم يصب في غدير يلبن وبرام ، ويدفع فيه وادي البقاع ، وتصبّ فيه نقعاء ، فيلتقين بأسفل موضع يقال له البقع ، ثم يذهب السيل مشرّقا فيصبّ على مزادتين يستقى منهما ، ثم يستجمعن بوادي ربر في أسفل الحليفة العليا ، ثم يصبّ على الاتمة وعلى الجام ، ثم يفضي الى وادي الحمراء فيتبطّن الوادي ، حتى ينتهي الى ثنيّة الشريد ، ثم يفضي الى الوادي ، فيأخذ في ذي الحليفة ، ثم يستبطن الوادي فتصب عليه شعاب الجمّاء ونمير ، ثم يستبطن بطن الوادي ثم يفترش سيل العقيق يمنة ويسرة ثم يستجمع حتى يصب في زغابة ، وكان سيلا مباركا (٣).

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٦٧ ، ١٦٨.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ١٦٨.

(٣) تاريخ المدينة ١ : ١٦٥ ـ ١٦٧.

٣٣

وأما بطن وادي مهزوز فهو الذي كان يتخوّف منه الغرق على أهل المدينة.

وهو يأخذ من شرقيّ الحرّة ، ومن هكر ، وحرّة صفة ، حتى يأتي على جبال بني قريظة (اليهود) ثم يسلك فيه شعب فيأخذ في واد يقال له مذينيب بين بيوت بني أمية بن زيد ، ثم يلتقي هو وسيل بني قريظة بالمشارف ، ثم يجتمع الواديان مهزوز ومذينيب فيفترقان في الأملاك ثم يأخذ بطن الوادي ثم يأخذ في البقيع حتى يخرج على بني جديلة ببطن مهزوز ، وآخره كومة أبي الحمراء ثم يفضي فيصبّ في وادي قناة.

وروى بسنده عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما‌السلام قال : قضى رسول الله في سيل مهزوز : أنّ لأهل النخل الى العقبين ، ولأهل الزرع الى الشراكين ، ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم.

وروى بسنده عن محمد بن اسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك ، عن أبيه ثعلبة ، وكان امام مسجد بني قريظة ، قال : قضى رسول الله في مهزوز ووادي بني قريظة : أن الماء الى العقبين ، لا يحبس الأعلى على الأسفل ويحبس الأسفل على الأعلى.

وتجتمع هذه السيول في وادي زغابة وهو طرف وادي إضم ، وانما سمّي اضم لانضام السيول به واجتماعها فيه ، ثم تجتمع فتنحدر على عين أبي زياد ، ثم تنحدر فيلقاها شعاب يمنة ويسرة ، ثم يلقاها وادي مالك بذي خشب والجنينة ، ثم يلقاها وادي أوان ودوافعه من الشرق ، ويلقاها من الغرب واد يقال له بواط والخراز ، ويلقاها من الشرق وادي الأتمة ، ثم تمضي في وادي إضم وعيونه حتى يلقاه وادي برمة الذي يقال له ذو البيضة من الشام ، ويلقاها وادي ترعة من القبلة ، ثم يلتقي هو ووادي العيص من القبلة ، ثم يلقاها دوافع واد يقال له حجر ،

٣٤

ووادي الجزل الذي به السقيا والرجة في نخيل ذي المروة مغرّبا ، ثم يلقاها وادي عمودان في أسفل ذي المروة ، ثم يلقاه وادي سفيان ، ثم يفضي الى البحر عند جبل يقال له أراك ، ثم يدفع في الغمر من ثلاثة أمكنة في البحر يقال لها : اليعبوب ، وحقيب والنتيجة (١).

أسواق المدينة في الجاهلية والاسلام :

روى النميري البصري عن أبي غسّان قال : كان بالمدينة في الجاهلية : سوق بزبالة ، بالناحية التي تدعى يثرب. وسوق بالجسر في بني قينقاع ، وسوق بالصفاصف والعصبة (غربيّ مسجد قباء). وسوق في زقاق ابن حبين يقال له المزاحم ، كانت تقوم في الجاهلية وأول الاسلام (٢).

وروى الشافعي في «الام» عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب يوم الجمعة ، وكان لهم سوق يقال لها البطحاء ، كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والابل والغنم والسمن.

ولعله السوق الذي روى النميري البصري عن عائشة أنها قالت : كان يقال لسوق المدينة : بقيع الخيل.

وعن عطاء بن يسار قال : لما أراد رسول الله أن يجعل للمدينة سوقا أتى سوق بني قينقاع (بالجسر) ثم جاء الى سوق المدينة فضربه برجله وقال : هذا سوقكم فلا يضيّق ولا يؤخذ فيه خراج (٣).

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١٦٩ ـ ١٧٣.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ٣٠٦.

(٣) تاريخ المدينة ١ : ٣٠٤ ـ ٣٠٦ وبهامشها.

٣٥

الدور حول المسجد :

بنيت حول المسجد دور ، اتخذ منها عبد الرحمن بن عوف دورا متعددة :

منهنّ الدار التي كان يقال لها «الدار الكبرى» ، وانما سميت الدار الكبرى لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة ، وقد بنى فيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ، وكان عبد الرحمن ينزل فيها ضيفان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت تسمّى «دار الضيفان» وكانت على عهد النميري البصري (ت ٢٦٢ ه‍) بيد بعض ولد عبد الرحمن بن عوف.

ومنهن «دار القضاء» وانما سميت بذلك لأن عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضي الأمر. باعها بنو عبد الرحمن من معاوية بن ابي سفيان ، وكان فيها الدواوين وبيت المال فهدمها ابو العباس السفاح العباسي فصيرها رحبة للمسجد ، فهي اليوم كذلك (على عهد النميري البصري).

ومنهن دار وهبها عبد الرحمن بن عوف فيما بعد لعبد الله بن مكمّل بن عوف (ابن اخيه) وباعها آل مكمل من المهدي العباسي فكانت بأيدي بعض ولده (ثم ادخلت في المسجد) ومنهن دار أنزلها ابن عوف فيما بعد مليكة بنت سنان المرية ، قدمت المدينة في خلافة أبي بكر فقال : من ينزل هذه المرأة فأنزلها عبد الرحمن داره ، فسميت دار مليكة. ثم باعها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف من عبد الله ابن جعفر رضى الله عنه فباعها عبد الله من معاوية بن أبي سفيان ، فلما ولي المهدي العباسي أدخلها في المسجد.

وكنّ هذه الدور ثلاث يدعين «القرائن» وهي ثلاث جنابذ (أي قبب)

٣٦

أدخلن في المسجد (١).

وروى النميري البصري بسنده عن يحيى بن جعدة قال : لما قدم رسول الله المدينة أقطع الدور للناس (٢).

ثم قال النميري البصري : وقد أخبرني مخبر : أن منها دار نعيم بن عبد الله النحام العدوي ، التي بابها باتجاه زاوية رحبة دار القضاء فهي بأيدي ولده على حيازة الصدقات (٣) وهي في غربيّ المسجد جوار دار ابن مكمل والطريق بينهما قدر ست أذرع.

ثم الى جنب دار النحام : الدار التي منها اطم حسّان بن ثابت التي كان يقال لها «الفارع» والتي دخل فيها بيت عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، وصارت الى جعفر بن يحيى البرمكي ثم صودرت منه.

ثم دار كانت لسكينة بنت الحسين بن علي عليهما‌السلام ثم صارت الى نصير أو معين مولى المهدي (او نصير صاحب المصلى).

ثم الى جنبها الطريق ست أذرع.

ثم الى جنب الطريق : دار كانت لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه ، وهي الدار التي صارت لمنيرة مولاة أمّ موسى الهادي العباسي (٤) ، ثم صارت بعد

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٥.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ٢٤٢.

(٣) تاريخ المدينة ١ : ٢٤٧ بينما قال ابن حجر في الاصابة ٣ : ٥٣٨ : ذكر عمر بن شبّة في أخبار المدينة عن أبي عبيد المدني قال : ابتاع مروان من النحام داره بثلاثمائة درهم فأدخلها في داره. والنحام هنا ابراهيم بن نعيم. وهذا يخالف ما نقلناه هنا عن المؤلف والكتاب نفسهما.

(٤) تاريخ المدينة ١ : ٢٥٨.

٣٧

ليحيى بن خالد البرمكي ، ثم صودرت (١).

ثم الى جنبها حشّ (أي نخل صغار لا تسقى) لطلحة بن أبي طلحة الأنصاري ، ثم صارت لآل برمك ثم صودرت وهي اليوم خراب.

ثم الى جنبها الطريق خمس أذرع.

ثم الى جنب الطريق أبيات كانت لحباب مولى عتبة بن غزوان ثم صارت لخالصة مولاة الخليفة العباسي ، فباعتها لابني حرملة الأسود الفزّي مولى هارون الرشيد.

ثم الى جنبها دار لأبي المغيث بن المغيرة بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، أوقفها صدقة بيد بني عذير.

ثم الى جنبها بقية دار عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ، صارت لجعفر بن يحيى البرمكي ثم صودرت منه (هذا كله في غربيّ المسجد).

ثم من الشرق : دار ابتاعها عبيد الله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم‌السلام وشاركه فيها موسى بن ابراهيم المخزومي ، وظن عبيد الله أنّ موسى يريد الربح فتركها له.

ثم دار عمرو بن العاص ثم دار خالد بن الوليد ثم دار جبلة بن عمر الساعدي ، ثم صارت لسعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان ، ثم صارت الى أسماء بنت الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس.

ثم دار ربطة بنت أبي العباس ، وهي اليوم لولدها.

ثم الطريق بينها وبين دار عثمان بن عفان خمس أذرع.

ثم دار عثمان ... ثم الطريق بعد دار عثمان.

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ٢٣٤.

٣٨

ثم دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، الذي نزله رسول الله ، وابتاعه منه المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ، وجعل فيه ماء يستقى منه في المسجد.

ثم الى جنبه دار حارثة بن النعمان الأنصاري ، فصارت الى جعفر بن محمد ابن علي الصادق عليه‌السلام.

ثم الطريق بينها وبين دار ابراهيم بن هشام المخزومي ، فصارت الى أبي مسلم مولى بني العباس ثم إلى جنبها بيت عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، ثم دار عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي (١).

هذه هي كل الدور التي ذكرها النميري البصري في كتابه «أخبار المدينة» تحت عنوان : «الدور الشوارع على مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اليوم» ولذلك لم يذكر فيها من دور بني هاشم سوى دور : عبد الله بن جعفر ، وذكر أنه اشتراها من سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. ودار سكينة بنت الحسين عليه‌السلام ، ودار الامام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام اشتراها من حارثة بن النعمان الأنصاري ، ودار عبيد الله بن الحسين ابن علي بن الحسين عليه‌السلام اشتراها. ولم يذكر ما بينها دارا لعلي عليه‌السلام شارعة إلى المسجد.

نعم مرّ ذكره لدار عثمان بن عفّان ، وذكر دارا لأبي بكر في ذكره لدور بني تيم قال : واتخذ أبو بكر دارا قبالة الدار الصغرى لعثمان في زقاق البقيع ، واتخذ دارا أخرى عند المسجد ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سدّوا عنّي هذه الأبواب الّا ما كان من باب أبي بكر» او قال : «سدّوا عنّي هذه الأبواب الّا ما كان من خوخة أبي بكر» (٢).

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ٢٥٦ ـ ٢٦٠.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ٢٤٢ وعلق عليه المحقق نقلا عن النهاية في غريب الحديث والرواية لابن الأثير ٢ : ٨٦ الّا خوخة علي. والخوخة : باب صغير كالنافذة الكبيرة تكون بين بيتين.

٣٩

وقد مرّ عنه : أنّ «دار القضاء» كانت من دور عبد الرحمن بن عوف في رواية ، ولكنه قال : وسمعت من غير واحد : أن رحبة القضاء كانت لعمر بن الخطاب ، وأنها انما سمّيت رحبة القضاء لأنه أوصى أن تباع بعد وفاته لدين كان عليه ، فسمّيت «دار القضاء» فلما ولي معاوية اشتراها ، وفي سنة ثمان وثلاثين ومائة هدمها والي المدينة زياد بن عبيد الله وجعلها رحبة للمسجد وقسط اجرة هدمها على أهل السوق فلحق كل واحد منهم أربعة دوانيق (١).

ثم ذكر النميري البصري محالّ القبائل من المهاجرين ، فذكر دارا لجهينة بن زيد ، ودارين للمصطلق بن سعد وكعب بن عمرو ، وثلاث منازل لبني أفصى ، وثلاث منازل لبني قيس بن عيلان ، واثني عشر منزلا (اثنتي عشرة) اسرة. ومن قريش بدأ ببني أسد بن عبد العزّى : الزبير بن العوّام وأخيه عبد الرحمن بن العوّام وحكيم بن حزام ونوفل بن عدي وهبّار بن الأسود وذؤيب بن حبيب.

وذكر دار طليب بن كثير من عبد قصي.

ودار عمرو بن العاص من بني سهم.

ودارين لبني محارب بن فهر.

وثلاث دور لبني جمح.

وأربع دور لبني تيم : أبي بكر وابنته أسماء وطلحة بن عبيد الله وحليفهم صهيب الرومي.

وست دور لبني عامر بن لؤي منهم عبد الله بن أبي سرح (ولم يكن من المهاجرين الأولين) وثماني دور لبني عدي بن كعب منهم عمر وابنه عبد الله بن عمر.

__________________

(١) جمع دانق معرّب : دانه أي واحدة ، وهي سدس الدرهم.

٤٠